ربما لم يتعرض الإسلامُ في تاريخه الوسيط لمحنة عصيبة كمحنة الغزو المغولي، التي يقرر المستشرق الإنجليزي العلامة إدوارد براون أنها كانت أسوأ كارثة حلت بالجنس البشري كله، نافيًا عن المؤرخين المسلمين تهمةَ الغلو في تصوير وحشية المغول وتقدير الآثار التخريبية الناجمة عن اجتياحهم لأقاليم المشرق الإسلامي، مؤكدًا اتفاق المرويات العربية في هذا الصدد مع نظائرها الغربية [1].

على أن برنارد لويس يرى فيما تواتر من آراء عن الغزو المغولي وتأثيراته السياسية والحضارية تطرفًا ومبالغة، زاعمًا أنها كانت أهونَ كثيرًا مما جرى تصويرُهُ. ويستطرد قائلاً: «وربما يوافق الآن معظمُ الباحثين على أن الآثار السيئة للغزوات المغولية لم تكن باقيةً وواسعةَ المدى بالقدر الذي كان يُعتقد فيه في يوم من الأيام»، مؤكِّدًا أن المجتمعات التي غزاها المغول لم تلبث أن استأنفت مسيرتها التاريخية ومارست عمليات التطوير التي عرقلتها أحداثُ الغزو [2]. وإلى قريبٍ من هذا الرأي ذهب المستشرقُ الروسي الشهير بارتولد، حيث رأى أن عاقبة الغزو المغولي لم تكن سيئة إلى هذا الحدِّ، لافتًا النظر إلى أن المغول أوجدوا في البلاد التي استولوا عليها وحدةً سياسية لم تنعم بها من قبل، مُسْتَنْتِجًا من ذلك أن القول «بأن الحياة المدنية لم تدم إلا في البلاد التي نجت من هجمات المغول= زعم خاطئ»[3].

ويكفي في إثبات تهافت هذا الذي انتهى إليه برنارد لويس، وسبقه إليه بارتولد، أن نشير إلى ما أدى إليه الغزوُ المغولي من تغييرات جوهرية وتأثيرات عميقة في بنية المشرق الإسلامي سياسيًا وحضاريًا، وهي تأثيراتٌ لم تقتصر في رأي مؤرخ قدير مثل كلود كاهن على الأقاليم التي أذعنت لحكم المغول، بل شملت أيضًا تلك الأقاليم التي قاومتهم وظلت بمنأى من نفوذهم وسيادتهم [4].

لقد أدى الغزو المغولي إلى سقوط معظم القوى السياسية بالمشرق الإسلامي وخضوعها لسلطة وثنية هي سلطة الإيلخانيين التي كانت تمثل -كما يرى أحدُ الباحثين بحق- كيانًا غريبًا في المشرق من الوجهتين السياسية والحضارية [5]. ولسنا نريد التوسعَ في مناقشة هذه النقطة التي تناولها الباحثون والمؤرِّخون بالدرس الوافي والتحليل المستفيض. أما ما يعنينا في هذا المقام فهو مناقشة أثر الغزو المغولي على الحياة الدينية وأنماط التدين في المشرق الإسلامي؛ انطلاقًا من أن «الظاهرة الدينية» لا تعمل في فراغ، وإنما تتصل بما اكتنفها من سياقات سياسية واجتماعية ارتباطًا وثيقًا.


الدين في حياة المغول

إذا كانت كارثةُ الغزو المغولي قد أدَّتْ بالمشرق الإسلامي إلى مزيدٍ من التفتت والانقسام والانحطاط على صعيد البُنى السياسية، فإن آثارها اللغوية والدينية والثقافية ربما كانت أكثرَ فداحة وأعظمَ خطرًا. والسؤال الذي تتعين إثارتُهُ في هذا السياق هو: ما الذي طَرَأَ على «إسلام» مجتمعات المشرق، من ألوان التغير بأثرٍ من الخضوع لسلطة المغول الوثنية التي لم تلبث أن تحوَّلت هي نفسها إلى الإسلام أواخر القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)؟ وإلى أي حدٍ أسهمت السياسةُ الدينيةُ للمغول في تعزيز ظاهرة الإسلام الشعبي «Folk Islam» في مواجهة الإسلام «العالِم» أو «الإسلام الرسمي»؟ لعل الإجابة عن هذا السؤال تقتضي أن نناقش أولاً «موقف المغول من الدين»، ثم نحاول أن نتبيَّن إجمالاً الخطوطَ العريضة لسياستهم الدينية تجاه أصحاب الديانات المختلفة في ربوع إمبراطوريتهم، وعلى رأسها الإسلام.

كانت الشامانية Shamanism هي الديانة القومية السائدة بين المغول، ولا سيما في تاريخهم المبكر [6]، ولكنها لم تقف حاجزًا يحول بينهم وبين اعتناق ديانات أخرى، كالبوذية والمسيحية والإسلام [7]. وليس من اليسير – كما يقرِّر ديفيد مورجان – أن نحدِّد ماهية الشامانية تحديدًا دقيقًا؛ إذ ليس ثمة مصادر أصيلة يمكن الركونُ إليها في شرح مضمونها شرحًا وافيًا، وهو نقصٌ ربما تعوِّضه جزئيًّا ملاحظاتُ الرحَّالة الأوربيين، بالإضافة إلى مراجعة بعض المصادر الإسلامية [8].

ومهما يكن من شيء، فالثابتُ أن الشامانية ديانةٌ وثنيةٌ تقوم على أساس من تقديس أرواح الأجداد التي دأب المغول على الاحتفاظ بصور لهم في خيامهم، معتقدين أنها تُسْبِغ عليهم الحمايةَ إذا رَضِيَتْ؛ فكانوا يتقون سخطها بما يقدِّمون لها من ألوان القرابين [9]. وتجدر الإشارة إلى أن المغول كانوا يخشون كلَّ ما استعصى على مداركهم وعجزت عقولهُم عن استكناه أسراره، وشيئًا فشيئًا تحولت تلك الخشيةُ إلى عبادة؛ فكانت لهم آلهة في النهر والجبل، وقدَّسوا الشمس والقمر والبرق والرعد، وكلها مظاهرُ للطبيعة كانت تلقي الرهبة في نفوسهم [10].

وكان الكهنة في المجتمع المغولي يُطلق عليهم الشامانات (جمع شامان). وكانت مهمة الشامان التوسط بين الشخص المغولي المؤمن بالشامانية وعالم الغيب المستور الذي تتسلط عليه الأرواحُ؛ مما يعني أنه كان عرافًا أُوتي القدرة على الاتصال بالأرواح. وكان يرتدي ثوبًا أبيض ويمتطي جوادًا أبيض، ويحمل في يده عصًا أو صولجانًا وطبلة. وكان يقدِّم الشفاعات لدى الأرواح المقدسة، ويعمل أنواعًا مختلفة من الرقى والتعاويذ، ويتلو الأدعية الجالبة للبركة على قطعان الماشية والأطفال والمشتغلين بالصيد ومَنْ إليهم [11].

وبالإضافة إلى الشامانية، كان للبوذية حضورٌ ملحوظٌ في المجتمع المغولي، ثم جعل المغول يُقْبِلون على اعتناقها، حتى حلَّتْ تدريجيًّا محل الشامانية، وخاصة حين اعتنقها قوبيلاي [12]. ويرى جورج لاين أن الشامانية «سمحت للمغول بالانفتاح على عقائد دينية أكثر تطورًا بعد احتكاكهم بها في المناطق التي سيطروا عليها. فكانوا يتكيفون مع المعتقدات الجديدة التي تصادفهم في البلاد التي يغزونها، ولكن دون أن يتبنوها تمامًا»[13].


السياسة الدينية للمغول

كان المغول ينظرون إلى المسألة الدينية بقدر ملحوظ من اللامبالاة أو قلة الاكتراث، على نحو دفع بعضَ الباحثين إلى القول «بتسامحهم فيما يتعلق بمعتقدات أولئك الخاضعين لحكمهم، فاتسمت معاملتهم لرجال الدين والقساوسة الذين دخلوا في خدمتهم بالاحترام….. ولم يكن الدين محرِّضًا على أعمالهم العدائية حتى وإن استُخدم أحيانًا ذريعةً لتلك الأعمال»[14].

على أن هذه السياسة وإنْ بدت تسامحًا في الظاهر، فإنها لا تعدو أن تكون – عند المراجعة والتحقيق – قلةَ اكتراثٍ للمسألة الدينية أصلاً؛ ربما لأن المجتمع المغولي البدوي درج على اعتناق أديان متعددة، ولم يجمد على ديانة واحدة، فقد عرف المغولُ الشامانية والبوذية، وأقبل بعضُهم على اعتناق المسيحية النسطورية، وكان الأتراك الأويغور يدينون بالمانوية، فضلاً عن أن التجار المسلمين كانوا غادين رائحين في ربوع الإمبراطورية المغولية، على نحو أتاح الفرصة للاحتكاك بالإسلام والتعرف عليه [15].

أما الإسلام فكان استثناءً من تلك السياسة المغولية – المتسامحة في رأي البعض، واللامبالية بالدين في رأيي – إذ اتسم موقفُ المغول من المسلمين بالقسوة والوحشية، لا باعتبار الإسلام دينًا فحسب، ولكن باعتباره أيديولوجيةً منافسةً وتنظيمًا سياسيًا نزَّاعًا إلى الهيمنة يتعين تدميره؛ لتحقيق الحلم المغولي بالسيطرة على العالم، وخاصة أن الإسلام يأبي الخضوع لأي سلطة أخرى، بله أن تكون سلطة وثنية.

ومن المعلوم أن أقاليمَ المشرق الإسلامي (بلاد ما وراء النهر وإيران والعراق والجزيرة الفراتية والأناضول) خضعت لسلطة المغول الوثنية التي عُرِفت بالدولة الإيلخانية، فنشأ عن ذلك تحولاتٌ عميقة على الصعيدين الديني والفكري، يمكن إجمالها في النقاط الآتية:

1. أدت السياسة الوحشية التي انتهجها المغولُ تجاه المسلمين إلى تشويه معالم «الإسلام السُّني/النصي»، وخاصةً في إيران والعراق، وتفكيك بنيته العلمية والمادية؛ بقتل العلماء وتشريدهم، وتدمير المؤسسات التعليمية القائمة على تحديد مضمون الإسلام السُّني وحراسته؛ كالمساجد والمدارس والمكتبات؛ فتعطل النشاطُ العلمي بأكثر مدن المشرق (مثل: بخارى، وسمرقند، والري، ونيسابور، ومرو، وبغداد، والموصل …..إلخ)، وأُفرِغَتْ هذه المدنُ من العلماء والفقهاء والصوفية المعتدلين؛ حيث فروا إلى أقاليم أخرى أوفر أمنًا وأبعد عن خطر التهديد المغولي المباشر (مثل: مصر والشام والأناضول)[16].

2. كان النظامُ القانوني والقضائي الذي تبناه المغول الوثنيون قائمًا على «الياسا»، وهي المدونة القانونية التي سنّها وصاغ أحكامها جنكيز خان [17]. وحتى بعد أن تحول المغولُ إلى الإسلام، ظلت السيادةُ التشريعيةُ للقوانين والشرائع المغولية المستندة إلى الياسا، ومضى وقتٌ طويلٌ قبل أن تتطور هذه الشرائع والقوانين على مستوى الواقع والممارسة، لتقترب بعضَ الاقتراب من التقاليد التشريعية والإدارية المرتكزة على الإسلام [18]، وكانت النتيجةُ أن «تعطلت أحكام الإسلام [النصي] واضطر الناس إلى اتباع أحكام الياسا»[19].

3. لم يقدِّم المغولُ الأوائل (الوثنيون) أي شكل من أشكال الرعاية الدينية لرعاياهم المسلمين؛ فكان هولاكو وثنيًا يظهر شيئًا من العطف على أتباع الديانة البوذية، كما أبدى غير قليل من التسامح تجاه النصارى يبتغي مرضاة زوجه المسيحية دقوز خاتون [20].

وأما آباقا خان ابن هولاكو الذي تولى عرش الإيلخانية خلفًا لأبيه (665- 680هـ) «فتعد مرحلة حكمه هي الأسوأ ثقافيًا للإيرانيين خلال حقبة السيطرة المغولية»[21])، حيث «أمر بأن تبقى الأحكام والقوانين التي وضعها هولاكو نافذة، والفرمانات التي أصدرها في كل شأن، وأن تُصَان من شوائب التغيير والتبديل»[22]. ومن ناحية أخرى، شهدت حركة التبشير بالبوذية نشاطًا واسعًا في إيران، وكان آباقا نفسه يدين بها، ويسعى إلى تعزيز مكانتها في إيران، حتى بلغت ذروة نفوذها أكثر من أي وقت مضى، الأمر الذي مثَّل تهديدًا بالغ الخطر على الإسلام [23].

والواقع أن تحول المغول إلى الإسلام لم يثمر تقاربًا حقيقيًا بينهم وبين عموم السكان المسلمين، فحين آل حكم الدولة الإيلخانية إلى أحمد (تكودار) (680- 683هـ) أظهر شعائر الإسلام [24]، غير أن الوثنية والبوذية كانتا من الانتشار والرسوخ بين صفوف المغول إلى الحد الذي دفعهم إلى التواطؤ على اغتياله سنة 683هـ/ 1284م، وإقامة ابن أخيه الوثني أرغون (683-690هـ) مكانه، فانتهج سياسة عنيفة تجاه المسلمين في مختلف أنحاء الدولة [25].


تمدد الإسلام الشيعي

كان السلطان غازان قد نشأ على اعتقاد البوذية، فلما تولى حكم الدولة الإيلخانية (694- 703هـ/1295-1304م) اعتنق الإسلام وأظهر شعائره، فائتم به عددٌ كبير من المغول [26]، غير أنه ظل متمسكًا بسياسة أسلافه في الفتح والتوسع على حساب جيرانه المسلمين، مع الالتزام بالقانون المغولي (الياسا)[27]. ولئن كان قد اعتنق المذهبَ السُّنيَّ مع إبداء شيء من العطف نحو الشيعة [28]، فإن أخاه أولجايتو خدابنده (703- 717هـ/1304- 1317م) قد انحاز إلى المذهب الشيعي انحيازًا كليًا، ففي سنة 709هـ/1309م «أظهر الرفض [التشيُّع] وسبَّ الصحابة رضوان الله عليهم، وأمر الخطباء بجميع ممالكه بإسقاط اسم الخلفاء الراشدين من الخطبة»([29]) حاشا عليًّا وولديه وآل البيت [30]، وكان كما يذكر ابن كثير «قد أقام سَنَةً على السُّنَّة، ثم تحول عنها إلى الرفض»[31]، ويذكر النويري أنه قرر غزو المدينة المنورة ونقل أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما) من مدفنهما «فعجَّل الله هلاكه»[32].

وكذلك فقد حرص أولجايتو على تقريب علماء الشيعة وإجزال العطاء لهم، وعلى رأسهم جمال الدين بن مُطَهَّرٍ الحِلي (ت 726هـ/1325م) تلميذ نصير الدين الطوسي (ت 672هـ/1273م)[33]. وفي المقابل تعصب ضد أهل السنة وضيَّق عليهم، فكانوا منه بحسب عبارة البرزالي «في غم شديد»[34]، ولا سيما بعد أن تجرأ الشيعة فجهروا بسب أبي بكر وعمر [35]، فعمت الفتنةُ ربوع الدولة الإيلخانية [36].

وفضلاً عن التشيع الإمامي الذي سعى خدابنده إلى إظهار رسومه وشعائره، فقد ظل للتشيع على المذهب الإسماعيلي وجودٌ في إيران رغم سقوط الدولة الإسماعيلية؛ ذلك أن الإسماعيليين كانوا يعيشون في ظل الحكم المغولي متسترين تحت عباءة التصوف، دون أن ينخرطوا رسميًّا في أي من طرقه المنتشرة في إيران آنذاك. وهذه ظاهرة يحوطها غموض كثيف ناشئ من قلة المعلومات التاريخية المتداولة في هذا الصدد؛ بسبب تطرف الإسماعيليين في تطبيق مبدأ التقية.

وكذلك فقد توسع بعض الصوفية في استخدام طرائق التأويل الباطني على النهج الإسماعيلي وتبنوا جملة من الأفكار انتشرت في الأوساط الشيعية الإسماعيلية. وبسبب هذا التلاقح الشيعي/الإسماعيلي/الصوفي غدا من الصعوبة بمكان أن نميز الفكر الإسماعيلي المتدثر بلباس الصوفية من الفكر الصوفي المتأثر بعقائد الشيعة [37].

وبعد انهيار الدولة الإيلخانية (736هـ) كان الجو المفعم بأسباب الفوضى والاضطراب السياسي مناسبًا تمامًا لتمدد المذهب الشيعي وانتشار حركاته، بالتوازي مع انتشار الحركات الصوفية المشربة بعقائد الشيعة والمتأثرة بتعاليمهم؛ مثل الحروفية. وقد وجدت هذه الحركات فسحة من الوقت واستغلت التشرذم السياسي بالمشرق لكي تعيد تنظيم نفسها وتحيي التراث الشيعي الموروث إبان القرنين الثامن والتاسع الهجريين. بل إن تلك الفترة شهدت ظهور بعض الأئمة النزاريين في أنجودان بوسط فارس، وإن ظلوا حريصين على إخفاء هوياتهم [38]. وبمرور الوقت أصبح التشيع هو الشكل القومي لما يمكن أن يسمى بـ «الإسلام الإيراني»، وهو ما تأكد بقيام الدولة الصفوية مطلع القرن العاشر الهجري (907- 1148هـ/ 1502- 1736م)[39].


التصوف الشعبي الهرطقي

في ضوء ما سبق، يمكن القول: إن السياسة الدينية التي اتبعها المغولُ أوجدت في المشرق الإسلامي مناخًا متقبِّلاً لمختلف الميول والنزعات الدينية، الأمر الذي أفسح الطريق أمام نمو حركات الغُلُو الصوفي/الشعبي، وخاصة في إيران، ومنها انتقلت إلى بلاد الأناضول التي لم تنقطع هجرات القبائل التركمانية إلى أراضيها. وكانت هذه القبائل تدين بإسلام فارغ من المضمون (النصي/الفقهي)، متأثر بالأفكار الشامانية التي عززها الوجودُ المغولي [40].

ومن المحقَّق أن اضطراب الأوضاع السياسية والاجتماعية في جُلّ المجتمعات الإسلامية التي احتلها المغولُ، وارتفاع معدلات الفقر بين سكانها، واستيلاء اليأس والقنوط على النفوس والضمائر = أسهم في تعزيز الميول الصوفية التي امتزجت بممارسات غريبة موروثة من تقاليد شعوب آسيا الوسطى، كجماعات القلندرية التي جمعت في صفوفها كثيرًا من المشعبذين وقليلاً من الأتقياء [41]. وقد تزامن انتشار التصوف الشعبي مع ضمور «الإسلام النصي» وتآكل بُنَاه التقليدية، فانحسرت مفاهيم الشريعة، واعتزت الأقوام الرحل (وخاصة التركمان) بتقاليدها ونظم حياتها [42].

وبعبارة أخرى فقد امتدت حركاتُ الغلو الصوفي ممتزجةً بأهواء شيعية واضحة في الفراغ الديني الذي صار إليه المشرقُ الإسلامي بسبب الغزو المغولي. ومن التقاطع بين التصوف والتشيع والغلو ومواريث الثقافات المحلية تكوّن ما سمي «التصوف الشعبي الهرطقي»[43].


[1] إدوارد براون، تاريخ الأدب في إيران، ترجمة: محمد علاء الدين منصور، (القاهرة: المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولى، 2005م)، 3/16- 18.[2] الإسلام في التاريخ، الأفكار والناس والأحداث في الشرق الأوسط، ترجمة: مدحت طه، (القاهرة: المركز القومي للترجمة، الطبعة 2003م)، ص 308، 309، 310.[3] ف. بارتولد، تاريخ الحضارة الإسلامية، ترجمة: حمزة طاهر، (القاهرة: عين للدراسات والبحوث، الطبعة الأولى، 2013م)، ص 88، 89.[4] كلود كاهن، الإسلام منذ نشوئه حتى ظهور السلطنة العثمانية، ترجمة: حسين جواد قبيسي، (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، 2010م)، ص 451.[5] محمد صالح داود القزاز، الحياة السياسية في العراق في عهد السيطرة المغولية، (بغداد: مطبعة القضاء في النجف الأشرف، 1970م)، ص 370.[6] جورج لاين، عصر المغول، ترجمة: تغريد الغضبان، (أبو ظبي: دار كلمة، الطبعة الأولى، 2012م)، ص 252.[7] فؤاد الصياد، المغول في التاريخ، (بيروت: دار النهضة العربية، 1980م)، 1/335.

[8] David Morgan, The Mongols, (Cambridge MA & Oxford UK, 1998), p. 40.

[9] David Morgan, The Mongols, p. 43. John Bowker (editor), The Oxford Dictionary of World Religions, (Oxford University Press, 1997), p. 884.

[10] فؤاد الصياد، المغول في التاريخ 1/335.

[11] David Morgan, The Mongols, p. 43.

[12] فؤاد الصياد، المغول في التاريخ 1/336.[13] جورج لاين، عصر المغول، ص 273.[14] السابق، ص 251.

[15] David Morgan, The Mongols, p. 41.

[16] لمزيد من التفاصيل حول هذه النقطة راجع: شيرين بياني، المغول التركيبة والسياسية، ترجمة: سيف علي، (بيروت: المركز الأكاديمي للأبحاث، 2013م)، ص 92 وما بعدها.

[17] D.O. Morgan, The Great Yasa of Chingiz Khan and Mongol Law in the IlKanate, p.163.

[18] برنارد لويس، الإسلام في التاريخ، ص 316.[19] شيرين بياني، المغول، التركيبة الدينية والسياسية، ص 96.[20] رشيد الدين الهمداني، جامع التواريخ، ترجمة: محمد صادق نشأت، محمد موسى هنداوي، فؤاد الصياد، (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي، بدون تاريخ 2/1/220)، كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة: نبيه أمين فارس، منير البعلبكي، (بيروت: دار العلم للملايين، الطبعة السادسة عشرة، 2005م)، ص 391.[21] شيرين بياني، المغول التركيبة الدينية والسياسية، ص 255.[22] رشيد الدين الهمداني، جامع التواريخ 2/1/11.[23] شيرين بياني، المغول التركيبة الدينية والسياسية، ص 255-258.[24] النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، 27/402 (حقق هذا الجزء: سعيد عاشور، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1985م)، ابن حبيب، تذكرة النبيه في أيام المنصور وأبيه، تحقيق: محمد محمد أمين (القاهرة، دار الكتب، 1976م) 1/72. وكان تكودار أول من تحول إيلخانات المغول إلى الإسلام. وراجع أيضًا:

Reuven Amitai, “The Conversion of Teguder Ilkhan to Islam”, Jerusalem Studies in Arabic and Islam, 2001, pp.15-43.

[25] تذكرة النبيه 1/90، سعيد عبد الفتاح عاشور، العصر المماليكي في مصر والشام، (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة الثالثة، 1994م)، ص 53، 54.[26] ابن الفوطي، مجمع الآداب في معجم الألقاب 5/40، إدوارد براون، تاريخ الأدب في إيران 3/54.[27] جورج لاين، عصر المغول، ص 265.[28] إدوارد براون، تاريخ الأدب في إيران 3/57، 58.[29] ابن أيبك الدواداري، كنز الدرر وجامع الغرر، الجزء التاسع: الدر الفاخر في سيرة الملك الناصر، تحقيق: هانس روبرت رويمر، (القاهرة: المعهد الألماني للآثار، 1960م)، ص206.[30] البرزالي، الوفيات، تحقيق: أبو يحيى عبد الله الكندري، (الكويت: غراس للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2005م)، 74، ابن كثير، البداية والنهاية، تحقيق: مصطفى العدوي، (القاهرة: دار ابن رجب، الطبعة الأولى، 2005م)، 14/31.[31] ابن كثير، البداية والنهاية 14/153.[32] النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، 32/243، (حقق هذا الجزء: فهيم محمد شلتوت، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 1998م).[33] ابن كثير، البداية والنهاية 14/153.[34] البرزالي، الوفيات، ص 390.[35] الصفدي، الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الأرناؤوط، تركي مصطفى، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 2000م)، 3/18، 19.[36] البرزالي، الوفيات، ص 390، ابن كثير، البداية والنهاية 14/154. ولمزيد من التفاصيل حول انتصار أولجايتو للمذهب الشيعي راجع: شيرين بياني، المغول التركيبة الدينية والسياسية، ص 349 وما بعدها.[37] فرهاد دفتري، الإسماعيليون في مجتمعات العصر الوسيط الإسلامية، ترجمة: سيف الدين القصير، (بيروت: دار الساقي، الطبعة الأولى، 2008م)، ص 213. وراجع كذلك: الإسماعيليون: تاريخهم وعقائدهم، ترجمة: سيف الدين القصير، (بيروت: دار الساقي بالاشتراك مع معهد الدراسات الإسماعيلية، الطبعة الأولى، 2012م)، ص711 وما بعدها.[38] فرهاد دفتري، الإسماعيليون في مجتمعات العصر الوسيط ، ص 217، 218.[39] كلود كاهن، تاريخ الإسلام، ص 458. وراجع كذلك: فرهاد دفتري، الإسماعيليون: تاريخهم وعقائدهم، ص 712.[40] كولن تيرنر، التشيع والتحول في العصر الصفوي، ترجمة: حسين علي عبد الساتر، (بغداد: منشورات الجمل، الطبعة الأولى، 2007م)، ص 106، 112، 113.[41] كلود كاهن، تاريخ الإسلام، ص 462.[42] كولن تيرنر، التشيع والتحول، ص 114، بارتولد، تاريخ الحضارة الإسلامية، ص 93.[43] علي إبراهيم درويش، السياسة والدين في مرحلة تأسيس الدولة الصفوية، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، 2013م)، ص 258، 259.