هناك شيء أخروي بشأن الطريقة التي ينجرف بها النوم علينا، وبعيدًا على ما يبدو عن انتهاكه – حيث يسحقنا حين نقاومه، يراوغنا عندما نتودد إليه. وأحيانًا، إن كنا محظوظين، يتعاون معنا ليتيح لنا الراحة. لا عجب أن الرهبة بشكلها المصطنع تحفظ في لغتنا قرب مصطلحات مثل النوم والأحلام.

عبد البشر إلهًا للأحلام وإلهًا للنوم.

في حضارة بلاد ما بين النهرين (ميزوبوتاميا)، عبد البشر إلهًا للأحلام (الحلم أو التنفس الخفيف) وإلهًا للنوم ضمن آلهتهم. وتنحدر كلمات مثل المنوم (هيبونوتيك) من اسم الإله اليوناني للنوم، «هيبنوز»، والنعاس (سومنولينس) ينحدر من نظيره الروماني «سومنوس». وحتى الكلمات التي نستخدمها لوصف التغيير – مثل «مورف»، «ميتامورفوزيس» – تشتق من اسم الإله اليوناني للأحلام «مورفيوس».

ولكن رغم جميع التلميحات الإلهية التي توحي بها جذور تلك الكلمات، تبدو المصطلحات المعاصرة المشيرة إلى النوم مرحة، غير وقورة، وداعية للحب على نحو مثير للبهجة. يبدو البشر مستسلمين لكلية الوجود غير المتوقعة، وبشكل متناقض، بالطريقة التي قد نعتدل بها لنلبي نزوات قطة منزلية متوحشة قليلًا.

1

كما نعطي للنوم ألقابًا، فهناك أفعال صوتية بلهاء وتعبيرات عن النوم يصعب قولها دون القهقهة، على الأقل داخليًا، مثل: غفوة (سنوز)، نعس (دوز)، والتعبير الإنجليزي «catch some z’s». كما يتضح أن لكلمة نعس (دوز) جذر باللغة الإنجليزية، وهي إحدى مرادفات تلك اللغة لكلمة «دائخ»، وكلمة إنجليزية أخرى تنطق «دايزج»، ويرتبط معنى هاتين الكلمتين بكلمتي «مضحك»، و«مصاب بالدوار».

وبالحديث عن حرف «زد» الإنجليزي المشير إلى النوم، هل تساءلت من قبل عن كيف أن الحرف «زد» في الرسوم الهزلية يستخدم للدلالة على الشخير؟. ربما تحمل سلسلة رسوم من العام 1903، اسمها «كاتزينجامير كيدز»،أول الأمثلة على استخدام تلك الرمزية، رغم أن قاموس أكسفورد الإنجليزي يورد سطر «the dry z-ing of the locust is heard» الذي كتبه هينري ثورو عام 1852 كأول استخدام لحرف «زد» للدلالة على الطنين.

الثواني التي يستغرقها الأمر للتعبير عن بعض الأفعال الخاصة بالنوم – القيلولة المتقطعة، التكاسل اللطيف، النوم إثر الدوار – تعكس طول كل مدة للنوم يصفها الاسم. وتقول إحدى المفارقات: الوقت الذي نقضيه في النوم يمكن قياسه بالدقائق والساعات المحدودة، أو السنات –. ففي الليلة السعيدة، ننام طويلًا، ولكن في الليلة السيئة، بالكاد نغفو، ولكن على الأقل حصلنا على بعض النوم. ولكن النوم في حد ذاته غير محدود وليس له نهاية؛ بل يمتد ويصبح ممكنًا، ويحدث للآخرين سواء أحدث لنا أم لا.

ولأنه شعور جسدي، نحاول أن نطبق شروطًا مكانية، بحيث نجعل النوم مكانًا نلجأ إليه؛ فنحن نذهب إلى النوم، مع أننا لا نستطيع تحديد مكان حقيقي له. ويشار إليه باللغة الإنجليزية بمصطلحات مثل «أرض نود»، «أرض السحاب»، و«أرض الأحلام».

بشكل غير مقصود، ظهرت كلمة «نود» لأول مرة في الكتاب المقدس بوصفها مكانًا في شرق عدن، حيث تجول المنفيون. وربما كان تشوسر أول من استخدم «نود» كفعل في اللغة الإنجليزية، بينما صاغ جوناثان سويفت مصطلح «أرض نود».

نحدد للنوم درجة – نوم خفيف، نوم عميق – وكأنه مياه نغرق فيها، أو نطفو عليها.

ولكن المكان ليس الصفة المادية الوحيدة التي نخصصها للنوم. بل نحدد له أيضًا درجة – نوم خفيف، نوم عميق – وكأنه مياه نغرق فيها، أو نطفو عليها. ونصفه بأنه الليل، ويصبح الأمر ملموسًا بشكل أكبر عندما نقول إننا «ذاهبون إلى السرير». ويصف أحد التعبيرات المبتهجة، وهو “الصعود إلى التلة الخشبية”،صعود السلالم. وقد نشأ التعبيران «hit the hay» و«hit the sack» في الممارسة التي تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر المنطوية على «ضرب الفراش»، وهو كيس من القماش محشو بالقش، ليجعل السرير أكثر راحة.

يمثل التعبير الإنجليزي «النوم على حبل الغسيل» مرادفًا لـ«النوم بشكل ذكي». فمن الصعب تخيل أي أصل لذلك التعبير سوى أنه مبالغة بشكل ما. ولكن في لندن خلال الثلاثينيات، كان الرجال الذين لا يتمكنون من دفع ثمن إيجار سرير يدفعون مقابل مكان على مقعد أمامه حبل، ثم ينحنون فوق ذلك الحبل ليناموا.

من الواضح أن الأمر كان محتملًا إلى حد ما. «لقد طرحت سؤالًا، هل يستطيع أحدهم النوم بالفعل في مثل تلك الوضعية، فقال لي إنه مريح أكثر مما يبدو عليه – وعلى أي حال، فإنه أفضل من النوم على الأرض»، حسبما ذكر جورج أورويل في كتابه «Down and Out in Paris and London».

2

يعود التعبير الإنجليزي «النوم الجميل»، الدال على النوم لفترة كافية، إلى عام 1850، ويقصد به تحديدًا «النوم قبل منتصف الليل». ولم يكن ذلك التعبير شائعًا، مثلما يوضح ذلك المثال الفاتن الذي يعود إلى عام 1857، ويقول: «الرجل الطبي، الذي قد يستدعى في أي وقت، يجب أن يحرص على نومه الجميل».

بمجرد حصولك على القدر الكافي من النوم، تصبح الخيارات المتاحة أمامك للتعبير عن نومك في اليوم التالي كثيرة جدًا. فقد تقول أنك: نمت كرجل ميت، نمت كدب، أو كطفل رضيع (ربما يبدو هذا التعبير ساخرًا قليلًا)، نمت بقوة، نمت بشكل سليم، غفوت كانقطاع الكهرباء.

ويعود التعبير الأدبي «غفوت كانقطاع الكهرباء» إلى ما قبل اختراع المصباح الكهربائي. ففي مقال ينسب إلى عام 1812، بـ عنوان «ملاحظات من قارئ عابر»، يورد: «خفتت عبقريته الحماسية كما يخفت الضوء».

ولكن الكهرباء تمثل محورًا للسمعة التي اشتهرت بها مدينة نيويورك بوصفها “المدينة التي لا تنام”. وقبل أن تتم إضاءة جميع مناطق المدينة، كانت الكهرباء في منطقة «بووري» المضاءة حديثًا. وفي عام 1892، وهو العام الذي اندمجت فيه شركتان لتصبحا «شركة الكهرباء العامة»، نشرت صحيفة «سينشري» هذا الوصف المذهل:

«إنها الرقيب على مدينة نيويورك وهي العين التي لا تنام أبدًا؛ وعندما تخفت بقية المدينة ويعلو صخبها، تنظر عين بووري إلى الليل كنجمة لامعة، والتي لا يضاهيها سوى صعود الشموس».

3

يقول الناس «لا تنام»، عندما يقصدون «لا تفوت ذلك الأمر»، أو «لا تتغاضى عنه». فيقولون: لا تغفل عن تلك الفرقة الموسيقية، هذه المعلومة، أو هذه الفكرة. لا تدع تلك الضربة تصيبك بالنوم. ربما من الملائم أن الرمز الكرتوني للفكرة هو المصباح الكهربي فوق رأس الشخص؛ أي أن ذلك الشخص غير نائم، سواءً بالعامية أو حرفيًا (وعلى النقيض، سيقول هو أو هي أن الضوء قد خفت، التعبير الذي أشرت إليه آنفًا). ففي النهاية، عندما نستيقظ ننهض ونتألق.

تقول الشخصيات الريادية، سأنام حينما أموت. ففي النهاية، الموت هو النوم الكبير.

«فيما سيهم أين ستستلقي عندما تموت؟، في مستنقع قذر أو في برج عاجي على قمة تلة مرتفعة؟، فأنت ميت، أنت في النوم الكبير»، حسبما يكتب ريموند تشاندلر في روايته التي تحمل ذات العنوان.

يعادل الموت: «مستنقعًا قذرًا أو برجًا عاجيًّا». كذلك، وبطريقة ألطف، يفعل الموت – ففي مراحل متعددة، جميعنا ننام، مهما كانت الصورة – وهو ما وجد والت وايتمان، الذي مات في العام الذي صيغ فيه تعبير «العين التي لا تنام أبدًا»،أنه جميل بشأن النوم، حيث قال:

«أقسم أنهما يدوران في نفس الفلك – فلا أحد أفضل من الآخر،

الليل والنوم متشابهان،

أقسم أنهما جميلان،

كل من ينام جميل، وكل شيء في الضوء الخافت يكون أجمل».