قبل عام تم الحكم بالسجن مدى الحياة على الممرض الألماني «نيلز اتش» البالغ من العمر 39 عامًا لقتله 99 مريضًا حقنهم بأدوية توقف عضلة القلب، وبرر فعلته بأنه أراد إنعاشهم بالصدمة ما تسبّب في وفاتهم.

ما قالته الشرطة الألمانية حين عرضت هذه القضية كان غريبًا، بكشفها عن تحقيقها في عدد 200 قضية قتل على يد طبيب أو مُمرض كل عام منذ 2003، إلى جانب مئات الجثث التي ثبت قتلها دون الوصول للقاتل.

المفجع أيضًا في قضية الممرض الألماني ومثله من أعضاء الرعاية الصحية هو عدم تذكرهم عدد قتلاهم، فتضطر الشرطة للبحث بين كل الجثث التي خرجت من المستشفى لإثبات تعرضها للتسمم من عدمه، ولكن يبدو أن العدد كافٍ كي لا يفرق عدد القتلى في الحكم، فهو الإعدام، ولكن ما الأزمة الحقيقية التي كانت المحكمة تبحث عنها؟ هل عدد القتلى، واطراده مع عدد سنوات الحكم على الممرضة؟ أم كيف نحمي أحباءنا من إمكانية تعرضهم لمثل هذه المخاطر ثانية؟

الأزمة أكبر مما نتخيلها

«كريستي بلاتشفورد» ممرضة قاتلة، متهمة بقتل ثمانية من مرضى كبار السن، وكتبت قصيدة كئيبة من منظور الممرض القاتل الرحيم.

هناك كثير من الممرضات اللواتي يقتلن مرضاهن، أكثر مما نتخيل، وعدد الضحايا بالآلاف، وقد تم اتهام مئات الممرضين وغيرهم من الأطباء والعاملين في مجال الرعاية الصحية بالقتل المتعمد للمرضى، وعادة بأدوية ذات تركيبة معقدة وليست سمومًا بذاتها، غير أن معظمهم يحقنها بالوريد، فلا يحتاج إلا إلى وصول الدواء إلى الدم ليموت المريض فورًا. وقد ادعى البعض من المتهمين قيامهم بذلك لمصلحة مرضاهم، والبعض الآخر نسج سيناريوهات تدور حول محاولتهم البطولية لإنقاذ روح مريض تتعذب، أما البعض منهم فبدا أنه يتمتع بسلطة السيطرة على إحداث موت مفاجئ لمرضاه.تتم مثل هذه الجرائم ويتم كشفها بكثرة في أوروبا وأمريكا الشمالية، وحسب تقدير الأكاديمية الأمريكية، فإنه ثبت أن مجرمي الرعاية الصحية قتلوا ما لا يقل عن 328 شخصًا متعمدين، في حين أنه ما يقرب من 2000 حالة وفاة مشتبه بأن يكون سببها القتل الطبي المتعمد.قال ديفيد ويلسون، أستاذ علم الجريمة بجامعة برمنجهام سيتي في بريطانيا: «إن العديد من الأطباء والممرضين يعانون مشاكل شخصية ونفسية ملحوظة، وهناك أزمة في إدارات الرعاية الصحية حتى أنهم يفشلون في تفسير سبب الوفاة حتى يعلن أهل المتوفى عن شكوكهم، ولا يمكننا إدراج القتل داخل دور الرعاية الصحية تحت القتل كجريمة متكررة، لأننا هنا نضع أحباءنا بين أيدي قتلتهم، ما يجعل القضية أصعب».

ملائكة الموت

«أونتاريو» وزميلاتها الممرضات الثمانية متهمات بالقتل.

قال بياتريس يوركر، وهو أستاذ تمريض في جامعة ولاية كاليفورنيا: «عادة ما يعمل المجرمون السابقون بمجال التمريض بعد قضائهم فترة عقوبتهم، باعتباره عمل سيُطهرهم، وتساهم الدولة في التوصية عليهم بدلًا من تحذير كل المؤسسات منهم»، وأضاف يوركر أن الضحايا غالبًا من كبار السن وشديدي المرض، أي الأشخاص الذين لن تعتبر وفاتهم صدمة لذويهم أو لإدارة المستشفى، على الرغم من أن العديد من الأطفال الرضع يُقتلون بمجرد ولادتهم أيضًا.وكان من بين الجناة الذين بدوا خيرين أمام أنفسهم وفي تبريرهم القتل كان «كيمبرلي ساينز»، الذي أُدين عام 2015 بقتل خمسة مرضى في عيادته عن طريق حقن خطوط غسل الكلى بمواد مبيضة.أحد أشهر الممرضين القتلة كان «تشارلز كولين»، فقد تم اتهامه بقتل 29 مريضًا في نيوجيرسي وبنسلفانيا عام 2004، واعترف تشارلز على نفسه بأنه قتل 10 أشخاص آخرين، كما يُشتبه في تسببه بمقتل 300 شخص آخر، ما جعله واحدًا من أخطر القتلة في الولايات المتحدة الأمريكية. غير ذلك، أُدين «بيفرلي آليت»، وهو ممرض بريطاني، عام 1991، بقتله أربعة أطفال رضع، ومحاولة قتل ثلاثة آخرين في مستشفى في لينكولنشاير.ادعى العديد من القتلة أنهم «ملائكة الموت»، مستعيضين بذلك عن اللقب المفترض «ملائكة الرحمة»، الرحمة من المرض وليس من الحياة، ولكنهم مقتنعون بأن فعلتهم خففت من آلام مرضاهم بدلًا من انتظار الموت، على الرغم من قول الباحثون أن هذه التأكيدات غالبًا ما تبدو مشكوك فيها، وأن ظن الممرض جاء نتيجة لعاطفته وليست نتيجة علمية.وقال «ريتشارد انجيلو»، وهو ممرض مدان بقتل 10 مرضى في الثمانينيات بنيويورك، أنه حقن مرضاه بالمخدرات التي سببت لهم توقفًا في وظائف القلب، إلا أنه يلقى الآن معاملة الأبطال لادعائه محاولة إحيائهم أكثر من مرة.

الأطباء يقتلون أيضًا

حددت دراسة عام 2006 عدد القتلة من الأطباء فقط في أوروبا وأمريكا الشمالية منذ عام 1970 حتى 2007 بعدد 54 طبيبًا تم اتهامهم ومحاكمتهم، وفي معظم جرائم القتل هذه كان سلاح الطبيب دواء يمكن الوصول إليه من قبل أعضاء الرعاية الصحية بسهولة، ما يشمل كلوريد البوتاسيوم، الذي لا يُعد مميتًا وحده، والأنسولين والمورفين، وغيرها من الأدوية التي تشل الجهاز التنفسي، كما استخدم بعضهم الكهرباء لإيقاف عضلة القلب.وقالت الدراسة إن العقاقير التي شملها البحث مصممة للاستخدام عند وضع جهاز للتنفس الصناعي لإراحة المريض، ولكن عند استخدامها بدون الجهاز تكون قاتلة. ما يفسر إشارات الدراسات لزيادة حالات تورط أطباء وممرضين في قتل المرضى بالدول التي تسهل من إجراءات تداول الأدوية بين أعضاء الإدارة الصحية، ما دفع الكثير من الدول للتراجع عن قوانينها.دراسة أخرى من ديفيد ويلسون، أستاذ علم الجريمة بجامعة برمنجهام سيتي في بريطانيا، عام 2014، أكدت أن 16 ممرضة من اللواتي تورطن في ارتكاب جرائم قتل لمرضاهن بالمستشفيات، ظهرت عليهن بعض الإشارات الحمراء قبل ارتكاب جرائمهن، وكان أكثر هذه الإشارات معاناتهن لتاريخ طويل من مرض الاكتئاب أو مشاكل نفسية أخرى، وحيازتهن للأدوية في خزائنهن أو منازلهن، وتزامن ذلك مع بدء ارتفاع معدل وفيات المرضى بالمستشفى الذي يعملون لديه، وفي بعض الحالات التي كشفت فيها الإدارة عن مثل هذه الإشارات الحمراء، غيرت بعدها الممرضات من وظائفهن أو الانتقال للعمل بمستشفى آخر هربًا، ما يجعل الإدارات تتساءل عن:

جرائم الرداء الأبيض

لماذا لا يستمر موظفونا في وظائفهم مدة طويلة؟

يبدو أن الأزمة ليست جديدة، لذا ربطها الباحثون بتطور إمكانيات البحث الطبي والجنائي، وابتعاد الفكرة عن الطبيعة البشرية، فقد اتهمت السلطات جنين جونز، ممرضة بمستشفى أطفال بتكساس تبلغ من العمر 66 عامًا، بقتلها ما يصل إلى 66 طفلًا في رعايتها بحقنهم بجرعات زائدة قاتلة بين عامي 1977 و1982. تم الحكم على هذه الممرضة عام 1984 بالسجن 99 عامًا. ولكن بموجب قانون ساري المفعول في ذلك الوقت، كان من المقرر إطلاق سراج جينين في مارس/آذار 2018 القادم، ولكنها ستخضع للمحاكمة على تهمة قتل 3 أطفال آخرين في عام 1981 ما قد يفرض عليها سنوات أطول خلف القضبان.واعترف الصيدلي «هنري هوارد هولمز» الذي كان محل ثقة زبائنه لسنوات بقتله 28 شخصًا مريضًا لجأ له، وفتح أنابيب الغاز في فندق على ضيوف معرض عالمي بشيكاغو عام 1893، كان مجهزا له وخنق الزوار وأغلق عليهم كل ممرات الخروج، وتم إعدام هولمز عام 1896 في فلادليفيا، وكانت جريمته قتل شريكه التجاري الذي وشى به، وقد تم استخراج رفات هولمز مؤخرًا لتبديد شائعات مفادها أنه مازال يقتل سجناء شاركوه نفس السجن، وكان هولمز موضوع كتاب بين الأكثر مبيعًا لعام 2003 بعنوان «الشيطان في الرداء الأبيض».واعترف الطبيب السابق «مايكل سوانجو» بتسببه في قتل 39 مريضًا يرجع تاريخهم إلى عام 1983 عندما كان متدربًا في المركز الطبي لجامعة ولاية أوهايو، واعترف أنه حقنهم بالزرنيخ وعقاقير طبية سامة أخرى، وتذكر الفرح الذي شعر به وهو ينفذ هذه الجرائم، وتم القبض على سوانجو والحكم عليه عام 2000.واعترف الممرض «دونالد هارفي» بقتله 87 شخصًا ليسوا فقط من مرضاه أو المصابين بأمراض طفيفة في مستشفى بولاية أوهايو، لكنه تطرق لقتل ذويهم في غرفهم ممن أبدوا سلوكًا لم يعجبه، خاصةً العشاق من الشباب، وتم القبض عليه بوشاية بعد قتله مريضًا وزوجته عام 1970، وتم إدانته ومحاكمته عام 1987، وتسميته بـ «ملاك الموت»، اللقب الذي تمسك به لإصراره على أنه ضحية مشاعره، ورغم الحكم عليه بالإعدام فإنه في 28 مارس/آذار، وقبل موعد تنفيذ الإعدام عليه بيومين، تعرض للضرب المبرح في زنزانته.