من أبناء إله الحرب مارس إلى عشيقات زيوس، حملت كواكب وأقمار النظام الشمسي في طيات أسمائها قصصًا خرافية وأساطير وآلهة متصارعة لا يضاهيها في المهابة إلا تاريخ نشأتها العنيف. ولأننا كبشر لدينا عادة يصعب التخلص منها في رؤية أنفسنا في مركز الكون، فقد كان لزامًا على هذ الأجسام أن تتلقى أسماء تميزها عن المرجع الأساسي للكلمة، القمر، قمرنا نحن.

قد يكون من الغريب أن يظل النقاش حول التاريخ الطبيعي للقمر مفتوحًا بعد أن حلقت آلاتنا الحديثة بجوار أبعد كواكب النظام الشمسي، وبعد مرور ما يقرب من النصف قرن على يوم أن خطت مهمة أبوللو 11 أولى خطوات البشر على سطحه. لكن الواقع يخبرنا بأن الجدول الزمني لنشأة القمر ما زال قابلاً للنقاش، وبحاجة للمزيد من البحث والاختبارات والحسابات.


هل حقًا ما زال هناك جدل؟

http://gty.im/453453696

للقمر خمس نظريات أساسية تتنافس على تفسير نشأته. ورغم انتصار إحداهما بشكل كبير فيما أصبحت الأخريات تاريخًا للأفكار، لم تستطع النظرية المنتصرة –حتى الآن– أن تفسر كل المشاهدات الناتجة من فحص صخور القمر أو الأبحاث المتعلقة به. ويمكن اختصار النظرية المنتصرة في حدوث صدام رهيب في وقت مبكر من تكوين النظام الشمسي بين جسم يشبه المريخ أطلق عليه «ثيا Theia»، وبين الأرض. يعتقد الباحثون بأن الحطام الناتج من هذا الاشتباك بين الكوكبين هو ما «تكور» ليصبح القمر، الجسم الأكبر بالنسبة لكوكبه في النظام الشمسي، والذي عقد مع الأرض علاقة توازن أدت لاستقرار الأرض مرة أخرى ومن ثم نشوء الحياة بها لاحقًا.

متى حدث الصدام؟، تتلخص المشكلة هنا أن المدى الذي تعطيه الأبحاث المختلفة ظهر بفروق ضخمة. فبينما أعطت بعض التحاليل أدلة على حدوث الصدام بعد 30 مليون عام فقط من تكوين النظام الشمسي، أرجعت أدلة أخرى الأمر لما بعد النظام الشمسي بمائة مليون عام.

ألقى هذا التضارب بظله على عمر القمر نفسه؛ هل يتم حسابه على الفرضية الأولى أم الثانية؟، بين هذا وذاك انقسم العلماء وظل عمر القمر اعتباريًا ما بين 4.3 و 4.4 بليون عام.


علامة عشرية

قامت ميلاني باربوني وفريقها بقيادة ديفيد مكيجان بجامعة كاليفورنيا بإعادة النظر في الصخور القمرية التي أتت بها بعثة أبوللو 14 في محاولة لإخضاعها لطرق أحدث في المعالجة التي ربما أتت بثمارها. ونظرًا لحساسية وقيمة الصخور المذكورة، لم يكن من السهل تطبيق تقنيات تؤدي لتدمير أجزاء من الصخور نهائيًا مثل تقنية مطياف الكتلة Mass spectroscopy، إلا أن المخاطرة أتت بثمارها.

يتعلق البحث الجديد بخام الزركون Zircon المكون من سيليكات عنصر الزركونيوم. فعند معالجة الخام، يصبح بالإمكان قياس نسبة عناصر أخرى تتواجد في بللوراته كشوائب ذات أهمية قصوى لتأريخ عمر الصخرة. استغلت باربوني وفريقها سلاسل الانحلال الإشعاعي فيما يخص زوجين من العناصر في الصخور القمرية.

أولاً، تم قياس كمية اليورانيوم والرصاص الموجودة في الخام. ولأن اليورانيوم عنصر مشع، فإنه ينحل ببطء إلى عنصر آخر وهو الرصاص على مدى ثابت من الزمن، وبالتالي بمعرفة الكمية الموجودة من كل منهما يمكن حساب كم مر من الوقت على اليورانيوم ليعطي هذا الكم من الرصاص. وبنفس الطريقة ينحل اللوتيتيوم إلى هافنيوم، وهو الزوج الثاني من العناصر الذي لجأ إليه الفريق البحثي لتتم مقارنة نتائج الأسلوبين والتوصل لنقطة دقيقة فيما يخص تاريخ الصخرة القمرية.

هنا توصل الفريق إلى أن العمر الذي تشير إليه التقنية يقدر بـ 4.51 بليون سنة؛ أي أقدم بـ 100 مليون سنة من العمر المتعارف عليه في الأوساط الفلكية حتى الآن، الأمر الذي يعد دليلاً قويًا يضاف لمعسكر المدافعين عن السيناريو الأقدم لتكوين القمر.


ما الفارق؟

http://gty.im/90770683

تمثل الأحداث الكبرى؛ تكوين النظام الشمسي، تكوين كوكب الأرض، اصطدام الأرض بالجسم ثيا، تكوين القمر واستقرار الأرض والقمر بعد الحادث، خطًا متصلاً يلزم الانتهاء من توضيحه بدقة قبل أي محاولات للنظر في قضية بداية الحياة على الأرض. ونظرًا لشدة الصدمة التي تلقتها الأرض من ثيا، فإنه من المستحيل أن تكون سلسلة الحياة الحالية قد بدأت قبل الاصطدام الذي كان كفيلاً بالقضاء عليها نهائيًا.

يعد الدليل الجديد الذي يصب في مصلحة نظرية قدم القمر، خبرًا سيئًا لبعض مناهضي نظرة التطور. يأتي هذا بسبب طريقة مغلوطة في الاستنتاج بأن القمر قد تشكل في وقت حديث، واستغراق الارض بعد الاصطدام وقتًا لتستقر. وإذا كان استقرار الارض حديث العهد، لن تجد سيناريوهات نظرية التطور متسعًا من الوقت لتتكشف في أجيال متعاقبة من الكائنات الحية. ويضع الدليل الجديد بقدم عمر القمر عقبة جديدة في وجه مثل هذه الادعاءات.

قد يكون من غير المصدق أن كل الإنجازات التقنية التي توصلنا إليها في عصر الفضاء لم تستطع أن تحدد معلومات أساسية فيما يخص أقرب جيراننا في الفضاء، إلا أن الواقع يجبرنا على التعايش مع عدم حسم الجدل حتى رغم تعاظم الأدلة والنتائج. ففي الفضاء، كلما ازدادت ضخامة الجسم كلما أصابتنا الحيرة من أمره وعجزت الأجهزة عن اصطياد تاريخه بدقة، لكن الأمر دائمًا ما يستحق محاولة أخرى.

المراجع
  1. Early formation of the Moon 4.51 billion years ago