حان وقت استبدال هاتفك الذكي الحالي بهاتف جديد. سواء أكان هذا القرار بسبب عطل في هاتفك القديم أو قِدمه أو فقده أو لأي سبب آخر، فقط قررت. ولكن تنفيذ القرار ليس بتلك السهولة.

عليك أن تبحر في ذلك السوق المغرق بالهواتف متعددة الأشكال والإمكانات، تفاضل بين هذا وذاك، تحكمك ميزانية محددة تتحرك على أساسها في محاولة انتقاء أفضل خيار متاح يناسب احتياجاتك.

في ماذا تتمثل احتياجاتك؟ ربما شاشة كبيرة الحجم للمطالعة ومشاهدة الفيديو والتمتع بالألعاب ثلاثية الأبعاد؟ أو بطارية قوية تصمد معك طوال يومك ولا تجد ذلك التنبيه اللعين يخبرك بأن تشحن بطارية هاتفك وإلا أصبح قطعة من المعدن في جيبك بقية اليوم لا أكثر ولا أقل؟ ماذا عن كاميرا مميزة تلتقط لحظاتك السعيدة مع أصدقائك أو تبرز الفنان الموجود بداخلك عن طريق التقاط صور جمالية للبيئة المحيطة بك؟

إنها عدد من العوامل التي ستحدد اختيارك على أساسها، ولكن هناك عاملًا واحدًا وهو العامل الأهم على الإطلاق، ومع ذلك فهو من أكثر العوامل إهمالًا من المستهلكين، ربما لصعوبة فهمه، أو لتعمد أكثر المتاجر وشركات صناعة الهواتف الإعراض عن الحديث المفصل عنه والمرور عليه مرور الكرام، وهي الشريحة SoC أو ما يصطلح على تسميته – بالخطأ – «المعالج».


ما هي الشريحة SoC؟

اعتدنا في أجهزة الكمبيوتر واللاب توب على ذكر المعالج كوحدة منفصلة لأنه وحدة منفصلة بالفعل! ولكن هذا الاعتياد طال الهواتف الذكية، لذلك فهذا المفهوم يحتاج إلى تصحيح…

فعندما تجد أحدهم يقول لك: «هذا الهاتف يحمل معالج Snapdragon 845» فهو قد أخطأ، بل المقصود هنا هو الـ SoC، فما هو؟

هو مجموعة من المكونات تم دمجها في شريحة واحدة، وتتضمن تلك الشريحة: المعالج المركزي CPU – معالج الرسوميات GPU – معالج الإشارة الرقمي DSP – وحدة الاتصال Connectivity Module – وأحيانًا الذاكرة العشوائية RAM والتي في حالة عدم وجودها على الشريحة يوجد ما يسمى بالجسر المضيف Northbridge ليصل بين الشريحة والذاكرة العشوائية الخارجية وبعض المكونات الأخرى…

ولأن كل تلك المكونات اجتمعت في شريحة واحدة، فأُطلق عليها SoC أو System on Chip والتي تعني حرفيًا: «نظام على شريحة». وبما أن ترجمتها غير مستساغة بتلك الطريقة، فمن الممكن أن نطلق عليها «الشريحة أو الشريحة الأم» فقط، ولكن لا تقل «المعالج» أبدًا.

الإمكانيات التي تقدمها تلك الشريحة من خلال مكوناتها هي أهم ما في الهاتف كله، لأنه كلما كانت المكونات التي تقدمها الشريحة أحدث كان الهاتف أفضل، لأن التطوير المستمر لتلك الشرائح يهدف في النهاية إلى شيئين محددين: أداء أفضل واستهلاك طاقة أقل.

ومن خلال مكوناتها فهي تتحكم في أشياء كثيرة في الهاتف مثل أقصى دقة محتملة لشاشة الهاتف، قدرة الكاميرا على التقاط صور أفضل، أعلى دقة لتشغيل الفيديو، أقصى سعة للذاكرة العشوائية، جودة الاتصال وسرعة نقل البيانات، وغيرها من المزايا الخاصة بعتاد آخر في الهاتف ولكنها هي المتحكمة به في النهاية.

وإليك أهم ما يجب أن تعرفه عن الشريحة الأم.


1. الشركة المُصنعة للشريحة SoC

ليس الأمر كما يعتقد البعض بأن شركات صناعة الهواتف هي التي تقوم بتصنيع كل أجزاء ومكونات الهاتف بنفسها، بل إنها تستورد بعض القطع من مصانع مخصصة تصنع تلك القطع أو من بعض المنافسين إن كانوا متفوقين في تصنيعها، فالمصلحة هنا تتغلب على حاجز المنافسة.

فنجد شركات تستورد الكاميرات من سوني، وأخرى تستورد الشاشات من سامسونج، بل إن أبل لا تصنع أي أجهزة بنفسها لأنها شركة برمجيات بالأصل، فتقوم شركة فوكس كون باستلام مخططات تصميم الأجهزة منها لتقوم بصناعتها، وتقوم أبل بالمثل في تصميم الشرائح لتسند مهمة التصنيع إلى سامسونج أو TSMC، وكذلك الشاشات من LG للهواتف، ولآيباد فهي سامسونج.

لذلك يجب التفرقة هنا بين استيراد القطعة كما هي من شركة أخرى، أو وضع التصميمات من الشركة وتسخير شركة أخرى لمجرد التنفيذ واستخدام مصانعها.

وحاليًا، لا يوجد على الساحة العالمية سوى 5 مُصنِّعين لشرائح الهواتف الذكية وهم:

  • أبل: سلسلة شرائح A.
  • كوالكوم: سلسلة شرائح Snapdragon.
  • سامسونج: سلسلة شرائح Exynos.
  • ميديا تك: سلسلة شرائح Helio وMT.
  • هواوي (من خلال شركة HiSilicon المملوكة لها): سلسلة شرائح Kirin.

وكل سلسلة شرائح من هؤلاء توفر أنواعًا مختلفة تتناسب مع فئات الهواتف المتعارف عليها: الهواتف الرائدة، الهواتف المتوسطة، الهواتف منخفضة التكلفة.


2. معمارية ARM

أغلب معالجات الهواتف الذكية مبنية على معمارية تسمى ARM، وهذا الاسم نسبة إلى الشركة صاحبة هذا التصميم للمعالجات المركزية الذي يجعلنا نتمكن من تصغير حجم المعالج لوضعه على الشريحة SoC، وفي نفس الوقت ليقدم المعالج أداءً قويًا وموفرًا للطاقة، لأن المعالجات العادية الموجودة بأجهزة الحاسوب كبيرة الحجم وتنتج حرارة عالية لن نستطيع تبريدها بالشكل المعتاد لعدم وجود مساحة كافية داخل الهاتف الصغير.

ودون الخوض في تفاصيل تقنية معقدة، يكفي أن تعلم أنه منذ سنوات قليلة جدًا بدأت ARM في تقديم المعمارية 64bit من خلال الإصدار ARMv8 بعدما كانت الهواتف الذكية لوقت طويل تعتمد على المعمارية 32bit من خلال الإصدار ARMv7. ومن خلال المعمارية 64bit استطاعت ARM تقديم معالجات أسرع وأكفأ وأقل استهلاكًا للطاقة ويمكنها القيام بعمليات أعقد، كل هذا مع الحفاظ على دعم تشغيل التطبيقات التي لا تزال تعتمد على معمارية 32bit.

وتقدم ARM سلسلة من المعالجات تُدعى Cortex-A والتي تستخدمها الشركات مُصنعة الشرائح SoC داخل شرائحها، فهناك فئة معالجات Cortex-A7X وهي المعنية بتقديم أفضل أداء لأفضل الهواتف الذكية مثل المعالج Cortex-A75، وفئة Cortex-A5X المخصصة لتقديم أداء متوسط مع حفاظ أكبر على الطاقة، وفئة Cortex-A3X والموجهة للهواتف الذكية الرخيصة وهي أكثرهم توفيرًا للطاقة.

ولكن ليست كل الشركات تستخدم معالجات ARM كما هي، فالشركة تتيح رخصة التعديل على معالجاتها لعدد من الشركات مثل كوالكوم وسامسونج، فنجد أن كوالكوم بعدما كانت تستخدم معالجات ARM كما هي في شرائحها، أصبحت تقوم بالتعديل عليها لتنتج في النهاية نواتها الخاصة المسماة Kyro، وسامسونج تقوم بالدمج بين نواة Cortex ونواتها المعدلة Mongoose، وأبل أيضًا من خلال نواة Swift.


3. فئات الشرائح

كما أسلفنا، فإن الشركات المصنعة للشرائح تقدم فئات مختلفة تتناسب مع كل فئة من فئات الهواتف، فعلى سبيل المثال نجد أن شركة كوالكوم Qualcomm تقدم 4 فئات من الشرائح وهي:

وهناك فئة جديدة وهي فئة Snapdragon 700 والتي تفتح آفاقًا جديدة نحو الذكاء الاصطناعي.

وكلما كان إصدار الشريحة أحدث كان أفضل، أي إذا كنت متحيرًا بين هاتفين أحدهما يحمل شريحة Snapdragon 821 والآخر يحمل شريحة Snapdragon 845 فبالطبع تختار الأخير (في حال ما إذا كانت الميزانية تسمح بالطبع).

تجد بالمثل في الشركات الأخرى مثل شرائح HiSilicon:

  • Kirin 600: للهواتف المتوسطة.
  • Kirin 700: للهواتف الأعلى.
  • Kirin 900: للهواتف الرائدة.

و MediTek:

  • Helio A: للهواتف المتوسطة.
  • Helio P: للهواتف الأعلى.
  • Helio X: للهواتف الرائدة.

وشرائح سامسونج:

  • Exynos 5 Series: للهواتف المتوسطة.
  • Exynos 7 Series: للهواتف الأعلى.
  • Exynos 9 Series: للهواتف الرائدة.

أما أبل فإنها لا تصدر إلا أجهزة رائدة، لذا فإنك فقط ستقارن بين الإصدارات في الفئة الوحيدة لديها وهي فئة A.


4. سرعة المعالج Clock Speed

تقاس هذه السرعة بـجيجا هرتز GHz أو ميجا هرتز MHz، وكلما كانت السرعة أكبر كان الأداء أفضل، فعندما تلعب لعبة عالية الرسوميات فأنت تحتاج إلى معالج مركزي ذي سرعة عالية وإلا ستجد تجربة اللعب كالجحيم.

ولكن في نفس الوقت لابد أن تدرك أنه كلما زادت سرعة المعالج، أنتج حرارة أكبر، وكلما استهلك طاقة أكبر، فهنا ستجد المفاضلة بين الأداء مقابل الطاقة.


5. عدد الأنوية Core

لم نكن نسمع في البداية عن عدد الأنوية في الفترة القليلة الأولى من ظهور الهواتف الذكية، وبعدها سمعنا عن المعالجات ثنائية النواة، ثم المعالجات رباعية النواة، وحاليًا تنتشر المعالجات ثمانية النواة، بل هناك أيضًا عشارية النواة! فما الموضوع؟

المفترض أنه كلما زادت عدد الأنوية في المعالج فإنه يستطيع معالجة كم أكبر من البيانات أو القيام بعدد أكثر من العمليات في نفس الوقت، أي نظريًا المعالج ثماني النواة يستطيع القيام بثمانية أضعاف ما يستطيع القيام به المعالج أحادي النواة في نفس الوقت.

ولكن الموضوع ليس بتلك البساطة، وذلك لأنه يتوقف على دعم نظام التشغيل والتطبيقات لتلك الخواص، وكذلك لابد من الانتباه بأن في المثال السابق المعالج الثماني سينتج 8 أضعاف الحرارة التي ينتجها المعالج الأحادي، وسيستهلك 8 أضعاف مقدار الطاقة!

فكيف جعل المصنعون عدد الأنوية الأكبر ميزة وليس عيبًا؟

قامت شركة ARM بتصميم نموذج للمعالجات يسمى big.Little، ويعتمد على تقسيم الأنوية لمجموعتين، مجموعة أنوية قوية تقوم بالعمليات المعقدة مثل الألعاب الثقيلة، ومجموعة أضعف للعمليات البسيطة مثل تصفح الإنترنت.

ومن خلال ذلك النموذج، تستطيع المعالجات توفير ما يصل إلى 75% من الطاقة المستخدمة أثناء العمليات البسيطة، وزيادة الأداء بنسبة تصل إلى 40% في العمليات المعقدة.

ومن الجدير بالذكر أن MediaTek ذكرت أن شريحتها Helio X20 ذات معالج عشاري النواة يستخدم نموذج big.Little ولكن في ثلاث مجموعات، مجموعة ثنائية النواة للعمليات المعقدة، ومجموعة رباعية النواة للعمليات المتوسطة التعقيد، ومجموعة أخرى رباعية النواة للعمليات البسيطة، وتقول إن هذه الطريقة توفر الطاقة بنسبة 30% أكثر من نموذج المجموعتين.


6. دقة تصنيع المعالج (تكنولوجيا النانومتر)

تطل علينا شركات صناعة المعالجات كل فترة بدقة تصنيع جديدة والتي تقاس بالنانومتر، فالمعالجات الحديثة تم تصنيعها بدقة 45 نانومترًا، ثم 32 نانومترًا، ثم 22 نانومترًا، وانتشر مؤخرًا 14 نانومترًا، ثم ظهر 10 نانومترات، وفي الأيام القليلة الماضية شاهدنا أول هاتف يحمل معالج بدقة تصنيع 7 نانومترات!

دعني أوضح لك أنه كلما قلت دقة التصنيع، استطاع المعالج استيعاب عدد أكبر من الترانزستورات (وهي الوحدات المسؤولة عن توصيل الإشارات داخل المعالج)، وكلما زاد عدد الترانزستورات استطاع المعالج القيام بعمليات أكثر في نفس الوقت، وكلما قلت الطاقة المستهلكة من المعالج أيضًا فيحافظ أكثر على البطارية.


7. معالج الرسوميات GPU

هو المحرك المسؤول عن البصريات في الهاتف الذي يمكنك من عرض محتوى ثلاثي الأبعاد على شاشة هاتفك ثنائية الأبعاد، فكل شيء تشاهده على شاشة هاتفك من نصوص أو صور أو فيديو أو ألعاب بسيطة أو معقدة تحتاج إلى معالج رسومي لعرضها.

وبالطبع تختلف قوة المعالجات الرسومية باختلاف الشرائح. فبما أن هناك فئات مختلفة من الشرائح SoC، فإن محتوياتها تكون مختلفة أيضًا حسب فئة الشريحة، فهناك معالجات رسومية قوية ومتوسطة ومنخفضة.

ونجد مثلًا أن هناك سلسلة المعالجات الرسومية Adreno من كوالكوم Qualcomm، وسلسلة Mali من ARM، وهم يقومون بعمل عظيم لجعل هاتفك الصغير يقوم بتشغيل محتوى بصري معقد، مع السعي إلى توفير الطاقة وزيادة الأداء.


8. الاتصال

مما تحتوي عليه الشريحة SoC أيضًا هي وحدة الاتصال Connectivity Module كما ذكرنا، وهي تحتوي على قطع الـWi-Fi والـBluetooth والـGPS وشبكة الهاتف، وغيرها.

كلما كان إصدار الشريحة أحدث، كانت موجهة لفئة أعلى، وكانت تلك القطع أقوى وأحدث، فستجد مثلًا Bluetooth 5 بدلًا من Bluetooth 4، أو 4G بدلًا من 3G، وهكذا.

فلا تهمل هذا الجزء إذا كنت تريد اتصالًا أسرع في التواصل أو نقل البيانات أو التصفح والتحميل أو صوت أنقى في المكالمات.

وأخيرًا فأنت الآن لديك خلفية كبيرة عن الشرائح SoC وكيف تفاضل بينها في الهواتف المختلفة حال قررت شراء هاتف جديد دون الحاجة لاستشارة أي شخص للمساعدة، لذلك عندما تجد مثلًا في مواصفات هاتف هذا السطر:

Qualcomm SDM845 Snapdragon 845, Octa-core (4×2.8 GHz Kryo 385 Gold & 4×1.7 GHz Kryo 385 Silver)

فإنك تعلم الآن ما يعنيه كاملًا، أليس كذلك؟