هذا ليس تحليلاً اقتصادياً يُربك عقلك بأرقام لا أول لها ولا آخر، أو رأي يضعك بين الأخذ والرد، فلو قلنا إن القرض أضرّ البلاد فستخرج التصريحات الحكومية لتؤكد أن إجراءات الإصلاح تصب في مصلحة المواطنين، ولو سردنا آراء خبراء تؤكد كذب الحكومة فستأتي الحكومة بخبراء يؤكدون صدقها.

والمعضلة هي أن لغة الاقتصاد ليست كما تبدو عليه من البساطة التي تجعلك تؤيد أو ترفض، فمثلاً: لو قلنا إن ارتفاع أسعار الكهرباء يضر مصلحة المواطن فإنه في نفس الوقت يقلل من دعم الدولة للكهرباء، مما يوجه الدعم لأمور أخرى كالتعليم والصحة مثلا.

فالأمر على بساطته يبدو إعادة لتوجيه الدعم طبقا للأولويات، وإذا كنت معارضًا، فستعترض على ارتفاع أسعار الكهرباء، وإذا كنت مؤيدًا، فستُهلل لإعادة توجيه الدعم لأمور أشد احتياجًا، فالكل يأخذ من حقيقة الأرقام ما يؤيد فهمه ورأيه. لذا فما ستقرؤه هو محاولة رصدية لتعرف ماذا تم، وماذا يتوقع أن يتم؛ لتستعد له.


إجراءات قاسية منتظرة

يعاني الاقتصاد من ارتفاع كبير في معدلات التضخم، وارتفاع معدل الواردات وانخفاض الصادرات، وانخفاض معدلات النمو والاستثمار، وارتفاع نسب الفقر والبطالة، وتراجع القدرة الشرائية للعملة، فقد انخفضت قيمة الجنيه مقابل الدولار أكثر من المتوقع بعد تحرير سعر الصرف، مما أدى إلى موجات غلاء عديدة، يعاني منها المصريون جراء الزيادات في الأسعار.

في ظل عدم تحديد خطاب النوايا المرسل لصندوق النقد للإجراءات الخاصة بالسياسات الاقتصادية والمالية التي تلتزم مصر بتنفيذها في توقيتات محددة، وعدم إفصاح الحكومة عن اﻹجراءات الاقتصادية المزمع اتخاذها حتى نهاية فترة القرض في 2019، فإنه استكمالاً للإجراءات المتعلقة بتوالي الدفعات يُنتظر:

  1. طرح ما تبقى من مصانع وشركات قطاع الأعمال، وبعض شركات البترول والبنوك في البورصة، والاستمرار في برنامج الخصخصة عن طريق بيع بعض الأصول المملوكة للدولة بحجة تخفيف أعباء خسارتها عن ميزانية الدولة؛ لأن أموال القرض لا يمكن أن تُنفق على شركات قطاع الأعمال الخاسرة، أو قد يُقترح طرح حصص من الشركات العامة والأصول الحكومية للبيع للمستثمرين الأجانب، مما يدفع نحو التخوف من عدم قدرة مصر على سداد الأقساط المستحقة للصندوق، واتجاهه لبيع هذه الشركات أو السيطرة عليها.
  2. استكمال خطة تسديد الديون المستحقة لشركات البترول العالمية العاملة في مصر، بعدما تم سداد 2.2 مليار دولار منها، ليتبقى 2.3 مليار دولار أخرى.
  3. رفع أسعار الوقود تدريجيا لإلغاء الدعم عن المحروقات والطاقة بحلول عام 2022، و زيادة تعريفة مياه الشرب بشكل تدريجي لمدة 5 سنوات متتالية، تنتهي بحصول المستهلك على المياه بسعر التكلفة الحقيقية بحلول 2019.
  4. خفض ميزانية رواتب القطاع العام بتقليل عدد العاملين بالدولة، عند طريق الإطاحة بملايين الموظفين، ربما من خلال باب الاستغناء والمعاش المبكر للموظفين الحكوميين، والذي بدأ بقانون الخدمة المدنية الذي يعتبر شبه تجميد للأجور، وكذلك إعداد مقترح يقر خطة تدريب الموظفين، وإعادة تدويرهم بين المؤسسات والهيئات والوزارات الحكومية.
  5. الاستمرار في التحرر من الدعم، و التعجيل بالتحول إلى الدعم النقدي، فبعد أن كان المواطن يحصل على سلع مدعومة صار يحصل على مبلغ مالي (50 جنيها) وهو رقم لا يتناسب مع الارتفاع الكبير في أسعار السلع.

أين تنفق أموال القرض؟

أكدت وزارة المالية أن أموال صندوق النقد ستوجه لتمويل وسد عجز الموازنة العامة، دون تحديد أوجه إنفاق محددة، بينما يستفيد البنك المركزي بالمقابل النقدي بالعملة الأجنبية لهذا التمويل؛ لدعم رصيد الاحتياطي النقدي بالعملة الأجنبية. كما ستوجه أيضًا لزيادة الإنفاق على الاستثمار في البنية الأساسية لتنمية وتطوير مستوى الخدمات العامة، بما في ذلك مشروعات إسكان أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض، وتطوير العشوائيات والقرى الأكثر فقرًا، والطرق، والمواصلات، والمياه والصرف الصحي، وغيرها من الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين.

مصر ليست بحاجة إلى قروض بقدر حاجتها لوضع رؤية جيدة لإدارة الملف الاقتصادي. بالطبع توجد العديد من الحلول لكنها تحتاج فترات زمنية طويلة، لا يسمح بها الوضع المأساوي الذي يفرض التحرك السريع، فالقرض هو سبيل إنقاذ الاقتصاد بعد وصوله إلى مستويات متدنية، وتفاقم الدين العام، وتوقف المساعدات الخليجية. وأكثر إيجابيات القرض هي التزام الحكومة الإجباري بتنفيذ برنامج الإصلاح، وهو ما يضمن عدم التراجع عن الإصلاحات.

ويجب الاعتراف بفشل الحكومة لعدم وجود برنامج حقيقي للإصلاح، إذ لابد أن تضع الحكومة خططا للإصلاح تقوم على خفض الدين العام من خلال زيادة الإيرادات وترشيد الإنفاق، ووضع أولوية للاستثمار في البنية التحتية، فالدولة لن تُبنى بالقروض، وإنما بالعمل والإنتاج وتهيئة المناخ المناسب للاستثمار، واستعادة ثقة دول العالم بالاقتصاد المصري، وبغير ذلك لن يتحسن الوضع الاقتصادي، ولن يشعر المواطن بأي تغيير أو تحسن في مستوى معيشته.


هل القرض أزمة؟

الأزمة ليست في الصندوق؛ فهو مجرد وسيلة للحل، وإنما الأزمة في تعامل الحكومة مع الموقف وأدائها في الحل، ونجاح أو فشل القرض مرتبط بسياسة التعامل معه، فالصندوق يُعطي الحرية في عمل البرنامج الاقتصادي الذي تعتزم الدولة الالتزام به، ويطالب بالقضاء على المشاكل الاقتصادية لضمان قدرة الدولة على سداد القرض، لكنه لا يجبرها على شيء، فهو يطالب بحل العجز في الموازنة وليس رفع الدعم، ويشترط تخفيض بند الأجور ولا يطالب بفصل الموظفين، وهذا يمكن تنفيذه دون الضرر بالموظفين من خلال الاستغناء عن بعض مستشاري الوزراء الذين يتقاضون مبالغ كبيرة.

كما يجب أن تقدم الحكومة رؤية ﻹدارة مواردها بعد القرض، فالحصول على القرض دون إعداد خطة متكاملة للتنمية يدفع الدولة إلى قروض أخرى بعد انتهاء المبلغ الحالي، كما أن الاقتراض من الخارج يصحبه كثير من الأعباء، فالأموال التي نحصل عليها لا يقابلها أي نوع من الإنتاج، الأمر الذي سيترتب عليه حالة من التضخم الشديد وارتفاع في الأسعار.


الصندوق يحكم

في النهاية فإن الحكومة مضطرة لتنفيذ كامل الشروط، وغض الطرف عن الغضب الشعبي؛ لأن دفعات الصندوق ترتبط بباقي الجهات المانحة، والتي أعلنت أنها تعتمد على تقييم الصندوق للاقتصاد المصري.

كما أن الصندوق لن يسمح بصرف أي شريحة دون أن تقوم الحكومة بتنفيذ جميع الاشتراطات المتعلقة بها، خاصة أن الشريحة الأولى من القرض تعد مقابل حصة مصر الأساسية في الصندوق، أما الشرائح الأخرى فتعد من حصص الدول الأعضاء في الصندوق، ومن ثم فإن المراجعات المقبلة ستكون أكثر حزمًا وتدقيقًا. كما أن الصندوق يرى أن الحكومة مهمتها الإدارة فقط، ولا يفترض عليها القيام بمشروعات اقتصادية أو تنموية، ويفضل خصخصة كل القطاعات حتى الخدمات.


متى ننتظر الإجراءات؟

مراجعات الصندوق لالتزامات مصر – بحسب ما ورد في تقرير الخبراء – طبقًا للجدول الزمني التالي:

  • 15 مارس/آذار 2017، لما تم حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2016.
  • 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، لما تم حتى نهاية يونيو/حزيران 2017.
  • 15 مارس/آذار 2018، لما تم حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2017.
  • 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لما تم حتى نهاية يونيو/حزيران 2018.
  • 15 مارس/آذار 2019، لما تم حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2018.

وبناءً عليه فإن أي ارتفاعات أو إجراءات منتظرة يُتوقع حدوثها أثناء فترات المراجعة لتكون دافعًا لاستكمال دفعات القرض.


أجندة الارتفاعات والتضخم

بنظرة سريعة للوراء على الترتيب الزمني لارتفاعات الأسعار تجد أن الربط بينها وبين دفعات القرض واضح بشدة، مما يُعطي توقعًا للإجراءات المتشابهة، وذلك من خلال أجندة التضخم والزيادة خلال سنة (من أغسطس/آب 2016 إلى أغسطس/آب 2017):

  • أغسطس/آب 2016

أعلى معدل للتضخم في البلاد منذ 8 سنوات،بلغ 16.4%.

  • 9 سبتمبر/أيلول 2016

بدء تطبيق قانون الضريبة على القيمة المضافة.

  • 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016

الحكومة تحرر سعر الصرف، ما أدى لتدهور القدرة الشرائية للجنيه وانهيار قيمته أمام الدولار بما يزيد على 60%، إذ بلغ سعر الدولار نحو 20 جنيها، قبل أن يعود ليستقر حول 18 جنيها، بعد أن كان سعره حوالي 8.8 جنيها. كما رفعت الحكومة أسعار الوقود بنسب بين 30 : 47%.

  • 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2016

صندوق النقد الدولي يوافق على منح مصر قرضا بقيمة 12 مليار دولار، بفترة سداد 10 سنوات، يُمنح على هيئة شرائح على مدى 3 سنوات، بالتوازي مع استكمال الخطة المتفق عليها.

  • 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2016

البنك المركزي يتسلم الشريحة الأولى من القرض بقيمة 2.75 مليار دولار.

  • 10 يناير/كانون الثاني 2017

الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء يعلن أن معدل التضخم السنوي ارتفع من 19.4% في نوفمبر إلى 23.3% في شهر ديسمبر الماضي، وبلوغ نسبة تضخم المواد الغذائية حوالي 28.3%، وتضخم الرعاية الصحية حوالي 32.2%، ويعد هذا المستوى من التضخم قياسيا.

  • 19 يناير/كانون الثاني 2017

الحكومة تتعهد بإلغاء دعم الوقود في السنة المالية 2018- 2019.

  • 24 مارس/آذار 2017

زيادة بنسبة 100% على سعر تذاكر مترو الأنفاق، لتصبح جنيهين بدلاً من جنيه.

  • مايو/آيار 2017

كان من المقرر أن تحصل الحكومة على الدفعة الثانية من الشريحة الأولى، لكن تأجلت.

  • 1 يونيو/حزيران 2017

إقرار قانون الاستثمار الجديد.

  • 29 يونيو/حزيران 2017

رفع أسعار الوقود بنسب تراوحت بين 42 : 55%، وارتفاع سعر أسطوانة الغاز المنزلي إلى الضعف، من 15 إلى 30 جنيها.

  • 3 يوليو/تموز 2017

الحكومة تقر زيادة أسعار فواتير الكهرباء بداية من العام المالي الجديد.

  • 6 يوليو/تموز 2017

البنك المركزي يرفع أسعار الفائدة الأساسية على الإيداع والإقراض بقيمة 200 نقطة أساس، ليصل إجمالي رفع أسعار الفائدة إلى 700 نقطة أساس في أقل من 9 أشهر، و1000 نقطة أساس في نحو عام ونصف؛ وذلك للسيطرة على التضخم والوصول به إلى 13% بالربع الأخير من 2018.

  • 10 يوليو/تموز 2017

الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء يعلن ارتفاع معدل التضخم خلال النصف الأول من العام بنحو 31%، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2016. وارتفاع معدل أسعار الأغذية والمشروبات على أساس سنوي بنحو 41%، مقارنة بشهر يونيو من العام الماضي.

  • 14 يوليو/تموز 2017

صندوق النقد يعلن منح مصر الدفعة الثانية، وقيمتها 1.25 مليار دولار.

  • 23 يوليو/تموز 2017

وزارة التموين تقترح خفض نصيب الفرد من الخبز المدعم من 5 إلى 4 أرغفة يوميًا، نظير زيادة نقاط الخبز بنسبة 100%، لتصبح 20 قرشًا عن كل رغيف لا يتم استهلاكه بعد أن كانت 10 قروش.

  • 2 أغسطس/آب 2017

رفع أسعار مياه الشرب والصرف الصحي.

  • 10 أغسطس/آب 2017

الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء يعلن ارتفاع معدل التضخم السنوي في مدن مصر من 29.8% في يونيو إلى 33% في يوليو/تموز. وسجل التضخم أعلى مستوياته منذ يونيو/حزيران 1986 عندما بلغ 35.1%، كما زاد تضخم أسعار المستهلكين في المدن من 0.8% في يونيو/حزيران إلى 3.2% في يوليو/تموز.