الفطريات «الجهاز الهضمي للطبيعة» قد تحفظ مستقبل الأرض
محتوى مترجم | ||
| المصدر |  | |
| التاريخ | ||
| الكاتب | ||
قد يكون مفتاح مستقبل العرق البشري تحت أقدامنا مباشرةً. يبدو الأمر غريبًا، لكن الفطر المعروف باسم عيش الغراب يمكنه أن يساعد في حل العديد من التحديات الأكبر التي تواجه المجتمع، من تنظيف البيئة والحياة لفترة أطول إلى استوطان كواكب أخرى.
تترابط داخل كل إنشٍ مربع في الأرض أسلاك بيولوجية ضئيلة يطلق عليها «غصينات فطرية». إنها النظام العصبي المكشوف الخام لعيش الغراب الذي يحافظ على تماسك النبات. عندما تضغط قدمك على الأرض، أو عندما تسقط الأمطار، أو عندما تسقط شجرة على الأرض، تستجيب شبكة الفطر، عبر إطلاق بيانات كيميائية في جميع الاتجاهات وتغيير سلوكها ونموها وفقًا لذلك. يطلق اختصاصي الفطريات النشط في مجاله،بول ستاميتس، على الغصينات الفطرية اسم «الشبكة العصبية الطبيعية» و«الشبكة الجزيئية البيولوجية السريعة جدًا». ويشبّه هذه الشبكة الفطرية بالنظام العصبي البشري وبناء الكون نفسه.
بالنسبة للبعض، قد يبدو وصف ستاميتس للفطر ميتفيزيقيًا على نحوٍ غير مريح. لكنه محق، فعلى غرار النظام العصبي إلى حد كبير، كانت الشبكات الفطرية تدير النظم البيئية للأرض لدهور. وعبر تعلم تسخير هذه الكائنات الحية المذهلة، يمكننا أن نبني لأنفسنا عالمًا أكثر استدامة وأقوى.
الجهاز الهضمي للطبيعة
لنفهم سبب كون الفطريات أساسية للغاية للنظم البيئية للأرض، يجب أن نبدأ بأسلوب حياتها. الفطريات هي محللات الطبيعة ، أي الكائنات الحية الفاصلة بين الحياة والموت. تقضي الفطريات معظم حياتها غير مرئية وتحت الأرض، تمزق أنسجة الحيوانات والنباتات الميتة جزيئًا تلو الآخر. إن رأيت من قبل مادة تشبه بيت العنكبوت لؤلؤية البياض تغطي قطعة من شجرة، فقد رأيت فطرًا يولِم بجنون. بينما تمضغ الغصينات الفطرية عبر التربة، تستغل دقتها المجهرية لفتح المواد الغذائية التي لا تستطيع جذور النبات الوصول إليها. كما أنها تستشعر بيئتها وتنقل تدفقًا مستمرًا من البيانات عبر شبكتها، التي تستخدمها الفطريات لتوجيه نموها.
بهذه الطريقة، يمكن للغصينات الفطرية أن تنتشر كالأفعى في أنحاء مشهدٍ طبيعي – حيث تنتقل بما يصل إلى عدة إنشات يوميًا، دون شكلٍ محددٍ لهيئتها – إلى ما لا نهاية بدرجة أو بأخرى. (لا عجب إذن أن أكبر كائن حي على وجه الأرض عبارة عن فطريات تمتد على مسافة 3,8 كيلومترًا في شرق ولاية أوريجون). تحتاج إلى ماء، عناصر غذائية، وإمدادٍ مستمرٍ من الكربون لتستمر في البناء. تستخلص الفطريات التي تتغذى على المواد العضوية الميتة (Saprotrophic fungi) الكربون من التربة، عبر كسر السيللوز السكري والليجنين الخشبي الصلب. أما الفطريات التكافلية فتقايض مع النباتات، حيث تستبدل العناصر الغذائية بالسكر عبر ربط أفطورتها بنظم الجذور. هذه العلاقة – بين الغصينات الفطرية وجذور النبات – هي واحدة من أهم صور التكافل على وجه الأرض. معظم الأشجار والنباتات الأخرى لن تصل إلى مرحلة النضج أبدًا ما لم يمدها شركاؤها من الفطريات بالنيتروجين والمواد الغذائية الأساسية الأخرى.
لتفهم مدى غرابة الأيض الفطري، تخيل لو أنه في كل مرة تشعر بالجوع يمكنك أن تأمر معدتك بالذهاب إلى مطعم «برجر كينج» لتأكل وجبة نيابة عنك. هكذا هي طبيعة التغذية الفطرية. لكن عمل تحليل الأرض الفعلي لا يتم بواسطة الفطريات مباشرةً، بل بواسطة حساء من الإنزيمات الهضمية خارج الخلية، التي تطوف في أنحاء التربة كعناصر مستقلة، باحثة عن جزيئات لتحللها. وعبر إرسال توابعها الإنزيمية لهضم محيطها، تظل الفطريات مغمورةً باستمرار وسط جميع الموارد التي تحتاجها للنمو.
بالنسبة للمحللات، لا توجد وجبتان متطابقتان أبدًا. لذلك طورت الفطريات مجموعة متنوعة من الإنزيمات، التي يمكن التعبير عنها في مواقف مختلفة. فالفطريات التي تشق طريقها كالدودة عبر قطعة شجرة سوف تفرز في الأغلب إنزيمات تهضم الخشب، بينما يطلق الفطر الذي يمضغ خنفساء ميتة مزيجًا من الإنزيمات التي تكسر البروتين، الكربوهيدرات والكيتين (كتلة البناء الجزيئي للهياكل الخارجية للحشرات). لتمرير أكبر قدر ممكن من الطاقة العضوية للنبات، أصبح الفطر جيدًا للغاية في كسر كل شيء تقريبًا.
لذلك تحديدًا نستخدم الفطريات في تنظيف الكوكب.
إنقاذ كوكب الأرض
في عام 2011 عثرت مجموعة من طلاب جامعة يال في بعثة ميدانية بمنطقة الأمازون الإكوادورية على شيء رائع: نوع دقيق من الفطريات يسمى Pestalotiopsis microspora، وهو من فطريات الغابات المطيرة لديه شهية صحية لمادة البولي يوريثين، وهو البلاستيك الموجود في كل شيء من خراطيم الحدائق إلى الأحذية إلى مقاعد السيارات. بمجرد دخول مادة البولي يوريثين إلى مقالب القمامة، تبقى هناك لعقود؛ إن كانت ضاغطات النفايات خاصتنا مليئة أيضًا بهذا النوع من الفطريات، قد يكون الأمر مختلفًا للغاية.
لا يعد اكتشاف ذلك النوع حالة منعزلة. فمع انتشارهم حول العالم، حدد اختصاصيو الفطريات أنواعًا يمكنها استبدال غذائها الخشبي المعتاد بوجبات أكثر غرابة مثل النفط. مثلما يوضح ستاميتس في كتابه عن الفطريات Mycelium Running، هناك فطريات يمكنها امتصاص معادن ثقيلة سامة – بما في ذلك الزرنيخ والزئبق – دون آثار جانبية واضحة. بل إن هناك فطريات سوف تتغذى على النفايات المشعة.
يعود كل ذلك إلى علم تبيؤ الفطريات (العلاقة بينها وبين بيئتها). تطورت الفطريات لتملأ دورًا بيئيًا محددًا للغاية – الجهاز الهضمي لكوكبنا. والآن، يريد بعض العلماء استخدام الهضم الفطري لمصلحتنا، وأن يدربوا الفطريات على تنظيف فوضى بيئتنا. ستاميتس مشارك في الكثير من مثل جهود «المعالجة الفطرية» هذه، بما يشمل تلك المنطوية على استخدام الفطر لتنظيف التسريب النفطي في خليج المكسيك، وأخرى تحقق فيما إذا كان الفطر المحب للإشعاع يمكنه المساعدة في معالجة فوكوشيما.
يعد تراد كوتر رائدًا آخر في حركة المعالجة الفطرية، الذي أصبحت شركته «مشروم ماونتن»، مركزًا لزراعة وأبحاث الفطريات. يشرف كوتر حاليًا على مشروعات معالجة فطرية في هايتي ورمال ألبرتا القطرانية. كما أنه يقدم الاستشارات لمجموعة من متخصصي الفطريات في شمال شرق الإكوادور الذين يريدون استخدام الفطر لتنظيف أسوأ كارثة نفطية على وجه الكوكب، وهي رقعة من الغابات المطيرة حيث قضت شركة النفط «تيكساكو» (اسمها الآن «تشيفرون») حوالي 30 عامًا في إغراق الأرض بشكل مباشر بنفايات بترولية سامة. هذه المبادرة، التي تمثل تعاونًا بين مشروع «أمازون مايكورنيوال» وجامعةٍ محلية، تسعى إلى بناء مركز أمازوني لزراعة وتوزيع الفطر والتعليم بشأنه. في المستقبل، ضحايا هذه الكارثة البيئية قد يكونون يزرعون الفطريات من أجل فوائدها الصحية المتزامنة (لم نتطرق حتى إلى مدى جودة هذه الأشياء في محاربة السرطان) وقدراتها على المعالجة البيولوجية.
عند تنحية التلوث من صنع الإنسان جانبًا، نجد أن الفطريات أيضًا جيدة للغاية في تنقية البكتيريا الضارة والفيروسات من بيئتها. العديد من مضاداتنا الحيوية الأهم، بما فيها البنسلين، تأتي من التربة والفطريات. في أحد أحاديث «تيد» عن كيف يمكن للفطريات أن تنقذ عالمنا، يصف ستاميتس تجربةً وضع فيها أكياس خيش مليئة بأفطورات عند مصب مصنع يصب صرفًا محملًا ببكتيريا الإشريكية القولونية. خلال 48 ساعة، خفضت الفطريات أعداد البكتيريا القولونية الضارة في الماء أكثر من عشرة آلاف مرة. ومنذ ذلك الحين، تشارك مع وكالة حماية البيئة لتطوير مرشحات لمياه الأمطار آكلة للبكتيريا، والتي يمكن تنفيذها في مدنٍ حول العالم.
بناء المستقبل
فكرة أننا يمكننا استخدام الفطريات للتخلص من الفوضى البيئية الأسوأ لدينا مثيرة، لكن في كل يوم، نستمر في بناء عالمنا بمواد تلوثه ولا تتحلل. ماذا إن تمكنا من البدء بالتخلص التدريجي من مواد البلاستك، الرغويات، ومواد البناء الاصطناعي المدمرة للبيئة؟ بوجود الفطريات إلى جانبنا، قد يتحقق ذلك. ربما يمكن للغصينات الفطرية – المرنة إلى درجة لا تصدق والقابلة للتحلل الطبيعي على حالها – أن تبني مستقبلنا، حرفيًا.
قبل أن تنفر من فكرة بيتٍ مصنوعٍ من الفطر، سوف تود أن تتحقق من عمل اختصاصي الفطريات والمصمم فيل روس، الذي كان يحوّل الفطريات إلى هياكل جميلة لمدة تزيد عن 20 عامًا. اكتشف روس، «اختصاصي الفطريات الحِرفي» حسبما يعتبر نفسه، أنه إن توفرت الركيزة المناسبة وظروف النمو، يمكن تجميع الغصينات الفطرية بأي شكلٍ وكثافةٍ تقريبًا تحت أشعة الشمس.
بالنسبة لروس، بدأ البناء بالفطريات كهواية فنية. حيث أنمى بسهولة كراسي، مقاعد، طاولات وسلات، كل ذلك عبر ملئ قالب بنشارة الخشب وتلقيحه بالغصينات الفطرية. لكن لم يكن حتى بدأ بناء طوب متشابك وبناء هياكل كاملة من الغصينات الفطرية أن أدرك روس أنه سوف يكتشف شيئًا كبيرًا.
«يمكن لهذا الطوب أن يتحمل قوى قص وضغط لا تصدق»، وفقًا لقول إدي بافلو، المدير التنفيذي لشركة «مايكو وركس»، عبر الهاتف. «إن وضعت اثنتين منهما بشكل متصل بينما الأفطورة لا تزال حية، فإنهما يندمجان معًا. لقد وجدنا أن الرابط بينهما يميل إلى أن يكون بقوة الطوبة نفسها».
نموذج لمبنى من طوب الفطر «مايكوتيكتورال» في معرض فنون دوسلدورف بألمانيا عام 2009
تعمل شركة «مايكو وركس»، التي تأسست عام 2013 بواسطة روس، بافلو وصوفيا وانج، حاليًا على تحويل هذه الصورة الفنية الفريدة إلى منتج صناعي قابل للتطوير. من خلال الشراكات مع القطاع الخاص، الحكومة والقطاع الأكاديمي، يطور الفريق ويحسن مواد قائمة على الأفطورة، والتي ربما في يوم ما سوف تشحن حواسبنا وترسم بناياتنا.
يصنع الكثير من مواد البناء التي يصنعها الإنسان، بما في ذلك الألواح الليفية الخشبية الاصطناعية والرغويات، باستخدام مواد كيميائية سامة. ينبعث من الألواح الليفية والمواد البلاستيكية طوال حياتها مستويات صغيرة من المركبات العضوية المتطايرة، وهي فئة من الملوثات مرتبطة بالسرطان ومخاطر صحية أخرى. «حتى إن حرقت اللوح الليفي، يُعامل الرماد مثل النفايات الخطرة»، حسبما أوضح بافلو، «بينما المواد القائمة على الأفطورة لا تخلق أي منتجات ثانوية سامة ولا ينبعث منها أي مركبات عضوية متطايرة».
لا يعد الطوب الفطري أنظف من نظائره الاصطناعية فقط، بل يمكم القول إن خصائصه المادية أفضل كثيرًا. تخيل أن: مادة ناعمة كفاية لدرجة أن أظافرك يمكنها أن تترك أثرًا عليها، خفيفة كفاية لتطفو على الماء، وقوية كفاية لتحمل رصاصة. تخيل أيضًا أنها عازل قوي للصوت والحرارة، ويمكنها تحمل قاذف لهب ومطرقة ثقيلة. يمكنني أن أستمر في وصفها، لكن على الأرجح عليك أن ترى هذا الفيديو الرائع، الذي جمعته شركتي «مايكو وركس» و«مازدا»، ويبدأ برجل يضرب قطعة أنبوب معدني حتى يتسطح بطوبة فطرية (أما الطوبة فتخرج سليمةً بدرجة أو بأخرى):
إن لم يكن ذلك مثيرًا للإعجاب كفاية، جرب هذا للقياس: كل ما يتطلبه الأمر لإنماء هذه المادة الاستثنائية هو النفايات الزراعية التي حرفيًا ليس لدينا استخدام آخر لها. على سبيل المثال، هياكل الفستق.
«هياكل الفستق هي مثال رائع على تيارٍ من النفايات، ببساطة، لا يتم استخدامه»، وفقًا لبافلو، «يتم إنتاج ملايين الباوندات منها كل عام كمنتج جانبي للحصاد، وليس هناك فعلًا أي شيء آخر يمكن فعله بها».
ينطبق ذلك على هياكل الأرز، قشور الذرة، أو أي صورة أخرى تقريبًا من نفايات النباتات التي يمكن تصورها. يتضمن ذلك ملايين الباوندات من النفايات التي أصبحت تخرج من محطات الوقود الحيوي سنويًا. تشاركت «مايكو وركس» مؤخرًا مع مصنع إيثانول كبير لتحدد ما إذا كانت النفايات البيولوجية الثانوية – المواد المتبقية بعد عملية تحويل الإيثانول – يمكن أن تكون مصدرًا فعالًا للمواد الخام لتصنيع الطوب الفطري.
بالنسبة لفريق «مايكو وركس»، تعد استخدامات الأفطورة من الناحية العملية لا نهاية لها – المنازل، البطاريات، السيارات، السفن الفضائية. قد تكون العقبة الأكبر أمام التبني واسع النطاق للمواد الفطرية، في الواقع، هي نحن.
«عندما تقول فطريات، يفكر الكثير من الناس فوريًا في عفن، أو شيء ينمو بين أصابع قدمك»، حسبما أوضح بافلو، «بالتأكيد يحظى الفطر بسمعة سيئة».
لكن حتى عندما يكون شخصٌ مشمئزًا من فكرة العيش في منزل فطري، يظل بافلو متفائلًا. حيث أوضح: «بمجرد أن نبدأ بوصف ما نفعله، يصبحون مفتونين».
وكيف يمكن ألا تفتتن؟
استصلاح العوالم
سيتفق المستقبليون، كتّاب الخيال العلمي، ومعظم الأشخاص الذين يفكرون بشأن الاستدامة طويلة الأمد على أن: من أجل البقاء، ينبغي على العرق البشري في النهاية أن يصبح نوعًا كونيًا. سواء أكان ذلك على المريخ أو كوكب بعيد، سوف نحتاج على الأرجح إلى استصلاح بيتنا الجديد لنجعله أكثر شبهًا بالأرض. ومجددًا، قد تكون الفطريات على مستوى هذه المهمة.
قبل أن تستنتج أنني تجاوزت الحدود قليلًا في النهاية، فكر بشأن هذا: أثبتت الفطريات بالفعل كونها مقاومة للظروف الجهنمية للفضاء الخارجي. ففي سلسلة من الدراسات نشرت الشهر الماضي في «المجلة الدولية لبيولوجيا الفضاء» (International Journal of Astrobiology)، اختبر باحثون قدرة أنواع مختلفة من الحياة على تحمل التعرض للفضاء عبر ربطها خارج محطة الفضاء الدولية. بعد 22 شهرًا من الغمر في أشعة فوق بنفسجية تحطم الحمض النووي، دون غذاء أو ماء، ظلت أبواغ فطر الرشاشيات والشعريات الآدمة حية.
إن كنا نتحدث عن الاستقرار على كوكب مقفر له غلاف جوي رقيق، فقد تكون الفطريات بعض الكائنات الحية الوحيدة التي يمكنها البقاء في تلك الظروف.
لكن الأهم من قدرتها علىالبقاء هو احتمالية أن الفطر يمكنه في الواقع جعل كواكبنا الجديدة صالحة للسكن بشكل أكبر. سأقر بأنها فكرة مضاربة جدًا، لكن الفطريات أظهرت بالفعل براعتها الفائقة في الاستصلاح هنا على الأرض. عندما زحفت الفطريات على الأرض قبل حوالي مليار عام، أطلقت أحماضًا وإنزيمات، مفتتةً السطح الصخري القاسي ومشكّلةً الترب الرقيقة الأولى. هذه الطبقة الأولية من المادة العضوية والعناصر الغذائية سمحت للحياة الحيوانية والنباتية لاحقًا باكتساب موطئ قدم.
قبل فترة طويلة من هيمنة النباتات على الأرض، حكمت فطريات عملاقة الأرض. بلغ فطر Prototaxites، الذي عاش قبل ما بين 420 إلى 350 مليون عام، ارتفاعًا يصل إلى 24 قدمًا، حيث نقّط العالم بأبراجه الشاهقة. وبحلول نهاية فترة العصر الديفوني، انقرض هذا النوع، وكانت النباتات الوعائية على وشك الرقي. لكن الفطريات لم تختفي – بل تراجعت إلى تحت الأرض، لتشكل اتحادات مع جذور النباتات وتساعد أقربائها الأكثر خضارًا في الاستيلاء على الأرض.
منذ زحفهم لأول مرة على سطح الأرض القديمة غير المضياف، لم يتخل الفطر عنا أبدًا. وبعد كل انقراضٍ جماعي مدمر تقريبًا، ورثت الفطريات الأرض. في نهاية العصر البرمي قبل حوالي 250 عامًا، عجّل تغير مناخي وأحداث كارثية بانقراض أكثر من 90 بالمئة من الأنواع. فأولم الفطر، حسبما يخبرنا سجل الحفريات، على موت النظم البيئية للأرض. مرارًا وتكرارًا، عاصرت الفطريات نهاية العالم، أعادت تدوير الموتى، وساعدت في إعادة بناء الكوكب.
إن كان هناك شيء سوف يساعد بشر المستقبل على جعل عالم مقفر وبارد أكثر أرضيةً قليلًا، فستكون صور الحياة الغريبة المدهشة التي كانت تستصلح كوكبنا لدهور.
