أعجب كثيرا من الذين يسألون عن خوض ما يسمي «الانتخابات البرلمانية» من عدمه. فالبعض لا يزال يرى أنه من الممكن معارضة النظام من داخله واصلاحه وأن سبل النضال ضد النظام لا ينبغي أن تتخلى عن الساحة الانتخابية. ويرى البعض الآخر أن المشاركة هي الطريق الوحيد لكشف أي تزوير محتمل.

رأيي بشكل عام هو أننا لسنا أمام انتخابات حقيقية، وأنا ضد المشاركة بالطبع، وذلك لأربعة أسباب على الأقل:

أولا: تزييف الانتخابات واعتبارها غير ديمقراطية لا تتم بتزوير الأصوات يوم الانتخابات فقط كما يظن البعض بدون وعي. فالانتخابات منظومة متكاملة تتضمن ثلاث مراحل: ما قبل الانتخابات وهنا يتم رصد معيار حرية الانتخابات، ويوم التصويت وهنا نعرف ما إذا كانت الانتخابات نزيهة أم لا، وما بعد الانتخابات حيث نرصد ما إذا قامت الانتخابات بالوظائف التي من المفترض القيام بها أم لا. وبالتالي حتى إذا لم يتم تزوير صوت واحد وتمت الانتخابات من الناحية الفنية صحيحة وشهد كل قاض أن صندوقه لم يتدخل فيه أحد فإنها قد تكون غير ديمقراطية، وهذا حدث كثيرا عندنا في السابق وفي كثير من الدول التي تحكمها أنظمة استبدادية، كما سأشرح لاحقا.

ثانيا: النظام القائم – بحكم طبيعته القمعية والشمولية – نظام غير قابل للإصلاح من داخله. وهذه حقيقة علمية مرت بها دول أخرى كثيرة والاستثناءات هنا قليلة جدا كالفلبين والبرتغال مثلا. ومن المهم هنا أن نؤكد أن النظام الحالي أسوأ بمراحل من نظام مبارك وأن السنة والنصف الماضية أضافت الكثير من العقبات أمام الإصلاح وصارت هناك قضايا دم لم تكن موجودة بهذا الحجم أيام مبارك.

حتى إذا لم يتم تزوير صوت واحد وتمت الانتخابات من الناحية الفنية صحيحة وشهد كل قاض أن صندوقه لم يتدخل فيه أحد فإنها قد تكون غير ديمقراطية

ثالثا: هذا النوع من الأنظمة القمعية لا يحتاج إلا إلى انتخابات شكلية لتحقيق هدفين فقط: الأول: الحصول على شرعية مزيفة أمام القوى الخارجية التي تكيل بمكيالين عندما تتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان عندنا وتتعامل معنا بمعايير مزدوجة. والثاني: الحصول على برلمان شكلي تكون مهمته الأساسية هي التصديق على قرارات ورغبات الحكام. مع وجود بعض الأصوات المعارضة لأغراض الدعاية والشكل. وهذا أمر معروف في كل الأنظمة الشمولية والتسلطية ومعروف عندنا في مصر منذ أكثر من ستين عاما.

رابعا: أما البعد العلمي وبحكم تخصصي، أوكد أن هذه الانتخابات لن تكون مطلقا ديمقراطية ولا تنافسية ولا نزيهة ولا فعالة، مثلها مثل الانتخابات الرئاسية عام 2013 واستفتاء دستور 2014، لأنها اخترقت – قبل أن تبدأ – المعايير الثلاثة المتعارف عليها للانتخابات الديمقراطية. وقد كتبت في هذا الأمر مرارا منذ 2005 عندما كنت أبحث في وأعلق على انتخابات مبارك، وكتبت أيضا قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة واستفتاء 2014.

ويمكن القول باختصار شديد – فالأمر في غاية الوضوح – ما يلي:

معيار حرية الانتخابات والذي يهتم بطبيعة القوانين والقواعد المنظمة للانتخابات وكيفية وضعها وما إذا كانت الانتخابات تنافسية أم لا: لن تكون الانتخابات حرة ولن تكون تنافسية، لأن الدستور والقوانين الخاصة بالانتخابات وضعت بإرادة طرف واحد وبلا نقاش أو حوار حقيقي، وفي ظل حراب أهلي وإقصاء شبه كامل للفصيل الإسلامي وانقلاب كامل على مطالب ثورة يناير. كما لا يوفر النظام الحالي وكل القوانين المنظمة للانتخابات ضمانات لمعيار التنافسية ولا الحد الأدنى المطلوب للحريات السياسية والحملات الانتخابية والدعائية وذلك في ضوء سياسة القمع والاقصاء التي أدت إلى مقتل الآلاف واعتقال عشرات الآلاف.

معيار نزاهة الانتخابات والذي يتصل بحياد واستقلال الجهات والأشخاص القائمين على إدارة الانتخابات والإشراف عليها: لن تكون الانتخابات نزيهة، لأنها ستتم تحت اشراف نظام سياسي وحكومة لا تحظيان بتوافق وثقة قطاعات واسعة من الشعب وفي ظل تسيس لجزء من القضاء وأجهزة رقابة غير مستقلة وأجهزة أمنية غير محايدة وإعلام مسيطر عليه وسيادة حالة من المكارثية ضد كل الأصوات المعارضة.

من المهم أن نؤكد أن النظام الحالي أسوأ بمراحل من نظام مبارك وأن السنة والنصف الماضية أضافت الكثير من العقبات أمام الإصلاح وصارت هناك قضايا دم

معيار فعّالية الانتخابات الذي يعني ما إذا كانت الانتخابات ستقوم بوظائفها أو مقاصدها المتعارف عليها أم لا: الانتخابات لن تكون فعّالة، لأنها لن تحقق وظائفها الرئيسية. فليس من المتصور أن يتمكن النواب بعد انتخابهم من القيام بأدوارهم التشريعية والرقابية والمالية الحقيقية بالنظر إلى طبيعة النظام القمعي القائم والذي تسيطر فيه الأجهزة الأمنية علي الأحزاب والنقابات والإعلام والمجتمع المدني والجامعات. كما لن تحقق هذه الانتخابات وظيفة إتاحة الاختيار الحر للجماهير بالنظر إلى الحالة القمعية السائدة، فضلا عن ان الانتخابات لن تعطي فرصة حقيقية لإعداد الكوادر وتثقيف الجماهير لأنها تتم في ظل اقصاء كل المعارضين للنظام من إسلاميين وليبراليين ويساريين وغيرهم.

ومن المهم الإشارة أيضا إلى أن الكثير من القوائم التي نسمع عن تشكيلها الآن تتم بتوجيه من أجهزة أمنية وشخصيات أمنية وبشكل علني! وباختصار هذه الانتخابات ستدخل التاريخ كواحدة من أسوأ الانتخابات في العالم، وليس في مصر فقط، وستصبح نكبة وعارا على كل من تورط فيها من قريب أو بعيد. والشرعية الزائفة لهذه الانتخابات – إن تمت – ستكون من عوامل انهيار هذا النظام.

وبالنسبة لي أربأ بكل وطني مصري شارك في ثورة يناير أو لم يشارك أن يكون جزءا من هذه العملية وأطالبه بمراجعة نفسه إن كان مقدما على الانتخابات أو يعتقد أنها بالفعل انتخابات، أما خصوم ثورة يناير وأنصار نظام مبارك فهذا ملعبهم .. والأيام دول.