كانت حياتي بسيطةً وسهلة، كنت جيدًا في الرياضيات، العلوم، الإلكترونيات والحواسيب، كنت متقدمًا على جميع من حولي، وربما على الجميع، لدرجة أني لم أقلق أبدًا ولم أفكر في الحصول على عمل أو كيف أحصل على عملٍ جيد.

هكذا يصف «ستيف وازنياك» نفسه بعد حياة حافلة، من أهم إنجازاته فيها أنه بدأ مع جوبز «آبل»، إحدى أضخم شركات التقنية اليوم، وعند الحديث عن الشخصيات التي أثرت في العصر الحديث، ستجد المشاركين في الحوار يحاولون الاختيار بين «ستيف جوبز»، «بيل جيتس»، «مارك زوكربيرج» وبالطبع «إيلون ماسك»، لكن، إن كان المشاركون في هذا النقاش مولعي هندسة الإلكترونيات وبرمجة الحاسوب، فهم بالتأكيد سيضيفون اسمه والذي لا يمكن التغاضي عنه بأي حال «الواز الكبير،ستيف وازنياك».


في غرفة نوم جوبز

وازنياك البالغ من العمر 66 عامًا، وبثروة تقدر ب 100 مليون دولار، قد يكون الشخصية المهمة الأقل شهرةً بين الشخصيات التي قادت التحرك التقني والنهضة التكنولوجية في السبعينات، والتي قادت إلى تطوير الحواسيب الشخصية، الإنترنت، الأجهزة الذكية، الشبكات الاجتماعية وغيرها، بعكس نصف آبل الآخر جوبز والذي يتحدث واز عن لقائه الأول معه وكيف تعرّف عليه فيقول:

«التقيت جوبز المرة الأولى في 1971، عندما كان في الثانوية العامة، أخبرني حينها صديقي قائلًا: يجب عليك أن تلتقي ستيف جوبز، إنه يحب الإلكترونيات ويحب المقالب مثل، وهكذا عرفني عليه.»

في عام 1973، كان جوبز يعمل لشركة الألعاب أتاري Atari وحسب الشركة، فإنها كانت تقدّم 100 $ لكلّ من يستطيع أن يقلل عدد الرقاقات الإلكترونية اللازمة لعمل الآلة الخاصة بها، اتفق جوبز مع وازنياك حيث كان واز أكثر معرفةً ومهارةً في التعامل مع تصميم الدارات الإلكترونية، وبالفعل قام بالتخلص من 50 رقاقة، حينها أخبر جوبز وازنياك أن أتاري أعطته 700 دولارٍ فقط، وأعطاه 350 منها، لم يعرف وازنياك عن الصفقة الكاملة إلا بعد عشر سنوات.

في عام 1976 في غرفة نوم ستيف جوبز، قام وازنياك بصنع أول حاسوب آبل على الإطلاق، والذي غيّر تصميم الحواسيب بشكلٍ كبير، من الحجم الكبير والوزن الثقيل إلى شيء معقول وقابل للاستخدام الشخصي، وبعد انتقالهم إلى جراج جوبز، قام الاثنان بصنع Apple II ليكون أول حاسوب منزلي يتضمن داراتٍ مطبوعة، لوحة مفاتيح، شاشة، وقدرةً تخزينية، كل ذلك في وحدة واحدة، بقي هذا النموذج في السوق حتى 1993.


الخروج من تحت المظلة الكبيرة

في عام 1985، قرر وازنياك مغادرة عالم الشركات، فباع معظم حصصه وغادر مبتعدًا عن الثروة الكبيرة، ولكنه لم يبتعد عن شغفه في الابتكار والإبداع، ويقول واز:

«تركت آبل، لأنّي أردت أن أعود شخصًا عاديًا، لم أرد أن أركض خلق الثروة والقوة، لأنّني أعتقد أنّها تفسد الأشخاص غالبًا، ولم أرد أن أكون ذاك الشخص. تركت آبل للمرة الأولى عندما تعرضت لحادث طائرة، كنت فيه الطيّار، وفقدت ذاكرتي مؤقتًا، ولم أخرج من تلك الحالة لمدة خمسة أسابيع، عندها وجدت أن فريق ماكنتوش، وهو فريقي المفضل في آبل، يعمل بشكلٍ ممتاز بدوني، اتصلت حينها بجوبز وقلت له أني سأعود للجامعة للحصول على شهادتي، وعدت تحت اسمٍ وهمي «روكي كلارك» وحصلت على الشهادة وعدت للعمل كمهندس في آبل. تركت آبل للمرة الثانية لأني أحب الشركات في بدايتها، أحب أن أبدأ شيئًا جديدًا، ربما لا يكون الأمر رابحًا، الحياة ليست مليونات ومليارات من الدولارت دومًا.»

وفي إجابةٍ لسؤالٍ آخر عن علاقته مع آبل يقول واز:

«بالتأكيد آبل هي أهم شيء قمت به في حياتي، ولن يغير أي شيء أقوم به أو أقوله تلك الحقيقية، بل أقول فعلًا «أنا آبل». عندما غادرت في 1985 كنت مستمرًا في وجودي كموظف، وكنت أحصل على مرتب، لقد وضحت لهم نيّتي بأن أقوم باختراع أشياء جديدة، ولم يكن هناك تعارض أبدًا بيننا، لا أحب أن أكون شخصًا سيئًا باعتبار أحد، حتى لو كان أحدهم مسيئًا لي. رحبت آبل بي دائمًا، كان لدي شارة تمنحني أحقية الدخول لأي مبنىً في الشركة، لم أستخدمها بشكلٍ كبير فعلًا.»

في عام 1990 قام بالمشاركة بتأسيس مؤسسة الحدود الإلكترونية Electronic Frontiers Foundation، التي أصبحت الآن منظمة عالميةً تساعد كاشفي الفساد وترافع قضائيًا في الدفاع عن الحريات المدنية على الويب، وعن اعتدال النت. بالتأكيد ليس الإنترنت قوة دفعٍ إيجابية دومًا، بل مع كل تقدم تقني نحرزه هناك، يوجد الكثير من السلبيات، ويقول واز «أشعر بالأسف حقًا أننا خسرنا أمام التكنولوجيا وذاك منذ أكثر من 200 سنة، فنحن لن نطرد آلة تصنع ملابس سيئة، بل سنطرد الإنسان، والشيء بالشيء يذكر، هذه الآلات لم تأخذ عملنا بل فقط غيرت طبيعة أعمالنا.»

وبسبب التطور والقوة التي وصلت إليها شركات التقنية اليوم، مع الشغف الاستهلاكي من المشتريين، فإن الشركات الكبيرة تملك قدرات غير مسبوقةً، ويستطيع المسوقون بواسطتها أن يتخطوا المشاكل التقنية والأخطاء بواسطة الإعلانات والتغطية الإعلامية.

«سمح الإنترنت والحاسوب لنا بمعالجة كميةٍ كبيرةٍ من المعطيات بحجم هائلٍ فعلًا، وأصبح لدينا شركات كبيرة فعلًا، تمنع المطوّرين الصغار من تطوير المنتجات الجديدة أو تسويقها بشكلٍ كبير. بشكلٍ مثيرٍ للسخرية، فإن احتمالية تمكن الآلات من السيطرة على العالم تصبح ضئيلةً بصعود تقنيات مراقبة المعطيات وتحديد قدرات المستهلكين عن طريق الحقوق الفكرية والحقوق الرقمية».


رؤيته لتطوّر الذكاء الاصطناعي

رغم كلّ المخاوف من تطوّر الذكاء الاصطناعي والتحذير من قدرة الآلات على السيطرة على واقعنا، فإنّ وازنياك يعتقد أنّ هذه الأشياء مجرد إلهاء عن الواقع، وهو من المتحمسين لفكرة «التعليم العميق»، الفكرة الناتجة عن تزاوج علوم الحاسوب والإحصاء، وذلك لاستبدال الروبوتات الغبية ببرامج ذات ذكاء اصطناعي قادرةٍ على التعلم والتكيف والتغير حسب الظروف، مثال على ذلك هي متصفحات الويب، فهي تتكيف مع البحث الذي يجريه المستخدمون، ويعود بنتائج متخصصة حسب الخواص والصفحات التي يطلبها المستخدم، كما تستطيع في النهاية أن تتوقع ما يريده وما يهتم به المستخدم حسب النتائج السابقة.

«يمكن للآلات أن تُبرمج لتقوم بمهمةٍ معينة، ولتقوم بها بسرعة، لكن استبدال البشر بالآلات صعب، حيث أنّ الآلات لا تفهم المعنى من المهمة، لا تستطيع التفكير بنفسها، لا تستطيع أن تسأل نفسها ما المشكلة في هذه النتائج وكيف يمكنني أن أحسنها، هي لا تملك الوعي الكافي. لكن الآن تعلّم الآلات يمنحها القدرة ولو لم تكن كاملة، لأداء المهمات بشكلٍ أفضل، لكن لا أعتقد أن آلةً قد تفكر «ما الذي يجب أن أتعلمه الآن؟»، هي فعلًا تتعلم بطريقةً أسرع من البشر، وتقوم بالتفكير أفضل منهم أيضًا.»

وفي نظرية مختلفة، أشار إليها عالم الحواسيب والمستقبلي المشهور راي كورزوايل، والذي يعتقد أن تطوّر وسيادة الآلات الذكيّة ليس إمكانيةً فحسب بل هو حتميٌ فعلًا. يتوّقع كورزوايل أنّ الذكاء الاصطناعي سيصل إلى نقطةً في المستقبل يستطيع فيها إعادة بناء نفسه وتحسينها، ليصل إلى مرحلةٍ لا يفهمها البشر، لنخسر حينها سيطرتنا عليه، وسمّى كورزوايل ذاك الشيء «المتفرّدة” Singularity»، واقترح أنّها ستصل في 2045، وازنياك لا يخالفه الرأي.

لا يعتقد وازنياك أنّ هذه الحواسيب ستستبدل أدمغة البشر، بل يعتقد أنّ توقع ما ستفعله قدرةٌ تفوق قدرة الأدمغة البشرية مجتمعةً شيء صعب إن لم يكن مستحيلًا، لا يمكن فعلًا توقع ماذا سيحدث بعد المتفردة.

رغم كلّ عدم التأكيد المطروح، يبقى واز غير قلقٍ أو منزعج بسبب ما قد يحصل، لا يوجد فعلًا ما يدعو لرباطة الجأش مع كل ما نسمعه، لكن علينا أن نتذكر بعد كلّ شيء، أن وزانياك يفهم الحواسيب وطبيعتها أكثر من أيّ شخصٍ آخر على سطح كوكبنا، ربما علينا ألا نقلق نحن أيضًا.

«لا أعتقد أن هناك ما يجب أن نخشاه، ما الذي قد يحصل إن حصلت آلة واحدة على الوعي؟ هذا لن يدفع الآلات في جميع أنحاء العالم للسيطرة علينا لتصبح أسيادنا، لا أعتقد أنه سيصبح هناك “سيد” حتى لو حصل ذلك بعد مئتي عام، فإن الآلات ستحبنا، كما نحب نحن حيواناتنا الأليفة.»

وعن لقبه The Woz يقول:

1280px-EFF_Logo.svg
1280px-EFF_Logo.svg

لا أذكر فعلًا من أطلقه عليّ أولًا، لكن أذكر أني حصلت عليه عندما عملت مع HP في 73-75 وعندما بدأنا بشركة آبل، وأصبح اسمًا أستخدمه في آبل وعند تقديم المنتجات الجديدة، ثم اكتشفت مع مرور الزمن أن عائلتي كلها تحصل على الاسم بشكلٍ أو بآخر، فعميّ هو العم واز، وأصدقاء ابني يدعونه «واز» أيضًا، أحيانًا اسمع الاسم فالتفت لأجد الكلام موجهًا لابني غاري، وليس لي. أحبّ الأشياء البسيطة السهلة في التقنية، وأحب اسمي القصير، كما أنّه من المميز أن يسمع الآخرون كلمةً واحدةً لتلخص من أنت.

المراجع
  1. Steve Wozniak Net Worth
  2. I’m Apple Co-founder Steve Wozniak, Ask Me Anything!
  3. Steve Wozniak – the ethical geek