يجب على العلامات التجارية أن تدرك أنه ليس من المهم كم هو عدد المستهلكين الذين يستعملون منتجاتهم، بل عدد الأشخاص الذي تحولوا إليها وآمنوا بها.

كارين جرانت، محلل في صناعة التجميل العالمية لدى شركة إن بي دي

كلما أرادت أي صناعة حماية نفسها من ويلات أي أزمة اقتصادية محتملة، وجب عليها أن تستهدف شرائح أكبر، بهذه الطريقة تنجح في الاستمرار ومواجهة أي رياح عاتية.

هكذا استطاعت صناعة الجمال أن تصمد أمام الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008. فقد تمكنت صناعة المكياج وحدها أن توّلد ما يقرب من 35 مليارًا عام 2010، بعد أن سجلت نموًا سنويًا يزيد على 4% خلال الأربع سنوات السابقة. كما حققت عائدات مبيعات تزيد على 12 مليار دولار في العام ذاته وهو ما يمثل 35% من القيمة الإجمالية لسوق منتجات التجميل. إذ مثّلت صناعة المكياج في ذلك الوقت الصناعة الرائدة في هذا السوق.

وعلى الرغم من التباطؤ الاقتصادي الذي شهده العالم آنذاك، فإن صناعة الجمال أخذت في الصعود رغم الانكماش البسيط في نسبة المبيعات الذي أصابها في البداية. إذ منح التزايد المتسارع في أعداد المستهلكين لمنتجات التجميل تلك الصناعة نوعًا من الصلابة، فلم يعد التجميل كما كان في الماضي مقتصرًا على النساء فحسب، بل أصبح هناك أدوات تجميل وعناية بالبشرة خاصة بالأطفال والرجال.

ومع تشعب ونمو الأفكار المبتكرة في العديد من جوانب الصناعة، أصبح المستهلكون دائمي البحث عن تجارب مختلفة ومنتجات جديدة ومستحضرات تجميل قادرة على إضافة رونق جديد إلى مظهرهم، حتى بلغت قيمة سوق منتجات التجميل على مستوى العالم نحو 532.43 مليار دولار أمريكي عام 2017، وتشير دراسات إلى أنه من المتوقع أن تبلغ تلك الصناعة قيمة 805.61 مليار دولار بحلول عام 2023، وذلك بمعدل نمو سنوي يبلغ 7.14% خلال الفترة 2018-2023.


كيف كان التجميل في الماضي؟

لم يكن الاهتمام بالجمال رهين العصر الحالي، بل يرجع إلى آلاف السنين. فقد كانت المرأة منذ القدم تبتكر -مما هو متاح لديها- أدوات ومستحضرات تُبرز جمالها. وقد تطور الأمر إلى أن أصبحت صناعة منتجات التجميل واحدة من أكبر الصناعات في العالم.

الحضارة المصرية القديمة

كانت الحضارة المصرية القديمة أولى الحضارات التي اهتمت بتزيين المرأة وتجميلها. بدأت القصة منذ 10 آلاف عام قبل الميلاد، عندما كان الرجال والنساء في مصر القديمة يلجؤون إلى استخدام الزيوت العطرية لتنظيف الجلد وتنعيمه وإضفاء الروائح الجميلة عليه، بل وصنع الكريمات الواقية من أشعة الشمس الحارقة والتي كانت تتكون من خليط الزعتر والبردقوش والبابونج والخزامى والزنبق والنعناع وإكليل الجبل والصبار وزيت الزيتون وزيت السمسم وزيت اللوز.

وقبل 4 آلاف عام قبل الميلاد، كانت النساء يعمدن إلى استخدام «الغالينا» المصنوعة من النحاس وخام الرصاص من أجل تزيين عيونهن، فضلاً عن «الملكيت»، تلك العجينة الخضراء المصنوعة من النحاس التي كانت تستخدم لتلوين وجوههن. أما عن صناعة الكحل؛ فكن يقومن بمزج اللوز المحروق والرصاص المؤكسد وخامات النحاس بألوان مختلفة. إضافة إلى ذلك، كن يخلطن الطين الأحمر مع دهون مائية وحيوانية لصنع أحمر الشفاه والخدود، ويستخدمن الحناء كطلاء للأظافر، ولإزالة المكياج كانت النساء يستعملن نوعًا من الصابون المُصنع من زيوت نباتية وحيوانية وعطور.

الثقافات الآسيوية

قبل 3 آلاف عام قبل الميلاد، كان الصينيون القدماء يستخدمون لتلوين أظافرهم الصمغ العربي وشمع العسل والبيض والجلاتين، كان لكل لون دلالة على الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد، فعلى سبيل المثال، كان اللونان الذهبي والفضي السمة المميزة لأفراد عائلة «تشو» الملكية، ولاحقاً صار اللونان الأسود والأحمر حكرًا على تلك العائلة، فمُنعت الطبقات الدنيا في المجتمع آنذاك من تلوين أظافرهم بألوان زاهية.

وفي حقبة 1500 قبل الميلاد، استخدم الصينيون واليابانيون بودرة الأرز في تلوين وجوههم باللون الأبيض، وكانوا يحلقون حواجبهم ويصبغون أسنانهم باللون الذهبي أو الأسود، ولصبغ الشعر كانوا يستعملون الحناء.

عند اليونانيين

مرّالمكياج في اليونان بثلاث فترات بين حظرٍ وسماحٍ على مضض وترحيب. كانت البداية بين القرن الـ12 والـ8 قبل الميلاد، فقد اكتفى الناس آنذاك بالعناية بأجسامهم باستخدام الحمامات والزيوت، لكن دون استعمال أي مواد للتجميل، إذ كان يعد استخدامها أمرًا محظورًا غير مرغوب فيه، لما في ذلك من كسر للطبيعة والانسجام بين أعضاء الجسم.

ثم في الفترة بين القرن الـ5 والـ4 قبل الميلاد، لم يعد المكياج ممنوعًا كما كان في الماضي، إلا أن من تقوم باستعماله لم تكن لتنال تقدير المجتمع، لأن المكياج ظل في تلك الفترة مرتبطًا في وعي الناس ببائعات الهوى اللواتي يلجأن إلى المكياج لاستمالة وجذب أعين الرجال، فهو بالنسبة لهن كان بمثابة جمال كاذب مصطنع. لذا كان واجب على المرأة في تلك الفترة أن تظل شاحبة اللون كي لا تتأذى سمعتها أو تفقد احترام الآخرين.

أمّا بعد القرن الـ3 قبل الميلاد، فقد صار المجتمع اليوناني أكثر تسامحًا مع فكرة المكياج، فكان اليونانيون يستخدمون الطباشير الأبيض وبودرة الرصاص لتبييض بشرتهم. ولصنع أحمر الشفاه، كانوا يستخدمون التوت المطحون ويمزجون الطين الأحمر الذي كان يحتوي على الحديد الأحمر بنسب كبيرة، كما تم تكحيل العيون بالكحل والبخور. علاوة على ذلك، راجت موضة الحواجب الصناعية التي كانت تصنعها النساء من شعر الثيران.

في أوروبا

عرفت أوروبا المكياج بشكل تدريجي بدأ في حقبة ألف قبل الميلاد، بفضل قوافل الحرير والتوابل التي وصلت إليها. إلا أن القارة العجوز في العصور الوسطى كانت لها تقاليدها الغريبة بخصوص المكياج. ففي عام 1300 ميلادياً، كان صبغ الشعر باللون الأحمر يتمتع بشعبية كبيرة في إنجلترا، وكانت النساء يستعملن بياض البيض على الوجه لإضفاء لون شاحب.

ظل استخدام مستحضرات التجميل من عام 1400 إلى عام 1500م حكرًا على الطبقة الأرستقراطية، ومثّلت فرنسا وإيطاليا المراكز الرئيسية لصناعة مستحضرات التجميل في العالم. كان يُستخدم الزرنيخ آنذاك في صناعة بودرة الوجه، وبدأت فرنسا في صناعة العطور بشكلها المعقد المعتمد على مزج مواد طبيعية ببعض المواد الكيميائية.

وفي القرن السادس عشر، كانت المرأة مهووسة بتفتتيح بشرتها، فاسخدمت من أجل ذلك العديد من المكونات كبودرة الرصاص الأبيض وأكسيد الزنك، حتى أن الملكة إليزابيث الأولى – ملكة إنجلترا آنذاك- كانت من أكثر المستخدمين للرصاص الأبيض. كانت إطلالتها تلك تسمى بـ«قناع الشباب».

استمر الضغط على النساء كي يبدون أكثر شبابًا وجمالاً إلى أن أصبحت مستحضرات التجميل في المنزل وحدها لا تكفي، فزادت شعبية صالونات التجميل في القرن العشرين. لكن ظلت النساء لفترة يرفضن الاعتراف بأنهن بحاجة لمساعدة الصالونات فكن يتسللن إليها من أبواب سرية. وبالتدريج لم يعد في الذهاب إلى صالونات التجميل عيبًا.


علاقة المكياج بالثقة في النفس

أظهرت الأبحاث أن المكياج يسهم في تشكيل الانطباع الذي يتكون لدى الناس عن النساء، ففي دراسة أجرتها عالمة الاجتماع «ريبيكا ناش»، قامت هي وزملاؤها بعرض صور لنساء قبل وبعد المكياج على مجموعة من الرجال والنساء.

أشاد المشاركون في الدراسة بصور النساء بعد وضع المكياج، إذ أظهرن في تلك الصور ثقة أكبر من صورهن دون مكياج. كما رأوا أن فرصهن في الحصول على وظائف مرموقة تزيد إذا ما وضعن المكياج أكثر بكثير مما لو كن بدونه.

لا يمنح المكياج المرأة الجاذبية وإعجاب الآخرين فحسب، بل ثقة في النفس. ففي مسح أجراه مركز «رينفرو»،أظهر أن 44% من النساء يشعرن بعدم الارتياح والجاذبية عندما يكن بدون مكياج، و16% عبرن عن عدم شعورهن بالجاذبية، بينما أشارت 14% أنهن يشعرن بالخجل وعدم الثقة في أنفسهن بدونه. بينما أفادت 3% فقط أن الخروج بدون مكياج جعلهن يشعرن بمزيد من الجاذبية.

وفي دراسة أخرى، أشارت النساء اللواتي يشعرن بالقلق إزاء مظهرهن أن ثقتهن في أنفسهن تزيد عند وضعهن للمكياج، تلك الثقة تمنحهن شعورًا بالارتياج وتعزز تفاعلاتهن الاجتماعية. وخرج الباحثون باستنتاج رئيسي وهو أن النساء اللواتي يضعن المكياج غالبًا ما يحكمن على أنفسهن بأنهن يكن أكثر جاذبية، علاوة على شعورهن بالارتياح والتألق.


جمال مصطنع أم إبراز للجمال الطبيعي؟

إذا شعرتِ بالملل أو الضيق، ضعي قليلاً من المكياج وستتعدل مزاجيتك على الفور.

تعتمد الإجابة على تعريف كل منّا للجمال، بيد أن وسائل الإعلام وصور النساء على صفحات الصحف ومجلات الموضة تعطي لنا شكلًا محددًا للمرأة الجميلة، إلا أن الاستسلام لتلك الصورة النمطية هو ما يدفع المرأة لمجاراة صيحات المكياج الصاخبة، ليس ذلك فحسب، بل إن وقوع المرأة طيلة حياتها في مقارنات مع قريبتها البيضاء ذات الشعر الذهبي والعيون الخضراء، يجعلها منذ صغرها تظن أن البشرة البيضاء هي فقط ما تجعلها جميلة في أعين الناس. فحب الجمال بقدر ما هو فطرة مغروسة في المرأة إلا أن المجتمع هو من فرض عليها أن تتصنع الجمال في أحيان كثيرة كي تحظى بإعجاب الجميع.

«ستندال» هو كاتب فرنسي في القرن التاسع عشر، قام بتعريف الجمال على أنه « وعد بالسعادة»، إذ تؤمن المرأة بأنها إذا صارت جميلة في أعين الناس ستتحقق لها السعادة، تلك الفكرة تظل تضغط عليها كي لا تتخلى عن المكياج، وقد يذهب بها الأمر بعيدًا حيث عمليات التجميل، التي بدورها تمنحها قوامًا رشيقًا ووجهًا منحوتًا، وأنفًا دقيقًا وشفاهًا غليظة.

لكن الجمال عند تعريفه بمعناه البسيط، فهو شعور المرء بأنه راضٍ تمامًا عن شكله. ذلك الرضاء لا يرتبط بأن تكون المرأة نسخة مكررة من غيرها من النساء اللواتي يتفنن في وضع المكياج، بل شعورها بسلام داخلي بأنها نموذج فريد، يجعلها تؤمن بأن هناك ثمة ما يميزها عن غيرها.

ظهر، مؤخرًا، اتجاه جديد في عالم المكياج، وهو المكياج الطبيعي، ليُلبي احتياجات بعض النساء في أن يتمتعن بإطلالة «طبيعية» تضفي على مظهرهن براءةً ولطفًا، فتبرز بها جمالهن دون أن يبدو للآخرين أنها تُحمِّل وجهها ما لا يطيق من المساحيق والألوان. لذا، بدأ المستهلكون في الاهتمام بمنتجات التجميل التي كما تدعي «طبيعية وعضوية» خالية من أي مواد كيميائية.

يشير «ليا نيوفيتو»، مُحلل مساعد في شركة جلوبال داتا، إلى أنه بات هناك إدراك متزايد بالفاعلية المرتبطة بتلك المنتجات. ووفقًا لشركة «إكوفيا إنتليجينس»، فإن السوق العالمي لمنتجات العناية الشخصية الطبيعية والعضوية بلغ 9.6 مليار دولار في عام 2016، بزيادة قدرها نحو مليار دولار في عام واحد.