كثير من الأمهات لا يعرفن كيف يقلن «لا» لأطفالهن، فتخضع لكل ما يطلبه طفلها ظنًا أن ذلك له تأثير إيجابي على نفسيته، فالطفل في عالمه يجب أن يحصل على كل ما يريد، فهي تريد أن تحميه ببيئة تربوية صحيحة لكنها لا تعرف كيف، وفي نفس الوقت تريد ألا يكون كل ذلك مرهقًا بالنسبة لها.

والحقيقةأن الطفل لا يحتاج إلى المنع من التجربة فهو يتعلم بها، كما لا يجب منعه من رؤية الخطأ، بل يحتاج للاختلاط ولكن بعد تشكيل أساساته التي ستمكنه من الاختلاط بكل الأنماط دون أن مزيد من التأثر أو التماثل.

هذا الأساس هو نتاج التربية، تربية العقل والتفكير، فبدلا من أن تجنبي طفلك رؤية طفل يفعل سلوكًا خاطئا عن طريق إلهائه، يمكنك لفت انتباهه لذلك السلوك ووصفه وتحليله، هذا هو دورك كمرب، حتى حينما يراه في غيابك سيتذكر الموقف السابق ويكن لها معيارًا يتعرف به على الصواب من الخطأ. فبدلا من انشغالنا طوال الوقت بتوفير بيئة مثالية لأطفالنا، يجب التفكير في دمج طفلك في بيئته حقيقية وتعريفه كيف يتعامل معها ومع كل ما حوله فأنتِ بذلك تحصنه فلن تستطيعي تغيير العالم أو إخفاءه عن طفلك، بل سينضج على هذه السلبيات فعلينا أن نعلمه جيدًا كيف يتعامل معها، وكيف يراقب نفسه وليس الخوف منك أنتِ! فعالم مثالي هو بيئة غير تربوية له بالتأكيد.


تلبيه المطالب ليست حلًا

هناك الكثير من الأمهات ترضخ لرغبات الطفل مهما كان حتى لو كان به خطر عليه فعلي سبيل المثال إذا كان هناك نوع من الحلوى تعلم الأم أنه يسبب الكثير من الاضرار الصحية، لكنها تشتريه ولا تمانع أبدًا عندما يطلبه طفلها لمجرد إصراره عليه.

لا تترددي من قول لا، فشعور الطفل بالخذلان سيمحو أثره بعد بضع دقائق. لكن أثر التدليل والدلال الزائد وإجابة كل مطالبه مهما طلب لن يترك شخصيته أبدًا وسيظل يعتقد أن العالم كله مسخر لخدمته فقط، وسيظل يبحث دومًا عن ظل يتبعه كصديق أيًا كان جيدًا أو سيئًا ومن بعد ذلك سيصبح مجرد تابع لزملائه في العمل ومن ثم تابع لزوجته، ولن يستطيع أن يتحمل المسؤولية في الكبر مادام لم يتحمل أي مسؤولية في صغره.

لذاك إجابة مطالب طفلك ليست دليلًا علي حبك له أبدًا.


سرد الإيجابي فقط

دائمًا ما نوهم أطفالنا وربما أنفسنا أننا كنا أطفالًا مثاليين ونطلب منهم ذلك في المقابل، دون مشاركة لخبراتنا وتجاربنا السيئة، وهذا خطأ فعندما يقع الطفل أو المراهق في مشكلة ما فمن الضروري أن تكون جسور التواصل قد مُدت من قبل، فلو سبق وحكيتي له عن تجربة بعينها هو يمر بما يشابهها الآن فسيعمل جاهدًا على تجنب الأخطاء والاستفادة من الخطوات الإيجابية والتغلب على المشكلة دون شعور بالخجل أو الحزن لمروره بهذه التجربة، لذلك عليكِ أن تشاركي طفلك الوقت دومًا بسرد السلبي والإيجابي ولا تبخلي عليه بتجاربك السابقة في نفس عمره.


التدخل السريع

نعيش اليوم في عالم ملئ بالتحذيرات والمخاطر من كل خطوة نود أن نخطوها. فنظل نترقب الطفل في كل صغيرة وكبيرة يقوم بها ولا نعطي لهم الفرصة للتجربة ولا اجتياز المخاطر، فمثلا طفلي يرغب بتجريب لعبه معينه فلا يجب حرمانه منها لمجرد أنها خطرة أو ربما يقع منها.

فقط علينا أخذ الاحتياطات الكافية والتأكد من سلامته ولا مانع من مراقبته دون إظهار هذا له حتى لا ينتقل إليه. ففي دراسة حديثة أجرتها إحدى المنظمات الأوروبية، أن الطفل الذي لم تتح له الفرصة للعب والتعرض لبعض المخاطر كالسقوط على الأرض والتعرض للجروح والكسور والقطع، هؤلاء الأطفال من المؤكد إصابتهم بأحد أنواع الخوف المرضي (الفوبيا) عند الكبر، فالأطفال يحتاجون السقوط والإخفاق كي يتعلموا أن هذه الأمور طبيعية، فلو كان إبعاد الأذى دومًا من مهام الوالدين فحتمًا سيصبح هذا الطفل عديم الثقة ولا يتمتع بروح القيادة.

فقد يتميز الأطفال هذه الأيام بضعف شخصيتهم واعتمادهم الكلي على الوالدين وهذا نتيجة ما نفعل نحن من تولينا المسؤولية نيابة عنهم، فتجد الأم لا تنتظر لتري ما سيفعله طفلها مع الاطفال الذين لا يودون اللعب معه، أو تذهب دومًا معه لحل مشكلاته البسيطة بينه وبين أصحابه في المدرسة.

فإن التدخل السريع مهم فقط في المشاكل الخطيرة والكارثية التي ستترك أثرًا على صحة الطفل أو نموه. أما دون ذلك لابد من ترك الطفل يعرف كيفية حل مشاكله بنفسه ويمكن فقط للأم أن تعرف خطوات طفلها بالتحدث معه فذلك يجعله مفكرًا وقائدًا، لكن التدخل في أبسط مشاكله وحلها بنفسك هذا سيجعله يلغي تفكيره فحتمًا عندما يجد حلولك الجاهزة دومًا أمامه.


تربية الطفل الذي نريده وليس الطفل الذي نمتلك

دومًا نتمنى في أطفالنا كل الصفات والسلوكيات التي الجيدة كأن يكون شخصية قيادية ومميزة، وننسى أنه له شخصية مستقلة تستحق التفاعل مع الحياة دون توجيهات وخطب رنانة، فالشخصية التي ترغبينها لطفلك لن تأتي وليدة اللحظة، ولكنها سنتنج من تراكم رسائل وخبرات سترسلينها له بأفعالك وسلوكك،فالأطفال مرآة لنا ولا يحتاجون للجمل والكلمات فالسلوك لا يترسخ بالحفظ.

على سبيل المثال، لو تحدثنا عن النظافة وأهميتها مع الطفل مهما سردنا من أسباب وحكايات عن النظافة لن يكون مثلما تتركين أنت ووالده المكان نظيفًا وأفضل مما كان ودون رمي القمامة من نافذه سيارتكم وأنتم في الطريق، هكذا تترسخ به هذه الصفة دون أي كلمات. فالأطفال تتعلم بالأفعال لا الأقوال.

أشارت الدراسات إلى أنّ شخصية الطفل تتكون خلال السنوات الخمس الأولى من حياته أي قبل دخوله المدرسة، ولكل عمرٍ خلال هذه السنوات صفاتٍ تميزه وبالتالي هناك طرق للتعامل معه من أجل صقل شخصيته بشكلٍ ايجابي وسليم، حيث يبدأ الطفل بالاهتمام بالبيئة المحيطة به والتركيز على ما يحدث بها منذ عامه الثاني، فهو يصبح أكثر قدرة على الاعتماد على نفسه فينطلق ليتعرف على بيئته.


المدح والاطراء المستمر

المبالغة في مدح الطفل بالكلمات، تبني طفلًا معتادًا على المديح في مقابل أفعاله، يري نفسه مركز الكون مهما كان ما يوفعله كثيرًا أو قليلاً، لذلك يجب الاطراء على الأفعال التي يفعلها والإنجازات التي قام بها دون المبالغة في ذلك حتى لا يشعر الطفل بالإحباط عندما لا يجد في كل مرة نفس الاهتمام المبالغ به، فلن يكون ذا شخصية مستقلة بالكلام المعسول أو بالزيف ولكن لابد أن يكن نتيجة أفعاله وإنجازاته.وقواعد للتشجيع:

1. أن نقلل الاهتمام بالأخطاء ونركز على الإيجابيات ونقاط القوة.

2. تعليم الطفل تقبل أخطائه والتعلم منها.

3. لا نعطي الأطفال حلول مباشرة.. فهم بحاجة أكثر إلى شخص يسمعهم ويعطيهم الفرصة لمعرفة كيف يستطيعون إنهاء مشكلتهم، أي نعطيهم فرصة للتعلم.

4. يجب علينا أن نقدر الجهد المبذول من الطفل مهما كان بسيطًا، وليس اهتمامًا بالنتيجة فقط.


الأمهات دائمو القلق والتوتر بسبب الخوف على نشأة ومستقبل أطفالنا، فلا توجد أم لم تمر على الأقل بواحدة من تلك الأحاسيس: الندم، الشعور بالذنب، لوم الذات، الإحباط، العجز، القلق، الشد العصبي.

كل هذه المشاعر أمر إنساني طبيعي بل وأحيانًا تكون حتمية عندما تترافق مع مسؤولية إنسان صغير يعتمد عليك، فهذه الأحاسيس هي التي تحذرك وتنبهك عند الخطر فهي قد وجدت من أجل هذا، ولكن يجب أن نعلم أنه هناك عوامل جينية يرثها الطفل من الأبوين وتولد معه و تتحكم في بعض خصاله، ويمكنا بشكل احتمالي أن نقول إنها لا تمثل أكثر من 40 % من مجمل سلوكياته وهذه رغم ذلك يمكن ترويضها وتهذيبها، أما باقي الـ60 % فهي سلوكيات يكتسبها الطفل من البيئة المحيطة به، وعلى رأسهما الأبوان وبالتالي نصل لنقطة مهمة، وهي أن جميع سلوكيات الإنسان تعتمد بشكل أساسي على طريقة تربيته وتنشئته، فهي بذرتك أنشئها كما تشاء.