مع استمرار الحالة السياسية والاجتماعية في مصر، في حالتها المأزومة الحالية، فإن الحديث عن المصالحة يَبرُز بين الحين والآخر؛ إما للاستهلاك الإعلامي تارةً، وإما لجس النبض من الأطراف المختلفة تارةً أخرى، بناءًا على تحركات على أرض الواقع.

نحاول في هذا التقرير، أن نُلقي مزيدًا من الضوء على المبادرات والمفاوضات ومحاولات التصالح والتقارب، بين السلطة وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، منذ أحداث الثالث من يوليو وحتى الآن، والتي جاءت لتخفيف وطأة الصراع من خلال الوصول إلى حل سياسي، تقبله جميع الأطراف المتصارعة في المشهد حينها، ورغم أنها كانت تؤسَس على مبدأ العودة للشعب والاحتكام إليه في كل ما حدث، إلا أنها كانت تواجَه بالرفض في الأغلب من قبل قيادات المجلس العسكري.

وسنحاول استعراض هذه المبادرات في سياقها الزمني الذي قدمت فيه، ونبدأ بالمبادرات التي قدمت قبل فض رابعة والنهضة.

المرحلة الأولي : ما قبل فض رابعة والنهضة

الجماعة الإسلامية

كانت البداية مع الجماعة الاسلامية حيث تقدمت في الخامس من يوليو 2013 – أي بعد يومين فقط من الانقلاب – بمبادرةٍ للخروج من الأزمة الراهنة حينها، أسمتها مبادرة “الحفاظ على جميع أبناء الوطن”، تتركز على استفتاء الشعب المصري حول الاختيار ما بين قبول خارطة الطريق، أو بقاء الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، وأيًا كانت نتيجة الاستفتاء، تتم المصالحة الشاملة بين أبناء الوطن؛ بما يمنع من اتخاذ أي إجراءات عقابية ضد أي طرف من الأطراف أيًا كان موقفه.

ولكن رُفِضَت هذه المبادرة ، التي قيل حينها إن ذلك قد تم بعد عدة لقاءات عُقِدَت بين قيادات بالجماعة وبعض أعضاء المجلس العسكري.

المستشار فؤاد جاد الله

في التاسع من يوليو لعام 2013، عرض المستشار فؤاد جاد الله، المستشار القانوني للدكتور مرسي السابق، هو الآخر مبادرة تحت عنوان “الفرصة الأخيرة”، وقال أنه لا بد وأن تتم من خلال مؤسسة الأزهر، وتنقسم المبادرة إلى ثلاث مراحل أساسية وتشمل 19 بندًا، أهمها الإفراج عن المتهمين في قضايا سياسية، ونقل الرئيس المعزول محمد مرسي إلى منزله، وفض جميع الاعتصامات طوعًا، وبحث إجراء استفتاء شعبي على ما تم في مصر من خطوات وإجراءات منذ 3 يوليو، وإجراء تحقيقات شاملة مستقلة في الوقائع الدامية التي شهدتها الفترة حينها.

وتبدأ المبادرة، بمرحلة “بناء الثقة”، وفيها يتعين اتخاذ الخطوات التالية: “الإفراج عن المتهمين في قضايا سياسية والمحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا مسيسة أو على الأقل بعضهم، ثم نقل الدكتور محمد مرسي لمنزله، ومنع المفرج عنهم من السفر للخارج لحين انتهاء إجراءات التحقيق في الاتهامات الموجهة إليهم”.

كما تتضمن إجراء تحقيقات مستقلة وشفافة في الأحداث والمذابح والجرائم التي ارتكبت منذ 30 يونيو وحتى الآن، وتقديم الجناة الحقيقيين لمحاكمات عادلة وناجزة، وإلغاء قرارات تجميد أرصدة بعض الشخصيات وأسرهم، وإعادة القنوات الفضائية المغلقة بعد تعهد القائمين عليها بعدم التحريض على العنف، وتعهد القائمين على باقي القنوات الأخرى أيضا بعدم الإثارة والتحريض.

وتشمل هذه المرحلة أيضًا، وقف التحريض على العنف من جانب الرموز السياسية والدينية من جميع الأطراف، وتعليق الاعتصامات والتظاهرات الموجودة حاليًا لمنح الحوار فرصة للوصول إلى المصالحة الشاملة، وضمان أمن وسلامة المعتصمين والتعهد بعدم ملاحقتهم نهائيا طالما لم يرتكبوا جرائم قتل أو تحريض على القتل، والالتزام بالسلمية من جانب جميع الأطراف سواء عند التظاهر أو الاعتصام وكذلك عند تعامل الجهات الأمنية معها.

والمرحلة الثانية، هي “الحوار بين الأطراف”، وتبدأ بدعوة جميع الأطراف وخاصة التيارات الدينية والقوات المسلحة للحوار حول نقاط محددة هي فتح تحقيق فوري وشامل في جميع الأحداث التي وقعت منذ 30 يونيو من خلال قضاة تحقيق مستقلين ولجنة تقصي حقائق لمعرفة الحقيقة وإعلان نتائج التحقيقات على الشعب، وتطبيق العدالة الناجزة والعدالة الانتقالية، وضمان حماية قيادات الإخوان والتيارات الإسلامية والقوات المسلحة والجهات الأمنية التي لم تلوث أيديها بدماء المصريين وحماية حقوقهم.

كما يشمل الحوار، بحث مدى الحاجة لإجراء استفتاء شعبي على ما تم اتخاذه من إجراءات وقرارات بدءًا من خلع رئيس الجمهورية وحتى إصدار الإعلان الدستوري مرورًا بخارطة الطريق، وذلك بهدف إنهاء الصراع حول الشرعية.

أما المرحلة الثالثة، فتتضمن “تفعيل المبادرة” من خلال آلية تتولى تفعيلها لجنة من الحكماء يتم الاتفاق على تشكيلها أثناء الحوار تتولى تنفيذ المبادرة؛ لتفادي أي صدام بين المؤيدين والمعارضين، حقنًا لدماء المصريين وحفاظًا على السلام الاجتماعي، وعدم عودة العنف أو اللجوء إلى الشارع.

وكان مصير المبادرة أيضًا مثل سابقيها، حيث قال عنها جادالله فيما بعد، “وافق الإخوان، وكان من المفترض حضور الدكتور عمرو دراج والدكتور محمد علي بشر لهذا الحوار، كما وافقت باقي التيارات مثل الجماعة الإسلامية وحزب النور، لكن دعوة الفريق السيسي للتفويض نسفت المبادرة”.

مبادرة الأزهر، كانت عبارة عن تجميع لكل المبادرات والأفكار، ودعوة أصحابها لمناقشتهم فيها، ومحاولة التوفيق بينها للخروج بمبادرة جديدة، وقد كان مقررًا لهذا الحوار يوم الأربعاء 14 أغسطس، وهو اليوم الذي شهد عملية فض اعتصامي رابعة والنهضة وبالتالي لم يتم اللقاء.

محمد البرادعي

مبادرة البرادعي
مبادرة البرادعي

في الخامس والعشرين من يناير لعام 2015، أجرت صحيفة “دي بريس” النمساوية، لقاءً صحفيًا مع البرادعي، سُئِل فيه عن دعمه الإطاحة بالدكتور محمد مرسي في أحداث الثالث من يوليو، ورد البرادعي قائلًا: “دعمت إقامة انتخابات رئاسية مبكرة بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وقطر والإمارات، ومرسي لم يكن يرغب في ذلك”.

وعن إمكانية ترشح مرسي مرة أخرى حينها، قال البرادعي: “كان يجب أن يترشح مرة أخرى، مرسي ارتكب خطأ عندما لم يقبل عقد انتخابات مبكرة، فقد كانت الفكرة حينئذ هي أن يذهب مرسي وأن يظل الإخوان المسلمون مشاركين، وبعد أسبوع من 3 يوليو 2013، تم دعوة الإخوان المسلمين للقاء لمناقشة المصالحة، لكنهم لم يوافقوا لأن مرسي كان قد أُلقِي القبض عليه فعليًا”.

وعن سبب قبوله للمشاركة فيما حدث من إطاحة مرسي من السلطة، عبر توليه منصب نائب الرئيس، قال البرادعي: “أردت أن تتجنب البلاد حربًا أهلية، فمصر كانت في حالة انقسام كامل وقتها، وكان الملايين في الشوارع وكان ينبغي تهدئة الموقف من خلال انتخابات سياسية، ولكن الجيش تلاعب بالموقف وقام بإطلاق الرصاص على اعتصامات الإخوان المسلمين على الرغم من أنه كانت هناك نوايا طيبة لإنهاء الصراع بشكل سلمي، وحينما تم للجوء للعنف، لم يكن أمامي المزيد لأقدمه وتراجعت”.

وتوجه البرادعي بعد ذلك إلى عبدالفتاح السيسي ناصحًا: “من يريد الاعتدال عليه تضمين الإسلام السياسي، ومن يدفع بهؤلاء تحت الأرض، يحصد العنف والتطرف وأحد الدروس المستفادة من الربيع العربي هو أننا بحاجة للوحدة الوطنية وعملية سياسية تشمل الجميع”.

واعتبر أن “مصر لا يمكنها تحمل ترف المنافسة السياسية لاحقًا فنحن بحاجة لتعددية سياسية، مثلما حدث في تونس، فالإسلاميون هناك في البرلمان وهذا هو السبيل الوحيد، ولا يمكننا الاستمرار في تشويه صورتهم كما يحدث في مصر حاليًا”.

هشام قنديل

في الخامس والعشرين من يوليو لعام 2013، تقدم الدكتور هشام قنديل بمبادرة لتهدئة الأجواء والاحتكام إلى الشعب، تشمل ثلاث مراحل.

المرحلة الأولى: أن يكون هناك فترة تهيئة أجواء وتهدئة من الطرفين، والتي قد تشمل الإفراج عن جميع المعتقلين الذين تم القبض عليهم بعد 30 يونيو 2013، وتجميد جميع القضايا ووقف تجميد الأموال، وتفعيل أعمال لجنة تقصي حقائق مستقلة، حول مذابح الحرس الجمهوري والنهضة وغيرها.

قيام وفد بزيارة الدكتور محمد مرسي للاطمئنان على صحته.

تهدئة حملة الهجوم الإعلامية من الطرفيين، وتصعيد لغة لمّ الشمل للمصلحة الوطنية، وعدم الخروج في مسيرات والالتزام بأماكن محددة للتظاهر.

المرحلة الثانية: هي الاتفاق على المبادئ العامة والتي يمكن التفاوض على تفاصيلها بعد ذلك.

أما المرحلة الثالثة من المبادرة، فتشمل تفاصيل خارطة الطريق، والتي تُحقِق في الأصل الالتزام بالشرعية والاستماع لصوت الشعب في كل إجراءاتها.

لكن لم يتم الاستماع إليها وتم اعتقاله بعد ذلك.

غير أن أهم ما جاء في نص شهادته التاريخية على الأحداث، عبر فيديو تم بثه له على شبكة الإنترنت، بتاريخ 25 يوليو 2013، قال: “إن الدكتور مرسي لم يكن ضد الاستفتاء، وأبدى مرونة في هذا الشأن ولكنه رأى أن يتم ذلك بعد إجراء الانتخابات البرلمانية، و التي كان من المتوقع أن تُجرى خلال شهر سبتمبر، والتي يتبعها تشكيل الحكومة؛ حتى لا يحدث فراغ دستوري أو انحراف عن المسار الديمقراطي، الذي ساهم فيه الشعب من خلال استفتاءين وانتخابات مجلسي الشعب و الشورى والانتخابات الرئاسية إضافة إلى الدستور المستفتى عليه. ولكن كان الإصرار أن يتم هذا الاستفتاء خلال أسبوعين، و هذا ما رفضه مرسي؛ لأنه كانت الأجواء مُلتهبة و يستحيل معها إجراء استفتاء نزيه؛ مما سيعطي شرعية لـ”الانقلاب” على الرئيس المنتخب”.

محمد سليم العوا

مبادرة العوا
في السابع والعشرين من يوليو لعام 2013، كانت أولى المبادرات التي عُرِضت على قيادات المجلس العسكري، ما عُرِف إعلاميًا بـ “مبادرة العوا”.

وهى مبادرة شارك فيها العديد من الرموز المصرية الوطنية المشهود لها تاريخيًا بذلك، على رأسهم، المستشار طارق البشري، والدكتور محمد سليم العوا، والدكتور محمد عمارة، والدكتورة نادية مصطفى، والدكتور سيف الدين عبدالفتاح.

كانت فكرة المبادرة تقوم على أساس العودة للشعب والاحتكام إليه، على أن يقوم الدكتور مرسي بتفويض سلطاته الكاملة لوزارة مؤقتة جديدة، يتم التوافق عليها في أول جلسة سياسية. تدعو هذه الوزارة إلى انتخابات برلمانية خلال 60 يومًا، بعد الانتخابات يتم تشكيل وزراة دائمة، تُشرِف على انتخابات رئاسية وفقًا للدستور حينها، تتم فى مدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر على الأكثر، ثم إجراء لبعض التعديلات الدستورية المقترحة.

يقول الدكتور سيف الدين عبدالفتاح:” طرحنا المبادرة بدافع وطني؛ للخروج من الأزمة بطريقة تحفظ المسار الديموقراطي الوليد، وتُوقِف بوادر نزيف الدم الذي بات يتوزع في كل أنحاء البلاد. وافق الإخوان على هذه المبادرة من أول يوم، بينما رفض “المُنقلِب” وأعوانه؛ اغترارًا بقوتهم، بل ذهب بعضهم إلى الرد بأساليب سخيفة كما وصفها أستاذنا الدكتور العوا”.

مصر القوية

من بين المبادرات التي عُرضت على المجلس العسكري بعد 3 يوليو أيضًا، كانت هذه المرة من معسكر 30 يونيو نفسه، جاء ذلك من خلال الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، الذي عرض على المجلس العسكري الاستفتاء على خارطة الطريق.

كانت المبادرة بعنوان “بناء الثقة أولًا” في السادس من أغسطس لعام 2013، تضمنت وقف الملاحقات الاستثنائية والقضايا السياسية المرفوعة ضد أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، والإفراج عنه وكل المحتجزين معه، مع بقاء التحقيقات القانونية، وتبرؤ جماعة الإخوان وأنصار مرسي من أحداث سيناء، وإدانة كل أشكال العنف، والتوقف عن الخطاب التحريضي، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق في مختلف الحوادث التي وقعت، والبدء في إجراءات للعدالة الانتقالية، مع طرح فكرة الاستفتاء على خارطة الطريق، أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة كحل سياسي.

وأكد حزب «مصر القوية» فى بيان رسمي، أصدره عبر صفحته الرسمية عقب أحداث الثالث من يوليو، رفضه لدعوة الفريق أول عبدالفتاح السيسي للحصول على تفويض، باحتشاد المصريين فى الميادين للتأكيد على إرادتهم، ودعا الحزب حينها، إلى خروج القوات المسلحة من المشهد السياسي، كما طالبوا بإجراء استفتاء شعبي حول خارطة الطريق التي جرى الإعلان عنها في 3 يوليو، والتى قضت بعزل الرئيس السابق محمد مرسى، ونقل السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا، وتعطيل الدستور الجديد.

وقال أحمد إمام المتحدث باسم الحزب مُعلقًا على المشهد حينها قائلًا:”إن الدعوة لإعطاء تفويض للجيش والشرطة لمحاربة الإرهاب، قد تكون مُقدِمَة لإجراءات استثنائية لقمع المعارضين وتقييد الحريات، كما أن دعوات الحشد والحشد المُضاد، لن تؤدى إلا إلى مزيد من إشاعة حالة من الكراهية والعداء بين المواطنين؛ بما يعرّض السِلمَ الأهلي للخطر”.

الاتحاد الأوروبي

في أغسطس 2013، قاد مبعوث الاتحاد الأوروبي برناردينو، ونائب وزير الخارجية الأمريكية وليام بيرنز، عملية وساطة، تهدف إلى احتواء الأزمة ومحاولة حلها.

يقول المهندس عمرو دراج، القيادي بحزب الحرية والعدالة والمتواصل حينذاك مع ممثلي الاتحاد الأوروبي، أن المبادرة كانت تقوم على أساس الإفراج عن اثنين من رؤساء الأحزاب السياسية، هما الدكتور سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة ورئيس البرلمان السابق، والمهندس أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط؛ للتفاوض حول الأزمة بضمانات دولية فى مقابل إلغاء الاعتصامات فى ميداني رابعة والنهضة، وكادت الأزمة أن تُحل سلميًا إلا أن قادة المجلس العسكري تلاعبوا بالموقف.

وفي 14أغسطس وبعد ساعات من بدء فض اعتصامي رابعة والنهضة، قال ليون: “كان لدينا خطة سياسية على الطاولة، وقد قبلت بها جماعة الإخوان المسلمين، وكان بوسع المجلس الأعلى للقوات المسلحة تبني هذا الخيار؛ لذلك فكل ما حدث اليوم غير ضروري”، وهذا ما أكده البرادعي نفسه، في تصريحات لصحيفة نمساوية في يناير 2015 حيث قال:”كانت هناك نوايا طيبة لإنهاء الصراع بشكل سلمي، لكن الجيش تلاعب بالموقف وأطلق الرصاص”.

الاتحاد الأفريقي

مبادرة الاتحاد الاوروبي
مبادرة الاتحاد الاوروبي

لم تختلف كثيرًا جهود لجنة الحكماء التابعة للاتحاد الإفريقي، التي زارت قادة التحالف في اعتصام رابعة مطلع أغسطس 2013، بعد أن التقت مسؤولين رسميين، لكنها على كل حال عادت إلى الاتحاد الإفريقي بتقييمها للموقف، والذي ثبت قرار الاتحاد بتجميد عضوية مصر فيه.

وبهذا ننهي الجزء الاول من التقرير علي أن نكمل في الجزء الثاني المبادرات التي تمت بعد مجزرة فض رابعة والنهضة.