انتظر السودانيون بفارغ الصبر يوم العاشر من أكتوبر/تشرين الأول ليعرفوا حقيقة مخرجات الحوار الوطني الذي كان قد دعا له الرئيس البشير قبل عامين، وهو الذي اعتُبر في ذلك الوقت مبادرة من السلطة بعد احتجاجات سبتمبر/أيلول 2013م التي سقط فيها مئات القتلى (حسب تقارير حقوقية)، فكان الحوار مبادرة رئاسية من أجل تبريد الساحة السياسية وكسر حالة الجمود والاحتقان السياسي.


من حضر الحوار ومن غاب عنه؟

رغم أن حزب الأمة القومي الذي يرأسه السيد الصادق المهدي شارك في اللجان الأولى للحوار، لكنه سرعان ما انسحب بعد اعتقال الإمام الصادق في 2014م، إثر تصريحات اعتُبرت مسيئة لقوات الدعم السريع التابعة لجهاز الأمن السوداني. وشارك في الحوار من الأحزاب الكبرى: الاتحاديون الديمقراطيون (حزب الاستقلال)، وحزب المؤتمر الشعبي (حزب الترابي).

واختارت القوى اليسارية كلها مقاطعة الحوار لأنها تعتقد أن بإمكانها إسقاط النظام بالقوة. وقاطع الحوار كذلك الحركات المسلحة، بسبب فشل اتفاقية وقف العدائيات بينها وبين الحكومة؛ بينما شاركت كل التيارات الإسلامية الرئيسية إلا الجهاديين ومن يقبل منطقهم الرافض للديمقراطية.


أبرز التغييرات الرئيسية التي توصل إليها الحوار الوطني

1. تم التأكيد على النظام الرئاسي مع سحب بعض الصلاحيات من الرئيس وإعطائها لمنصب مستحدث، وهو رئيس مجلس الوزراء.

2. تكوين حكومة وفاق وطني يكون عمرها 4 سنوات، يرأسها شخص محايد يختاره رئيس الجمهورية، ويوافق عليه المجلس الوطني (البرلمان السوداني).

3. تعديل البرلمان الحالي بإدخال عناصر جديدة من توجهات مختلفة، وسيكون على البرلمان بشكله الجديد الموافقة على تشكيلة الحكومة أو رفضها.

4. الاستمرار في تطبيق النظام (اللامركزي) مع تقييم فكرة انتخاب الولاة.

5. يتولى جهاز الأمن والمخابرات عملية جمع المعلومات، تبويبها، وتقديمها للجهات المختصة، ويكون هذا الجهاز تابعًا لرئاسة الجمهورية ويحق للبرلمان مسائلته.

6. دعم حركات التحرر الوطني كافة، وخاصة قضية الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة وعودة اللاجئين وانسحاب إسرائيل لحدود عام 1967م.

7. مراجعة كل القوانين المقيدة للحريات، وتعديل أي قانون لا يتوافق مع الدستور.

8. دمج أو تسريح كافة القوات المساعدة والمساندة والصديقة للقوات المسلحة وفق القوانين والمعايير التي لا تخل بقومية القوات المسلحة.

9. فصل النائب العام عن وزارة العدل.

10. إلغاء المحاكم والنيابات الخاصة ومحاكم الإرهاب والقواعد المنظمة لها، ليحاكم كل مواطن أمام قاضيه الطبيعي.

11. إلغاء الرقابة القبلية للصحف، وإلغاء عقوبة السجن للصحفيين، وإحلال الحرمان من الكتابة، لفترة يحددها القانون، محلها.

12. زيادة ميزانية التعليم إلى 6% والصحة إلى 30-35%.

13. إعادة السلم التعليمي القديم 6-3-3.


معوقات تنفيذ الحوار الوطني

1. عدم الاتفاق على تعيين رئيس وزراء قوي يستطيع تنفيذ هذه المخرجات. وبالتجربة فقد قيل كلام جميل جدًا في السابق عن مشاريع نهضوية وخطط خمسية، ولم ينفذ أي شيء لأن المسؤولين كانوا ضعافًا جدًا أمام البيروقراطية الحكومية.

2. عدم مشاركة جميع القوى السياسية في جلسات الحوار الوطني مما جعله حوارًا جزئيا وليس حوارًا شاملًا.

3. عدم توقف الحرب في مناطق كثيرة كدارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة، مما يعني استمرار الصرف على ميزانية الدفاع والأمن على حساب ميزانيات الصحة والتعليم.

4. عدم حسم قضايا الهوية الوطنية والانتماء.

5. الهروب من مناقشة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها البلاد بالحديث عن التوزيع العادل للثروة، وعدم التصريح بمسألة استمرار دعم الدولة للسلع الأساسية أم رفع الدولة يدها تمامًا عن الدعم.


مآلات الحوار الوطني

أ. نجاح الحوار الوطني

التزام الدولة بتنفيذ مقررات الحوار الوطني وإقامة انتخابات حرة ونزيهة واستلام رئيس جديد للسودان الحكم من الرئيس البشير وأن يعم الأمن والأمان والسلام ربوع السودان وتعافٍ تدريجي للبلاد من الأزمة الاقتصادية الطاحنة.

ب. فشل الحوار الوطني

عدم التزام الدولة بتنفيذ مقررات الحوار الوطني والاستمرار في إقامة انتخابات موجهة تعيد إنتاج نفس النظام، واستمرار الرئيس البشير واستمرار الحرب في كل مناطق البلاد، واستمرار الأزمة الاقتصادية، واحتمال دخول السودان في نفق مظلم بحدوث ثورة جياع وفوضى تؤدي في النهاية إلى تفكيك ما تبقى من السودان.

ج. عدم فشل الحوار وعدم نجاحه بشكل كامل (نجاح جزئي)

التزام الدولة أجزاءَ من مقررات الحوار الوطني وترك أجزاءٍ أخرى، وإقامة انتخابات موجهة لكنها نصف ديمقراطية (مثل انتخابات بوتين ومديفيدف) توقف الحرب في مناطق البلاد، مع استمرار الأزمة الاقتصادية لكن بوتيرة أقل.

في الحقيقة، أرجح سيناريو النجاح الجزئي للحوار لأن المجتمع الدولي داعم له، وكذلك منظمة الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، وذلك بعد قيام النظام السوداني في الفترة الأخيرة بلعب أدوار إيجابية لصالح المجتمع الدولي في الشأن اليمني والليبي، واستعداده الواضح لمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

كل ذلك يأتي علاوة على قلق أمريكا البالغ من تكرار سيناريو دولة جنوب السودان الفاشلة التي تم اقتطاعها بشكل عاجل من السودان دون تهيئة البيئة الملائمة لها مما أنتج صداعًا محكمًا لأمريكا لا تستطيع علاجه بأي مسكن. فجنوب السودان تمزق إلى قطع بعد عامين فقط من اقتطاعه من السودان دون أن تستطيع أمريكا الاستفادة منه كما توقعت، كمخلب قط لمصالحها في القارة الإفريقية وحوض النيل.

ولذلك، فالأمريكان والأوروبيون من أحرص الناس على نجاح هذا الحوار بأي ثمن من أجل إعادة تأهيل نظام الإنقاذ الذي سيحتاجونه خصوصًا مع إمكانية انفجار أثيوبيا (إثر احتجاجات الأورومو والأمهرا)، فسيكون للسودان دور كبير في منع الهجرة غير الشرعية المتوقعة إذا ساءت الأوضاع هناك.