عاداتٌ غريبة، وشروطٌ مجحفة وتقاليدٌ عفى عليها الزمن، إلا أنها لا تزال السمة الغالبة لكثير من الدول العربية. فلا التمدن قضى عليها ولا تلاشت بمضي الوقت. كي تتزوج في وطننا العربي، يعني أنك لابد أن تسير وفق خطوات محددة؛ وكل خطوة لها تفاصيلها وأصولها التي من الواجب عليك مراعاتها سواءً كان زواجك عن حب أو تقليدي.

فنوع التعارف لا يهم، ففي نهاية المطاف لابد من جلسة تعارف بين الأهل وخطبة وتحضيرات لما قبل الزواج وطقوسٍ للزفاف. فكم من زيجة لم تتم بسبب نشوب خلافات بين أهل العروسين على قيمة المهر أو تجهيزات الفرح أو عند كتابة قائمة المنقولات. وكم من خططٍ للزواج لم يُكتب لها الميلاد رغم حدوث قبول بين العروسين، لأن هناك عادات خالفها أحدهما أو أهله. فالطريق إلى مرحلة الزفاف طويلاً لا بد أن يسيره كل من العريس والعروس وأهليهما معًا لإتمام تلك الزيجة.

وإن تشابهت عادات وتقاليد الزواج بين كثير من الدول العربية، يظل لكل منها طابع خاص يميزها عن غيرها، بل قد تتنوع العادات والتقاليد في الدولة نفسها نظرًا لوجود قبائل أو قرى تتميز بتقاليدها عن الأخرى.


جلسة «الاتفاق»

رحلة الزواج تبدأ بالبحث عن عروس. وتشترك أغلب الدول العربية في طرق البحث عن عروس سواء كان ذلك عن طريق والدة العريس أو أحد أخواته أو قريباته اللواتي يتولين مهمة السؤال عن عروس بمواصفات قد حددها العريس مسبقًا، كأن يطلب الابن زوجة طبيبة أو معلمة حتى تساعده في مصاريف بيت الزوجية أو أن يطلبها فتاة غير عاملة حتى تتفرغ له ولبيتها، هذا إلى جانب عدد من المواصفات الشكلية التي تضعها الأم على رأس أجندتها؛ كأن تكون بيضاء شقراء وما إلى ذلك. قد يساعدها في ذلك خاطبة أو أناس من معارفها.

وما أن تستقر الأم وابنها على بيت معين، يأتي دور جلسة التعارف التي من شأنها أن تحدد هل العروس مناسبة أم لا؟

ليكون سؤال الأهل للعريس والعروس «هل هناك قبول؟»، وبمجرد القبول لابد من عقد جلسة أخرى يتفق فيها أهل العريس والعروس على قيمة المهر والمؤخر وموعد شراء «الشّبْكة» وموعد الزفاف. هذه الجلسة لها تقاليدها وأعرافها واسمها المختلف من دولة لإخرى، ففي مصر يأتي العريس مع والدته في بداية الأمر ليرى العروس، وما أن يحدث القبول تضع الأم في كف العروس مبلغًا من المال كنوع من «ربط الكلام» كما يقال. قد تتكرر تلك الجلسة حتى يستقر كل من العريس والعروس على القرار ثم يُحدد بعد ذلك جلسة الإتفاق وبعد الانتهاء من الإتفاق تُقرأ الفاتحة في نفس الجلسة كشكل من أشكال التبرُك.

تعرف هذه الجلسة في فلسطين بـ «الطلبة»، ففي البداية تذهب والدة العريس وحدها أو في صحبة إحدى بناتها لرؤية العروس، وتحديد ما إذا كانت مناسبة أم لا. ثم تعود الأم بصحبة ابنها ليشاهد العريس والعروس بعضهما، وإذا حدث قبول يتم تحديد موعد الطلبة أو الجاهة. يأتي في تلك الجلسة كبار عائلة العريس ليطلبوا يد العروس للزواج رسميًا، ثم تحديد المهر والمؤخر وقيمة الذهب والسكن. الأمر نفسه في العراق وتعرف تلك الجلسة بيوم «الشربت»، وفي وليبيا تشتهر باسم «الشرط» والتي يتم فيها تحديد المهر وموعد القران والعرس، ثم يرسل العريس لعروسه حلى ومصوغات ذهبية وبعض الهدايا المعروفة بـ«البيان».

أما السعودية، فأمر الزواج فيها يبدأ بما يُسمى بالشوفة أي «الرؤية الشرعية»، وتكون بحضور محارم العروس، وإذا ما أعجب العريس بالعروس أهداها سوارًا من الذهب ومبلغًا من المال لأم العروس تأكيدًا منه على رغبته في الزواج من ابنتها. ثم تأتي جلسة التعارف والتي تعرف بـ«الملكة»، من العادات في هذا اليوم أن يقف شخص بجوار العريس ويُلقي شعرًا مدحًا في العروسين وأهلهما مع تقديم «صندوق الملكة» الذي يحتوي بداخله على مهر العروس الذي تجهز به نفسها، والذي قد يصل أحياناً إلى أكثر من 250 ألف ريال،إلى جانب ريالات فضة وعطور ومستحضرات تجميل.


من الخطبة إلى العرس وما بينهما

مثل شعبي جزائري.

تختلف العادات بعد الاتفاق؛ ففي مصر يذهب العروسان لشراء الذهب وهو ما يعرف باسم «الشبكة»، ثم تُقام حفلة الخطوبة في بيت العروس أو إحدى القاعات. يحضرها الأصدقاء والأهل وتقدم فيها المشروبات والحلوى، لكنها على الأغلب لا تقترن بعقد القران كباقي الدول العربية.

ففي فلسطين بعد أن يتم الإتفاق يُحدد يوم هام يُدفع فيه المهر المعجل لأهل العروس ويعرف بـ«يوم التقبيضة»، توزع فيها الحلويات والمشروبات الغازية، ثم يحدد موعد عقد القران، وذلك إما بإحضار المأذون إلى بيت العروس أو الذهاب إلى المحكمة الشرعية. وبعد أن يتم عقد القران بين العروسين يُحدد يوم «الصمدة» المعروفة بحفل الخطوبة. يدعى فيها الأهل والأصدقاء وتقدم الشبكة، وتوزع الحلويات والمشروبات على المدعوين. يُذكر أن المهور في فلسطين على الأغلب تكون رمزية كنوع من التيسير على العريس.

بينما في العراق، يُقدم المهر في يوم الخطبة نفسه، إذ بعد عقد القران مباشرة يذهب أهل العريس إلى بيت العروس بصحبة شيخ، ترتدي العروس في ذلك اليوم فستانًا أبيض ويوضع أمامها القرآن الكريم وصينية العطارة المكونة من سبع مواد عطرية وأكواب سكر وشموع، وعلى رأسها قطعة من القماش الأبيض، وما أن يُلبسها العريس الذهب، تبدأ الحفلة الخاصة بالنساء والتي تبدل فيها العروس عدة فساتين.

أما في الجزائر، فلكل ولاية عاداتها وتقاليدها المختلفة عن الأخرى،إلا أنها تتوحد في نقاط رئيسية؛ ففي البداية يذهب والد العريس ليطلب يد الفتاة رسميًا لولده، وبعد الموافقة يبعث أهل العريس موائد صغيرة تسمى «طيفور» مليئة بالحنة والحلوى والفول السوداني وقالبين من السكر ومغطاة بـ«فوطة»، إلى جانب شمعتين وكبش.

ثم تعقد جلسة الإتفاق المعروفة في الجزائر باسم «الملاك» أو «تمليك» الفتاة. يتم فيها الاتفاق على المهر الذي يحدده والد الفتاة والاتفاق على الشروط الأساسية والثانوية. وتختلف قيمة المهر من منطقة إلى أخرى، إذ يبدأ مهر العروس الصحراوية من 20 مليون سنتيم أي حوالي 1800 دولار أمريكي، ليصل إلى 100 مليون أي نحو 9000 دولار أمريكي.

بينما في الغرب الجزائري لا يقل متوسط فاتورة المهر فيها عن 10 ملايين سنتيم أي حوالي 900 دولار. إلا أن مناطق الوسط في الجزائر تبقى فاتورة المهر فيها الأقل ثمنًا، إذ تتراوح بين 7 و12 مليون سنتيم. ثم يلي الاتفاق، مرحلة الخطوبة الرسمية ويُنظم أهل العروس حفلاً يحضره الأقارب والأصدقاء. وبعد أن تمر الخطبة بسلام، يبدأ العريس والعروس في أغلب الدول العربية رحلة التحضير للزواج، واختيار مستلزمات بيت الزوجية من ملابس جاهزة وأقمشة ومفروشات وأثاث وفق ما تم الاتفاق عليه، والتي قد تستغرق من ستة أشهر إلى عام.


طقوس حفل الزفاف

زواج ليلة، تدبيره عام.

قبل موعد الزفاف بأيام، يذهب أهل العروس إلى بيت العريس لفرش أثاثه ومفروشاته وتنظيفه، وعلى الأغلب لا تحضر العروس ذلك اليوم. وفي مصر قد يُكتب عقد الزواج قبل الحفل بأيام أو في يوم الفرح ذاته، ومن الطقوس التي تميزها عن غيرها من الدول العربية، كتابة قائمة المنقولات التي يعتقد فيها أهل العروس ضمانًا لحقوق ابنتهم، وذلك بحساب قيمة ما أنفقه أهل العروس والعريس وكتابته ضمن عقد يمضي عليه العريس.

وقبل الزفاف بيوم أو يومين، يأتي يوم «الحناء». ذلك اليوم قريب الشبه بين مصر والعراق، إذ تجتمع فيه صديقات العروس وقريباتها في بيتها وتبدل العروس بين الفساتين، ويوضع أمامها صينية فيها الشموع والحنة والورد، وتُوضع الحنة على قدم ويدي العروس، ثم يوزع ما تبقى من الحنة على المدعوات.

ومن الطقوس الغريبة في مصر أن تقوم صديقات العروس من العازبات بقرص العروس في ركبتها عملاً بالمثل القائل:

إقرصيها في ركبتها تحصليها في جُمعتها.

أما في العراق، فتقوم العازبات بكتابة أسمائهن على حذاء العروس ظنًا منهن أن ذلك سيسرع من زواجهن. وفي يوم الزفاف ترتدي العروس فستانها الأبيض، وبينما لا يميز مصر أغان فلكلورية معينة كالطبل العراقي مثلاً. إلا أن الحفل فيها غالبًا ما يبدأ بأسماء الله الحسنى، ثم ينقلب بعد ذلك رأسًا على عقب رقصًا على إيقاعات الأغاني الشعبية، يتخلله فقرات الرقص بالتنورة في بعض الحفلات. بينما يبرز في قرى الصعيد عادات ضرب النار في السماء والرقص بالعصى. بينما تتمتع النوبة بفرقها النوبية الفلكلورية المختلفة.

بينما تُعرف ليلة الحناء في السعودية بـ«ليلة الغمرة». ففي الماضي كانت العروس ترتدي زيًا تقليديًا وتُزف على كراسي تقوم بالتبديل بينهم من الخلف إلى الأمام، أما الآن فتكتفي العروس بارتداء زي تقليدي أو بدوي وتخفي ملامح وجهها بالبرقع كي لا يراها أحد حتى يوم الزفاف، كما يُرسم لها بالحنة على يديها وساقيها.

أما في المغرب، فحفل العرس يتم على أربعة أيام، ترتدي فيها العروس من ستة إلى أربعة عشر فستانًا، ويقدم خلال الأربعة أيام عشر موائد مختلفة على الأقل، يُعرف اليوم الأول باسم «النبيتة» وفيه تنقش الحناء، أما اليوم الثاني، فيعرف باسم «الظهور» وهو حفل خاص بالنساء فقط، بينما يكون اليوم الثالث حفلاً لكل من الرجال والنساء في قاعات منفصلة، في حين يكون اليوم الرابع في منزل أهل العريس وللنساء فقط. ومن العادات الغريبة في ذلك اليوم «كسر العروس المغربية بيضةً مطلية بالحناء على جدار بيت الزوجية»، اعتقادًا منهم أن في ذلك كسرًا للشر واستبشارًا بحياة جديدة سعيدة.

وفي الجزائر، يقيم كل من العريس والعروس مع أهلهما ليلة الحناء والتي في الغالب تكون يوم أربعاء،ويتناولون فيها طبق الكسكسي التقليدي باللحم، وتكون الفرق الفلكلورية التراثية فيها سيدة الاحتفال، وذلك بعزفها للأنغام الشعبية العتيقة المعروفة في الجزائر بـ«فرقة أولاد نايل». ويوم الزفاف، تتزين العروس بمختلف أنواع الفساتين التقليدية فيما يعرف بـ«التصديرة»، وهي عبارة عن حفل تعرض فيه العروس ملابسها التقليدية التي اشترتها أو حاكتها من أجل الزواج، وذلك بتبديلها ملابسها بين الفينة والأخرى.

بينما تزخر السودان بعادات قديمة وطقوس غريبة وإن كان قد دخل عليها عادات جديدة كدعوة الأقارب والأصدقاء واستئجار المغنين وتقديم وجبة العشاء للمدعوين. من هذه الطقوس الغريبة ما يُعرف بـ«الجرتقة»، وهي عادة قديمة تضع فيها إحدى السيدات من كبار الأسرة قطعة من الحرير الأحمر مرسوم عليها هلال ذهبي على جبهة كل من العريس والعروس، وفي تلك المناسبة يرتدي كل منهما ملابس من اللون الأحمر. ثم يقوم كل من العريس والعروس بنفث اللبن في وجه الآخر.

بينما ترتدي العروس حزامًا من الحرير على خصرها ويتكفل العريس بقطعه وإلقائه على الحضور. وأثناء الرقصة الثنائية بينهما تُجاهد العروس في إسقاط نفسها على الأرض عمدًا عدة مرات و على العريس في كل مرة التقاطها. هذه العادة تعبر عن ثقة العروس بزوجها الجديد. ويعتبر إذا فشل العريس في التقاطها ولو لمرة واحدة أنه غير جدير بثقتها ويصبح مدعاة للسخرية من قبل الحضور.

لكن من العادات الغريبة على الإطلاق عادة ضرب العريس للضيوف، بأن يُعري الشباب النصف الأعلى من أجسامهم ويسمحوا للعريس بجلدهم بالسوط، في حين تقوم نساء القرية بتشجيعه والغناء له افتخارًا به!