منذ سعي الحكومة للحصول على قرض صندوق النقد الدولي البالغ 12 مليار دولار، مقابل تنفيذ برنامج يؤكد قدرتها على الوفاء بوعودها للصندوق؛ والمواطن المصري يدفع مقابل ذلك متمثلاً في خفض الدعم عن السلع والخدمات الأساسية التي يحصل عليها المواطن، بل ويتحمل المواطن عبئًا إضافيًا نتيجة لفشل الحكومة في تطبيق خطة رفع الدعم دون أن يمس ذلك المواطن محدود الدخل والذي يحتاج إلى دعم إضافي من الدولة.

وتنفيذاً لمطالب الصندوق، تستمر الدولة في تطبيق سياسات في غير صالح المواطن البسيط كتعويم الجنيه وتطبيق قانون القيمة المضافة، مما أسهم بشكل مباشر في أسعار السلع، في ظل انخفاض القيمة الحقيقية للأجور، مما أدى إلى تفاقم نسبة التضخم ليصل لأعلى مستوى في 30 عامًا.


دعم المواد البترولية: مزيد من الخفض

وفقًا لبيان وزارة المالية، انخفض دعم المواد البترولية في موازنة العامة المالي 2017/2018، ليسجل 33% من إجمالي الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية -110 مليارات جنيه ارتفاعًا من 35 مليار جنيه خلال العام الجاري، وعلمًا بأنه كان من المفترض تخصيص 145 مليار جنيه في الموازنة الجديدة– بعدما كان يسجل 64% في العام المالي 2011/2012.

وتقول الحكومة إن الفرق في قيمة الدعم ذهب لدعم السلع التموينية ودعم صناديق المعاشات التي ارتفعت في مجملها من 26% في العام المالي 2011-2012 إلى 42.7% من إجمالي الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية في مشروع موازنة 2017-2018. ولكن بتحليل بيان الموازنة الجديدة سنجد أن ذلك غير حقيقي لأنه حتى مع زيادة المبلغ المخصص لدعم السلع التموينة نجد أنه لا يساوي المبلغ المخصص خلال العام المالي الجاري بعد حساب التضخم وارتفاع سعر الصرف- وذلك ما سنلقي عليه الضوء في النقطة التالية.

وذلك الخفض في قيمة الدعم المخصص للمواد البترولية من شأنه أن يؤدي إلى زيادة جديدة فى أسعار المشتقات البترولية لتوفير 30 مليار جنيه لتخفيف العبء على الموازنة واستغلالها في الدعم الاجتماعي والوزارات التي تحتاج إلى دعم حقيقي- خاصةً في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار.

وكانت الحكومة قد رفعت أسعار المواد البترولية بمعدلات وصلت إلى 40% في نوفمبر 2016، بعد ساعات من اﻹعلان عن تحرير سعر صرف الدولار الذي ضاعف من قيمة الدعم الذي تتحمله الموازنة العامة للدولة نتيجة تراجع سعر الجنيه.

وتنوي الحكومة تطبيق رفع جديد في أسعار المواد البترولية- قبل الحصول على الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي والمتوقع أن تصل خلال النصف الثاني من يونيو 2017- علمًا بأن الزيادة المتوقعة ستتراوح نسبتها بين 25% و40% من الأسعار الحالية. وارتفاع أسعار المواد البترولية سيؤدي بالتبعية إلى ارتفاع أسعار السلع الأخرى وخلق موجة جديدة من الغلاء، في ظل ظروف صعبة يعيشها المواطن منذ تنفيذ قرار «تعويم الجنيه» في نوفمبر 2016.

وجدير بالذكر أن تكلفة دعم المواد البترولية ارتفعت لنحو 78 مليار جنيه في أول تسعة أشهر من السنة المالية 2016/2017 بفعل سياسة التعويم، مقارنةً بـ 41 مليار جنيه خلال الفترة ذاتها من العام المالي 2015/2016، مما يعني أن تكلفة الدعم زادت 37 مليار جنيه بما نسبته 92.2%[1]. وتخفيفًا للعجز المالي، رفعت مصر أسعار المواد البترولية في نوفمبر 2016 في إطار خطة لإلغاء الدعم نهائيًا بحلول 2018/2019 وفقًا لبرنامج متفق عليه مع صندوق النقد الدولي تحصل بموجبه مصر على قروض بإجمالي 12 مليار دولار.

وفي حالة ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمي إلى 55 أو 60 دولارًا للبرميل خلال الأشهر القليلة المقبلة سيكون هناك ارتفاع آخر في أسعار الوقود، مما سيخلق عجزًا في قيمة الموازنة المخصصة للدعم في السنة المالية الجديدة. فقد كان يتم شراء برميل النفط الخام قبل التعويم على 38 دولارًا، وكان سعر الصرف 9 جنيهات للدولار؛ أي ما يعادل 342 جنيهًا للبرميل، وبعد التعويم أصبح يتم شراء البرميل بنحو 900 جنيه على سعر 50 دولارًا و18 جنيهًا للدولار، وهو ما حمّل الدولة أعباء مالية إضافية بنسبة 65% عن العام 2016. هذا وارتفعت فاتورة استيراد الوقود بكل أنواعه من سولار وبنزين ومازوت وبوتاجاز وغاز من 500 إلى 980 مليون دولار بعد التعويم حيث تصل نسبة الاستيراد من الخارج لنحو 60% مقارنة بـ 40% إنتاج محلي.


الاكتفاء الذاتي من الغاز: طموحات بلا نتائج فعلية

يذكرنا هنا إعلان المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، بأن العام 2017 سيشهد نقلة نوعية فى إنتاج مصر من الغاز الطبيعي، في ضوء توجهات الدولة بالإسراع بخطط تنمية حقول الغاز المكتشفة ووضعها على الإنتاج وضخها في الشبكة القومية للغازات الطبيعية لتلبية احتياجات السوق المحلي من الغاز الطبيعي. وبحسب تصريحات الوزير، بلغ إنتاج مصر بنهاية العام 2016 من الغاز الطبيعي حوالي 4,4 مليار قدم مكعب يوميًا[2].

وكان من المخطط إضافة أكثر من مليار قدم مكعب يوميًا قبل نهاية 2017 من المرحلة الأولى من إنتاج حقل ظهر، علاوة على إضافة حوالي نصف مليار قدم مكعب غاز يوميًا قبل منتصف عام 2017 من إنتاج حقول شمال الإسكندرية، فضلاً عن إنتاج حقل نورس والذي وصل بنهاية عام 2016 إلى حوالي 870 مليون قدم مكعب غاز.

وكان من المفترض زيادة الإنتاج المحلي من الغاز بما يحقق الاكتفاء الذاتي خلال العام 2017- كما هو مخطط من قبل الحكومة- وذلك بعد دخول آبار جديدة في الإنتاج، وهو ما كان من المفترض أن ينعكس على تقليل كميات الغاز المسال المستورد وبالتالي تخفف الضغط على العملة الصعبة وتوفيرها لقطاعات أخرى.

لكن وفقًا لتقديرات بنك الاستثمار سي آي كابيتال، ستظل مصر مستوردًا صافيًا للغاز المسال حتى عام 2020[3]، ويرى البنك أيضًا أن طموحات الحكومة الرامية إلى تصدير الغاز مستقبلاً مستبعدة في ظل الارتفاع المتوقع للطلب المحلي على الطاقة بالتزامن مع النمو الاقتصادي.

ورغم بدء الإنتاج من حقل ظهر التابع لشركة اينى الإيطالية، لكن استيراد الغاز سيستمر حتى 2020 وبحسب التقديرات- سيكون مسئولاً عن 1.6% من العجز التجارى المصرى حينها.


تخفيض دعم الكهرباء: مزيد من معاناة محدودي الدخل

كشف بيان الموازنة العامة للعام الجديد عن تخصيص 30 مليار جنيه لدعم شرائح الكهرباء، في حين كان من المفترض تخصيص 60 مليار جنيه لدعم شرائح الكهرباء، وربما يكون ذلك دليلاً واضحًا على نية الحكومة تطبيق الزيادة الجديدة على شرائح الكهرباء بنسبة 30% كحد أقصى، لتوفير 30 مليار جنيه بفارق زيادة 8 مليار جنيه عن العام المالي 2016/201، طبقًا للخطة الزمنية التي تسير بها الوزارة في رفع الدعم عن الكهرباء كل عام في بداية شهر يوليو لحين التخلص من الدعم نهائيًا.

خاصةً وأن عدم تطبيق تعديل أسعار الكهرباء المباعة للمستهلك سيرفع عجز الموازنة إلى ما يقرب من 60 مليار جنيه، ومن المتوقع أن يصل سعر الكيلو وات ساعة في 30 يونيو 2017 إلى 97 قرشًا نتيجة ارتفاع سعر الدولار والقيمة المضافة.

وبالنهاية أكثر المتضررين من رفع الدعم عن الكهرباء وارتفاع الأسعار هم محدودو الدخل، الذين أصبحوا مطالبين بدفع أسعار أكبر من طاقاتهم في وقت ارتفعت فيه أسعار كافة السلع الاستهلاكية الأساسية والتكميلية بسبب تضاعف سعر صرف الدولار وغياب الرقابة عن الأسواق.

وليس من العدالة أن تكون تغطية العجز في دفع فاتورة الكهرباء على حساب الفقراء، بل لابد من البحث عن طريقة أخرى لسداد المبالغ المطلوبة بدلاً من فرض المزيد من ويلات الأسعار المرتفعة على المواطن محدود الدخل، علمًا بأن الشركات والمؤسسات كثيفة استخدام الكهرباء عادةً ما تُحمّل أي زيادة في أسعار فاتورة الكهرباء على سعر المنتج النهائي الذي يقوم المواطن بتحمله في النهاية.


دعم السلع التموينية: زيادة وهمية وارتفاعات جنونية في الأسعار

أعلنت الحكومة عن زيادة مخصصات الدعم في الموازنة الجديدة، وبخاصةً دعم كل ما يمس احتياجات المواطن البسيط، ورفعت الدولة مخصصات دعم المواد التموينية بنسبة 53.7% إلى 63 مليار جنيه في موازنة العام الجديد 2017/2018 مقابل 41 مليار جنيه في موازنة العام الجاري 2016/2017.

لكن تلك الزيادة في مخصصات دعم السلع التموينية تكاد تكون معدومة أو أن مبلغ الدعم تراجع في حد ذاته، وذلك لأن الميزانية لم تأخذ في اعتبارها الارتفاع المستمر في الأسعار بسبب تذبذب أسعار الدولار- علمًا بأن مخصصات الدعم موضوعة في الموازنة على أساس سعر صرف للدولار مساوي لـ 16 جنيهًا وذلك على الرغم من تخطيه حاجز الـ 18 حاليًا. وعلمًا بأن سعر الدولار في الموازنة الحالية هو 9 جنيه، فكان لابد من زيادة الدعم بنسبة 80% حتى تكون بنفس قيمة مخصصات الدعم في الموازنة الحالية، وبنسبة 100% حتى تكون متناسبة مع الزيادة الحقيقة في سعر صرف الدولار.

وحتى أنه في الوقت الذي يتراجع فيه سعر الدولار بعض الشيء لم تستطع الحكومة السيطرة على أسعار السلع في الأسواق ويظل هناك ارتفاع مستمر في الأسعار، مما تسبب في زيادة حدة الموجة التضخمية خاصةً مع دخول شهر رمضان وزيادة استهلاك السلع المستوردة من الخارج. واذا أخذنا في الاعتبار إمكانية زيادة الأسعار مرة أخرى خلال الفترة المُقبلة، سنجد أن ميزانة الدعم في الموازنة ليس بها أي زيادة، وبالتالي فالإعلان المستمر من قبل الحكومة حول زيادة الدعم في الموازنة بمثابة تضليل للمواطن حول زيادة وهمية لن يشعر بها، بل سيعاني من أثر الزيادة في الأسعار دون وجود آلية حكومية لضبط الأسواق.

وبافتراض أن الحكومة استطاعت توفير السلع التموينية بأسعار تلائم محدودي الدخل، وبافتراض أن المواطن أصبح لديه القدرة للحصول على تلك السلع، فماذا عن أسعار السلع التي لا تشملها منظومة الدعم وهي قائمة تضم مئات السلع الأخرى كاللحوم والأسماك والخضروات والفاكهة؟، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى أعلى المستويات منذ 30 عامًا بنسبة وصلت إلى 31.5% خلال أبريل 2017، وهي نسبة لم تشهدها مصر قبل عام 1986. وذلك الارتفاع المستمر في أسعار السلع الرئيسية ينذر بشكل كبير بثورة جياع قادمة في ظل استمرار ذلك الصعود الجنوني رغم ثبات الأجور وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين.

المراجع
  1. تكلفة دعم الوقود في مصر تقفز أكثر من 90% بفعل التعويم، رويترز، 3/5/2017
  2. زيادة إنتاج الغاز الطبيعي إلى 4 ونصف مليار قدم مكعب يوميًا.. أبرز إنجازات البترول في 2016، بوابة الأهرام، 27/12/2016
  3. بنك الاستثمار سى آى كابيتال، ستظل مصر مستورداً صافياً للغاز المسال حتى عام 2020، جريدة الشروق، 15/5/2017
  4. البيان المالي التمهيدي لمشروع الموازنة العامة للدولة 2017/2018
  5. منشور إعداد الموازنة العامة للدولة 2017/2018