في إحدى ليالي أكتوبر 2009، وبينما كانت أربعة من مقاتلات سلاح الجو الأمريكي تستعد للتحليق فوق الأجواء الأمريكية لاعتراض طائرة إيرباص تابعة لخطوط طيران “نورث ويست” لم تهبط كما كان مقررا في مطار أنابوليس وواصلت تحليقها لنحو 150 ميلا إضافيا ولم ترسل أي رد على نداءات اثنا عشر من المراقبين الجويين علي مدى ساعة ونصف، وبينما رجحت السلطات تعرض الطائرة للاختطاف في سيناريو مشابه لأحداث البرجين، ألغيت مهمة المقاتلات والسبب أن الطائرة قد عادت إلى أنابوليس على نحو مفاجئ، فهي لم تختطف ولكن طياري الـ إيرباص قد انشغلا بجهازي لاب توب تمكنا من الدخول به إلى قمرة القيادة (في مخالفة للتعليمات) ونسيا أن عليهما الهبوط في أنابوليس إلى أن ذكرتهما إحدى المضيفات (اقرأ: هنا).

تمثل الحالة السابقة إحدى الأمثلة المتطرفة للتأثيرات السلبية لوسائل الاتصال على السلوك. تمتلئ حياتنا اليومية بالعديد من المواقف الدالة على سيطرة الانترنت على عقولنا بشكل يتجاوز وظيفتها المفترضة، فبدلا من أن يكون الانترنت وسيلة لخدمتنا في شئون الحياة المختلفة، صار هو الحياة ذاتها. فالأطفال في الولايات المتحدة مثلا يقضون في ألعاب الانترنت أكثر مما يقضونه في فصولهم الدراسية.

تبدو التأثيرات السلوكية للانترنت أكثر وضوحا على مستوى العلاقات الأسرية التي غالبا ما تتفكك إذا غابت البدائل الأسرية الجذابة لدى الأطفال والمراهقين. فالارتباط بالانترنت يشبه إلى حد كبير حالة الارتباط بالمخدر لدى المدمنين، والانقطاع قد يولد أعراضا نفسية وسلوكية تشبه إلى حد بعيد أعراض الانسحاب.


المعرفة:

في حوارات أفلاطون، حين يقول آمون إن الكتابة ستسمح للناس بالتذكر أكثر بكثير من قبل، لا يوافقه الملك الرأي:

||سيزرع ذلك النسيان في نفوسهم، سيتوقفون عن تمرين الذاكرة لأنهم سيعتمدون على ما هو مكتوب، ولن يعودوا يطرقوا أبواب الذاكرة||

يمكن تطبيق المثل ذاته على الانترنت، فنحن إذ نستخدم تلك التكنولوجيا كامتداد لعقولنا، فلا تلبث أن نتواكل عليها حتى في أداء المهام العقلية البسيطة مستمتعين بما توفره من الراحة والتراخي. وقد أظهرت بعض الدراسات النفسية التي أجريت على أشخاص طلب منهم أن يتذكروا قائمة من الأشياء، أن الذين قيل لهم مسبقا أن هذه المعلومات يمكن استرجاعها بسهولة من على الانترنت لم يتذكروا القائمة بالقدر الكافي الذي تذكرته به المجموعة الأخرى.

لا يمكننا إنكار فضل التكنولوجيا الحديثة في نشر المعرفة على نطاق واسع. كما ساعد انتشار الحواسب والهواتف الذكية بأسعار رخيصة نسبيا إلى كسر احتكار الأغنياء للمعرفة وتمكين أولئك الأقل ثراء من تجاوز فجوة ما كانوا ليتجاوزوها لو اقتصروا على العليم التقليدي أو الكتاب المطبوع. ولا يمن إغفال الدور الذي تلعبه مواقع ككورسيرا و إديكس في نشر المقررات العلمية للشباب في جميع أنحاء العالم، إلا أنه ما زالت أمامنا الكثير من العقبات للتغلب على إمكانية اعتبار الانترنت وسيلة مقبولة للحصول على الدرجات الجامعية؛ ومن الطرائف أن جامعة ترينيتي الجنوبية قد منحت درجة الماجستير في إدارة الأعمال لقطة (اقرأ: هنا)!


الإصلاح السياسي:

يمكن أن يشكل دور الانترنت في تغذية الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح في بلدان كمصر وتونس وميانمار وإيران دعما قويا للرأي القائل بأن الانترنت أحد العوامل الدافعة لحركات الإصلاح السياسي والحركات الداعمة للحريات والديقراطية. لكن نظرة سريعة على ما آل إليه الحال في تلك البلاد من انتكاسات يشير إلى أنها ليست وسيلة فعالة بالضرورة. فالخطاب الافتراضي على الانترنت دون تجمع سياسي حقيقي غالبا ما ينهار عند أول تحد حقيقي. كما أنه كما يمكن للاصلاحيين أن يستخدموا شبكات التواصل لنشر أفكارهم الداعية للحرية، يمكن كذلك لأولئك المناهضين للإصلاح أن يستخدموها. وإذا علمت بأن شبكات التواصل هي بالأساس شركات ربحية تعتمد على الاعلانات الممولة، يمكنك تصور الدور الذي يلعبه رأس المال في ترجيح كفة أحد الفريقين. دعك من القيود التي يمكن أن تفُرض على تلك الشبكات إذا ما أحست الأنظمة القائمة بالخطر!


الأمن:

في العام 2011 أعلنت إيران أنها أنشأت “هيئة إلكترونية عسكرية” خاصة، بعد أن تعرضت إحدى منشآت تخصيب اليورانيوم إلى هجوم فيروسي عن طريق الحاسوب. تعرضت بعد ذلك شركة آرامكو النفطية السعودية المملوكة للدولة إلى هجوم إلكتروني يعتقد أن مصدره إيران.

يشكل الانترنت في أحد جوانبه وسيلة لتبادل المعلومات، بالاضافة إلى ارتباطه بالعديد من شبكات التحكم في أكثر المؤسسات الحيوية. ومع شيوع ثقافة الاختراق وانتشار القراصنة الهواة وليس المحترفين فقط، تصور ما يمكن أن يحدث إذا تعرضت نظم محطات المياه والطافة ومصافي التكرير وغيرها من المؤسسات الحيوية إلى هجمات إلكترونية مشابهة.


الخصوصية:

الفيس بوك يعرف عنك أكثر مما تعرف عن نفسك.. في كل مرة تنقر فيها على زر لايك أو شير، يذهب ذلك إلى ذاكرته ثم ما تلبث أن تصبح لديه كميات مهولة من البيانات التي يستخدمها في تصنيف الأشخاص. بعد ذلك تفصل الإعلانات بشكل ينسخم مع توجهات كل مستخدم على حدة. كما تستخدم بعض المواقع ملفات التعرف على الوجه لكي يتيح لها عمل تاج تلقائيا للشخص عند ظهوره في صورة. وهناك العديد من البرمجيات التي تتيح تحديد المواقع باستخدام خاصية الـ جي بي إس.

كل هذه المعلومات يمكن أن تشكل سيرة موسوعية لحياة الشخص بما في ذلك بعض التفاصيل وأنماط الحياة التي قد لا يرغب بعض الناس في أن يشاركهم معرفتها غيرهم.