يعتبر النقاش حول الشخصيات النسائية في الدراما الرمضانية ركيزة أساسية في الجدالات الفنية كل عام، والتي تدور سواء بين النقاد أو الجماهير وأحيانًا الساسة والمسؤولين. والتعليق السلبي على أزياء النساء وأخلاقهم في المسلسلات فقرة أساسية في نقاشات كل عام، وتمثل الحيز الأكبر من الاستهجان والانتقادات، ولا ينافسها في كثرة الانتقادات سوى المشاهد العنيفة.

ولكن يتم تجاهل أنماط الشخصيات النسائية ونوعية القصص التي يتوجه لها المنتجون والكتاب. بالإضافة لنسبة حضور النساء وزيادتها أو نقصانها عن الأعوام السابقة. وفي هذا التقرير نحاول الإجابة على سؤال؛ كيف قدمت الدراما المصرية المرأة هذا العام حضورًا وشكلاً ومضمونًا؟.


حلاوة الدنيا

ياسمين صبري من مسلسل الحصان الأسود

ليس المقصود بحلاوة الدنيا مسلسل «هند صبري» و«ظافر العابدين»، ولكن المقصود الحالة التي يتبعها أغلب المنتجين والتي تجلت في عنوان هذا المسلسل؛ الدعاية للعمل بجمال/حلاوة أبطاله عند فئات من المشاهدين، يتجلى ذلك في ثنائية «هند صبري» و«ظافر العابدين» الجاذبين للشباب وخصوصًا ظافر المحبوب من الفتيات.

كذلك مسلسل «الأعلى سعر» والذي تم تقديم نفس الثنائية بين «نيلي كريم» و«أحمد فهمي» بالإضافة لـ«زينة»، كما تشارك «مي عمر» البطولة مع «أحمد فهمي» و«أكرم حسني» في مسلسل «ريّح المدام» والتي صنفت كممثلة جميلة وجذابه للشباب بعد عرض مسلسل «الأسطورة»، كما تمثل «دينا الشربيني» و«ملك قورة» معسكر النساء في «خلصانة بشياكه»، كذلك تشارك الأولى «عمرو يوسف» في بطولة مسلسله «عشم إبليس».

أما «ياسمين صبري» فتشارك في مسلسل «الحصان الأسود»، ويحاول المسلسل بكل الطرق استغلال جمالها (بشكل متعمد حتى لو ضد الضرورة الدرامية)، وخصوصًا في اختيار الأزياء والمكياج. أما «أمينة خليل» مفاجأة رمضان الماضي في «جراند أوتيل» والتي شاركت «عمرو يوسف» البطولة، تشارك هذا العام في مسلسل «لا تطفئ الشمس»، وتقريبًا تقدم نفس الحالة التي جذبت جمهور العام الماضي وجعلته من الأكثر مشاهدة. إذن يمكن القول إن أحد أساليب الترويج المتبعة لمسلسلات هذا العام هي الترويج بجمال الأبطال وخصوصًا النساء.

وقد يعتبر هذا العام هو الأكثر إنصافًا للبطولة النسائية، فزادت نسبة بطولة المرأة وأصبحت تقترب بشدة من نسب الرجال، فهذا العام نجد العديد من المسلسلات أبطالها الأوائل (وأحيانًا الوحيدين) هن «يسرا»، «غادة عبد الرازق»، «نيلي كريم»، «هند صبري»، «سمية الخشاب»، «هيفاء وهبي»، «ميرفت أمين»، «دنيا سمير غانم»، «ياسمين عبد العزيز»، بالإضافة لمشاركة «منة شلبي» البطولة مع «خالد النبوي» في «واحة الغروب»، وهذا مؤشر على انجذاب المنتجين والكتاب للشخصيات النسائية، ولكن هل حدث تقدم في رسم الشخصيات؟.


الإغواء الشعبي

هيفاء وهبي من مسلسل الحرباية

تعاني الدراما المصرية بصفة عامة منذ فترة كبيرة من تنميط الشخصيات وتقديمهم في قوالب محدودة، حيث لضابط الشرطة صفات معينة تتكرر في كل المسلسلات، ولا يختلف الأمر بالنسبة لرجال الأعمال، وكذلك المدمنين والمراهقين، وتتعامل الدراما أحيانًا مع المرأة كنمط في ذاته وليس كجنس يتواجد به الكثير من الأنماط بصفات وعقد وتصرفات مختلفة.

ونمط المرأة/الفتاة الشعبية من الأنماط المتكررة، فهي تمثل مصدر الإغواء للرجال وتستغل ضعفها تارة وقوتها تارة أخرى، وكيدها في السيطرة على مشاعر الرجال وعقولهم. ويُستغل هذا القالب في المسلسلات الكوميدية والتراجيدية على حد سواء، وازدادت هذه التيمات بقوة مع مسلسلات غادة عبد الرازق كـ«زهرة وأزواجها الخمسة»، و«الباطنية»، وثنائية «فيفي عبده» وسمية الخشاب في «كيد النسا»، أو «يانا يا انتي»، وأيضًا في مسلسلات «مصطفي شعبان» المتعاقبة.

والمرأة في المسلسلات الشعبية ترتدي ملابس من قطعة واحدة (كالعبايات والجلاليب) ذات الألوان المبهرجة والصاخبة لتظهر تفاصيل جسدها ومصادر إغوائها، ولا يقل مكياجها صخبًا عن لبسها، كما يثقل ساعداها بالمجوهرات والأساور، ويزخم لسانها بعبارات مثل (يا ادلعدي) والضحكات الماجنة.

وبهذه الصفات تستمر سمية الخشاب في مسلسلها «الحلال» هذا العام، فهي تجسد دور «ذهبية» المرأة التي تنصب بالدجل والشعوذة ويحبها الحاج أنس «بيومي فؤاد» وتقوم هي بإغرائه بالتقرب منه أحيانًا وبالبعد عنه أحيانًا. وعلى جانب آخر تلعب «يسرا اللوزي» دور الفتاة الشعبية تعيسة الحظ التي ترغب في الزواج وأن ينصلح حالها، وهكذا يركز المسلسل على مكائد النساء وإغوائهم ورغبة بعضهم في الزواج وغيرة الآخيرين والخيانة، ..إلخ.

ولايختلف الأمر بالنسبة لهيفاء وهبي في مسلسل «الحرباية» والتي تقوم فيه بدور «عسلية» المرغوبة من جميع رجال الحارة والتي يقتل خطيبها مع بداية الأحداث ثم تتزوج أكثر من رجل، وفي إحدى قصص مسلسل «خلصانة بشياكة» يتم تجسيد الفتاة الشعبية بنفس الصفات تقريبًا.


الواقعية المفقودة

من مسلسل الحساب يجمع

تفتقد الدراما المصرية للواقعية في رسم طبائع وأفعال الشخصيات النسائية، حيث تكون المرأة في مسلسلات رمضان (في الكثير من الأحيان) إما شخصية طيبة أو شخصية شريرة، وتتمكن الغيرة والحقد من الشخصية الشريرة، وتبدأ في نصب المؤامرات، وتحاول إغواء زوج، أو أولاد الشخصية الطيبة. في مسلسل «الأعلى سعر» مثلاً تقوم «زينة» بهذا الدور فهي تحاول التفرقة بين «أحمد فهمي» و«نيللي كريم» لكي تتزوجه.

كما أن اغلب النجمات الكبار كيسرا وغادة عبد الرازق وغيرهن مؤخرًا يفضّلن دور المرأة التي تتكالب عليها الظروف والمشاكل والمؤامرات، والتي تحاول بقوتها وخيرها إنقاذ نفسها وأسرتها. وعندما حاولت يسرا الخروج من هذه الشخصية في «فوق مستوى الشبهات» العام الماضي انتقلت لجانب الشر المطلق.

ولكن رغم افتقاد الكثير من المسلسلات للواقعية، والشخصيات التي يمكن وصفها بأنها «من لحم ودم»، يأتي مسلسلا «رمضان كريم»، و«هذا المساء» ليقدما شخصيات نسائية واقعية ومن طبقات مختلفة. ويقدم «أحمد عبد الله» مؤلف العمل شخصية «سناء» والتي تعتبر الشخصية الأهم في المسلسل، وهي فتاة من أسرة بسيطة ولكنها تسعى للترقي الطبقي، ومن أجل هذا الهدف تلجأ لأفعال تسبب لها المشاكل والأزمات. ولم يكتفِ المسلسل بالرسم الجيد لشخصية سناء، بل نجح في رسم شخصيات مختلفة التوجهات والدوافع كشخصية «رضا» و«صباح».

وفي «هذا المساء» يقدم ثلاث شخصيات نسائية رئيسية «نايلة»، و«تقى»، و«عبلة»، فالأولى امرأة من طبقة غنية وتعاني من أزمة مع زوجها «أكرم» وتتخذ قرارًا صعبًا للحفاظ على حبهم ولكن تتعقد الأحداث، أما «تقى» فهي فتاة شابة تتعرض للابتزاز الجنسي وتحاول الحفاظ على سمعتها، أما «عبلة» فهي مطلقة وتدير مسمطًا ولا ترغب سوى بإيجاد من يشعرها بالسعادة والتقدير.

تلك الشخصيات بالإضافة للشخصيات الثانوية في المسلسل كلها تحمل أبعادًا نفسية مختلفة ومطالبين باتخاذ قرارت صعبة، كلهم يتحلى بالصلابة والضعف في نفس الوقت. ويمكن القول إنهرغم تطور التواجد النسائي في الدراما المصرية إلا أنه يحتاج لمزيد من الجهد والتطوير والاقتراب من الواقع ليصل للحد المأمول.