منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة أصبح معبر رفح محطَّ أنظار العالم بعدما نُظر إليه باعتباره القناة الوحيدة التي تربط غزة بالعالم ولا تسيطر عليها إسرائيل.

كثيرون نزحوا ناحية المعبر أو سعوا للهرب إليه ولم يتمكنوا من الوصول إليه بسبب القصف المستمر الذي طال كل شيء.

بكر: أقضي يومي في البحث عن الماء

أجرى عملية بالقلب قبل أشهر في قاهرة المعز، وكان موعد عودته السابع من أكتوبر الماضى إلى حضن المحروسة ليستكمل باقي الفحوصات عقب العملية، تلك التفاصيل تعود لزكريا بكر ابن مخيم الشاطئ بجنوب قطاع غزة، الذي حاصرته طائرات وصواريخ الاحتلال الإسرائيلي حتى اللحظة.

يقول بكر لـ«إضاءات»، موعد سفري ووصولي إلى القاهرة كان يوم السابع من أكتوبر الجاري، ولكن بسبب القصف تغيرت الخطة وبقيت في منزلي حتى الآن مع بقية أفراد أسرتي.

ويضيف بكر، أن العدوان الإسرائيلى مستمر حتى اللحظة، والقصف مستمر على مدار الـ24 ساعة، مخلفًا آلاف الشهداء والجرحى من أهالي غزة بينهم أقاربه وأهله من مخيم الشاطئ.

ويوضح بكر أنه حاليًا قابع في منزله لم ينزح مثل باقي المواطنين، لأن مراكز الإيواء والمستشفيات والمدارس أصبحت مأهولة بالسكان والنازحين من مدن شمال غزة، وانتشرت بينهم الأمراض الجلدية، مع نقص المقومات الأساسية للحياة من مأكل ومشرب.

ويتابع بكر «أبحث يومًا كاملًا عن ماء يصلح للشرب لحفيدي الذي لم يكمل عامه الأول، كاشفًا عن معاناة الطفل الصغير عند سماع أصوات الصواريخ والطائرات، مشيرًا إلى أنه يستمر في الصراخ والبكاء لساعات طويلة، متابعًا «أصبحنا نخاف الليل بسبب استمرار القصف، لافتًا إلى كافة منازل المنطقة دمرت على رؤوس أصحابها وبقي منزله ينتظر موعد الدمار، مؤكدًا أن كافة المواصلات بين المحافظات أصبحت شبه مقطوعة، وصعب التنقل من مكان لآخر».

الكحلوت: الاحتلال ضرب فنادق الأجانب بالفسفور

فيما قال محمد الكحلوت صحفي بدويتشه فيله، إنه كان يستعد للخروج من منزله شمال غزة متجهًا نحو رفح للخروج مع باقي أسرته ولكن مع اشتداد القصف وتدمير المعبر لأكثر من مرة حال بينه وبين السفر والمغادرة.

ويضيف الكحلوت لـ«إضاءات» أنه حاليًا نزح من الشمال إلى الجنوب بسبب القصف ومنشورات الاحتلال المستمرة بضرورة إخلاء الشمال والتوجه نحو الجنوب، موضحًا أن أسرته حاليًا في مقر الهلال الأحمر في خانيونس، وهو مقيم في مستشفى ناصر.

ويشير الكحلوت إلى أن الأجانب غير الفلسطينيين غادروا المعبر في البداية وتوجهوا إلى الفنادق الخاصة، التي لم تسلم أيضًا من العدوان الإسرائيلي، لافتًا إلى أنه تم استهداف منطقة الفنادق في ميناء غزة بالفسفور، لافتًا إلى أن عديدًا من الأجانب موجودين في مقر الأمم المتحدة».

ويؤكد الكحلوت أن الأوضاع المعيشية صعبة للغاية بسبب نقص المواد المعيشية الأساسية للحياة من منافذ البيع مثل الدقيق والأغذية، بجانب النقص الشديد في مياه الشرب.

يُذكر أننا لم نستطع استكمال الحوار مع الكحلوت بعدما تعرض منزله للقصف وانقطع الإنترنت عنه.

وهو نفس ما مرَّ به مؤمن ياغي مواطن أمريكي فلسطيني الذي جاء من رام الله مع أسرته وأصبح عالقًا لم يستطع العودة حتى الآن، وتعرّض منزله للقصف مباشرة ودمرته طائرات الاحتلال الإسرائيلي، وفقد الاتصال مع ذويه حتى الآن، ولم يتمكن من استكمال تصريحاته بسبب قطع الإنترنت والاتصالات عن قطاع غزة.

ننتظر فتح المعبر للخروج

فيما يقول «س.ا.ش» (حُجب اسمه بناء على طلبه)، وهو مواطن من رام الله إنه ذهب إلى قطاع غزة مع أسرته قبل بداية العدوان الإسرائيلى لإنهاء مهمة تابعة لعملي، ولكن علقنا هنا وأنتظر فتح معبر رفح للمغادرة، مشيرًا إلى أنه كان هناك عائلات أخرى كانت فى المعبر لحظة القصف وانتقلت بعد ذلك إلى مراكز للأمم المتحدة».

ويضيف لـ«إضاءات»، مثلي مثل كل العائلات التي تعيش هذا العدوان الإسرائيلي وتداعياته وتبعاته اليومية على المستويات المعيشية والأمنية وغيرها، فأنا موجود في استضافة أخي في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وأنتظر فتح المعبر للمغادرة بأي شكل علمًا أن جوازات سفري أنا وزوجتي موجودة الآن في الشيخ زويد وأحاول الحصول عليها وإيصالها إلى رفح ولكن حتى الآن لم أجد طريقة مناسبة».

ويوضح أن الوضع المعيشي صعب للغاية في كافة المدن بقطاع غزة، بسبب قطع الكهرباء المستمر، انعدام وجود مياه شرب، والوقود، بجانب أزمة الخبز والدقيق بسبب استهداف الطيران الإسرائيلي للمخابز في أكثر من مدينة، موضحًا أن المساعدات التي تصل لقطاع غزة من كافة الدول لا تستطيع سد جزء بسيط من الاحتياجات اليومية نظرًا لكثافة أعداد النازحين من شمال غزة وقلة الإمكانيات.

فيما يقول قاسم على أمريكي فلسطيني، الذي كان موجودًا في مركز إيواء الكلية الصناعية في خانيونس منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، ولكن السفارة الأمريكية طلبت منه المغادرة والتوجه للمعبر ليخرج مع باقي العالقين الأجانب.

ويضيف قاسم لـ«إضاءات»، المعاناة في مراكز الإيواء في غزة، ليست معاناة شخصية فهي معاناة لكل كائن حي في غزة وليس فقط للإنسان فحتى الحيوانات والطيور، فلا يوجد الحد الأدنى من مقومات الحياة، لا يوجد كهرباء، ماء صالح للشرب، وقود، غاز، طعام أو سلع بفعل الحرب والعدوان على غزة.

ويقول قاسم «في غزة تنتظر زيارة عزرائيل أو جبرائيل، فالأول لا يتوقف عن الزيارة أما الثاني لم يأتِ بعد حتى لو مرة واحدة، كنا ننتظر الإنترنت كما كنا ننتظر ساعى البريد فى القرن الماضي، وبعد كل التضحيات التي قدمتها غزة الأسيرة الأكبر في التاريخ الإنساني، ألا تستحق الحرية بعد؟».

ويتابع قاسم «لو كنت أعرف شخصيًا أن تجربتي ستكون هكذا وإنني يجب أن أغادر مصر خلال 72 ساعة فقط عقب وصولي لها، كما بلغت من السفارة الأمريكية في مصر لرفضت الخروج من غزة وفضلت البقاء في مركز الإيواء في غزة».

ويضيف قاسم أنه من المقرر أن يغادر إلى مالطا، كما بلغه ممثلو السفارة الأمريكية في القاهرة، مشددين أنه يجب المغادرة خلال 72 ساعة فقط، متابعًا «لست أدري الآن، ما الوجهة الثانية بعد مالطا، فعندما تجبر أن تخرج من بيتك ولا تحمل إلا أوراق إثبات الشخصية، وبعد ذلك ليس بيتك فقط، بل كل قريتك عن وجهك الأرض ومئات من عائلتك والآلاف من أصدقائك وعائلتهم، فهل يمكنك أن تفكر وتخطط لحياتك؟».

العكر: الخروج صعب جدًا

فيما قال المواطن الفلسطيني هاني العكر، الخروج من قطاع غزة صعب للغاية في ظل استمرار القصف الإسرائيلي على مدار الساعة، والتوترات الأمنية إلى جانب الصعوبات في التنسيق وبخاصة أن عديداً منا لا يحملون جوازات سفر كاملة بسبب تدميرها خلال العدوان أو لأنها بحاجة لتجديدها، ويتعذر أيضاً الحصول على سيارات لنقلنا بسبب نقص الوقود.

ويوضح العكر في تصريحات لـ«إضاءات»، أن هناك أكثر من 21 ألف أجنبي داخل قطاع غزة بينهم 17 ألفاً منهم يحملون الجنسية المصرية وموجودون في قطاع غزة، لافتًا إلى أن الحكومة المصرية قامت بتسهيلات وتوفير وثائق ثبوتية وكشوف لتسهيل الخروج ومع ذلك، فإن الخروج لا يزال أمرًا صعبًا.

يعتبر الخروج من قطاع غزة أمرًا صعبًا للغاية، ونواجه كثيرًا من التحديات والمعاناة حتى يتمكنوا من الوصول إلى المعبر الحدودي في ظل القصف المستمر، ففي الماضي، تم تنسيق خروجهم من خلال وسائل النقل المؤمنة مثل الحافلات الخاصة بالهلال الأحمر أو الصليب الأحمر أو الأونروا أو الاتحاد الأوروبي، حيث يتم ضمان سلامتهم خلال عملية النقل، إلا أن الخروج من القطاع يظل صعبًا للغاية في ظل القصف المستمر الذي يؤدي إلى استشهاد وجرح الكثير من الأشخاص.

ويضيف العكر أن السكان في قطاع غزة يواجهون صعوبات في الحصول على المياه والطعام وحتى الوقود بأسعار خيالية، ليس فقط ذلك، بل عند المرور عبر المعبر، يواجهون مخاطر كبيرة بسبب القصف المستمر على الطرق والمباني.

ويؤكد العكر أنه من المهم أن نلاحظ أن العدد الفعلي للأشخاص الموجودين في قطاع غزة يتجاوز العدد المذكور، وتعتبر الأغلبية الكبيرة منهم غير راغبة في مغادرة القطاع على الرغم من العدوان المستمر، وانعدام مقومات الحياة الرئيسية كالمياه والطعام والأدوية والوقود وغيرها.

ويشير العكر إلى أن الاتصالات شبه مقطوعة ويعمل الاحتلال على قطعها لعزل غزة عن العالم أجمع، حتى المستشفيات ومراكز الإيواء لم تسلم من عدوانهم المستمر، إذ يزعمون أن هناك أنفاقًا تحت المستشفيات وبالتالي يقومون بقصفها على رؤوس الموجودين والنازحين هناك.