13 يناير 2015 | افتتاحية صحيفة الجارديانمنذ عقد مضى، أُرسل موظفون حكوميون بريطانيون إلى تدريب حول الوقاية من المفاجآت المستقبلية فيما يتعلق بأجهزة التحكم القابلة للبرمجة، وهي اسم كان مألوفًا في حينها. قامت الفكرة على إقامة اقتصاد منتصف القرن على مجموعة من الافتراضات المعقولة، تعلقت إحداها بأسعار النفط. وكان ضمن تلك الافتراضات “حالة متوقعة” لعام 2050، وهي وصول البرميل إلى سعر 45 دولار، و”حالة أفضل” وهي وصوله إلى سعر 35 دولار، و”حالة أسوأ” وهي وصوله إلى سعر 55 دولار. يبدو الأمر ضخمًا بالنسبة للمخيلة البيروقراطية. وخلال السنوات القليلة منذ ذلك الحين، وصل السعر مرتين إلى ضعف ما أطلق عليه الحالة الأسوأ، ثم انخفض مرتين بمقدار الثلثين.نمر حاليًا بحالة انهيار كبير للنفط، حيث هبطت الأسعار إلى ما يقارب 30 دولار للبرميل بعد ظهر الثلاثاء، وبلغ هبوطها 73 بالمئة منذ 18 شهرًا. ومع كل صعود وهبوط للأسعار، يهرول المحللون إلى محاولة اكتشاف إن كان التغير سيدوم أم لا. لا أحد يمكنه التنبؤ بذلك، ولكن عندما تتقلب المشاعر على الساحة المالية، دائمًا ما يلجأ البعض إلى استنتاج أن التقلب سيصبح أعنف قريبًا. أوردت مذكرات البنك الملكي الإسكتلندي للمستثمرين، الذي كشف هذا الأسبوع عن مذكرة مثيرة للذعر دعاهم فيها لـ”بيع كل شيء“، احتمالية وصول سعر البرميل إلى 16 دولار، وهو رقم ليس له أساسات قوية، ناهيك عن كونه نصف السعر الحالي.ولكن هناك أسباب قوية لإقناع العالم لذاته الآن أن النفط يستحق سعرًا أقل من ذي قبل. فمن ناحية، هناك العرض، ليس عرض النفط ذاته فقط، بل أيضًا الأنواع الأخرى من الوقود الحفري، التي يمكنها في أحيانٍ كثيرة أن تحل محله، وتحديدًا، الغاز، الذي يتوافر حاليًا بغزارة لم يتخيلها أحد منذ سنوات قليلة، بفضل الطفرة الحادثة في مجال التكسير. أما من حيث الطلب، فقد تطورت الأمور بشكل أسرع، مع البطء الخطير الحادث في الاقتصادات الصاعدة الغنية بالموارد، وفوق كل ذلك، إثقال الصين بالديون. لن تسير ثورة التكسير عكس مسارها، ويبدو التخلص من الحمى الصينية أصعب على نحو متزايد. يشير كل ذلك إلى ترجيح استمرار انخفاض الأسعار.فهل يمثل ذلك أمرًا جيدًا أم لا؟ تقدم ا فتتاحية اليوم الأخرى التبعات الجيوسياسية العميقة على نحو محتمل. فعلى الصعيد الاقتصادي، يقول الافتراض الغربي النموذجي أنه أمر جيد. بالتأكيد، فقد حدثت ارتفاعات الأسعار قبل فترة قصيرة من الركود، كالحال في أعوام 1973و 1979-1980 و1990. ولكن النفط الرخيص يمكن أن يكون نتيجة مثلما يمكن أن يكون سبب للضعف الاقتصادي، كالحال في عام 2008، عندما كان مجرد عَرَضٍ للكساد الكبير.أفضل ما يمكن قوله بصدد النفط الرخيص اليوم هو أن البطء العالمي كان ليصبح أقوى حدة دونه. ماذا عن التأثير البيئي؟ رغم تعقد الأمر، هناك أسباب أكثر تدعو للتفاؤل. بداية بمقدمة حملة الجارديان “أبقوه في باطن الأرض”، التي تقول إن الوسيلة الوحيدة لتجنب التغير المناخي الكارثي هي ترك الجزء الأكبر من الوقود الحفري المتبقي في العالم على حاله في باطن الأرض. ولكن النفط الرخيص يشجع على الإهدار؛ والأسوأ، أنه يعيق الاستثمار في “بيئة تحتية للطاقة” أكثر فاعلية. أما مصادر الطاقة المتجددة، وكذلك التطويرات الهادفة إلى تنظيف محطات طاقة الوقود الحفري، فإنها تؤتي عائدات أقل. ولا يشعر مستخدمو السيارات بحاجة ماسة لاستبدال عرباتهم رباعية الدفع بعربة “جي-ويز”، ويشعر مصنعو السيارات بميل أقل لتركيز أقسام البحث والتنمية على الاقتصاد في استهلاك الوقود.ولكن النفط الرخيص يعيق أيضًا الاستثمار في مجال استخراج الوقود الحفري. وبالفعل، شهد الأسبوع الحالي تقليص شركة “بريتش بتروليوم” لنطاق عملياتها في بحر الشمال. ويكمن سبب استعداد السعوديين لاستدامة سعر 30 دولار للبرميل في تطلعهم إلى عرقلة شركات التكسير الأمريكية عن تحويل تركيزها من الغاز إلى النفط، والإقدام على استثمارات –بمجرد خفض رأس المال- يصبح من المكلف جدًا التخلي عنها. فإن كان “إبقاؤه في باطن الأرض” هو بالفعل الأولوية، فإن هذه هي أسوأ نتيجة إطلاقًا؛ وعبر عرقلة ذلك، يصبح النفط الرخيص قوة دافعة للصالح العالمي.يجب أن تصبح الطاقة البخسة أيضًا دافعًا للسياسيين بعيدي النظر للتصرف بشأن أسعار الفحم، القوانين الأخرى والضرائب، وهي أمور لا يمكن فعلها عندما تكون الأسعار مرتفعة. كتب القادة العالميون، الأسبوع الماضي في باريس، شيكات مؤجلة للكوكب. ويحمل النفط الرخيص فرصة تقديم دفعة أولية من تلك الشيكات.

المراجع
  1. The Guardian view on the economic and environmental impact of falling oil prices