في قلب قطاع غزة تأتي واقعة «حي الرمال» ملحمةً تاريخية يصعب نسيانها. كان هذا الحي الساحلي يتألق بحياة نابضة ونشاط مذهل، لكنه شهد هجمات مروعة هزت القلوب وحوَّلت الساحة إلى مأساة بالغة لم يكن أحد يتصوَّرها.

القصف المكثف نال «حي الرمال»، هذا الحي الذي يشق 20 حيًّا آخر في مدينة غزة. ترك هذا القصف وراءه دمارًا هائلًا، وجعل أهله يعيشون في حزن عميق وصدمة لا تُنسى.

إن المشهد في «حي الرمال» يحمل دموع الألم في عيون كل من يراه، فقد تحوَّلت منازل العائلات البريئة إلى ركام محطم. إنَّ الدمار هنا لم يكن مجرد خسارة مادية، بل خسارة لحياة الكثيرين. تحوَّل هذا الحي الذي كان يعج بالحياة والنشاط إلى مكان من الدمار والألم

تلك المباني السكنية الجميلة التي كانت تعانق سماء حي الرمال تحوَّلت الآن إلى ركام. الشوارع الممهدة أصبحت مليئة بالأنقاض والدُّخَان، وبات الوصول إلى المناطق المتضررة أمرًا صعبًا تمامًا. وللأسف، اضطر أهالي هذا الحي الجميل إلى ترك منازلهم بسبب مطالب الجيش الإسرائيلي بإخلائها، ومع استمرار القصف والتدمير، اضطر السكان للنزوح إلى مناطق أخرى بحثًا عن الأمان.

ليلة الرمال: عندما يُحتضَر الأمل

بهجوم مدمر ودامٍ اندلعت النيران في حي الرمال بمدينة غزة جراء الضربات العنيفة التي وجهتها المقاتلات الإسرائيلية، والتي توصف بأنها واحدة من أكثر الهجمات دموية وترويعًا في تاريخ هذه المنطقة المضطربة. وفي ليلة مظلمة من القصف المكثف شهد حي الرمال تحولًا جذريًّا، حيث اتجهت قذائف المقاتلات الإسرائيلية نحو المباني بشراسة لتوجيه ضربات مكثفة أسفرت عن تدمير عدد من البنايات، وعدد القذائف التي هوجمت بها المنطقة تجاوز العشرات. النتيجة كانت تحول هذا الحي إلى مكان يمتلئ بأطلال المباني المتهدمة وحطام الدمار المشتعل.

اللهب الجامح يلتهم كل زاوية من أزقة حي الرمال، بينما الدخان يتصاعد ببطء من تحت أنقاض المباني المدمرة. هذا المشهد المروع يبيِّن بجلاء مدى وحشية الهجوم الذي شُنَّ على هذا الحي وساكنيه الذين كانوا يعيشون في هدوء واستقرار، يشهدون اليوم تصاعد ألسنة اللهب وأعمدة الدخان في محيطهم، حيث فقدوا منازلهم وملاذاتهم الآمنة، هذه المشاهد تصور لنا صورة تعبيرية تلخص مدى الكارثة التي ألمت بحي الرمال. الألم الذي يعانيه أهل هذا الحي وجميع سكان غزة لا يمكن أن يُوصف بأي كلمات. هذا الهجوم الذي خلَّف دمارًا هائلًا وآلامًا عميقة بين السكان المدنيين يشكل مأساة إنسانية حقيقية، تستدعي تدخلًا دوليًّا فوريًّا لدعم الضحايا ووقف هذا العنف الدموي الذي أحدث دمارًا هائلًا.

قصة فرح ودمار في قلب حي الرمال

بصوت مليء بالحزن والصدمة يشارك «يحيى الأحول»، العريس الفلسطيني الجديد، قصته المأساوية بعد تدمير غرفته جراء القصف الإسرائيلي الهمجي والمكثف على «حي الرمال». يروي القصة بكلمات مؤثرة، «دمَّروها، لسه ما فرحت فيها».

كان حي الرمال معقلًا للأمان والسعادة بالنسبة له، وكان يتطلع إلى بداية جديدة في حياته كعريس. ولكن ما كان يظنه أمانًا تحول إلى كابوس مروع، حيث انهارت غرفته بفعل القصف العنيف.

«انظروا أيها الناس، لم يعد هناك حي اسمه حي الرمال»، صرخ «يحيى» بعبارة مؤلمة، معبرًا عن فقدانه لمكان كان يعتبره منزله ومأوى للأمان.

يصف «يحيى» الغرفة المدمرة بكلمات تنم عن الحزن والصدمة، حيث لم يبقَ داخلها سوى غطاء أبيض ممزق. قبل أن يفرح بها كعريس تحولت إلى أنقاض مدمرة تعكس واقع الحياة في فلسطين، حيث يمزق القصف والدمار الحياة والأحلام.

من جهة ثانية وفي إحدى زوايا مأساة قطاع غزة، نرى محمد أبو الكاس، الرجل في عقده الثالث، يخوض رحلة صراع من أجل البقاء. ترك منزله الذي اعتاد عليه في حي الرمال، هربًا من همجية القصف الإسرائيلي. وكانت وجهته مأوى بسيطًا داخل إحدى مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا». حيث أوضح محمد، بوجهٍ يعبس من التعب والقلق: «وصلتنا رسائل تحذرنا من أن القصف سيتوجه إلى مناطق قريبة من منزلنا. لذا، قررنا أن نترك كل شيء خلفنا ونتجه نحو مدرسة الأونروا، لأنها تبدو أكثر أمانًا بالنسبة لنا ولأسرتي».

وبينما يغمره الحزن يتوجه محمد بنداء يعبر عن وجعه العميق: «نطالب العالم بالتحرك، نطالب الدول العربية والمجتمع الدولي بالوقوف بجانبنا ووقف العدوان الذي يشن علينا. قلوبنا تنزف، وأرواحنا معلقة بين السماء والأرض. هذا القصف هذه المرة يفوق كل الحدود، يبدو أن إسرائيل تريد محو هذا القطاع بأهله وأمواله حتى تتخلص منا للأبد».

ويأتي ناصر أبو عبد، أحد سكان حي الرمال، ليروي أخبارًا أكثر حزنًا حيث يقول: «القصف المستمر للحي جعله هدفًا دائمًا للطيران الإسرائيلي. النتيجة: دمار هائل في البنية التحتية ومنازل المدنيين. الكثيرون حاولوا الفرار من بيوتهم المحطمة قبل أن تدك الآلة الحربية مأواهم».

وبينما يتأمل في الدمار الذي أحاط بمجتمعه يؤكد ناصر: «الدمار هنا أصبح وجهًا لوجه، لا مأوى ولا عائلة واحدة لم تتأثر بأحداث هذه الكارثة. الأماكن السكنية الجميلة أصبحت أنقاضًا مشتعلة، والعمارات السامية أصبحت تجمعًا من الركام. لا نرى في هذا المكان سوى الموت».

وفي لحظات مفاجئة انقلبت حياة علاء الشرفا (أبو خالد) رأسًا على عقب، وما رآه هذا الصباح في حي الرمال كان عبارة عن كارثة لا يمكن وصفها بكلمات. بلا مبالاة الشديدة، تفاجأ بأن مستوى الدمار الذي حل بالحي لا يمكن تصوره. بينما يحكي ويعبر عن حزنه العميق يشكر الله على سلامته وسلامة أسرته.

فيما تتبادر كلمات أم حسام وكأنها شعلة نور في قلب الظلام. تجد في روحها القوة للصمود والتحدي، تقول بفخر: «جيش الاحتلال لن يهزمنا. إننا مصممون على المقاومة والتصدي لهم بكل شجاعة. ومع كل مقاتل نخسره، ينهض آخر بقوة أكبر، والله سيكون معنا في وجه أعدائنا، مهما اشتدت التحديات والدمار من حولنا».

مأساة غزة

في حديثه لـ «إضاءات» كشف الكاتب والصحفي وسام حاتم عن تفاقم المعاناة في قطاع غزة نتيجة الهجوم الإسرائيلي الذي أدى إلى تشتيت عائلات بأكملها ونزوح عائلات كبيرة. أشار حاتم إلى أن عدد النازحين بحسب الإحصائيات التي قدمتها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وصل إلى أكثر من 350 ألف مواطن، والرقم مرشح للزيادة، وهؤلاء النازحون يقطنون في 92 مدرسة تديرها الأونروا. هذا الإجراء أدى إلى تشتت الأفراد وإبعادهم بعضهم عن بعض, حيث وصل عدد العائلات التي فقدت عددًا من أفرادها – حتى كتابة هذا التقرير – إلى نحو ثلاثين عائلة، فقدت عشرين شخصًا. إضافة إلى الأطفال التي تعيش تحت وطأة الخوف والرعب، وخصوصًا بعد استهداف العدو الإسرائيلي للمباني والأحياء السكنية.

من جهته أفاد الصحفي وسام بأن الهجمات الإسرائيلية لا تميز بين صغار وكبار، حيث تشتهر باستهداف المباني والأحياء السكنية في قطاع غزة، رغم عدم وجود أهداف عسكرية في هذه المنطقة، حيث تتواجد معظم الأهداف العسكرية في المستوطنات الإسرائيلية المنعزلة. ولذلك، فإن الهجمات تركز بشكل كبير على استهداف المدنيين والممتلكات السكنية.

كاشفًا أن العواقب الكبيرة لن تكون قليلة، إذ شطبت الاعتداءات الإسرائيلية سجلات السكان بأكملها. ليست هناك إحصاءات دقيقة بعد عن عدد العائلات المتضررة، لكن يُشير إلى أن عددًا كبيرًا منها تعرض للإبادة. إضافة إلى أن الوضع الإنساني بات أكثر صعوبة، مع انقطاع المياه والكهرباء والإنترنت. والحصار الإسرائيلي يعيق سبل العيش، في خضم إغلاق المعابر بين قطاع غزة والعالم الخارجي، وذلك بإغلاق معبر إيرز ومعبر كرم أبو سالم المخصص للبضائع، بالإضافة إلى إغلاق معبر رفح بالقوة، مما يمنع حركة السفر للمواطنين.

وفي سياق متصل، أفاد بأن هناك الآن الآلاف من البيوت والوحدات السكنية التي تم تدميرها، بالإضافة إلى عدد كبير من الأبراج السكنية، والبعض منها يضم مئات الشقق السكنية تم تدميرها بالكامل. حيث تركز الاعتداءات على الأحياء السكنية بأكملها، بما في ذلك أحياء مثل حي الرمال وحي تل الهوا وحي الكرامة في شمال مدينة غزة، ومنطقة شمال القطاع في جباليا وتل الزعتر، التي تعرضت لتدمير شبه كامل.

كما كشف وسام أنه حتى الآن بلغ عدد الشهداء ما يقارب 1500 شخص، وهذا الرقم مرشح للارتفاع بشكل كبير، نظرًا لعجز المستشفيات عن استيعاب العدد المتزايد من المصابين بسبب نقص الأسرة وغرف العناية المركزة.

وعن حجم التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية أوضح حاتم أن الأضرار المادية ضخمة، وتأثيرها مباشر على المباني والمصانع والوحدات السكنية والبنية الاقتصادية، حيث تظهر تأثيرات غير مباشرة نتيجة تشتت السكان وعدم قدرتهم على مزاولة أعمالهم. بالإضافة إلى ذلك تم توجيه الاعتداءات لاحقًا نحو المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة والحكومية على حد سواء.

من هذ المنطلق قال حاتم إن تلك الهجمات بدأت بالتوجه نحو المؤسسات الحكومية، حيث تم تدمير الوزارات ومركز الشرطة والجامعات، من بينها الجامعة الإسلامية التي تُعد واحدة من أكبر الجامعات في قطاع غزة.

موضحًا أن هذه  الهجمات لم تقتصر فقط على المؤسسات الحكومية، بل امتدت أيضًا لتشمل المؤسسات الخدمية وشركات الاتصالات. حيث تصاعدت الأوضاع الصعبة بشكل ملحوظ، وباتت الحياة اليومية لسكان قطاع غزة متأثرة بشدة.

إلى جانب ذلك تكبدت المستشفيات أعباءً ضخمة، حيث خرج مستشفى بيت حانون في شمال القطاع عن الخدمة نتيجة الضغط الكبير، وامتلأت المستشفيات الأخرى بالمصابين وبسبب الحصار المستمر ونقص الأسرة وغرف العناية المركزة، أصبح من الصعب على القطاع الطبي التعامل مع الكم الهائل من المصابين. بالإضافة إلى ذلك يعاني سكان قطاع غزة من نفاد المخزونات الطبية والأدوية، مما يضع حياة الناس في خطر يعكر تلوث الحياة اليومية للمواطنين، ويفرض عبئًا كبيرًا على البنية التحتية الصحية في القطاع. مع نقص الأسرة والمعدات، يزيد احتمال وفاة المصابين بشكل ملحوظ بسبب نقص الرعاية الطبية.

وختم الكاتب والصحفي بالقول:

تعاني الحياة اليومية للمواطنين في قطاع غزة بشكل مدمر، حيث يجدون صعوبة في الوصول إلى المياه النظيفة والكهرباء، مما يؤثر بشكل كبير على مستوى معيشتهم. الهجمات والحصار تجعل الأوضاع أكثر تعقيدًا.