محتوى مترجم
المصدر
Open Democracy
التاريخ
2018/04/03
الكاتب
كيلي بيدرسن وجينس رينر

نشر حساب إنستجرام مؤخرًا صورة لجندي، ظهره للمصور، وبندقيته مصوبة للسماء، وسط إطار خافت، ينظر لأشعة الشمس وسط الظلام. حملت الصورة تعليقًا: «نهاية أسبوع آمنة… بكم… ولكم… ولكل السوريين». مصحوبًا ببعض الوسوم؛ #الشرف، #الشجاعة، #الغوطة الشرقية.

تعود الصورة لحساب إنستجرام له أكثر من 100 ألف متابع. يحوي صورًا مصحوبة بوسومٍ مثل #صورة_اليوم و#انستا_جيد و#شجن_الاثنين و#صباح_الخير وحتى #عودة_الخميس، لكن ليست مختارة من جيل الألفية المعتاد. يحمل الحساب رمز الرئاسة السورية «@syrianpresidency» ويعود إلى «بشار الأسد».

غالبًا ما يعرض صور الرئيس والسيدة الأولى «أسماء الأسد» وهما يعتنيان بواجباتهما اليومية. تظهر أسماء متقمصة مظهر السيدة الأولى والأم بالإضافة إلى رمز مميز، يتبعها بشار. عندما لا يصور في مقابلة أو توقيع وثيقة، يسير بجانب زوجته، يلاعب أطفالًا سوريين أو يوقع على قمصان فريق كرة القدم الوطني.

في حين أُوقفت حسابات الجهات الفاعلة الرئيسية الأخرى في الصراع السوري؛ مثل داعش، عدة مرات بسبب نشر محتوى مزعج، يلتزم حساب الرئاسة السورية بقوانين وسائل التواصل الاجتماعي بعرض صور ممتعة وأوسمة جذابة، وبالتالي يُحدَّث بانتظام منذ 2013. بالعمل خلف ستار الشفافية، يبرز بشار الأسد ونظامه كفرسان، مصرّين على قيادة شعبهم لبر الأمان، على حد تعبيرٍ مصاحبٍ لإحدى الصور: «عندما تكون السفينة وسط العاصفة، لا يقفز القبطان، بل يواجه الأخطار لتوجيه السفينة لشواطئ أكثر أمانًا».

حساب «الرئاسة السورية» على موقع الإنستجرام
حساب «الرئاسة السورية» على موقع إنستجرام.

تُعتبر الشبكة السورية لحقوق الإنسان واحدة من المنظمات غير الحكومية التي رصدت أبعاد الحرب السورية على نطاق واسع. أحيانًا تشير الشبكة في الأمم المتحدة إلى أن قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية مسئولة عن أكثر من 90% من عمليات القتل في الصراع السوري، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 217 ألف مدني. في فبراير/شباط فقط، مات 1389 شخصًا. وبحسب الشبكة، قُتل 67% منهم على يد قوات النظام في الغوطة.

لا شك أن العنف في سوريا مُعقد ودقيق، مع تورط العديد من الجهات الفاعلة والأنظمة المختلفة على مر السنين. وأصبح من الصعب حصر ضريبة الحرب حتى الآن، خاصة فيما يتعلق بالسكان المدنيين. مالت دفة المعركة لصالح الأسد منذ أُضعفت داعش، وتُركَ المدنيون في سوريا الآن مع نظام مهمته المعلنة هي إعادة السيطرة المطلقة على البلاد عبر الاستيلاء على الأراضي وهزيمة أي جماعات معارضة متبقية.

أما فهم لماذا صارت الأشهر الأخيرة هي الأشد ضررًا بالمدنيين خلال الصراع السوري بأسره، على الرغم من ضعف تنظيم داعش بشكل كبير، فهذا يستلزم السير في طريق صعب يضم العديد من الأسئلة.


آرهوس، الدنمارك

التقينا «نجيب خاجا»، وهو صحفي دنماركي وصانع أفلام ومؤلف، في مقهى بجوار محطة القطار مباشرةً.

بوصولنا، انتهي صحفيان آخران من مقابلته، التقطا بعض الصور وقالا: شكرًا على وقتك.

من الصعب فك شفرة وجه نجيب. ربما العمل في سوريا جعل مقابلات الدنمارك تافهة. بدا أن الصحفيين الآخرين اشتريا له قهوة، وقررنا فعل الشيء نفسه.

تحدث نجيب في آرهوس في مؤتمر حول عمله في سوريا لعدة مرات منذ 2011، وهو من يحظى باهتمام دولي بسبب اتصالاته وشجاعته لتوطيد علاقته مع حركة طالبان في أفغانستان، والمقاتلين الأجانب في سوريا. وقد كان هدفه في سوريا هو تقديم منظور جديد في تغطية الحرب، لسرد القصص التي لا تُروى.

يعلق خاجا:

خلال الصراع السوري كان لدينا تركيز مختلف جدًا على داعش، فقد كانت الحكومة السورية وراء الغالبية العظمى من عمليات القتل المدنية، ولأن الحكومة السورية لا تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن الغرب، فكان كل تركيز الغرب على داعش.

الشائع بين الصحفيين والمحررين أنه كلما اقترب الموضوع من جمهوره، زاد اهتمامهم به. في السنوات الأخيرة أعلنت داعش مسئوليتها عن حوادث إرهابية في الشرق الأوسط، وهجمات في أوروبا. وهكذا كان من السهل تعزيز السرد القائل بأننا في الغرب في حرب ضد الإرهاب في سوريا. ربما أفسد ذلك الفهم العام حول من المسئول عن ماذا.

يوضح نجيب أن اقتراب داعش من الجمهور الغربي قد يساعد على تفسير سبب التركيز غير المتوازن على داعش أثناء الصراع السوري، على الرغم من البيانات الموثقة حول أن النظام السوري هو المسئول عن معظم الأحداث. دفعنا نجيب لتوضيح وجهة نظره، فقال إن الصراع السوري يتخلله تفاهمات غير متوازنة مثل هذا.

في أواخر عام 2015، آخر مرة ذهب فيها نجيب إلى سوريا، سافر عبر حلب وإدلب ومناطق أخرى وصفتها الحكومة السورية بأنها «مخبأ المتمردين». كان عملًا خطيرًا، لكنه كشف عن أنه في العديد من الأماكن -حيث وقعت التفجيرات الأخيرة- كان يلتقي مدنيين فقط، الكثير من المدنيين، وأخبره العديد منهم بالشيء نفسه:

من الإرهابيون؟ هذا سوق، يوجد به نساء وأطفال يمشون إلى المدرسة.

بالطبع يستحيل التأكد من مدى صحة هذه الشهادات، تختلف الروايات، لكن الواقع يقول إن العدد الكبير من الوفيات يكون من المدنيين، وذلك في حالات الصراع المختلفة -بما في ذلك حاليًا في الغوطة الشرقية- مما يثير العديد من التساؤلات حول ضرورة هذه المعاناة، التي يتعرض لها آلاف الأبرياء لمصلحة قلة قليلة.

في العلوم الاجتماعية تحاول النظريات البحث في أسباب استهداف الحكومات لشعوبها. وفي تحليله لبناء دولة «عالمثالثية»، يطرح باحث العلاقات الدولية «محمد أيوب» القضية لنظرة دقيقة حول انتهاكات حقوق الإنسان في الدول الجديدة نسبيًا، التي تثبت نفسها بعد القمع الاستعماري. تجادل نظريته -التي يطلق عليها «الواقعية المهمشة»- بأن هذه الدول الضعيفة تحتاج إلى مساحة لتعزيز سلطتها، وهي طريقة مهذبة للسماح بحد معين من العنف المتعمد من الدولة.

يشدد أيوب على وجود حدود لنوع العنف الذي تحتاجه الدول لتحقيق أهدافها، لكن من الصعب تحديد هذه الخطوط. لم نكن راضين عن هذا التفسير لأفعال النظام السوري، لكن عندما تعمقنا في المطبوعات، وجدنا مفهومًا ذا صدى: وهو «إرهاب الدولة».


الغوطة الشرقية، سوريا

رغم تصدر أحداث العنف الأخيرة في الغوطة الشرقية عناوين الصحف الدولية خلال الأشهر الأولى من 2018، فإنها لم تكن استعراض القوة الوحيد من النظام السوري.

فقد أصبح «كريستوفر فيليبس» -كاتب ومعلق يعيش في سوريا ويبحث في الصراع من نظرة أكاديمية للعلاقات الدولية ونُشرت أعماله في صحف الجارديان وواشنطن بوست- على دراية جيدة بالتفاعلات الاجتماعية والسياسية في المنطقة، وأوضح في مقتطف من كتابه «المعركة من أجل سوريا» كيف أن لجيش الأسد سابقة مبكرة في كيفية الرد على المواطنين الذين يخرجون إلى الشوارع:

استخدم النظام أساليب تهكمية ووحشية. دسّ عملاء محرضين بين المتظاهرين السلميين لإطلاق النار على قوات النظام، مما يبرر لهم الرد بالقوة المميتة. في بعض الحالات، دُست الشرطة السرية التابعة للنظام -المخابراتداخل الوحدات العسكرية والأمنية للتهديد بالإعدام إذا رفض الجنود إطلاق النار على المدنيين. سُلّمت تقارير كاذبة إلى مجموعات الأقليات الدينية في سوريا تدعي أن المتظاهرين -الذين كانوا في الغالب من العرب السُنة
متطرفين إسلاميين قرروا ذبحهم، مما أخاف الكثيرين لدعم الأسد. قُبض على عشرات الآلاف وعُذبوا، في حين أفادت المحتجات باعتداء جنسي من البلطجية والشبيحة.

وفقاً لتحليل فيليبس، سعى النظام منذ بداية الصراع إلى تفكيك النسيج الاجتماعي السوري كوسيلة للحفاظ على السلطة وقمع التمرد، بتحريض الجماعات ضد بعضها بناءً على مخاوف غير مبررة. وردًا على ذلك، تشكلت الميليشيات المدنية أخيرًا لحماية المتظاهرين. عندما انشق الآلاف من عسكريي الأسد وانضموا إلى الميليشيات المدنية في أواخر صيف عام 2011، زادت قوة المعارضة وتنظيمها، وبدأت الحرب الأهلية بعدها بقليل. دمرت الأمل المتولد من الربيع العربي وأسكتت الأصوات.


أمستردام، هولندا

بينما كان العالم يستعد لبدء ألفية جديدة مع نهاية ثنائية العالم، كان عالِم السياسة والصحفي المصري «إبراهيم هلال» يستعد للذهاب للعمل. بعد انتقاله من قناة بي بي سي العربية إلى قناة الجزيرة الجديدة، حيث يقضى معظم ساعات الاستيقاظ في المقر الرئيسي في الدوحة بقطر، يساعد الشبكة على ترسيخ مكانتها كوسيلة موازية لوسائل الإعلام الغربية.

في تلك السنوات عُرفت الشبكة عالميًا، لكونها الوحيدة في العالم التي تغطي الحرب في أفغانستان على الهواء مباشرة وعلى أرض الواقع. يدير إبراهيم هلال الجانب التحريري.

التقينا إبراهيم أواخر العام الماضي، 2017، في مؤتمر «News Xchange» في أمستردام. وهو أكبر مؤتمر سنوي عن الصحافة الإخبارية في العالم، حيث يجتمع مزيج من الصحفيين والباحثين وغيرهم من المشاركين في هذا المجال ويناقشون الأخبار. لا الأخبار الفعلية، ولكن كيفية تقديمها. دُعِيَ هلال للمشاركة في فريق مناقشة حول مفهوم الإرهاب وكيفية تغطيته.

قال هلال:

تتجاهل وسائل الإعلام الغربية مختلف أنواع الإرهاب والهجمات الإرهابية، لا سيما في الشرق الأوسط. بسبب انعدام السياق، حيث لا يعرفون ما يحدث بالضبط. عند حدوث بعض الهجمات يقولون فقط «انفجارات»، «قصف»، «أكثر الأيام دموية»، دون ذكر «الإرهاب».

عند دراسة اللغويات نرى أن الاعتقاد الخاطئ بأن الإرهاب محصور في نشاط القوات غير الحكومية، مثير للسخرية. كلمة «الإرهاب» الصحيحة مشتقة من «الإرهاب» بالفرنسية الذي يشير إلى العمل المنتظم للعنف واستخدام المقصلة أثناء حكم اليعاقبة والثيرموداريون في فرنسا، حيث سُميت هذه الفترة بـ «عهد الإرهاب». في حين أن النقاش العام حول التعريف الدقيق للإرهاب لا يزال مستمرًا، يفسره معظم الخبراء أنه يتضمن عنصرين حيويين: فعل ذو دوافع سياسية (يشمل ذلك الدوافع الأيديولوجية)، وسقوط ضحايا.

يتركز مفهوم الإرهاب الذي نطوره نحن -الجمهور الغربي- اليوم في الغالب على أعمال العنف الفردية؛ كتفجير، أو إطلاق نار، أو تطرف ديني، أو مجنون. تلك هي الأحداث والشخصيات التي شكّلتها وسائل الإعلام والسياسيين وتعريفاتنا الخاصة في الغرب حول ما نعتبره تهديدًا أو عملًا إرهابيًا أو إرهابًا. ومع ذلك، تسمح لنا الأبحاث الأكاديمية بتحدي هذا المنظور أحادي الجانب.

يؤكد العديد من العلماء على حقيقة عدم وجود نوع واحد من الإرهاب. حيث إن مفهوم الإرهاب واسع وله مسارات عمل مختلفة، تقوم بها مختلف الجهات الفاعلة لأغراض مختلفة.

واحد من هذه المسارات هو إرهاب الدولة. في تعريف الأكاديمي الأمريكي «مايكل ستول»، يُمارس إرهاب الدولة بهدف «خلق أو زيادة الخضوع، سواء من السكان عامةً أو داخل الحزب الحاكم». وتشمل التعريفات الأخرى عمليات خلق الخوف وإجبار الأفراد من داخل السكان المستهدفين على التصرف بطريقة معينة. وفي حين أن مفهوم إرهاب الدولة لا يتعارض مع القانون الدولي، فإن العديد من الإجراءات المرتبطة من استهداف وقتل للمدنيين تعتبر جرائم حرب، مثل استخدام الأسلحة الكيميائية.

عندما تحدثنا مع إبراهيم، تحدث بطريقته الخاصة حول سوء فهم الإرهاب، وعلاقته بالدولة، حيث قال:

إذا عدت للوصف الأكاديمي للإرهاب، فهو عنف أو تهديد بالعنف لتحقيق هدف ديني أو عقائدي أو سياسي. هذا تمامًا ما تفعله الحكومة السورية بشعبها. عندما يستخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، فلا يقتلهم فقط، بل يرعبهم، ويدفعهم للقيام بشيء مختلف، وهو تحديد نموذجي للإرهاب. مع ذلك، لا أحد يهتم بقول «النظام الإرهابي»، ولا يمكنهم قول ذلك. فقط قُتِل أقل من 2% [من المدنيين] على يد داعش. لكن يعتقد الجميع أن داعش هم الإرهابيون وليس النظام.

انستجرام

حساب «الرئاسة السورية» على موقع الإنستجرام 2
حساب «الرئاسة السورية» على موقع إنستجرام.

إحدى المشاركات الأخيرة في إنستجرام على حساب الرئاسة، تحمل صورة لبشار الأسد، في بذلة زرقاء مصممة ورابطة عنق رمادية فاتحة اللون. التُقط الرئيس السوري أثناء حركته، ينظر بعيدًا عن الكاميرا، ويشير بسبابته كما لو كان يشرح مسألة ما. يمكن أن يكون في منتصف خطاب.

يتحدث التعليق على هذه الصورة عن نفسه:

الحرب على الإرهاب لن تتوقف طالما هناك إرهابي واحد يدنّس قدسية التراب السوري. وفي الوقت نفسه، سنستمر في التصدي للسيناريوهات الغربية الهادفة إلى ضرب وحدة بلدنا وسيادتها.
لن يتخلى القبطان عن سفينته، بغض النظر عن عدد الغرقى.