إن جميع أجزاء الجسم، إذا ما استخدمت باعتدال وتمرست الأعمال التي اعتاد كل منها عليها، تصبح بصحة جيدة وتنمو بشكل سليم وتعجز ببطء؛ أما إن كانت غير مستخدمة وتركت خاملة، فإنها تصبح عرضة للمرض، معيبة في النمو وتعجز بسرعة.
أبقراط «أبو الطب»

ابق جالساً هكذا كما تفعل الآن لفترة أطول، وستصبح احتمالية أن يقصر عمرك أكبر! هذا ليس مجرد تكهن أو فأل سيئ، إنه واقع نتائج دراسات عدة تقول إن نمط الحياة الخامل، الذي يتسم بنشاط بدني ضئيل أو معدوم، هو العامل المشترك خلف العديد من الأمراض المزمنة الشائعة وسبب لزيادة معدلات الوفاة.

وكوننا بالضرورة نمضي جزءاً كبيراً من حياتنا نجلس أمام شاشات الحاسوب، أثناء العمل والمذاكرة، وأثناء القيادة، ونستلقي أمام التلفاز أو عندما نمسك بهواتفنا المحمولة. فإن الحل الوحيد لدحر هذه الآثار السلبية هو زيادة النشاط البدني وممارسة التمارين الرياضية.

ففي دراسة نشرت هذا العام تابعة لمركز ايرفينغ الطبي لجامعة كولومبيا، شملت حوالي 8000 من البالغين في منتصف العمر وكبار السن، وجد الباحثون أن استبدال نصف ساعة من الجلوس بنشاط بدني- بأي شدة أو مدة- يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة تصل إلى 35%.

ومقارنة مع الرجال والنساء البالغين الأقل نشاطًا، فإن الأفراد الأكثر نشاطًا لديهم معدلات أقل للوفيات الناجمة عن جميع الأسباب، أمراض القلب والأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم، مرض السكري، السمنة، هشاشة العظام، وحتى بعض أنواع السرطان مثل سرطان القولون والثدي.

فالتمارين تحسن توصيل الأكسجين لجميع أجزاء الجسم من خلال تعزيز توسع الأوعية وتكون أوعية جديدة. كذلك تزيد من التولد الحيوي للميتوكوندريا في الخلايا الشحمية، الخلايا العضلية الهيكلية، وخلايا عضلية القلب، مما يزيد سعة هذه الأنسجة على التنفس الخلوي وأداء أنشطتها الحيوية، كما يحمي عضلة القلب من نقص التروية (الذبحة الصدرية).

تعدل التمارين أيضاً من مستوى الدهون في الدم، بحيث تزيد من مستويات «البروتين الدهني عالي الكثافة HDL» ويصنف على أنه كوليسترول جيد كونه يساعد في إزالة الدهون من الدم وتكسيرها بواسطة الكبد، لذا ترتبط زيادة مستوياته بصحة أفضل للأوعية الدموية. كذلك، قد يقلل النشاط البدني من مستويات «البروتين الدهني منخفض الكثافة LDL» و «الدهون الثلاثية»، والتي تتسبب زيادتها في تصلب الشرايين، مما يضيف لدور الرياضة في الحماية من أمراض القلب والأوعية الدموية.

وفي مرضى السكري، تحسن التمارين الرياضية من السيطرة على نسبة السكر في الدم وتقلل من مقاومة الخلايا للأنسولين، وهو شيء يعاني منه مريض السكري (لا سيما النوع الثاني) حيث يفقد الأنسولين فعاليته في إدخال الجلوكوز إلى الخلايا، مما يترتب عليه زيادة نسبة السكر في الدم. حتى أن جلسة واحدة من التمارين منخفضة الكثافة كانت كافية لتحسين حساسية الأنسولين بشكل ملحوظ على الأقل لليوم التالي (19 ساعة بعد التمرين) في البالغين الذين يعانون من السمنة، وذلك طبقاً لدراسة نشرت عام 2013 بصحيفة Diabetes Care.

وبالنسبة لمرضى السمنة، تمثل التمارين الرياضية جزءاً لا يتجزأ من العلاج بغض النظر عن أهداف فقدان الوزن، وذلك لأنها تخفف من المخاطر والمضاعفات الصحية لمرض السمنة كأمراض القلب والسكري. هذا عوضاً عن كون الرياضة تقلل من عناصر الالتهاب التي تحفزها السمنة وترتبط ارتباطاً وثيقاً بجميع الأمراض السابق ذكرها.

إلا أن فوائد التمارين الرياضية لا تقتصر على الجسد فحسب!

العقل السعيد في الجسم السليم

عندما تشعر بالحزن، الغضب أو الضيق، هل صادف وأردت أن تركض بسرعة، أو أن تتمشى في الهواء الطلق؟ إن هذه الرغبة تنبع من قدرة النشاط البدني على تفريغ الطاقة السلبية وتحسين الحالة العقلية.

وفي دراسة أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 2011 و2015 ضمت أكثر من مليون شخص بعد إجراء مطابقة من حيث العمر والعرق والجنس والحالة الاجتماعية، اتضح أن الصحة العقلية لهؤلاء ممن يمارسون التمارين الرياضية أفضل بشكل ملحوظ من الذين لا يتمرنون.

حيث إن ممارسة التمارين الرياضية، بما في ذلك الركض والسباحة وركوب الدراجات والمشي والرقص، أثبتت فاعليتها في التقليل من القلق والاكتئاب، حتى أنها قد تكون بفاعلية مضادات الاكتئاب، وبالتالي يمكن استخدامها كتدخل وقائي وتأهيلي في علاج اضطرابات الاكتئاب. وتقترح الأبحاث أن هذا التأثير العلاجي يعود جزئياً إلى زيادة مستويات السيروتونين، وهو ناقل عصبي مسئول عن تنظيم الحالة المزاجية لذا يعرف أيضاً بهرمون السعادة.

ليس هذا فحسب بل إنه من المعروف أيضاً أن التمارين الرياضية تحسن من الأداء العقلي، وذلك عن طريق زيادة عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ BDNF، وهو بروتين مسئول عن تحفيز نمو الخلايا العصبية في مناطق دماغية مهمة للتعلم، الذاكرة، وعمليات التفكير العليا.

كذلك فإن التمارين الرياضية تزيد من جودة النوم؛ فتقلل من الوقت المطلوب للوقوع في النوم وتزيد من فترة النوم العميق ووقت النوم الكلي، وعليه تقلل من الشعور بالنعاس أثناء اليوم. لذا ينصح بتضمينها في برامج علاج الأرق والحرمان من النوم حيث تخفف بشكل عام من أعراض الأرق، وتقلل الحاجة من استعمال المنومات.

لذا حتى ولو كنت تعتبر نصيحة أبوقراط من العصر اليوناني نصيحة قديمة الطراز، فإن الأدلة التي تكشفها الأبحاث العلمية باستمرار تجعل العلاقة الإيجابية بين الرياضة والصحة الجسدية والعقلية أمراً غير قابل للجدال.

الرياضة وفقدان الوزن

الأمر المثير للجدل -على عكس المتوقع- هو الدور الحقيقي الذي يلعبه النشاط البدني في فقدان الوزن. فحتى الآن لم تنجح معظم الدراسات في إثبات فعالية التمارين الرياضية دون حمية غذائية في إنقاص الوزن بشكل كبير، ويشوب الأمر الكثير من الاختلافات الفردية في الاستجابة للتمارين.

فقد وجدت دراسة لجامعة بانجور ببريطانيا عام 2018، أن التمارين الرياضية- بمعدل 45-90 دقيقة/ أسبوع ولمدة 4-8 أسابيع- قد فشلت في إنقاص وزن الإناث من النحيفات، أو الزائدات في الوزن والسمينات. مع ملاحظة ازدياد الكتلة العضلية في النحيفات، وازدياد هرمونات الشهية والجوع في الفئة الزائدة في الوزن أو التي تعاني من السمنة.

وفي دراسة لمعهد مركز بنينجتون للأبحاث الطبية الحيوية، وجد الباحثون أن نسبة فقدان الوزن (10%) في الأشخاص الذين اتبعوا حمية غذائية فقط متساوية مع الذين اتبعوا حمية ومارسوا التمارين في الوقت ذاته، دون وجود فرق في نسبة فقدان الدهون يؤخذ في الاعتبار.

كذلك تشير نتائج التجارب المقامة عشوائياً، لتقييم تغير الوزن في مختلف برامج التمارين الهوائية التي تتبع المستويات الموصى بها من النشاط البدني، على أن مقدار الوزن المفقود يتراوح بين العدم أو الضعيف.

وعلى الجانب الآخر، تشير بعض الدراسات إلى فعالية التمارين الرياضية في إنقاص الوزن بشكل ملحوظ لكن بمستوى جهد بدني عال (225-420 دقيقة في الأسبوع). هذا يعني أنه إن عزمت على فقدان الوزن دون اتباع حمية غذائية، فلا بد وأن تمارس التمارين الرياضية بشكل منتظم لمدة أطول من الموصى بها. حيث ينص بيان مشترك للكلية الأمريكية للطب الرياضي والجمعية الأمريكية لمرض السكري على أن: «المستويات الموصى بها من النشاط البدني قد تساعد في إنقاص الوزن. ومع ذلك، قد يتطلب الأمر ما يصل إلى 60 دقيقة/ يوم عند الاعتماد على التمارين بمفردها في فقدان الوزن».

لكن لا تدع هذه الدراسات تثبط من حماستك تجاه ممارسة الرياضة؛ فالهدف الوحيد منها هو تنبيهك بأنه إن كان مطلبك الأساسي هو فقدان الوزن، فعليك بالتركيز على ما تأكله- لاسيما في ظل إدعاءات توسوس لك بتناول كل ما تشتهيه إن استطعت أن تقضي بعض الساعات في صالات الرياضة.

ومع هذا،فإن إضافة التمارين الرياضية إلى الحمية الغذائية يمنحك فقداناً للوزن بشكل صحي عن طريق الحفاظ على الكتلة العضلية وتحسين اللياقة البدنية وأداء القلب والرئتين، والأهم من ذلك هو تجنب استعادة الوزن المفقود على المدى الطويل.

وكنقل للصورة الحقيقة، يشير السجل الوطني للتحكم في الوزن، وهو دراسة تضم أكثر من 10000 فرد فقد على الأقل 13.6 كجم واحتفظ بوزنه لمدة عام، إلى أن 94% من المشتركين قد ضمنوا التمارين الرياضية في برامج فقدان الوزن الخاصة بهم، وقد كان فقدان الوزن أكبر في المجموعة التي تتمتع بنشاط بدني أكبر، لكن في نفس الوقت أبلغت المجموعة ذاتها عن المزيد من القيود الغذائية. كذلك أقر 90% منهم بفضل التمارين في الحفاظ على الوزن المفقود، في حين أفاد 1٪ فقط من المشاركين بالاعتماد على الرياضة وحدها لفقدان الوزن.

ما هو مقدار النشاط البدني المطلوب؟

لضمان حصاد ثمار التمارين الرياضية على المدى الطويل، يفضل اتباع مستوى النشاط البدني الموصى به كحد أدنى حسب الفئة العمرية التي تنتمي لها.

1. بالنسبة للأطفال والمراهقين من عمر 6- 17 سنة: يجب أن تتم ممارسة النشاط البدني مدة 60 دقيقة على الأقل يومياً بين المتوسط والشديد كالآتي:

  • تمارين هوائية: والتي ينبغي أن تشكل الجزء الأكبر من النشاط البدني اليومي كالركض، القفز، السباحة، ركوب الدراجة، والرقص، ويجب أن تدمج الأنشطة شديدة الشدة كألعاب الكرة والألعاب القتالية على الأقل 3 مرات أسبوعياً.
  • تمارين تقوية العضلات مثل: لعبة شد الحبل، وتسلق الأشجار، تمارين المقاومة باستخدام وزن الجسم وبعض وضعيات اليوغا.
  • تمارين تقوية العظام مثل: قفز الحبل، الألعاب التي تتطلب الركض وتغيير الاتجاهات بسرعة ككرة السلة أو التنس.

فضلاً عن أن النشاط البدني للأطفال والمراهقين يساعد في تطوير مهارات الحركة، تعلم العادات الصحية وتحسين اللياقة البدنية، فهو أيضاً يساعد في تحسين الوظائف المعرفية للذاكرة، تحسين الانتباه والأداء الأكاديمي بالمدرسة. كذلك تشكل تمارين تقوية العظام أهمية بالغة في بناء العظام وتطورها، لاسيما في مرحلة ما قبل وأثناء البلوغ.

2. في البالغين بين 18- 64 سنة: ينبغي أداء ما يعادل (150 – 300 دقيقة) من الأنشطة الهوائية متوسطة الشدة أو (75-150 دقيقة) من الأنشطة الهوائية شديدة الكثافة أسبوعياً.

  • تشمل الأنشطة متوسطة الكثافة المشي (2.5 ميل في الساعة)، السباحة الترفيهية، التنس، اليوغا، أعمال الفناء وإصلاح المنزل. أما التمارين شديدة الكثافة تشمل الركض، قفز الحبل، تسلق الجبال، ركوب الدراجات السريعة،أو الكيك بوكس.
  • يجب على البالغين أيضًا القيام بأنشطة تقوية العضلات لتضم العضلات الرئيسية (عضلات الساقين والفخذين، الظهر والصدر والبطن، الكتفين والذراعين)، مثل: تمارين الضغط، التمرن باستخدام أشرطة المقاومة المطاطية، رفع الأثقال، وذلك ليومين أو أكثر في الأسبوع.
  • يجب توزيع الأنشطة الهوائية على مدار الأسبوع، حيث تشير الدراسات البحثية إلى أن النشاط الذي يتم على الأقل 3 أيام في الأسبوع ينتج فوائد صحية، كما يساعد أيضًا على تقليل خطر الإصابة ومنع التعب المفرط.
  • يفضل أن تؤدى التمارين على شكل دفعات، كل لمدة 10 دقائق. وبالطبع فإن زيادة مدة التمرن لأكثر من 300 دقيقة يعطي فائدة إضافية. أي أنه كلما تمرنت أكثر، كلما قل خطر تعرضك للأمراض المزمنة.

3. أما بالنسبة لكبار السن ما فوق 65 سنة: فإن مستوى النشاط البدني الموصى به يتماثل تماماً مع فئة البالغين باستثناء أن ليس لجميع كبار السن القدرة على الوصول إلى هذا المستوى بسبب وجود بعض الأمراض المزمنة التي قد تؤثر على لياقتهم البدنية بشكل ملحوظ.

لذا فإن القاعدة الذهبية تبقى أن تتحرك أكثر وتجلس أقل، وأن أداء بعض التمارين أفضل من العدم. وبناء عليه ينبغي أن يأقلم الشخص نفسه على أداء التمارين بقدر ما تسمح له حالته البدنية. وقد تشمل تلك التمارين: المشي السريع أو المشي على أرض مرتفعة، التبديل على الدراجة وهي واقفة،حمل المشتريات من السوق، أعمال البستنة وجز العشب، رياضة اليوغا والتاي تشي.

الخلاصة أنه هي أياً كان عمرك أو حالتك البدنية، فإنه للرياضة دائماً فائدة إضافية لتقدمها. لكننا عادةً ما نأخذ فضائل التمارين كأمر مسلم به لدرجة أننا لم نعد نهتم بها. ولكن إذا جلسنا وتفكرنا في مدى قيمتهما، فستصبح جزءًا من حياتنا اليومية لا يمكننا التخلي عنه.