آدم روبرتسالغارديان، 15 يناير 2016قبل خمس سنوات من هذا الأسبوع، كان أول ظفر بالنصر، بين عدة انتصارات أخرى للربيع العربي، في تونس. بدأت المظاهرات الشعبية واللا عنفية قبل ذلك بأربعة أسابيع في الداخل الجنوبي للبلاد، المعروف بتاريخه الطويل في مقاومة الحكومة المركزية.بعد أن قام بائع الخضار، محمد البوعزيزي، في 17 ديسمبر 2010، بالتضحية بنفسه، انتشرت المظاهرات بسرعة، وبلغت أوجها في تجمع كبير خارج وزارة الداخلية التونسية، في 14 يناير. في ذلك اليوم، في مواجهة معارضة كبيرة وإضراب عام مقرر، لاذ الرئيس التونسي، زين العابدين بن علي، بالفرار. وقد تحصَّن في المملكة العربية السعودية منذ ذلك الحين.لماذا أعقِب النجاح الواضح للثورة التونسية بالكثير من الكوارث؟ هل يمكن أن يكون حقيقيًا أن التطور السلمي الكبير، الذي ألهم الملايين في جميع أنحاء العالم، قد أسهم في الوضع الذي نواجهه اليوم: تدويل الحروب الأهلية في كل من سوريا واليمن، وصعود الدولة الإسلامية، والحكم التسلطي في مصر، وانهيار الحكومة المركزية في ليبيا، ومغامرة المهاجرين للفرار من هذه الأهوال؟يتمثل الجواب القصير على ذلك في أن التخلص من حاكم ديكتاتوري وفاسد لا يكفي. فبناء المؤسسات الديمقراطية، واستعادة الثقة في دولة متصدعة، مهام أصعب بكثير. وقد كان الفشل في فهم هذه الأمور هو ما دفع الولايات المتحدة وبريطانيا نحو المغامرة الكارثية في العراق، في عام 2003. لكن ليس فقط المحافظون الجدد وأصدقاؤهم من يحتاجون إلى تعلم هذا الدرس. وإنما أيضًا الدعاة والممارسين للمقاومة المدنية اللاعنفية، الذين يركزون غالبًا على مهمة التخلص من الطغاة، ويفكرون ويخططون أقل حول ما يعقب ذلك.إن تونس نفسها لا تزال غير مستقرة، على الرغم من أنها قد حققت التغيير السياسي الأكبر منذ الربيع العربي بأقل تكلفة إنسانية. لم يسقط النظام بمجرد رحيل ابن علي. لقد كان رحليه مجرد بداية. بدأ صراع طويل داخل البلد، ليس فقط لحل محل أتباع النظام القديم الأكثر فسادًا وعجزًا؛ ولكن أيضًا لوضع نظام دستوري جديد. وقد استغرق هذا سنتين، ويمكن أن ينجح فقط إذا كان هناك قدر من الثقة بين مختلف الأطراف المعنية.ما هي العوامل التي جعلت من الممكن لتونس الانتقال إلى الديمقراطية التعددية؟ العاملان اللذان كثيرًا ما استشهد بهما هما الأخلاقيات السياسية التقليدية للجيش التونسي والانجذاب الثقافي التونسي لأوروبا. لكن العامل الرئيس الثالث، الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بهذين العاملين، كان الدور البارز لحزب النهضة.قبل وقت طويل من عام 2011، كانت هذه الهيئة الإسلاموية – التي تختلف كثيرًا عن الجماعات الإسلاموية في بلدان أخرى – تتطور في اتجاه ديمقراطي بقوة. وتحت رئاسة ابن علي، أدت تجربته في القمع الشديد إلى العمل بالتنسيق مع أحزاب سياسية أخرى. بعد الثورة اعترف الحزب صراحة بالشرط الأساسي للديمقراطية – أن الأحزاب يجب أن تكون على استعداد لخسارة الانتخابات. وفي عام 2014، كان حزب النهضة جيدًا في ذلك، خسر الانتخابات وتنازل على الفور.أعقِب نجاح التونسيين في التخلص من ابن علي بتنحي الرئيس حسني مبارك في مصر في فبراير 2011، ووفاة العقيد معمر القذافي في ليبيا في أكتوبر التالي، ورحيل الرئيس علي عبد الله صالح من اليمن في فبراير 2012. رحل أربعة أتوقراطيين على مدار عام واحد فقط.باستثناء ليبيا، حيث وجدت أحداث العنف في مرحلة مبكرة، يمكن بسهولة أن يُنظر إلى هذه الثورات على أنها انتصارات للمقاومة المدنية. إلا أن أيًا من الحالات بعد التونسية قد انتهى بأي شيء يشبه النجاح.شهدت مصر حكومة منتخبة للإخوان المسلمين أطيح بها من قِبل الجيش في انقلاب حظي بالكثير من الدعم الشعبي، لكنه الأمر الذي أدى إلى نظام لا يقل استبدادية عن نظام مبارك. وأثبتت الحروب في ليبيا واليمن ما يمكن أن يحدث عندما يرفع الغطاء عن مجتمع منقسم بعمق.في الوقت نفسه، في بلدين حيث كانت هناك حركات معارضة قوية وليس ثورة، البحرين وسوريا، كانت هناك نتيجتين مختلفتين جدًا، لم يسع المتظاهرون إلى أي منهما: في البحرين، عززت الحكومة عن طريق التدخل العسكري السعودي. وفي سوريا، حصلت كارثة مطلقة. ولم تلعب القوى الخارجية دورًا جليلًا في أي شيء من هذا.لا تنتهي المشكلة هناك. في رسالته متعددة الأجزاء، “أمل وبشائر سارة لشعبنا في مصر”، أيمن الظواهري المصري المولد، الذي أصبح زعيم تنظيم القاعدة بعد اغتيال أسامة بن لادن في مايو 2011، كان يبدو معجبًا بالانتفاضات في تونس ومصر.لم تتضمن كلماته، كما هو متوقع، أي تلميح من الاعتراف بأن النضال السلمي قد حقق أكثر من جميع عمليات التخريب القاتلة لتنظيم القاعدة. وعلاوة على ذلك، أظهر صعود تنظيم الدولة الإسلامية والكيانات التابعة له منذ عام 2014 كيف أن الحركات الإسلامية المتطرفة يمكنها أن تستفيد من المساحات حين تتم الإطاحة بالحكومة. في الواقع، تركيز تنظيم الدولة الإسلامية على السيطرة المادية على الأراضي –الأمر الذي يميزه عن تنظيم القاعدة- هو نتيجة منطقية لفراغ السلطة الذي ظهر في العديد من البلدان المتضررة من الربيع العربي.ماذا تقول حكاية المعاناة هذه عن قدرة المقاومة المدنية على تحرير الناس من الأتوقراطية؟ تظهر هنا ثلاثة دروس قوية.الأول هو أن المقاومة المدنية تحظى بسلطة – وربما في بعض الأحيان أكثر من اللازم. ويمكنها أن تقوض الأركان التي يقوم عليها الحكم المطلق. لكن قد لا تعمل المقاومة المدنية ضد الحاكم، كما في حالة بشار الأسد في سوريا، الذي يمكنه الإبقاء على دعم شريحة كبيرة من المجتمع. وإذا أمكن للمقاومة المدنية تقويض ركائز الاستبداد، فإن معتنقيها في حاجة إلى إدراك العواقب الموجودة والوخيمة لفراغ السلطة.الدرس الثاني هو أن تقليد رؤية المقاومة المدنية على أنها بالتعريف متفوقة على الأعمال العادية للحكومة من الأمور المثيرة للجدل بعمق. أينما يتم استخدامها ضد النظام، يجب أن يكون هناك خطة ذات مصداقية لحكم البلاد: في حالة عدم وجود مثل هذه الخطة، المقاومة المدنية هي جزء من المشكلة وليست جزءًا من الحل. نتيجة الكثير من العفوية، وفي بعض الحالات، حركات الربيع العربي منزوعة القيادة في عام 2011، لم تكن ثمة أهلية لأخذ الأدوار المملة من الأحزاب السياسية والمحامين الدستوريين.الدرس الثالث هو أنه في كثير من الحالات، هناك حالة لحركات جعلت مطالبها أكثر تواضعًا من إسقاط النظام. في الأردن، والمغرب، على سبيل المثال، أخذت حملات الربيع العربي طابعًا إصلاحيًا أساسيًا. قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن مدى نجاح ذلك، لكنها تجنبت بعض الكوارث التس حصلت في السنوات الخمس الماضية.الأحداث الاستثنائية التي أعقبت وفاة البوعزيزي في جزء ناء من تونس بدت في الوقت نفسه مثالًا كلاسيكيًا على تأثير الدومينو: موجات من سلطة الشعب تسقط الطغاة في العالم العربي. تؤكد المآسي التي تلت أن كل بلد يتصرف بشكل مختلف، نتيجة للتنوع التاريخي والاقتصادي والجغرافي والعقائدي. الثورات في كثير من الأحيان تنتشر عبر الحدود: انظر 1848 و 1989 والآن 2011. لكنها لا تسافر بالضرورة على نحو حسن.

المراجع
  1. The Arab spring: why did things go so badly wrong?