يستعمل البعض الإيمان كمعنى مضاد للعقلانية، بل يقول البعض إن العلم، كامتداد للعقلانية، هو أيضًا مضاد للإيمان. لكن الحقيقة هي أن العلم يحتاج إلى الإيمان؛ فالإيمان معرفيًا هو الاعتقاد المعرفي غير المبرر موضوعيًا ويقينيًا، والعلماء يعتمدون في بحثهم العلمي على الكثير من المسلّمات التي لا يمكن إثباتها.

فخطوات المنهج العلمي باختصار واختزال كالتالي: الملاحظة التجريبية الحسية، التفكير العقلاني لفهم الظاهرة، ووضع نظرية تتكون من افتراضات لأسباب الظاهرة ونتائجها وكيفية عمل آلياتها، ثم تصميم تجربة لوضع النظرية وتنبؤاتها تحت الاختبار، ثم جمع نتائج الاختبارات لتحسين النظرية أو إسقاطها والبحث عن نظرية جديدة. وتستمر العملية للاقتراب بقدر الإمكان من النظرية الصحيحة والقادرة على التنبوء المستقبلي. وهنا نجد أن المنهج العملي، كما يتضح من خطواته، يعتمد على مسلّمات لا إثبات لها:

-تبرير صحة العقلانية.

-تبرير صحة عمل الحواس؛ بمعنى أن مدخلات خبراتنا الحسية تتوافق مع الواقع الخارجي وإثبات وجود ذلك الواقع الخارجي من الأساس.

-تبرير مفاهيم ميتا-ابستيمولوجية كمفهوم الحقيقة.

-تبرير مفاهيم ميتافيزيقية كالسببية وانتظام الطبيعة.

-تبرير مفاهيم ابستيمولوجية كالاستقراء.

-تبرير عقلانية ورياضية الكون.

كنا قد استعرضنا بعضها في المقالة السابقة، وسنكتفي هنا بتحليل آخر ثلاث نقاط.


السببية وانتظام الطبيعة

السببية هي انتظام معين لتسلسل ما من الأحداث، فمثلًا القوانين الفيزيائية التي تصف حركة الأرض في حقل جاذبية الشمس تتسبب في دوران الأرض حول محورها وفي بقائها في مدارها حول الشمس فيظهر لنا أن الشمس تشرق يوميًا. وبتحليل الفيلسوف الإنجليزي ديفيد هيوم للسببية، وجد أنها تختلف عن الاطراد (مجرد تتابع لأحداث منفصلة) في أن هناك علاقة مسؤولية بين السبب والنتيجة، والتي تظهر في الاقتران الثابت الضروري بينهما، والذي يعطينا القدرة على التنبؤ المستقبلي بناء على ملاحظتنا لنفس الظواهر (كأسباب ونتائج) في الماضي. «فكما كانت قوانين الكون في الماضي، فستظل بصورتها في المستقبل» وهو مبدأ يعرف بمبدأ انتظام الطبيعة.

فلوصف كيفية عمل الظواهر الكونية، يضع العلماء نظرياتهم في صورة علاقات بين أسباب ونتائج يمكن التنبوء بها في المستقبل وتمكننا من صنع تطبيقات دائمة اعتمادًا عليها. والعلماء لا يراجعون قوانين الفيزياء يوميًا للتأكد أنها تظل تعمل كما هي وأن تطبيقاتها لا تزال تعمل كما هي حتى يستطيعوا إكمال بحثهم بناءً على تلك المعرفة السابقة. يقول راسل: «إن قانون السببية، الذي يمكننا من توقع الأحداث اللاحقة بواسطة الأحداث السابقة، قد تم اعتباره دومًا مبدأ بديهيا، ضرورة فكرية، يستحيل العلم بدونه»؛ لأنه إذا طرأ أي شك حول إمكان تغير انتظام الطبيعة وأن الماضي يمكن ألا يكون قاعدة للمستقبل «فسوف تصبح كل الخبرة بدون فائدة، ولن تؤدي بذلك إلى أي استدلال أو نتيجة» مستقبلية؛ لأن أي حجة من الخبرة قائمة على أساس التطابق بين الماضي والمستقبل. فما فائدة صناعة دواء معين وتناوله إذا كنا لا نعتقد أنه سيتسبب في علاج الحالات المستقبلية لمرض معين، أو ما فائدة أكل طعام إذا كنا لا نعتقد أنه سيتسبب في إشباعنا، أو شرب كوب من الماء إذا كنا لا نعتقد أنه سيتسبب في أي ارتواء، هنا سنجد أن السببية وحدها «قادرة على أن تقودنا أبعد من معرفتنا الناتجة عن الذاكرة والمدخلات الحسية المباشرة». لهذا فالعالم يؤمن بأن الكون محكوم بقوانين كونية، مطلقة، لا تتغير، يمكن التنبؤ بنتائجها، ويمكن الاعتماد عليها، ويمكن الوصول إليها عن طريق الاستقراء.


الاستقراء

الاستقراء هو استدلال سببي يبدأ من مجموعة ملاحظات خاصة تجريبية لاستنتاج قانون عام. كمثال:

(المعدن 1) يتمدد بالحرارة – (المعدن 2) يتمدد بالحرارة – (المعدن 3) يتمدد بالحرارة.

إذًا فكل الحالات التي تمت ملاحظتها في الماضي تقول بأن المعادن تتمدد بالحرارة، ومن ثم فكل المعادن تتمدد بالحرارة دائمًا؛ ولأن أساس الاستدلال هو التجربة المحدودة التي لم تمر بكل الحالات، فالنتيجة التعميمية دائمًا يحتمل أن تكون خاطئة. فمثلا من الممكن أن نكتشف أن (معدن 4) أو (معدن س) لا يتمدد بالحرارة، وبالتالي فالمقدمات لا تضمن صحة النتيجة. فالاستقراء لا يبرر المعرفة الناتجة عنه تبريرًا كافيًا.

ويعتمد الاستقراء في المنهج العلمي على مُسلّمة انتظام الطبيعة التي تقول «الحالات التي لم تتم ملاحظتها بعد، مماثلة للحالات التي تتم ملاحظتها»، فالظواهر الفيزيائية ستظل على صورتها التي تمت ملاحظتها سابقًا. فمثلًا الصورة الاستقرائية لظاهرة شروق الشمس:

الشمس أشرقت الشهر الماضي – الشمس أشرقت الأسبوع الماضي – الشمس أشرقت البارحة.

إذًا فكل الحالات التي تمت ملاحظتها في الماضي تقول بأن الشمس تشرق يوميًا. إذًا فالشمس ستظل تشرق يوميًا دائمًا.


مشكلة الاستقراء وشك «هيوم»

انتبه الفيلسوف هيوم إلى مشكلة أعمق في الاستقراء، فعنصر الضرورة في العلاقة السببية الاستقرائية ليس ضرورة منطقية؛ لأن نفي العلاقة السببية لا يسبب تناقضا منطقيا. فالعلاقة «كما كان الماضي فسوف يكون المستقبل» ليست ضرورة منطقية، وبالتالي فالنتيجة التي تقول «الشمس ستظل تشرق يوميًا دائمًا» ليست نتيجة ضرورية منطقية للسبب أن «كل الحالات التي تمت ملاحظتها في الماضي تقول بأن الشمس تشرق يوميًا»، فمن الممكن منطقيًا ألا تشرق الشمس غدًا. بالتالي فلا يبقى أمامنا لتبرير السببية إلا استقراء الحالات السابقة؛ أي أننا نعتمد على استقراء نتائج التجارب السابقة (الحجة من الخبرة) لتحديد ما هو واقع من بين كل ما هو ممكن منطقيًا.

لكن ما هو مبرر الاستقراء؟

وجد هيوم أن مبرر الاستقراء هو استقراء للاستقراء ذاته؛ أي علاقة سببية أيضًا كالتالي:

الاستقراء الذي قمت به في حالة المعادن صحيح – الاستقراء الذي قمت به في حالة شروق الشمس صحيح. إذًا فكل الحالات التي تمت ملاحظتها في الماضي تقول بأن الاستقراء صحيح. إذًا فكل الاستقراءات صحيحة دائمًا.

وبالتالي فالاستقراء يُبرر نفسه، وعنصر الضرورة في السببية تبرره السببية ذاتها، وتلك مغالطة منطقية من نوع الاستدلال الدائري؛ فالاستقراء غير مُبرر، وبالتالي لا يبرر المعرفة الناتجة عنه. وقد عبر هيوم عن تلك الرؤية الشكية بقوله: «عقليًا يجب رفض كل الاعتقادات فلا يمكن اعتبار أي رأي أكثر احتمالية من الآخر»؛ لأن كل الاحتمالات متساوية في الإمكانية، ولكن بالطبع فالحياة مستحيلة على تلك الصورة، فيعود ليقول: «إن الحياة الطبيعية تجبرني على التخلي عن تلك الأفكار وأن أعود لتصرفاتي العادية»، وأن العادات التي تنتج عن تجاربنا الحياتية «هي المرشد العظيم لنا في حياتنا»، فعنصر الضرورة هو مجرد انطباع ذهني نفسي نتيجة تعودنا الاقتران بين الأحداث.

وبالتالي؛ فإن المعرفة العلمية التجريبية ليست حقيقة معرفية بسبب ارتكازها على الاستقراء والسببية الحتمية بدون ضرورة. ولما كان التصور السائد في عصر هيوم للسببية هو الحتمية وليس الاحتمالية، فقد تم اعتبار هجوم هيوم على السببية ذاتها، وقد ظهرت عدة حلول جزئية لمشكلة الاستقراء على مر العصور، سنكتفي بذكر أهم حلين منها:

الترجيح الاحتمالي البراجماتي

الحل الأول؛ هو التخلي عن دور الاستقراء التبريري اليقيني لصالح مبادئ أضعف كالترجيح الاحتمالي والذي وضع أسسه الفيلسوف والعالم الألماني هانز رايشنباخ، فالاستقراء لا يُبرِّر ولكن يُرجِّح بناء على أدلة من الحالات السابقة. فكما اعتبر كانط السببية شرطًا للمعرفة التجريبية، وبالتالي فهو يتسامى عنها ولا يمكن إثباتها به، فإن رايشنباخ اعتبر الاحتمالية على نفس القدر المعرفي للسببية الكانطية؛ فهي شرط للمعرفة التجريبية، ولا يمكن للتجربة إثباته، فتقترن عنده السببية مع الاحتمالية في صورة علاقة ضرورية، السبب فيها مسؤول عن نتيجة ما ولكن كل النتائج الممكنة محتملة، وربما يعود ذلك لتأثره بتفسير كوبنهاجن الاحتمالي لميكانيكا الكم عندما حاول وضع نظام منطقي له.

يقر رايشنباخ بمنطقية تحليل هيوم، وبأن كل الاحتمالات ممكنة، إلا أنه يرى أن مشكلة الاستقراء هي مشكلة تحديد لتلك الاحتمالات والاختيار من بينها. فالقضايا الاستقرائية هي قضايا «نتعامل معها على أنها حقيقة، رغم أننا لا نعرف إن كان ذلك بالفعل أم لا»، فوضع مبدأ «التبرير البراجماتي» كأفضل منهج للاختيار؛ فأفضل اختيار ممكن هو الاختيار الذي سيعظم الفائدة المتوقعة.

فيقول: «رجل أعمى فقد طريقه في الجبال يحس بوجود طريق أمامه باستعمال عصا معه. لكنه لا يعرف أين سيقوده، فقد يأخذه لحافة الهاوية فيسقط عنها. لكنه يتبع المسار ويتلمس طريقه خطوة بخطوة. لأنه إذا كان هناك أي إمكانية للخروج من هذا التيه، فستكون بتتبع هذا الطريق. والإنسان كالرجل الأعمى في مواجهة المستقبل ولكننا نشعر بوجود طريق ونشعر أنه إذا أردنا المرور خلال المستقبل، فيجب أن نتبع هذا الطريق».

فإذا كانت الأدلة السابقة جميعها تشير لاختيار معين من بين الاختيارات الممكنة، وأنه أفضل الاختيارات من حيث الفائدة المتوقعة (في العلم وتطبيقاته)، فمن المنطقي أن نختاره هو رغم أنه قد يكون خطأ. فالترجيح لا يزال يفتح باب الشك أن تكون النتيجة ذات الاحتمال الأقل هي الحقيقة. النظرة البراجماتية هنا مماثلة تماما لرهان باسكال، لكن باختلاف طريقة حساب الفائدة. فرغم عدم إمكانية إثبات وجود الإله أو عدم وجوده عقليًا بصورة يقينية؛ لكن لو كان الإله موجودًا فالإيمان أكثر فائدة من الإلحاد، وإذا كان الإله غير موجود فستتساوى النتائج في عدم فائدتها. فالاستقراء يعطي أفضل تفسير، ومعيار التفضيل هنا هو الفائدة البراجماتية المتوقعة. لكن كما بينا في المقالة السابقة أن التبرير البراجماتي هو مغالطة منطقية من نوع الاستدلال الدائري على صورة أ لأن أ.

العقلانية النقدية ومبدأ التكذيب

الحل الثاني؛ هو التخلي عن فكرة التبرير المعرفي تمامًا هي رؤية كارل بوبر المعرفية «العقلانية النقدية». فالمعرفة الحالية خاطئة باعتبار الأدلة التي ستظهر لاحقًا، فلا يمكن تبريرها. ولكن أقصى ما نستطيع فعله هو تبرير الاعتقاد بقبول النظرية مؤقتًا وليس تبرير اعتبار النظرية كجزء من المعرفة الصحيحة. فالمعرفة عنده لا تتكون نتيجة تبرير أو إثباتات فيقول: «لا نحتاج إلى مثل هذه الأشياء»، وإنما تتكون المعرفة نتيجة التخمينات والفرضيات يتبعها نقد لإثبات خطأها (مبدأ التكذيب).

ولهذا فالعلم في نظر بوبر هو عملية اجتثاث متواصلة للتخمينات والنظريات الخاطئة فنقترب من الحقيقة رويدًا رويدًا. فرؤيته لظاهرة شروق الشمس هي أنه مادام لم يأت اليوم الذي تتوقف فيه الشمس عن الإشراق، فسنظل نعتبر أن نظرية شروق الشمس لم يثبت خطأها. ولهذا فالمعيار الفاصل بين العلم واللاعلم عند بوبر هو قابلية النظرية للتكذيب الذي يقربنا للحقيقة.

وقوة حل بوبر في وضع مبدأ التكذيب تكمن في تحويله الاستقراء الإثباتي إلى استنباط تكذيبي، فلا يوجد عدد كاف من التجارب لإثبات صحة نظرية ما لأنها قد تفشل في التنبؤ القادم، لكن لو تنبأت النظرية بشيء وثبت عكسه في تجربة واحدة، فالاستنباط المنطقي من النتيجة هو أن النظرية خاطئة. وبالتالي فنحن لا نعتبر أن نظرية ما صحيحة لأنه لا يوجد مبرر لذلك، ونكتفي بأنه لم يثبت خطأها إلى الآن.

ولكن سنجد أن الإيمان عنصر مهم في فلسفة بوبر المعرفية حيث إن نقطة البداية هي التخمين الذي يؤمن العالم بصحته، فكما يقول في كتابه «منطق الكشف العلمي»: «إن الأفكار الجريئة، والتنبؤات غير المبررة، والتكهنات الفكرية، هي الوسيلة الوحيدة لتفسير الطبيعة»، ويضيف «فبدون الإيمان بها، إيمانا ميتافيزيقيا، ليس له مبرر علمي، سيستحيل العلم». وحتى إذا لم تقدم تلك الأفكار أي فرضيات يمكن اختبارها فهي تتحول إلى ميتافيزقيا ولكن ميتافيزقيا مفيدة حيث يمكن أن تكون بداية خط فكري جديد يمكن اختباره لاحقًا. كما حتى لو استطعنا تبرير مبدأ التكذيب منطقيًا، فإننا لا نستطيع أن نبرر جذور مبدأ التكذيب (كالعقل والحس والمنطق)، فلماذا نعتبره أساسًا للاعتقادات؟ ما هو المبرر لاستعمال مالا يمكن تبريره؟ يرد كارل بوبر بأن تلك القضايا الأساسية «مقبولة بقرارٍ حر».


عقلانية ورياضية الكون

نصل للمسلمة السادسة، التي يصفها بول ديفيز قائلًا: «إن العلم قائم على افتراض أن الطبيعة منظمة بطريقة عقلانية ومفهومة»، وهذه مسلمة لا يمكن تبريرها أو إثباتها أو حتى تجربتها كما يتطلب المنهج العلمي. فيقول آينشتاين: «إن أكثر شيء غير مفهوم في الكون، هو أنه مفهوم»، وبالتالي فلابد من الإيمان بها وإلا فسينهار البناء المعرفي للعلم ككل. ومن خلال إطار فهم الإنسان للكون عقلانيًا، توصل إلى أنه يمكن وضع نماذج رياضية للظواهر الكونية. وهو ما عبر عنه جاليليو قائلًا إن الكون هو كتاب عظيم مكتوب بالرياضيات. وهو ما لاحظه ليونارد أدلمان، عالم الحاسوب وصاحب تقنية تشفير الـRSA، في إطار بحثه في حوسبة الـDNA وهي شكل من أشكال الحوسبة المتوازية التي تستخدم الـDNA في تجربة العديد من الاحتمالات المختلفة في المرة الواحدة، فيقول: «حتى في علم البيولوجي، يوجد رياضيات هناك أيضا!».

ولكن لا يوجد تبرير لذلك، وهي مشكلة صاغها آينشتاين في مقالة له بعنوان «الهندسة والخبرة التجريبية»، قائلًا: «كيف يمكن للرياضيات، كمنتج عقلي بشري مستقل عن الخبرة التجريبية، أن تكون مناسبة بشكل رائع للأشياء في الواقع؟»، وهو ما دعا الفيزيائي إيوجين فايجنر لنشر مقالة عام 1960 بعنوان «الفعالية غير المعقولة للرياضيات في العلوم الطبيعية» يقول فيها: «إن معجزة ملاءمة لغة الرياضيات لصياغة قوانين الفيزياء هي هدية رائعة لا نفهمها، فيجب أن نكون ممتنين لها وأن نأمل أن تبقى صالحة في البحوث المستقبلية»، وإذا كان الفيزيائي الشهير لورد كلفن قد وصف المشكلة قائلًا: «إن حقيقة قدرة الرياضيات على أن تصف الكون بصورة رائعة لهو لغز لا نفهمه»، وربما يكون الحل الوحيد لتلك المشكلة هو رؤيته للرياضيات «كتجسيد للحس الجمعي السليم… الميتافيزيقا الوحيدة الصحيحة».


الخاتمة

يتبين مما سبق أن المنهج العلمي يحتوي على مسلمات وافتراضات فلسفية لا يمكن إثباتها وبالتالي فهي تحتاج لإيمان بالمعنى المعرفي الأبستمولوجي، لكن تظل نتائج المنهج العلمي عرضة للتجربة والإثبات والتكذيب مما يقربنا من الموضوعية ويبعدنا عن الذاتية لحد كبير.

يقول أينشتاين:

إن النظريات الفيزيائية تفيدنا في تلمس طريقنا في متاهة الوقائع المرصودة، في إيجاد تفسيرات تنبع من مفهومنا للحقيقة. ونحن لا نستطيع أن نبني علمًا دون أن نعتقد بإمكانية إدراك الحقيقة من خلال نظرياتنا ودون أن نوقن بوجود تناغم داخلي في العالم الذي نرصده. إن هذا الإيمان كان وسيظل الباعث الرئيسي لكل إبداع علمي. فمن خلال كل مجهوداتنا، وفي كل صراع مأساوي بين الصور القديمة والصور الجديدة، نلمح الطموح إلى الفهم والإيمان الراسخ بتناغم عناصر الوجود، ذلك الإيمان الصامد أمام كل العقبات التي تحول دون إدراك الحقيقة.