لأن التربية من العلوم الاجتماعية، فهي متعلقة بشكل كبير بما يعتقده ويمارسه المجتمع، وهو نقطة القوة والضعف في آن واحد لمجال واسع مثل التربية، إليك بعض الأمثلة عن الجمل والمعتقدات التي تسود المجتمع وتؤثر بالسلب على التربية السوية.


«سيبه لأمه هي عارفة كل حاجة»

المرأة أم بالفطرة، لكن من قال إن جميع المهام التي يحتاجها الطفل مهام فطرية؟

هل ارتداء عدد دقيق من طبقات الملابس لكل درجة حرارة معينة تتناسب والجسد صغير الحجم سريع الفقد والاكتساب للحرارة أمر فطري أم يحتاج للمعرفة المكتسبة، هل اختيار نوع بامبرز مناسب لا يتسبب في تسلخات جلد الرضيع، أمر فطري، هل نوع كريم الزنك المناسب لمحاربة هذه التسلخات أمر فطري؟

ليست كل الأمور تتعلق بـ«سيبه لأمه هي عارفة هتعمل إيه».

لأن أمه بسبب هذه الأقاويل ستبكي وتكتئب بعد ساعات قليلة من صراخ طفلها – المصاب بالتسلخات جراء نوع البامبرز غير المناسب – لأنها فاشلة لم تحسن التصرف، وعندما تصبح أمه -التي عليها أن تعرف كل شيء- لا تعرف هذا، فالمشكلة فيها حتمًا.

المرأة أم بالفطرة، لكن فطرتها وغريزتها لا تتعدى الخوف ومنح الحماية والتغذية للطفل والحُب، وهذه الرغبة لا تصنع أمًا ناجحة، لو أن الأمور بهذه البساطة ما كانت هناك حالة وفاة واحدة بين صفوف الأطفال بسبب سوء الرعاية.

هذه الأشياء تصنعها المعرفة، لكن من أين تستقي المعرفة؟

الجانب الآخر السلبي من أن المرأة أم بالفطرة، أنهن يفترضن أن تجارب من سبقكِ من السيدات الكبيرات في السن المخلوطة بالعادات والخرافات، هي أهم وأصلح من الكلام العلمي، وهي نصف حقيقة في الواقع، بالتأكيد التجارب مفيدة للغاية لأي أم جديدة، وتمرير الخبرات جيد. لكن ليست بالضرورة كل الخبرات صالحة، خاصة وأن المشاكل النفسية والاجتماعية المترتبة على أخطاء تربوية لا تظهر بشكل واضح لمن لا يعرفها.

المرأة أم بالفطرة، لكنها حتمًا في حاجة للتعلم واكتساب المعرفة لتمنح طفلها الأمومة التي ترغب فيها.


«اربطيه بعيل»

قد تعتقد أن وجود هذه المقولة في عصرنا الحالي مبالغة، لكن الحقيقة أن الكثير من النساء ما زلن يتلقين هذه النصيحة في الوقت الحالي، حيث إن كل حلول المشاكل الزوجية تأتي حين تنجب! لأنها لن تشعر بالملل! لذلك ستقل مشاكلها مع زوجها، ولن ينصرف عنها لأنها أصبحت «أم عياله». حل المشاكل الزوجية يأتي بالتفاهم ومحاولة الوصول لحل وسط، وإذا لم تحل المشاكل فهذا يعني الانفصال، وليس الإنجاب، إنجاب طفل في بيئة غير متفاهمة لن يجعلكما تتفاهمان، بل سيضيف للمعاناة طرفا ثالثا، وربما رابعا إذا لم تقتنعي من المرة الأولى!


«ماحنا اتربينا وكبرنا زي الفل أهوه»

هل فعلًا نحن «زي الفل»؟ مشاكل الثقة التي نعاني منها، الأعمال غير المكتملة، الخوف من المجازفة، المعاناة طويلًا حتى نختار المجال المهني المناسب لنا، المخاوف من العلاقات، بعض المشاكل النفسية التي تختبئ داخلنا، هل فعلًا نحن بخير؟

إذا توفّر لنا العلم كي نمنح الأجيال الجديدة فرصةً أفضل، لتقليل الأخطاء، كي يرتكبوا أخطاءهم الخاصة، وحتى لا يكون حديثهم عنا ينحصر في عيادة نفسية. لماذا لا نتخذ هذه الفرصة!

بدلًا من ارتكاب نفس الأخطاء التي أنشأتنا بهذه المشاكل التي ما زلنا نحاول التخلص منها، والتعامل معها؟


«الأم لازم تضحي»

يتوقع من الأم أن تتنازل عن كل شيء من أجل طفلها، بدءًا بعلاقة سوية مع شريكها رغبةً في بقاء أب للطفل أيًا كان ما يفعله، ومرورًا بترك أحلامها ووظيفتها، وانتهاءً بأمور بسيطة مثل أن تشرب قهوتها في هدوء، أو أن تخرج مع صديقاتها. هل على الأم أن تضحي؟

لا شك وأن المجتمع سينتظر منكِ هذه التضحيات، لكن كوني واثقة أن أمًا تستطيع ممارسة حياتها بطبيعية، وتشتري لنفسها ما تحتاجه وترغب به دون إسراف، وتضمن لنفسها لحظاتها الخاصة، هي أم أفضل لطفلها، وزوجة أفضل، وامرأة أفضل.


«مش قد الخلفة بتخلفوا ليه؟»

قد تبدو الجملة منطقية، لكن اختياراتنا الشخصية قد لا تتحقق بالضرورة، بالتأكيد لم يختر كل الآباء الإنجاب، بعضها كانت وليدة الصدفة، أو ضغوطا خارجية. والمهم هنا ليس حدوث الإنجاب في حد ذاته، ولكن ما يتبعه هو المهم. إذا لم يكن اختياريا، فهذا لا يسقط عني مسؤولية تحمل أعبائه حتى النهاية.


كتب التربية «كلام نظري»

على عكس القائل بتضحية الأم، هناك اتجاه آخر بأن كتب التربية والمتخصصين يتحدثون من برجٍ عاجي حيث النظريات غير قابلة للتطبيق ولا تراعي المصاعب التي يواجهها الآباء باستمرار بين ضغوط العمل وضغوط الحياة وتربية طفل له متطلباته غير المتوقفة. لذلك فـ«طز» فيما تقوله كتب التربية، وسنستمر على ما نفعله، ونعود لجملة «ماحنا زي الفل»، وحيث إننا اتفقنا أننا لسنا «زي الفل»، وأننا بحاجة للاستعانة بالمتخصصين وبالعلم لمساعدتها في التربية، لسبب بسيط هو أن العلم والتجربة أساس لكل ما يمر بنا في الحياة. احتاج من آن لآخر أن أكتسب خبرة جديدة تتعلق بعملي، فإذا كنت ترين من الضروري أن تلتحقي بدراسة تخص عملك، وأن تقتني أحدث الكتب المنشورة كي تطور من آدائك المهني، وأن تسألي مشرفك في التفاصيل التي تسقط منك. فكيف تكون تربية الطفل مختلفة؟

في البداية قد تجدين الأمر صعبًا، لأنه على عكس العلوم الأخرى لا يمكن تطبيق التربية بحذافيرها، علم التربية علم مرن بالتأكيد، قابل للإضافة والتعديل ويخضع بشكل كبير للفروق الفردية، لذلك بعد فترة من القراءة المتنوعة، والاطلاع على التجارب، سيتكون لديك منطق تربوي تستطيعين من خلاله تطبيقه على أطفالك.


كتب التربية لا تقدم لك وصفة جاهزة، لكنها تقدم لك الأسس التي تستطيعين من خلالها معرفة كيف يفكر طفلك بشكل متفّرد، ثم إعطاءه التوجيهات المناسبة لطريقه. وبالرغم من صعوبة الأمر والجهد المبذول فيه، إلا أن هذا الجهد يخف بالتدريج كلما كبر طفلك، على عكس الممارسات الخاطئة والعشوائية والتي تجعل الأمر يزداد صعوبة كلما ازداد عمر الطفل، وقد تصل به لنهاية مسدودة فيما بعد المراهقة.