قصة غريبة على موقع «شبكة المرأة السورية»، ربما لو قرأناها في رواية لتعجبنا. هل تخيلت يومًا الأم تريزا وقد عادت لحياتنا؟ واستقرت أين؟ في سوريا.

ميرا، امرأة تبلغ 50 عامًا، تعيش في دمشق، لم تتخيل أنها تترك بيتها خوفًا من القصف، بعد أن رحل عن بلدتها كل أصدقائها وأقاربها، وأودعوها جميعهم مفاتيح بيوتهم، وأصص الزهور والنباتات لترويها حتى يعودوا يومًا إلى وطنهم.

لم تنته خدمات ميرا عند هذا الحد، فأصبحت هي مرسال كل مسافر يود الاطمئنان على أهله، فيراسلها وتذهب لهم وتنقل السلامات، كما أنها تنتقل لتساعد كل من يحتاج مساعدتها، وتنسى أن هؤلاء الأشخاص لا تجمعها بهم صلة قرابة، فهي هنا من أجل من يحتاجها، ومن أجل ري النباتات.


سوريا: أين أنتِ من القوانين الدولية؟

يهدف القانون الدولي الإنساني إلى منع معاناة الإنسان والتخفيف منها في الحروب، دون التمييز على أساس الجنس. ويبدو أنه يعترف بمواجهة النساء مشاكل مُحددة في النزاعات المسلحة، مثل العنف الجنسي، والمخاطر على صحتهن. فمعاناة المرأة غير مرئية، لا نسمع بها، لا تظهر على وسائل الإعلام، فهي تعاني مع نتاج معاناة الرجل، سواء تعرض لعنف، أو اسُتشهد، ويأتي دورها لتعيش مع معاناة اجتماعية للأبد، هذا إذا وقفت الإساءة عند هذا الحد، ففي خلفية المشهد نساء يتم ممارسة العنف الجنسي والاغتصاب ضدهن، ويُعتبرن غنيمة ضمن غنائم الحرب، ولكن هل يميز وعي المرأة ما قد تواجهه وقت الحرب، أو كيف تواجهه؟

هذا العام يكون قد مر 17 عامًا على اعتماد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن. ويقر الاتفاق الدولي بالأثر الكبير للنزاع المسلح على النساء والفتيات، ويؤكد أهمية دور المرأة في منع الصراعات ومفاوضات السلام وبناء السلام وحفظ السلام والاستجابة الإنسانية والتعمير بعد انتهاء الصراع. وحتى الآن، بدأت 69 دولة خطط عمل وطنية لتنفيذ القرار.

كان من المحتمل أن تواجه المرأة السورية وضعًا أشد مأساوية مما تعيشه الآن، لكنها اختارت أن تنهي منطق الجيش الرجولي الكلاسيكي الذي يدخل منطقة يقضي على كرامة نسائها، بأن تتصدى للهجمات على سوريا، وتدافع عن الرجال والنساء، كي لا يصبح منهم ضحية أو قربان أو أداة ضغط.


النسخة الأنثوية من جيفارا

حتى عام 2013 فقط تم تسجيل مقتل قرابة 11 ألف امرأة في سوريا نتيجة الصراع المتواصل، وسُجل أكثر من 7500 حالة عنف جنسي، و2.1 مليون نازحة داخليًا، و1.1 مليون لاجئة.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان

القناص الوحيد في حلب السورية اليوم امرأة، تقاتل قوات الأسد بعد غاراته الجوية التي هدمت البيوت وقتلت الأطفال.

فـ «جيفارا» – كما يلقبونها – مدرسة لغة إنجليزية، تحولت إلى قناص سوري يقاتل للانتقام. سُميت جيفارا على اسم المناضل الثوري الماركسي، وبدأت طريقها الثوري بعد مقتل ابنتها البالغة من العمر 10 سنوات، وابنها البالغ 7 سنوات، في غارة على منزل العائلة في حلب.

تعلمت جيفارا القنص بسرعة، تعلمت الحذر والاستخبارات والصبر والدقة وأن تجري بسرعة الضوء. في المعركة ترتدي لبس المحاربين، السروال الكاكي الأخضر والحجاب، وتستهدف الجنود من خلف ثقوب الأبواب، تجري إلى جوار المجاهدين من الجيش السوري الحر في حلب، وحازت على احترامهم، على الرغم من أن وجود قناص امرأة في أرض المعركة أمر نادر في المجتمع الإسلامي المحافظ في سوريا، وخاصة إذا كانت أما.

تحكي جيفارا عن إصابتها بالرصاص في أرض القتال، فتقول بنبرة عصبية: «كل رصاصة تصيب جسدي تجعلني أشعر بالرضا، كلما أصابوني صرخت… نعم… نعم».

تبلغ جيفارا من العمر 36 عامًا، وتكرر أنها تستمتع بالقتال، فتقول: «عندما أرى أحد رفاقي وقد انضم لنفس كتيبتي، ويموت أمامي، لا أخاف ولا أضعف، بل أشعر بواجبي أكثر في حمل السلاح والانتقام من أجله، وتزداد دوافعي للاستمرار».

رغم القوة التي تبدو عليها فإنها تستيقظ كل ليلة تبكي من الرعب الذي تراه وسط القتال، وعلى أطفالها الذين فقدتهم.

جيفارا، امرأة سورية، وفلسطينية الأصل، تعلمت حمل السلاح في لبنان بمخيم عسكري خاضع لجماعة حماس، بدأت القتال ضد نظام الأسد منذ سنوات عديدة، حتى قبل اندلاع الثورة عام 2011، وانضمت لحزب سياسي سري فلسطيني، وحضرت مع أعضائه اجتماعات لمناقشة كيفية الإطاحة بالأسد. عندما وصل الربيع العربي إلى سوريا في مارس/آذار 2011، شاركت جيفارا في الاحتجاجات ضد النظام، وانفصلت عن زوجها لأنه: «لم يكن ثوريًا بالدرجة الكافية».


أنا امرأة سورية مُعتقَلة

كان ابني يخاف القنابل، وسألني عما تتعرض له حياتنا كل يوم من تهديد، ووعدته بأن أدافع عنه وعن مستقبله. والآن لن أنسى مشهد دماء أطفالي تسيل، وأعد الجميع بالانتقام.
واحدة من كل ثلاث نساء سوريات من العائلات السورية التي ترأسها نساء لم تغادر المنزل أبدًا، أو نادرًا ما تغادره، أو تغادره في حالات الضرورة فقط، بسبب خوفهن من التحرش أو خوفهنّ على سلامتهن.

تعمل «شبكة المرأة السورية» على حصر المعتقلات على يد نظام بشار الأسد، باعتبارهن جرح سوريا.

أماني، فتاة سمراء مفعمة بالنشاط والحيوية، كانت مؤمنة بالثورة، وناشطة بها منذ انطلاقها، عملت في مجال الإغاثة، وكانت من الجرأة أن خصصت إحدى غرف منزل أهلها لمواد الإغاثة لتوزيعها على النازحين في مناطق القصف، ولكن توقفت عن العمل عندما قام النظام باعتقالها في أغسطس/آب 2013، وتلقت الكثير من التعذيب في فرع الأمن الجنائي، وحُكم عليها بالسجن 6 سنوات بتهمة العمل الإغاثي والإنساني، ومنذ دخلت المعتقل مرضت وأصبح وزنها لا يتجاوز 35 كيلوجرامًا.

فاتن رجب، أو «ماما فتوش»، فتاة شابة، تعمل على رسالة الماجستير في الفيزياء، وعملت بمجال التدريس، اعتقلت في ديسمبر/كانون الأول 2011، وتنقلت خلال اعتقالها بين عدة أفرع، أشرف على التحقيق معها العميد «جميل حسن» رئيس فرع الجوية.

خلال فترة اعتقالها مرت «ماما فتوش» أيضًا بفرع الجوية وهددها ثانية العميد حسن بأنها ستنسى كل شيء خلال سنتين فقط، وسيجعلها تتمنى الموت ولا تحصل عليه، وهذا ما كان بالفعل، حيث قضت منفردة ثمانية أشهر برقم من غير اسم، وتدهورت صحتها كثيرًا نتيجة نوبات أدت لنزيف من عينيها وأنفها وأذنها، مع حرمان من الرعاية الطبية.

فاتن صادقت في فرع 215 عدة عصافير تطل على نافذتها تحدثها بكل ما يخالجها، وتطلب منها أن يخبروها بكل ما يدور بالخارج. حتى غُيّبت فاتن منذ بداية عام 2014، فتم نقلها من سجن عدرا المركزي إلى مكان مجهول، يُعتقد أنه سجن صيدنايا العسكري، وهناك خرجت أنباء عن صدور حكم الإعدام بحقها، ومازالت مجهولة المصير.

ربما الحكي عنهن لا ولن يريح، قد نجد الراحة إن خرجن هن للعالم وحكين عن أنفسهن. ولكن سؤالًا مؤلمًا فاجئني الآن، هل ينتهي الاعتقال بالخروج منه؟ هل تنقشع صور الموت بمجرد خلع بشار الأسد؟