من والدٍ غير معروف جاء ثيودر، والدته لويز وضعت اسم محارب قديم اسمه لويد مارشال ليكون والد ثيودر في شهادة الميلاد، لكن لويد نفى أن يكون هو الوالد، كما أن لويز ادعت لاحقًا أن ثيودر قد يكون ابن بحارٍ يُدعى جاك ورثينجتون، لكن التحقيقات التي أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد سنوات لاحقة أثبتت عدم وجود أي شخص يُدعى جاك.

أسرة لويز أرادت أن تتهرب من عار إنجاب ابنتهم خارج إطار الزواج فأعلنوا أنهم سوف يتبنون الطفل لينشأ في بيتهم كأخ لـلويز، هذا التبني أضاف تهمة جديدة للويز فيما يخص الطفل، بأن والدها، جد الطفل، هو والد الطفل البيولوجي. حاولت العائلة نفي تلك التهم، لكن سلوك لويز لم يساعدهم على ذلك كثيرًا.

نشأ ثيودر، الذي سيصبح السفاح الأشهر في التاريخ، في كنف أسرته المُتوهمة، لكنّه فوجأ بأخته الكبيرة تخبره دون مقدمات أنها أمه، وأن الاثنين اللذين يظنهما أمه وأباه هم جده وجدته. اختلفت الروايات فيما يتعلق بلحظة الإعلان، فستيفن ميشود، الصحفي وصديق بندي شخصيًا، يقول إن بندي عرف حين عثر مصادفةً على شهادة ميلاده الأصلية. وتقول بعض الكتب الأخرى إن ابن عم تيد، الاسم الذي اشتهر به ثيودر، هو من أظهر له شهادة ميلاده بعد أن نعته بأنه طفل غير شرعي.

أما أشد الروايات تطرفًا فتذهب إلى أن أمه هي من أخبرته بذلك ببساطة، لأنها كانت على وشك الزواج وأرادت اصطحابه معها، فلما رفض باعتباره أخاها، صدمته بالحقيقة. المرعب أن تيد لم يفعل أي شيء في تلك اللحظة، كأن شيئًا لم يتغير، وانتقل معها إلى بيت زوج والدته وأخذ منه لقب بندي، ليصبح بذلك اسمه تيد بندي.

فتش عن المرأة

كان بندي يرى نفسه مختلفًا عن الجميع ومتفوقًا عليهم، فهو الوسيم الذكي والمتفوق دراسيًا. لكن تيد كان خجولًا وغير اجتماعي، ما جلب عليه السخرية والتنمر طوال مراحله المدرسية، لكن اختلف الأمر تمامًا في الجامعة. فقد حظى تيد دون أن يعرف لماذا بشعبية جارفة وسط زملائه في كلية الحقوق، أُعجب تيد بالأمر فسعى للمزيد عبر العمل في المجال السياسي وعبر ممارسة أنواع مختلفة من الرياضة طلبًا للشعبية والإعجاب.

يبدو أن انتقام تيد من والدته أتى متأخرًا وبصورة عكسية، فسعى لتكوين علاقات كثيرة مع الفتيات، وبدأ علاقاته مع زميلته إليزابيث كيندال، التي كتبت كتابًا لاحقًا عن علاقتهما سويًا بعد اعتقال تيد. ويُعتقد أن كيندال شريكة والدة تيد في دفعه إلى الشخص الذي أصبحه، لأن كيندال قد فرّت من تيد دون أن توضح له أسباب فراراها.

في عام 1974 دخلت فتاة أخرى في حياة تيد، لكنها سرعان ما خرجت منها، لكن هذه المرة بعلم تيد وبتخطيطه. ظل الأصدقاء وأصحاب العمل يبحثون عن ليندا آن دون أن يجدوها، فأبلغوا الشرطة لتكتشف الشرطة وجود بعض نقاط الدم أسفل سريرها، وفي ثنايا باب الغرفة، مما أثار الشكوك حول اختفاء ليندا.

تضاعفت الشكوك حين عثرت الشرطة على جثتين أخريين لفتاتتين في نفس العام، لهما نفس الصفات ونفس صفات ليندا، كلهن نحيلات، بيضاوات، بشعر طويل مفروق من المنتصف، غير متزوجات. فسعت الشرطة إلى ربط تلك الجرائم ببعضها البعض. وبدأت الجرائم في الازدياد.

مصاب بالنيكروفيليا

كان تيد يستدرج ضحاياه عبر إخبارهم أنه مصاب في يده ويحتاج إلى مساعدتهم في إسعافه، ويخبر بعضهن أن هناك من يتربص بهن، أو أن هناك أحداً يحاول سرقتهن وأنه سوف يصحبهن إلى مركز الشرطة للإبلاغ، وسامة تيد وشهرته كانتا كفيلتين بإقناع الفتيات بصدقه، وبإبعاد فكرة أن يكونوا قد وقعوا بإرادتهم في يد أخطر قاتل متسلسل في تاريخ الولايات المتحدة.

بموافقتهن على ركوب السيارة تقول التحقيقات إنه يضربهن على رأسهن حتى يفقدن الوعي، ثم يقتادهن إلى مكان سري يحبسهن فيه فترةً من الوقت قبل قتلهن. التحقيقات أثبتت أنه مصاب بداء نيكروفيليا، اشتهاء مضاجعة الموتى، فكان يقتلهن ثم يضاجعهن ثم يتخلص منهن. وتقول بعض الروايات الأخرى إنه كان يسعى لتكوين صداقة معهن في البداية على مدار عدة أيام قبل أن يخطفهن، يُفسر المحللون ذلك أنه كان مهووسًا بالرفض بسبب هروب حبيبته الأولى، لذا كان يثبت لنفسه مع كل ضحية أنه لا يمكن رفضه.

بدأت مرحلة سقوط تيد حين حاول أن يصطاد ضحية جديدة بإخبارها أن هناك من يحاول سرقتها وعليها الركوب معه للتوجه لقسم الشرطة، بعد قليل شعرت الفتاة بالقلق فطلبت منه إنزالها من السيارة فرفض، ثم أنزلها بعد عدة كيلومترات وبدأ في تكبيلها بالحديد، كاد ينجح في قتلها إلا أنها ضربته على رأسه بحجر واستطاعت الفرار منه لتبلغ الشرطة عنه.

عممت الشرطة مواصفات السيارة على مختلف وحداتها، فبدأت عملية البحث عنه بتهمة السرقة. قبضت الشرطة على السيارة وعلى تيد، ووجدوا معه أصفاد وأسلاك وبعض الأقنعة فوجهوا له تهمة السطو المسلح، وتعرفت عليه الناجية فثبتت عليه التهمة، وحُكم عليه بالسجن 15 عامًا بتهمة السرقة والترويع، ولم يتم التطرق لجرائم القتل أبدًا.

أخطر صدفة في التاريخ

بشكل روتيني عرضت الشرطة تيد على أطباء نفسيين لإثبات ما إذا كان يعاني من أي اضطراب نفسي أم لا، لكن الفحص الطبي أثبت أنه لا يعاني من أي اضطرابات أو إدمان. بالمصادفة اكتشفت الشرطة في سيارة تيد شعيرات تخص فتاتين قتلتلا سابقًا، فقررت المحكمة أن تُعيد فتح التحقيق مع تيد لكن بإضافة جرائم القتل هذه المرة.

لم يكن تيد سجينًا مثاليًا فقد حاول الهرب أكثر من مرة، فأثناء نقله إلى سجن آخر قفز من سيارة الشرطة واستطاع الفرار لثلاثة أيام لكن قُبض عليه مرة أخرى. وفي إحدى المحاولات حفر فتحةً مربعةً في سقف زنزانته، وقفز منها إلى مدخل السجن الرئيسي وخرج من الباب الرئيسي في لحظة غفلة من الحارس. في تلك المرة لم يُقبض عليه إلا وقد نفذّ 3 جرائم قتل جديدة.

لكن أيضًا قبضت عليه الشرطة مرة ثالثة، لكن هذه المرة كان الحكم النهائي بالإعدام ينتظره، فقد وجدت المحكمة أنه مذنب في قرابة الـ40 جريمة قتل، الحكم صدر عام 1980، لكنه لم يُنفذ إلا عام 1989، لأن تيد استطاع أن يُجنّد العديد من المحامين لإثبات أنه يعاني من اضطراب نفسي، لكن فشلت كافة محاولاتهم.

زاد من صعوبة تنفيذ حكم الإعدام سريعًا أن تيد قد حصل على آلاف الرسائل، ليست رسائل تهديد أو سب، بل رسائل إعجاب وتعاطف من النساء على اختلاف مراحلهن العمرية. حتى أنّه تزوج من كارول آن بون، إحدى معجباته، وأنجب منها طفلة في محبسه بعد عامين من صدور حكم الإعدام ضده.

القاتل يقرر كيف يتذكره التاريخ

ما حوّل تيد إلى شخصية مثيرة للجدل فدفعت ستيفن ميتشود وهيوف أينيسورث للوصول إلى صفقة مع تيد والشرطة لمنحهم أكثر من 100 ساعة صوتية لتسجيل قصة حياة تيد كما يريد تيد روايتها.

كان من المفترض أن تكون تلك المحادثات سببًا لكره الناس لتيد لا العكس، لكن ستيفن ليحصل على سبق صحفي ودون أن يُعرض تيد للإدانة بدفعه للاعتراف بالجرائم، توصل لحل قانوني هو أن يُعلق تيد على الجرائم كطرف ثالث، يُحلل دوافع القاتل وأسباب القتل ويُخمن الحالة النفسية للقاتل، فكان الأمر فرصة ذهبية لتيد الحاصل بالفعل على شهادة في علم النفس ليُبرر كل ما فعل.

فقد كان الأمر برمته في رأس تيد كلعبة شطرنج، على حد تعبير الطبيب كارلسيل الذي وُكلت إليه تهمة تشخيص حالة بندي. كارلسيل تعرض لانتقادات لاذعة لأنه أكدّ في تقاريره على سلامة تيد النفسية، لكن بعد اطلاع العديد من الأطباء النفسيين على التقارير وعلى حكايات تيد تبين إصابته بالعديد من الأمراض مثل اضطراب ثنائي القطب، واضطراب الهوية الفصامي، واضطراب الشخصية النرجسية.

التغطية الإعلامية المميزة التي تلقاها تيد جعلت منه نجمًا، كأن المجتمع الأمريكي لم يكن يصدق أنه من الممكن أن يوجد قاتل متسلسل يغتصب ضحاياه الموتى، وفي نفس الوقت يكون أبيض البشرة. لذا حصل تيد على معاملة مميزة طوال فترة سجنه، فله حرية التحدث للإعلام، وتم نقله لغرفة أكبر بإضاءة أفضل ليتمكن من القراءة، ولم يوضع تحت الحراسة المشددة أبدًا، ما يتجلى في عدد مرات فراره من السجن.

الإعدام للبريء الأسود

حتى القاضى الذي أصدر حكم الإعدام ضدّه بدا عليه التأثر الشديد وظل يواسي تيد كثيرًا، ومدح ذكاء وبراعة تيد. فباتت محاكمة تيد شاهدًا لا يموت على انحراف المعيار الأمريكي لحقوق الإنسان والتمييز الصارخ ضد ذوي البشرة السوداء. ففي يوم إعدام تيد، نشر دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق ورجل الأعمال المشهور آنذاك، بيانًا يطالب فيه بإعدام 5 أشخاص بتهمة اغتصاب امرأة في منتزه أمريكي.

تلك الشدة في المطالبة يمكن فهمها حين تعلم أن المتهمين الخمسة هم أطفال سود البشرة، 14 -16 سنة. الإعلام الأمريكي الذي منح تيد الحرية لم يمنح هؤلاء الأطفال دقيقة للدفاع عن أنفسهم، ووصفهم الإعلام بالحيوانات، وهو لفظ لم يُستخدم إطلاقًا عند الحديث عن تيد.

وحُكم بالسجن على هؤلاء الأطفال وقضى بعضهم عقوبته كاملة، حتى ظهرت براءتهم بعد 10 سنوات كاملة. بينما كان الإعلام والقضاء الأمريكي يريد تبرئة تيد رغم كل الأدلة الدامغة التي تدينه.