كم مرة نصحك أحد كبار السن بالمحافظة على مناعة طفلتك الرضيعة؟ هل أخبرك أحدهم من قبل بألا تفرط في وقاية طفلك لكيلا تضعف مناعته؟ هل سمعت عن أجنبي يعيش في بيئة شديدة النظافة وزار دولة ذات نسبة تلوث مرتفعة فمرض لتوه لضعف مناعته؟


ما الحكاية؟

اشتقت لفظة «المناعة – Immunity» من كلمة لاتينية تعني حرفيًا «أن تكون معفى من الخدمة العامة المطلوبة من الطبقات الدنيا»، وكانت الاكتشافات المبكرة المتعلقة بنظام المناعة تهدف لمنع انتشار المرض ولتطوير العلاج.

في هذا السياق اللغوي يمكننا أن نفهم أن مناعة الجسد –أو النظام المناعي- هدفه إعفاؤنا من الأجسام الغريبة أو مسببات الأمراض، فهو حائط صد دفاعي ضدها. فمناعة الجسد الفطرية تتكون من خط دفاعي أول يتشكل من أكبر عضو في الجسم (الجلد) كحاجز خارجي، بالإضافة للأغشية المخاطية التي تمنع دخول مسببات المرض إلى الجسم، وكذلك البيئة الحامضية للمعدة والتي تحمينا من عدوى بعض البكتيريا.

ثم نصل بعد ذلك إلى خط الدفاع الثاني الذي يتعامل مع ما أفلت من الخط الأول، ويتكون من الخلايا المناعية الموجودة في الدم مثل الخلية «البالعة – Phagocyte» وهي في الفيديو تظهر وهي تبتلع الجسم الغريب. و تصنف المناعة الجسدية بشكل عام إلى مناعة فطرية «Innate» ومناعة مكتسبة «Aquired».

هل يتوقف دور المناعة على الحماية وحسب؟ دعنا نر!


التطرف المناعي!

خلق الله المناعة الفطرية في أجسادنا لحمايتها من المرض، لكن يحدث أحيانًا أن تتطرف مناعة الجسم إما بالحضور المؤذي أو بالنقص الذي قد يصل للغياب المميت. والأمراض المتعلقة بالمناعة يمكننا تقسيمها إلى أمراض تتجاوز فيه المناعة حدها وهي مجموعة من الأمراض يقدر عددها الإجمالي بأكثر من 80 مرضًا تعرف بأمراض المناعة الذاتية، ويحدث فيها أن يهاجم نظام المناعة الجسم نفسه الذي يفترض أن يحميه! وتلعب الجينات دورًا في هذا الأمر كما كشفت بعض الدراسات. وأمراض أخرى تضعف فيها المناعة وقد تغيب تمامًا كما في متلازمة نقص المناعة المكتسبة الشهيرة «الإيدز» وإن كان من الدقة أن نذكر أن هذا الأخير يأتي بسبب عدوى فيروسية تهاجم المناعة وليس تفاعلاً مناعيًا خالصًا.

أولاً: أمراض المناعة الذاتية

سنتناول بعضًا من أمراض المناعة التي نسمع عنها دون أن نعرف شيئًا من الأسرار الكامنة وراءها.

1. التهاب المفاصل الروماتويدي «Reumatoid arthritis»:

وفيه يعاني المريض من آلام في المفاصل مع تورم وتصلب. وقد تزيد الحالة سوءًا بعض الأوقات فيما يعرف بالتوهج «flare». قد يصاحب المرض كذلك بعض الأعراض الأخرى كفقد الوزن والإجهاد. وكما أوضحنا، فإن التهاب المفاصل الروماتويدي من أمراض المناعة الذاتية حيث يهاجم الجهاز المناعي الخلايا المبطنة للمفاصل وقد يصل إلى تدمير المفصل نفسه.

أمراض مناعية، مناعة، ألم مفاصل، روماتيزم
الفرق بين المفصل السليم (على اليسار) والمصاب (على اليمين) لمريض التهاب المفاصل الروماتويدي

يتضمن العلاج ما يعالج الأعراض الالتهابية والألم كما يتطرق للعلاج الطبيعي«Physiotherapy» والذي يساعد على إبقاء حركة المفصل. ويأتي في مقدمة العلاج الدوائي ما يعرف بمضادات الروماتويد المعدلة للمرض مثل دواء الميثوتريكسات «Methotrexate».

2.«الذئبة الحمامية الجهازية – Systemic Lupus erythematosus SLE»:

أشهر أعراضها هو احمرار الجلد على شكل فراشة. وقد يظهر المرض بدايةً على هيئة إجهاد شديد وشعور بالكسل وحمى وفقدان للشهية والوزن. كما أن العديد من مرضى الذئبة الحمامية الجهازية يعانون من ألم بالمفاصل يأتي بالتساوي على جانبي الجسم.

أحد أعراض الذئبة الحمامية الجهازية

علاج هذه الحالة حسب Mayo clinic يتضمن مضادات الالتهاب الستيرويدية وغير الستيرويدية وكذلك أدوية الملاريا مثل «Hydroxychloroquine» والتي تؤثر على الجهاز المناعي، ويمكن أن تقلل من خطر الحالة، كذلك هناك الأدوية المثبطة للمناعة والعلاج البيولوجي.

3. مرض هاشيموتو «Hashimoto’s disease»:

التهاب الغدة الدرقية المزمن أو مرض هاشيموتو.يتضمن أيضًا تفاعلاً من الجهاز المناعي ضد الغدة الدرقية. تنصح Mayo clinic بزيارة الطبيب إذا وجدت الأعراض التالية: تعب بلا سبب واضح، وجفاف مع شحوب في الجلد، وانتفاخ في الوجه وإمساك.

عمود العلاج في هذا المرض هو تعويض نقص هرمون الغدة الدرقية مع متابعة نسبته وإجراء تحاليل معملية لمتابعة الحالة.

ثانيًا: أمراض نقص المناعة

1.متلازمة نقص المناعة المكتسبة «الإيدز»:

وهو ذروة النقص المناعي والأشهر على الإطلاق، ورغم كون هذا المرض ينشأ عن فيروس يعرف بالـ HIV، إلا أنه في النهاية يدمر القدرة المناعية للجسد بدرجة كبيرة! فهو الصورة النقيضة لتوحش المناعة.. إنه التراجع نحو الغياب!

متى تتحول عدوى HIV إلى مرض الإيدز؟ يهاجم الفيروس نوعًا من الخلايا التي تلعب دورًا كبيرًا في مقاومة الجسم للأمراض، إنها خلايا الــ CD4. عندما ينخفض عدد هذه الخلايا تحت المائتين تبدأ متلازمة نقص المناعة المكتسبة AIDS ويصبح الجسم عرضة للعديد من الأمراض والسرطانات.

2.نقص المناعة الأولية:

وقد تكون بصورة خفيفة غير ملحوظة لمدة سنوات، وقد تظهر بشكل صريح واضح يسهل كشفه فور ولادة الطفل. إلا أنه إذا تكررت لديك أو لدى طفلك عدوى متكررة بشكل ملفت، فربما كنت بحاجة لاستشارة الطبيب. كما أنه من الممكن أن يصف الطبيب لبعض الحالات مضادات حيوية وقائية أو أن يصف علاجًا مثل الإنترفيرون أو ينقل أجسامًا مضادة بعينها حال نقصانها.


كيف أعلم أني مريض مناعة وبمن أستعين؟

إذن.. فباستثناء الإيدز والذي يأتي عن عدوى فيروسية (ربما عبر الدم أو ممارسة الجنس مع مريض)، تكمن أحد مصاعب المرض المناعي في صعوبة تشخيصه وذلك لتشابه أعراضه كثيرًا مع أعراض أمراض أخرى. إلا أنه بالنسبة لأمراض نقص المناعة الأولية، يعد تكرار العدوى مؤشرًا مهمًا ويستدعي الاستشارة الطبية.

وبالنسبة لأمراض المناعة الذاتية (والتي تتطرف فيها المناعة بمهاجمة أعضاء من الجسم) فعليك الانتباه أن الجينات تلعب دورها في أمراض المناعة الذاتية تحديدًا، ولذلك فإذا وجدت أن حالات أمراض المناعة الذاتية متكررة في عائلتك فعليك توجيه تفكيرك إليها والاطمئنان من طبيبك.

وإجمالاً لأهم الأعراض التي يمكن أن تؤشر إلى مرض من أمراض المناعة الذاتية:

أمراض مناعية، مناعة، ألم مفاصل، روماتيزم
1. ألم المفاصل أو العضلات أو ضعفها أو وجود رعاش.

2. المعاناة من صعوبة التركيز، الشعور بالتعب والإجهاد دون سبب مفهوم.

3. فقد الوزن أو زيادته أو فقد الشعر بشكل ملحوظ غير مبرر.

4. ظهور بقع بيضاء في الجلد، أو داخل الفم، أو ظهور طفح جلدي متكرر لا سيما إن وجد على هيئة الفراشة.

5. جفاف العين والجلد والعين والفم.

6. تكرر الإجهاض أو التجمعات الدموية.

7. خدر في اليدين أو القدمين.

8. مشاكل في الجهاز الهضمي: ألم البطن أو مخاط و دم في البراز أو إسهال.

9. قرح في الفم.

الخطوة الأولى للتأكد هي التوجه إلى الطبيب المختص بالعضو الذي فيه شكوى، بالذهاب مثلاً إلى طبيب الأمراض الروماتيزمية في حالة ألم المفاصل، أو طبيب الجلدية في حالة أعراض الجلد، أو طبيب العيون في حالة شكوى العيون، وفي حالات الجهاز الهضمي ينصح بالتوجه إلى طبيب باطني. وفي كل الحالات يوجهك الطبيب لعمل الفحوصات والتحاليل اللازمة لدى متخصص التحاليل الطبية كما قد تحتاج استشارة أحد أطباء المناعة والحساسية.

وختامًا.. هناك بعد آخر للمناعة، إلا أنه مختلف تمامًا عما تحدثنا عنه إلا في الاسم، ويعرف بالمناعة النفسية -أو للدقة: المثابرة النفسية «Psychological resilience»، وهو مصطلح لصيق بعلم النفس، كما نحتاجه في العلوم الطبية لعلاقته بالصحة العقلية، وله دور مهم في التربية،ويعني قدرة استيعاب الإنسان للضغوط (كالمرض أو الإحباط أو كليهما) والاستجابة الإيجابية وقدرته على الخروج من هذه الأحداث أقوى مما كان قبلها.

جدير بالذكر أن مفهوم المثابرة يتم تطبيقه بشكل أوسع على المجتمعات حيث تعني قدرة نظام ما على مقاومة وامتصاص الأخطار والتكيف معها بشكل فعال وفي مدة زمنية مناسبة، هذه المثابرة النفسية تستحق موضوعًا مستقلاً في الحقيقة وربما تكون موضوعًا لمقال قادم.