الدولة فاعل له مصالح خاصة به لا تعكس بالضرورة مصالح المجتمع (59)

يرتكز نموذج الدولة الحديثة في عصر الحداثة على ما سماه المؤلف بعصر التقدم التقني وهو أحد أهم أبعاد الحداثة بل هي النطاق المركزي الذي من خلاله يتم حل جميع المشكلات الأخرى في الحياة فالتقدم التقني والتكنولوجي «ديانة المعجزات التقنية والإنجازات البشرية و السيطرة على الطبيعة» في إطار خلق نظرة كونية مادية تعتمد على أن الدولة هي مصدر السيادة والقوانين. وهناك خصائص للدولة الحديثة من دونها لا تكون وقد تمتعت بها على مدار ال100 عام الأخيرة، وهي:

1. تكوين الدولة كتجربة تاريخية محددة ومحلية إلى حد بعيد (63)، بمعنى أن الدولة الحديثة هي نتاج أوروبي خالص في ظرف تاريخي محدد (معاهدة ويستفاليا 1648)، فهي وليدة عصر التنوير القائم بعدم اعتراف بما هو قبل الحديث من أنظمة وأنماط أخرى للحكم بما في ذلك نموذج الحكم الإسلامي واعتبار ما الحديث هو عبارة عن مجتمعات قبلية لا ترقى أن تكون حتى مجتمعات بشرية.

2. سيادة الدولة والميتافيزيقا التي أنتجتها (63)، تأخذ السيادة في نموذج الدولة الحديثة معنى تخيليا بالنسبة للأمة التي هي صاحبة القرار في تقرير مصيرها، لذلك فلن يتأثر بكون الحكومة أو النظام ديمقراطيا أم لا. ومفهوم سيادة الدولة له وجهان سيادة خارجية وسيادة داخلية، أما الخارجية فمتعلقة باعتراف دولة بأخرى والذي يترتب عليه إقامة العلاقات الرسمية فيما بينهما وما إلى ذلك وهو ما يجعل الدولة دولة (فهنا ينظر النموذج الغربي للدولة على أنها مثل الإله حيث توجد دولة أخرى من عدم). أما الداخلية هي سيادة القانون وقوة الدولة في تطبيق وفرض وصنع القانون، بمعنى ان المواطن في الدولة يعيش مع «إله»(72) مما يستحيل توافق هذا النموذج مع النموذج الإسلامي.

3. احتكار الدولة للتشريع وما يتعلق به من ممارسة العنف المشروع. فبناء على ما تقدم فالدولة التي لها الحق الحصري في تشريع القوانين ولها _حسب ما ترى ذلك مناسبا وضروريا_التدخل باستخدام العنف لإنفاذ القانون، ولا يتغير ذلك إلا بفرض قانون من خلال دولة أخرى. وإرادة الدولة الممثلة في القانون هي التي تقر الإرادة الإلهية(74) لأن المؤسسات الدينية تتحرك وفق إرادة الدولة وليس العكس.

4. جهاز الدولة البيروقراطي، وهو النظام الإداري الذي هو جزء أساسي من النظام القانوني وهو يدّعي العقلانية والمساواة المتمثلة في شعار المرأة المعصوبة العينين (76)، ولكنه ليس لزوميا أن العلاقة بين النخب الحاكمة والبنى البيروقراطية من جهة والمواطنين العاديين من جهة أخرى تتميز بالمساواة.هذا النظام لا يتقيد بتغير الأنظمة فهو ينمو ذاتيا، ومن أحد تجلياته فكرة الفصل بين السلطات وسعي كل سلطة لبسط سيطرتها ونفوذها على الأخرى في حالة من التنافس، وهي تعمل بشكل هرمي من أعلى إلى أسفل و تتدخل في كل تفاصيل حياة المواطن منذ ولادته وحتى وفاته.

5. تدخل الدولة الثقافي الهيمني في النظام الاجتماعي بما في ذلك إنتاجها الذات الوطنية. ولا يمكن الفصل بين الثقافة والدولة في أي نموذج، ويتعرض هنا لتفكيك البنية السياسية والاجتماعية للدولة وتحقيق القدرة على النفوذ إلى المجتمع ثقافيا من خلال إجبار المجتمع على تقبل ثقافة معينة أو من خلال علاقة القوة والتعاون مع المجتمع المدني للحصول على قدر من الرضا والقبول لأفعال الدولة، ومن مظاهر توغل الدولة في الثقافة المجتمعية هو التعليم الذي يعد إضفاء للشرعية، ولا يمكن أن يكون المجال الثقافي مستقل عن تأثيراته المادية.

إن هذه خصائص تمتلكها الدولة القومية الحديثة يشكل كلّي، وهي متداخلة ومترابطة فيما بينها في علاقة جدلية واضحة من أجل استمرار الدولة الحديثة. ويتجلى من خلال الأفكار الأساسية للكتاب كيفية عمل الدولة الحديثة من خلال تلك الخصائص وكيف تحافظ على بقاءها واستمرارها؟


الفصل بين السلطات وحكم القانون

هذا المبدأ…قد شوهته الاستثناءات إلى درجة أنه أصبح من الضروري اعتباره قطعة من الخردة.(85)

هذه جزء من مقولة تتعلق بفكرة الفصل بين السلطات وحكم القانون وهو سلطة الدولة وقوتها الجبرية لتنفيذ إرادتها السيادية والسياسية، والتي تحمل بداخلها النظام الإداري الذي تحدثنا عنه وهو جزء من النظام القانوني ومنذ الثورة الإدارية الحديثة تغيرت فكرة الفصل بين السلطات الثلاثة «التنفيذية والقضائية والتشريعية» عن الفكرة التي وضعها الدستوريين الأمريكيين التي كانت تمثل لهم العمود الفقري(88) للحرية والديمقراطية. يقوم الكاتب بشرح فكرة الفصل بين السلطات وكيف تبدو متجانسة تحمل بداخلها تنافسا بين المصالح السياسية المختلفة في إطار قانوني من خلال صراع أيديولوجي، فالقانون في الدولة الحديثة بالنسبة له جزء من نطاق سياسي أوسع.

«حكم القانون» و«الديمقراطية» لم يستطيعا أن يفسرا العديد من الظواهر الحداثية التي تداخل فيها السياسي مع القانوني مثل دولة إسرائيل الحداثية

ويتعرض إلى الاستثناءات التي أدت إلى عدم وضوح فكرة الفصل بين السلطات وكيف فسدت ومثلت خرقا لهذا المبدأ (الاستثناءات التي تطرأ على النطاق المركزي ولا يتم حلها إلا من خلاله) وكيف أن الدستوريون قد أعلو من شأن حكم القانون بالنص في دستور الولايات المتحدة على أن الدستور الذي يخلو من الالتزام بالقانون ليس بدستور(89). فيذكر لنا الكاتب أن من الاستثناءات أن «حكم القانون» و«الديمقراطية» لم يستطيعا أن يفسرا العديد من الظواهر الحداثية التي تداخل فيها السياسي مع القانوني مثل دولة إسرائيل الحداثية (التي تحمل مرجعية دينية لاهوتية واضحة) مثلا والفصل العنصري في جنوب أفريقيا كمثال آخر.

هذه الاختراقات تشكك في مدى فاعلية المنظومة الديمقراطية الحديثة. فالفصل بين السلطات هو أنه هناك سلطة تضع القوانين وتشرع السلطة «التشريعية» وسلطة أخرى تفسر القانون وتصدر الأحكام استنادا لهذا التشريع السلطة «القضائية» وأخيرا سلطة تنفذ هذا القانون على المجتمع السلطة «التنفيذية». ويصف ممارسات الدولة وأنواع انتهاكات الدولة القومية لهذا المبدأ بأنه إشكالية بنيوية فالمشكلة هنا في مشكلة تركيز السلطة حيث يصبح تداخل السلطات وعدم توازنها وتفويضها بين الفروع الثلاثة هي القضية(92).

تنبع هنا تساؤلات حول كيف يمكن لسلطة تشريعية منتخبة لا تشرع القانون وحدها وتتنازل عن سلطتها لصالح سلطات أكبر للقطاعات الأخرى؟ وتساؤل عن الديمقراطية وحكم القانون فالاثنان يتطلبان أن تكون السلطة التشريعية لها سيطرة على السلطتين الآخرتين وهذا ليس هو الواقع.


نشأة القانوني والسياسي والأزمة الأخلاقية للحداثة

إن السمات الأساس للغرب الحديث (هوسه باكتساب معرفة السيطرة….(149)
السياسي وحده يملك السلطة على الحياة والموت. ولا تتحقق الدولة الحديثة بشكل كامل عندما تحميني من العنف، بل عندما تجندني في قواتها المسلحة. (179)

نشأة القانوني

إن مصطلح «الأخلاقي» هو من المفاهيم الرئيسية التي اعتمد عليها الكاتب في طرح فكرته وجعلها بنيته الأساسية في تحليل كل من نموذج الحكم الإسلامي ونموذج الدولة الحديثة. فمن خلال هذا النطاق المركزي للأخلاق ينطلق الكاتب في محاولة لفهم علاقة الأخلاقي والقانوني والسياسي بمفهوم الحداثة للدولة القومية الحديثة.

الدولة القومية تستطيع أن تتحكم في الذوات وتشكلها كما ترى كونها مصدر للقانون، كما أنها تستطيع السيطرة على الطبيعة المادية وإخضاعها لرغباتها

إن الدولة تفرض سيادتها بالقانون ولها الحق في استخدام العنف لممارسة تلك السيادة وليس هناك فصل للسلطات وهو الذي «كان ينبغي أن يكون» عليه الحال كما وضعه الدستوريون كما ذكرنا، وهنا تأتي إشكالية علاقة القانوني بالأخلاقي والذي عبر عنه بفكرة فصل «ما ينبغي أن يكون» وما هو «كائن» ومن جهة أخرى فصل القيم عن الحقائق فهو بمثابة إلغاء لفكرة المسئولية الأخلاقية. فأصبح القانون مجرد آلة مكونة من عدة قواعد خالية القيم والمبادئ. تلك الواقعية التي جعلت الدولة تخلق الميتافيزيقا الخاصة بها والتي تمثلت في أن الذات الإنسانية في الدولة القومية تستطيع أن تتحكم في الطبيعة، والذات هي شئ يمكن امتلاكه والتحكم به من خلال السياسة والتعليم والتوجيه.

إذا فالدولة القومية تستطيع أن تتحكم في الذوات وتشكلها كما ترى كونها مصدر للقانون، كما أنها تستطيع السيطرة على الطبيعة المادية وإخضاعها لرغباتها، فهذا نموذج للسيطرة على المادة والذات، كنتيجة لتجريد الطبيعة من كل القيم من خلال التفسير الآلي والمادي الطبيعة، وتلك هي الميتافيزيقا الغربية تقوم على فكرة سيطرة الإنسان على الطبيعة، وبناء على ذلك تغيرت عن المفاهيم التي كانت محور عصر التنوير مثل الحرية التي باتت تمثل قدرة الإنسان الطبيعية على استخدام العقل وبالتالي السيطرة على ما حوله من أشياء.

ومن خلال القانون الوضعي الذي يمثل الإرادة السياسية للدولة الحديثة فهناك رفض بأن يكون هناك ارتباط ضروري بين القانوني الذي ينبغي أن يكون «القيم» وما هو كائن «الحقيقة» ولتحقيق المعادلة في هذا النموذج يتم التضحية بالقيمة في مقابل الاعتراف والاستسلام للحقيقة الواقعة وهي حقيقة سيادة الدولة القانونية والسياسية وذلك ينقلنا إلى نشأة السياسي في الدولة الحديثة.

نشأة السياسي

بالتزامن مع ما سبق، نشأ مفهوم السياسي في نموذج الدولة الحديثة والمعتمد على مفهوم مركزي وهو “التضحية”. فإن الدولة بصفتها الحاكم ومصدر للقانون فهي الحكم النهائي لكل ما يتعلق بما هو سياسي(175). ومفهوم السياسي في الدولة الحديثة يعتمد على نظرة وحشية مستمرة للعالم ولذلك يجب أن يتعامل بـ «العنف»، فنرى هنا أن مفهوم السياسي في الدولة القومية الحديثة يضع تبريرا مسبقا للعنف بناء على حكم مسبق معتمد على تصور معين للعالم وهو الوحشية، ومن خلال تصنيف العدو والصديق.

ويمكن فهم ذلك أيضا من المفهوم السياسي للمواطنة والذي يعكس إدراك أن سيادة الدولة مكونة لهذا بقدر كبير وتشكل أيضا الهدف الأسمى للمواطن وهو الحفاظ على كيان ” الدولة” بناء على مفهوم التضحية وهو بذل المواطن في الدولة القومية كل شئ من أجل الحفظ على الدولة وسيادتها، وأن يقتل ويعادي الآخرين «الصديق والعدو»، فمن خلال تلك التضحية يصبح المواطن هو أداة العنف للدولة للخلاص والبقاء في عالم متوحش ممتد، فكما استشهد الكاتب بمفهوم شميت للسياسي «مع كل طفل يولد عالم جديد. وكل طفل جديد سيكون معتديا، إن شاء الله»(179).

الذات السياسية وتقنيات الذات

«تقنية الذات» هو المصطلح الذي استخدمه ليعبر عن كيف تتفاعل النفس مع المؤثرات الخارجية والتي تؤثر فيها وكيف يترجم ذلك إلى سلوك فيما بعد. ويتضمن ذلك المفهوم فكرة ضبط النفس والتي سوف تتضح جليا حينما نتعرض إلى عرض نموذج الحكم الإسلامي، وهي أيضا عبارة عن التكوين العضوي الذي تختلط فيه العوامل الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية و السياسية.

ونبدأ بمنتج الدولة الحديثة بوصف «رعايا الدولة» والذين شكلت الدولة ذواتهم بشكل خاص، ويرجع تكوينها إلى الثورة الصناعية في أوروبا والتي بدأت في إنتاج ذوات «خدمية» من الناحية المادية في إطار النظام الرأسمالي الجديد والذي اعتمد على العمل والإنتاج الأمر الذي كان التعبير عنه دائما هو السلوك القويم. ومن الناحية التعليمية كان يجب إتمام تلك المنظومة بإنشاء منظومة التعليم التي تبدأ بالدخول للمدرسة بشكل إلزامي يطبّق على المواطنين ومن خلالها تتكون الذات التي تخدم الدولة القومية وتبرر وجودها وبقاءها وضرورة التضحية من أجلها على المستوى السياسي والعمل وإنتاج في منظومة الرأسمالية الحديثة.

وشكلت الشرطة أداة الدولة لفرض ما تراه من قوانين لابد من تطبيقها والذي هو أداة رقابة الدولة وإحكام سيطرتها على إقليمها وعلى الذوات المقيمين عليها في الحضر أو الريف. بعد ذلك تم استحداث نظام الرفاه الاجتماعي والحفاظ على الصحة العامة والمستشفيات الخاصة من اجل امتصاص غضب البعض بسبب تفشي الفقر والمرض. ولم تكن تلك المؤسسات تختلف من حيث وضوح الهدف وتحديده من حيث إنتاج ذوات خاضعة نافعة لإرادة الدولة والتي كانت ترجمة للبيرقراطية التي نشأت بالتزامن مع الدولة الحديثة والتي من خلالها تم السيطرة على الجسد «المستشفيات والمصانع والسجون» والعقل «التعليم»، فبعد أن تشكلت ذات الدولة من خلال تشكيل ذوات أفرادها أصبح من السهل التحكم بهم للحفاظ على كيان الدولة من خلال إنتاج أفرادا مسالمين سياسيا ومستعدون لتنفيذ ما تطلبه الدولة.

يأتي دور الأسرة في الدولة القومية، والتي تسطير عليها الدولة وتسوسها من خلال منظور الدولة لها ليست كأنها وحدة اجتماعية عضوية تسعى الدولة لإسعادها، بل إلى كونها وحدة تنتج الذات الوطنية(199)، وبما أن الدولة هي صاحبة الحق الحصري في سن القوانين فإنها تولّي اهتماما كبيرا للتشريعات الخاصة بوضع الأسرة من خلال قانون الأسرة الممثل لمصالح الطفل والتي عادة تكون فوق مصالح الوالدين وخاصة الأب فبهذا تستبدل سلطة الأسرة ودورها بسلطة الدولة على الطفل فتكون هي المشرّع والمدرسة والطبيب النفسي والمكون الاجتماعي، إضافة إلى ذلك فإن الدولة تعمد إلى تكوين الذات ثقافيا والتي ينتج عنها فرد نرجسي (الأنا هي الحاكمة دائما) مفكك.


عولمة تضرب حصارها

شكلت الشرطة أداة الدولة لفرض ما تراه من قوانين لابد من تطبيقها والذي هو أداة رقابة الدولة وإحكام سيطرتها على إقليمها وعلى الذوات المقيمين عليها
ينظر إلى المال في كل مكان على أنه هدف…. (249)

في هذه النقطة يتعرض الكاتب للعولمة وأبعادها ومحركاتها، وهل هي التي تحرك الدولة القومية أم أن الدولة القومية تسيطر عليها وتحقق من خلالها مصالحها الاقتصادية والسياسية على مستوى العالم؟ فهي أحد مراحل عصر الحداثة الذي يتجلى فيه دور الدولة القومية. فالنظام العالمي الحالي يعتمد أن الاعتراف بالدولة هو في حقيقة الأمر منشئ لها حيث أنه لا توجد مساحات غير سياسية بين الدول ولا للأشخاص، وهذا النظام تحكمه علاقات القوة. وللعولمة عدة خصائص وملامح من أهمها أنها على سبيل المثال مؤذية اقتصاديا، ومتوغلة ثقافيا وسياسية بصورة واضحة، وخاصة من خلال العلاقة الجدلية في التداخل بين المحلي والعالمي.

ومن الناحية الاقتصادية فإن الاقتصادات التي تتحكم في الحركة عن طريق العولمة هي اقتصادات رأسمالية فقط، فهي مشروع الدول الثرية القوية والشركات العملاقة. وهناك حالة من الانسجام بين العولمة والدولة الحديثة وبناء على الممارسة في الواقع فإنه يتبين أن هناك علاقة جدلية تربط العولمة بالدولة القومية حيث لا يمكن القول بأن العولمة تؤثر على الدولة وعلى سلطاتها وتحركها بشكل مطلق ولا أن الدولة القومية هي التي تملي على العالم إطار العولمة الجديدة بكل خصائصه، ولكن هناك تحديات تواجهها الدولة نتيجة خصائص العولمة الثلاث:

الأولى هي الهيمنة الثقافية المبنية على تكنولوجيا الاتصالات الحديثة التي استولت على قدر من مساحة الدولة للتوغل الثقافي في المجتمع وبات ذلك واضحا في المجتمعات الأفرو- آسيوية(257) والتي تنازلت عن عاداتها وتقاليدها في مصلحة نظيرتها الغربية.

والثانية هي العلاقة بين تلك الهيمنة الثقافية بأشكال الحكم السياسي والعسكري في الدول الغير غربية والتي لها ارتباط لزومي مع الاقتصاد العالمي.

الثالثة أن الوجه الاقتصادي للعولمة هو الأكثر وضوحا من حيث الخصائص والظواهر في صورة المنظمات الدولة الاقتصادية والمؤسسات المالية العابرة للقوميات.

وفي المقابل هناك أمثلة واضحة على دور الدولة في العولمة مثل الأسواق والشركات العابرة للقوميات والتي تنشأ من أجل هدف واحد وهو زيادة الثروات والأرباح والحجم الاقتصادي للشركة ويتم توظيف الخدمات الاجتماعية الخيرية في إطار خدمة ذلك الهدف نفسه، وهذه الأخيرة لم تحظ بها العولمة، لذلك ينظر للدولة على أنها المخلص من آثار العولمة السلبية وخاصة من الناحية الاجتماعية. فتأكيدا على ما تم عرضه من الفكرة التي تغرسها المؤسسات التعليمية في عقول وذوات الأفراد أن الدولة هي آلة لحل المشكلات، كما أن العولمة لا تمتلك _ مثل الدولة_ سلطات واسعة ومطلقة مثل استخدام العنف لإنفاذ إرادتها وتطبيق القانون بالإضافة إلى أن المؤسسات التعليمية والثقافية ما زالت مخترقة من قبل الدولة القومية وتحت سيطرتها المباشرة.