نحاول خلال السطور التالية تسليط الضوء على جذور الأزمة الحالية في ليبيا، والحوار الليبي ونتائجه، بالإضافة إلى مستقبل هذا الحوار ومستقبل الأزمة في ليبيا بشكل عام.


تاريخ الأزمة الليبية

تعود جذور الأزمة الحالية في ليبيا إلى القذافي؛ فقد أقام دولة ضعيفة بلا مؤسسات، واحتكر الحكم هو ومجموعة بسيطة من الليبيين، وحرم باقي الليبيين من ممارسة السياسة بشكل حقيقي واكتساب بعض الخبرات في هذا المجال. فما كانت النتيجة إلّا أنهم فشلوا فشلا ذريعا في قيادة البلاد بعد إسقاطه.

وكانت عسكرة الثورة الليبية بعد لجوء القذافي إلى استخدام كافة أنواع الأسلحة المُتاحة، من رصاص وطائرات ودبابات وصواريخ وغيرها، لقمع الثورةِ السببَ الرئيسي بعد ذلك في تفاقم الأزمة الليبية بعد رحيله. حيث ترك القذافي شعبا مسلحا في جزء كبير منه بعد أن اضطر الليبيون لحمل السلاح في مواجهة كتائبه.

وقد مثّل هذا السلاح المُنتشر فيما بعد اللعنة التي أصابت الجسد الليبي وتسببت بشكل أساسي في كافة المشكلات التي ضربت البلاد. فقد أصبحت الكتائب المسلحة هي القوة الأبرز في المعادلة الليبية، وبدلا من أن تخضع للسلطة التشريعية والتنفيذية، أصبحت هذه الكتائب هي التي تحاول السيطرة وفرض الأجندات على هذه السلطات.

تعود جذور الأزمة الحالية في ليبيا إلى القذافي فقد أقام دولة ضعيفة بلا مؤسسات واحتكر الحكم هو ومجموعة من الليبيين وحرم الباقى من ممارسة السياسة

ساهم هذا الوضع بشكل كبير في إضعاف الحكومات المتعاقبة وفشلها بشكل صريح في إحداث أي تقدم، خصوصا في الجانب الأمني نتيجة عدم قدرتها على السيطرة على هذه الكتائب. بل ووصل الأمر إلى حد اختطاف رئيس الوزراء، علي زيدان، ذاته في أكتوبر 2013 على يد إحدى هذه الجماعات المسلحة.

وقد تفاقم الوضع بشكل بالغ السوء بعد ظهور اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المعادي للإسلاميين، على الساحة ودعوته لتجميد المؤتمر الوطني والحكومة المنبثقة عنه، وفي مرحلة لاحقة أطلق عملية الكرامة لــ«تطهير ليبيا من المتطرفين الظلاميين والتكفيريين وجماعة الإخوان المسلمين». وهو التحرك الذي جوبه من خلال المؤتمر الوطني، ذي الغالبية الإسلامية، والكتائب المسلحة الداعمة له.

وهذا التحرك من اللواء، الفريق حاليا، خليفة حفتر بالرغم من أنه يبدو كرد فعل على الإدارة السيئة والمتخبّطة للإسلاميين المسيطرين على المؤتمر الوطني، إلّا أنه كذلك لا يمكن فهمه بمنأى عن الصراع الإقليمي الأوسع بين بعض القوى الإقليمية، وخصوصا مصر والإمارات، والتيارات الإسلامية، وخصوصا الإخوان المسلمين، عقب ثورات الربيع العربي.

والعديد من المؤشرات والدلائل تشير بشكل واضح إلى هذا الأمر؛ فقد أتى هذا التحرك بعد فترة بسيطة من إزاحة الجيش في مصر المجاورة للإخوان المسلمين من الحكم بدعم إماراتي، وهو الأمر الذي أدّى إلى اتهام عملية الكرامة بأنها محاولة «انقلابية» لاستنساخ التجربة المصرية مرة أخرى في ليبيا ومن خلال دعم خارجي أيضا.

وهذه الاتهامات السابقة قد وجدت تأكيدات لها في تصريحات للمتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية بأن بلاده تعتقد بأن «الإمارات ومصر شنتا غارات على أهداف داخل ليبيا». وبالرغم من أنه قد تم نفي هذا الأمر من جانب الدولتين المذكورتين، إلّا أن تقريرا للأمم المتحدة في مارس الماضي قد كشف عن تهريب مصر والإمارات السلاح إلى ليبيا لدعم حفتر، دون أن نغفل أن نفس التقرير قد تحدث عن مزاعم بشأن دعم قطري-تركي-سوداني لمناوئي حفتر في طرابلس.

غير أن إلقاء اللوم على حراك حفتر لا يعني بأن الطرف الآخر، المؤتمر الوطني، بريء من التسبب بهذه الأزمة؛ فقد انتشرت الفوضى الأمنية بشكل كبير وكان هناك تخبُّط بشأن إدارة المرحلة الانتقالية، خصوصا في الجانب الأمني كما أشرنا. كما أن المؤتمر كان قد مدّد ولايته التي كان يُفتَرَض أن تنتهي في فبراير 2014 حتى نهاية 2014، قبل أن يتراجع عن التمديد في مرحلة لاحقة تحت وطئة الضغوط، وقد أثار هذا التمديد موجة من الاحتجاجات الشعبية والسياسية القوية.

وقد اعتمد حفتر في جانب أساسي من أسباب حملته ضد الإسلاميين على هذا التمديد والأداء السلبي للمؤتمر، وفيما يبدو أنه نتيجة سريعة لهذا التحرك من خليفة حفتر، وفي نفس الوقت دليل على تخبّط الإدارة، تمت بعد أيام قلائل من إطلاق عملية الكرامة تحديد موعد الانتخابات البرلمانية لتكون في 25 يونيو 2014.

كان الإسلاميون يسيطرون على المؤتمر الوطني الليبي المُنتَخَب في يوليو 2012، لكن في الانتخابات البرلمانية في يونيو 2014 تلقّى الإسلاميون خسارة كبيرة. وسلّم المؤتمر السلطة بالفعل للبرلمان الجديد في أغسطس 2014، غير أن الإسلاميين استغلّوا بعض القرارات والتصريحات الصادرة عن مجلس النواب بخصوص طلب تدخل أجنبي، وكذلك استغلوا انعقاد المجلس في طبرق ليشكّكوا في شرعية البرلمان.

وسبب من أسباب هذه المواجهة السريعة بين الإسلاميين والبرلمان الجديد يتمثل في اعتبار مجلس النواب «فجر ليبيا» و«أنصار الشريعة» جماعات إرهابية خارجة عن القانون، في حين تم اعتبار مناوئي هاتين الجماعتين من حفتر وأنصاره ممثلين لـ«الجيش الوطني الليبي».

تفاقم الوضع بشكل بالغ السوء بعد ظهور اللواء المتقاعد خليفة حفتر المعادي للإسلاميين على الساحة ودعوته لتجميد المؤتمر الوطني والحكومة المنبثقة عنه

وأخيرا أعلن المؤتمر الوطني مرة أخرى عودته للانعقاد على خلفية «عدم التزام مجلس النواب المنتخب بالإعلان الدستوري، وعدم استلامه السلطة بالطريقة التي حددها هذا الإعلان، وارتكابه جملة من المخالفات».

ورأى البعض أن المؤتمر قد عاد للانعقاد مرة أخرى في طرابلس بناءً على رغبة كتائب فجر ليبيا بالأساس، التي تسيطر على المدينة، ويمكن تلمُّس هذا الأمر في تصريحات المتحدث باسم المؤتمر، عمر حميدان، بأن الانعقاد جاء «استجابة لنداء الثوار، ومطالب الشعب».

وقد دخل الطرفان في مواجهات واسعة وعنيفة على كافة المستويات العسكرية والسياسية، وأدّت في النهاية إلى انقسام البلاد بين حكومتين تتنازعان السلطة ومن ورائهما جيشين متناحرين من الكتائب والمقاتلين.

وقد أتى حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في ليبيا في نوفمبر 2014 بحلِّ برلمان طبرق ليمثل دعما للمؤتمر الوطني في مواجهة مواجهة برلمان طبرق، المُعتَرَف به دوليا. ويظهر هذا الدعم بشكل واضح في عملية الحوار والمفاوضات التي جرت في ليبيا؛ حيث تم اعتبار المؤتمر الوطني طرفًا أصيلًا في الحوار بعد هذا الحكم، بعد أن كان المؤتمر غير مشارك في الحوار قبل ذلك.

كل هذه الأحداث ساهمت بشكل كبير في انتشار الفوضى وتمددها وزيادة العنف والاضطرابات في البلاد المضطربة أصلًا، غير أن أحدًا من الطرفين لم يستطع حسم الأمور عسكريًا، بل وظهر تهديد جديد للطرفين يتمثل في سيطرة تنظيم داعش على أجزاء من الأراضي الليبية، وهو الأمر الذي اضطر الطرفين بعد ذلك إلى الجلوس على مائدة الحوار لمحاولة حل هذه المشكلات.

غير أن حالة من فقدان الثقة قد طغت على الطرفين وأدّت إلى صعوبات جمّة في المفاوضات، وهو الأمر الذي أشار إليه رئيس بعثة الدعم الأممية في ليبيا، برناردينو ليون.


الحوار الليبي

بعد جهود إقليمية ودولية كبيرة، لم تنطلق جلسات الحوار الليبي سوى في نهاية سبتمبر 2014 في مدينة غدامس الليبية، ومنذ ذلك الحين عُقِدت جلسات كثيرة للحوار أو جلسات مشجّعة على إتمام هذا الحوار في أماكن عدة كالجزائر وتونس والسودان وجنيف وبرلين، بالإضافة إلى المغرب التي تُعد منطقة الصخيرات بها المقر الرئيسي للحوار وقد التقى وفدا المؤتمر ومجلس النواب بشكل مباشر لأول مرة في هذه المدينة في مارس 2015.

أطراف الحوار

يشارك في الحوار الليبي بشكل رئيسي ممثلون عن طرفيْ النزاع الأساسيين، المؤتمر الوطني بطرابلس ومجلس النواب بطبرق، وبالإضافة إليهما تشارك بعض الشخصيات المقاطعة لكلا المجلسين، وشخصيات ممثلة للمجتمع المدني الليبي، وشخصيات من المجلس الوطني الانتقالي السابق، وشخصيات ممثلة عن بعض البلديات، ومستقلين، وغيرهم. كما تشارك في بعض الأحيان بعض السفراء والدبلوماسيين الغربيين والعرب.

ويشرف على هذا الحوار بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا UNSMIL، برئاسة برناردينو ليون منذ أغسطس 2014 وقد انطلق الحوار بعد توليه المسئولية بنحو شهرو نصف فقط. وقد أُنشِئت هذه البعثة منذ سبتمبر 2011 بطلب من السلطات الليبية، وقد أصدر مجلس الأمن قرارًا في مارس 2012 بتكليف البعثة ببعض المهام من بينها مساعدة السلطات الليبية في إدارة عملية التحول الديمقراطي، واستعادة الأمن العام.

والجدير بالذكر أن المؤتمر الوطني لم يكن جزءًا من جلسات الحوار قبل حكم الدائرة الدستورية بحل مجلس النواب في نوفمبر 2014؛ إذ أن هذه الفترة قد شهدت الاعتراف الدولي الواسع بمجلس النواب في مقابل المؤتمر الوطني.

وقد دعّم هذا الحكم من موقف المؤتمر، كما أسلفنا، وأصبح المؤتمر الوطني ورعاة الحوار أكثر رغبة في انضمام المؤتمر للمفاوضات اعتباره طرفًا أصيلًا وقويًا في ليبيا، خصوصا وأن الكتائب الداعمة له تسيطر على مساحات واسعة من البلاد تُقدَّر بنحو ثلثيْ ليبيا. وانضم المؤتمر إلى الحوار بالفعل بعد ذلك من أرضية أكثر صلابة.

يدور الحوار بشكل أساسي حول عدة نقاط تتمثل في تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية ومجلس رئاسي مستقل بالإضافة إلى الاتفاق على تشكيل مجلس أعلى للدولة

ومن الجدير بالذكر أنه طوال فترة الحوار لم تتوقف العمليات العسكرية المتبادلة بين الطرفين، وحاول كل طرف تحقيق مكاسب على الأرض لدعم موقف الجماعة التي يدعمها في المفاوضات.

نتائج الحوار

يدور الحوار بشكل أساسي حول عدة نقاط؛ تتمثل في تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، ومجلس رئاسي مستقل، بالإضافة إلى الاتفاق على تشكيل مجلس أعلى للدولة، يكون بطريقة أو بأخرى ممثلا للمؤتمر الوطني، بالإضافة إلى هيئة لصياغة الدستور، ومجلس للأمن القومي، والبلديات، والتوافق حول السلطات التشريعية لكل من مجلس النواب والمؤتمر الوطني.

وبالرغم من صعوبة المفاوضات وفشل جولات عدة ومسودات عدة للتسوية، فإنه في يوليو الماضي قد تم التوصل إلى مستوى متقدم في الحوار يمكن وصفه بـ«الاختراق» عندما تم التوقيع بالأحرف الأولى على مسودة الاتفاق الرابعة في مدينة الصخيرات المغربية.

وقد نص الاتفاق على تشكيل حكومة وفاق وطني على أساس الكفاءة وتكافؤ الفرص يكون مقرها طرابلس لمدة عام واحد، وأن يمثل مجلس النواب السلطة التشريعية خلال المرحلة الانتقالية، وإنشاء مجلس أعلى للدولة، أعلى جهة استشارية، يتولى إبداء الرأي الملزم في مشروعات القوانين والقرارات التي تعتزم الحكومة تقديمها لمجلس النواب.

وفي حين قام مجلس النواب، وبعض المقاطعين لجلساته، وممثلي بعض البلديات، وبعض المستقلين بالتوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق، فإن المؤتمر الوطني قد رفض التوقيع على هذه المسودة «لغياب نقاط جوهرية»، وقام بسحب فريقه من الحوار.

وأعلن المؤتمر عن سبعة تحفظات على المسودة من قبيل التحفظ على إعطاء كافة الصلاحيات التشريعية لمجلس النواب، واختيار الحكومة، وطريقة اختيار أعضاء المجلس الأعلى للدولة وسحب اختصاصه الإلزامي في سحب الثقة من الحكومة، وتأسيس الجيش والمؤسسات الأمنية بعيدًا عن عقيدة المؤامرات والانقلابات، فيما يبدو أنه إشارة ضمنية إلى استبعاد حفتر.

لكن في وقت لاحق عاد وفد المؤتمر الوطني إلى المفاوضات مرة أخرى، وفي 13 سبتمبر الجاري أعلن ليون أن الفرقاء قد توافقوا بشأن ثمان نقاط من أصل تسع، وأنه «تم تجاوز الخلافات بشان العناصر الرئيسية»، وأنه سيتم البدء بمناقشة أسماء المرشحين لحكومة الوحدة الوطنية.

غير أن هذه المرة قد تبادل كل من المؤتمر الوطني ومجلس النواب الأدوار؛ حيث رحّب رئيس وفد المؤتمر في الحوار بتعديلات الاتفاق، بالرغم من أن المؤتمر ذاته لا زال يدرس التعديلات، وأشار إلى أن التعديلات التي طالب بها المؤتمر قد تم تضمينها «بطريقة إيجابية».

في حين أن مجلس النواب قد رفض إدخال تعديلات على بنود الاتفاق المُوَقع في يوليو واستدعى فريقه المحاور من الصخيرات، غير أنه خفف من حدة موقفه من خلال تأكيده في نفس الوقت على «التزامه بدراسة الملاحق من حيث التعديل أو الإضافة بما لا يتعارض مع نصوص وثيقة الاتفاق السياسي».

ويبدو أن هذا الموقف صدر عن مجلس النواب بسبب أن تلك التعديلات تقصي حفترا، الذي عينه المجلس قائدا عاما للجيش في مارس الماضي، كما أنها تلغي أي قرارات أصدرها المجلس في الشق العسكري.


مستقبل الأزمة والحوار في ليبيا

يبدو أن سيناريو الحل التوافقي في ليبيا وإنجاز التسوية هو السيناريو الأقرب والمرشح بقوة للحدوث في ليبيا، وهناك عدة دلائل تصب في مصلحة ذلك الترشيح.

فبالرغم من استمرار وجود بعض التحفظات من الجانبين، أعلنت الأمم المتحدة عن موافقة النواب المقاطعين لمجلس النواب، الإسلاميين في غالبيتهم، بالعودة إلى المجلس، كما تم تسليم المسودة النهائية للاتفاق إلى الفرقاء مع توقعات بتوقيعها قبل بداية أكتوبر، بالإضافة إلى أنه تم الإعلان كذلك عن توافق بشأن خمسة أسماء لتولي المناصب الرفيعة في السلطة الجديدة.

ويبرز الدور الدولي والإقليمي بشكل كبير في هذا الإطار؛ فهناك توافق دولي وإقليمي شبه تام على ضرورة التوصل إلى الحل التوافقي في ليبيا، وهو التوافق الذي كبح جماح بعض القوى الإقليمية الأخرى التي رغبت في التدخل المباشر وتدعيم فريق على حساب الفريق الآخر.

ويظهر العامل الدولي بوضوح في تهديد المبعوث الأممي للفرقاء من أنهم «يختارون المجهول ويختارون الصعاب في العمل مع المجتمع الدولي» في حال رفضهم للاتفاق النهائي.

وهذه القوى الدولية، الغربية في الأساس، والإقليمية تهتم بشكل كبير، وربما أكثر من الليبيين أنفهسم في بعض الأحيان، بإتمام هذا الاتفاق من أجل تحقيق الاستقرار في ليبيا النفطية، وتوحيد المقاتلين على الأرض لمواجهة داعش، ومنع تمدده في الداخل والخارج، خصوصا وأن ليبيا تشترك في حدودها مع 6 دول أخرى. وكذلك مواجهة الهجرة غير المشروعة إلى أوروبا والتي تُعَد ليبيا قاعدة أساسية لانطلاقها متضمنة مخاوف من اندساس بعض المتطرفين في صفوف هؤلاء المهاجرين.

والموقف الدولي منذ البداية يحاول الدفع باتجاه الحل السلمي؛ فبرغم أنه تم الاعتراف ببرلمان طبرق، إلّا أن هذا الاعتراف ظل منقوصا من خلال عدم إعطاء الشرعية الكاملة لمجلس النواب والاعتراف بوجود قوى أخرى يجب التفاوض معها داخل ليبيا، ومنع التسلُّح لليبيين بما في ذلك القوات التابعة للمجلس. هذا بالإضافة إلى الضغط لتحييد بعض المؤسسات الحيوية في ليبيا كمؤسسة النفط الليبية ومصرف ليبيا المركزي وإبعادهم عن الصراع السياسي.

وفي هذه الفترة بشكل خاص يبدو موقف المؤتمر الوطني، الذي لا يحظى باعتراف دولي على غِرار برلمان طبرق، في موقع أفضل بعد المؤشرات الإيجابية التي أظهرها تجاه مسودة الاتفاق الجديدة، في حين أن التحفظات والإشارات السلبية تأتي من طبرق. وهذا الأمر يضغط على برلمان طبرق من أجل التعامل بشكل أكثر إيجابية تجاه الاتفاق؛ إذ أنه من المرجح أن المؤتمر الوطني سيتم النظر إليه كطرف متعاون في أي سيناريو مستقبلي في ليبيا في حال عدم التوافق بعد مواقفه الأخيرة تجاه الاتفاق.

ومع تزايد فرص الحل التوافقي في ليبيا تقل فرص السيناريوهات الأخرى التي كانت مطروحة، ولا زالت، خصوصا فيما يتعلق بالحرب الأهلية والتدخل الأجنبي. غير أن الأمر برمته سيظل متوقفا على مدى قدرة الفرقاء في ليبيا على تعيين الأولويات والأخطار والتحديات، ومن ثَم قدرتهم على إدارة المرحلة الانتقالية الجديدة بشكل أكثر توافقا وتفاهما فيما بينهم.

ومع ذلك تبقى هناك بعض التحديات الحقيقية التي تقف في طريق المصالحة في ليبيا، ويتمثل أهمها في وجود بعض الأطراف داخل الفريقين تعمل على إعاقة الاتفاق وترغب في الذهاب بالمواجهة إلى أقصاها سواء كان ذلك في طرابلس من خلال بعض قادة فجر ليبيا وبعض أعضاء المؤتمر الوطني، أو في طبرق من خلال حفتر وفريقه وبعض أعضاء مجلس النواب.

وهناك أيضا صعوبة في السيطرة على عدد من المليشيات المسلحة، سواء عن طريق احتوائها داخل الجيش الليبي والابتعاد عن النعرات الأيديولوجية والجهوية، أو عن طريق إقناعها بالتخلّي عن سلاحها، وهو التحدي الذي أدّى في الأساس إلى فشل الحكومات السابقة التي جاءت في مناخ أقل حدة وتوترا بين الليبيين من المناخ الحالي.


خاتمة

هناك بعض التحديات الحقيقية تقف في طريق المصالحة ويتمثل أهمها في وجود بعض الأطراف داخل الفريقين تعمل على إعاقة الاتفاق وترغب بالمواجهة إلى أقصاها

يمثل اقتراب الليبيين من التوصل إلى تسوية نهائية فيما بينهم حدثا هاما على طريق الخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات، وما الانقسام الليبي إلّا إحدى حلقاتها الممتدة. غير أنه لا يجب النظر إلى تلك التسوية، في حال حدوثها، على أنها المخرج من الأزمة، بل إنها مجرد بداية لسلسلة من الخطوات التي يجب على الليبيين القيام بها من أجل الخروج بشكل كامل من الأزمة وتبعاتها.