محتوى مترجم
المصدر
Jacobin
التاريخ
2019/02/06
الكاتب
ميغان داي

اشتهرت المافيا بتجارة الحماية، ويتم الأمر عادة بذهاب رجل عصابات إلى أحد السكان الآمنين أو صاحب متجر ما، والشروع في حديث هادئ مُبطن برسائل تهديد خفية بالتعرض للعنف من مصدر قريب، ثم يأتي دور العرض: السلام والأمن مقابل مبلغ من المال. وهكذا فإن الناس يذهبون إلى أعمالهم كالمعتاد، ثم يظهر كيان قوي ويدس أنفه في شئونهم، يخلق مشكلة ثم يبيعهم الحل. والنتيجة أن حياة الناس العاديين تتحول إلى جحيم، بينما يجني رجال العصابات مالًا سهلًا.


أتدرون من يفعل ذلك أيضًا؟ الرأسماليون

هاكم مثالاً: بدأت شركة «بورديو» للأدوية إنتاج عقار أطلقت عليه اسم «أوكسيكونتين» عام 1996، زاعمة أنه لا يسبب الإدمان، ولسنوات كانت الشركة تعرف جيدًا أنها أكذوبة، لكنها تسترت عليها بينما كانت تندفع في إنتاج العقار لتلبية طلب متزايد عليه باستمرار.

وبعدما أدمن ملايين الأشخاص الأوكسيكونتين، ومضى كثيرون منهم لإدمان الهيروين ذاته، اقتنصت الشركة فرصة سانحة، وبدأ الحديث يدور في مجلس الإدارة عن التوسع ودخول سوق الأدوية المُعالِجة للإدمان. ووفقًا لمنظمة «بروبابليكا» الصحفية الاستقصائية، «ناقش مسئولو شركة بورديو كيف يمكن لمندوبي مبيعاتها ترويج عقار (ناركان) لعلاج إدمان الجرعات الزائدة، لدى نفس الأطباء الذين وصفوا لمرضاهم الأوكسيكونتين المُسبِب للإدمان».


أقحم نفسك واخلق مشكلة وبع الحل، ثم أودع المال في المصرف

لم تكن «بورديو» بحاجة سوى إلى خطوات بسيطة لدخول عالم الأدوية المُعالِجة للألم والإدمان، اقترحها المليارديرات مُلّاك الشركة من عائلة «ساكلر» في مبادرة سرية أطلقوا عليها اسم «مشروع تانجو».

لكن الشبهات حامت حول الشركة وأصبحت موضوع تحقيق حكومي، وربما خشيت الشركة انتكاس خطتها لجني الأموال عبر بيع الأدوية المسببة للإدمان ثم بيع الأدوية المعالجة للإدمان. ورفعت ولاية ماساشوستس دعوى قضائية، اتهمت الشركة فيها بتعمد ترويج عقار مسبب للإدمان لدى ملايين الأشخاص. لقد كان ما فكر فيه مسئولو «بورديو» شرًا مستطيرًا.

تتحوط الشركات التي تقترف مثل هذه الأفعال بإطفاء أجهزة الإنذار لدى الناس، لكن الرأسماليين يمارسون عملية ابتزاز متقنة ومموهة طوال الوقت. هناك علاج في السوق لكل طريقة تستطيع بها الشركات استغفال الناس، وكلما كنت مغفلًا أكثر اضطررت لدفع المزيد من المال لشراء هذا العلاج، إلى أن تصل إلى نقطة لا يمكنك تحمل المزيد بعدها.

لنقل مثلًا إنك تعيش في مدينة مساكنها باهظة الإيجار ووظائفها زهيدة الأجور، في هذا السيناريو يتواطأ صاحب عملك وصاحب منزلك وأصحاب المصالح العقارية للتربح منك، رغم أن أحدهم لا يعرف الآخر، ولا فرصة لديهم للقاء والتشاور حول كيفية إخراج المال من جيبك كما يفعل أعضاء مجلس إدارة شركة «بورديو».

كل ما تقدر أنت عليه بالكاد هو التذمر والجز على أسنانك حينما تقع مصيبة على رأسك؛ فلربما تتعرض للإصابة وتذهب إلى المشفى، وبالرغم من أنك تتمتع بتأمين ما، فأنت الآن مُثقل بفاتورة غير متوقعة؛ فبدون تبادل كلمة واحدة انضمت شركة تأمينك الصحي إلى صاحب عملك وصاحب مسكنك والمطورين العقاريين في مدينتك، في مؤامرة كبرى لفرض صفقة مُجحِفة عليك يجنون منها ما استطاعوا من مالك.


إليك كيف يتم الأمر!

أنت الآن لا تستطيع دفع إيجار المسكن هذا الشهر، من ثم تبحث عمن يقرضك قرضًا قصير الأجل، لكن الوحيدين الذين يمكنهم إقراضك هم أصلًا دائنوك ولهم مستحقات في ذمتك. إن تجارتهم بأكملها تعتمد على استغلال أمثالك ممن هم بحاجة ماسة، وهم يرفعون فائدة القرض بقسوة يمكن أن تدمرك إذا ما عجزت عن تسديد ديونك في موعدها.

لكن لا مجال لديك للتفكير في ذلك الآن، ولا خيار آخر أمامك إذا ما أردت تفادي التعرض للطرد من مسكنك، لذا تذهب وتقترض قرضًا لتسديد إيجار المنزل، وتتخلص مؤقتًا من مشكلة قائمة.

هنا تبدأ دورة الهلع من جديد؛ فأنت تريد تسديد القرض قبل أن تسوء الأمور، لذا فقد تلتحق بوظيفة أخرى تعمل بها خلال المناوبة الليلية مقابل أجر زهيد. أنت الآن تجد وقتًا للنوم بالكاد، وقد انضمت شركة أخرى بكاملها إلى صاحب عملك الأصلي، وصاحب مسكنك، والمطورين العقاريين في مدينتك، وشركات التأمين، ومؤسسات الإقراض، في مؤامرة لحلب آخر مليم في جيبك وآخر ساعة عمل من وقتك.

إن الطبقة الرأسمالية تتحرش بالطبقة العاملة وتطالبها باقتطاع المال من لحمها الحي كي تجنب نفسها مزيدًا من التحرش، لكن الحقيقة أن التحرش لا ينتهي أبدًا، ولا يختلف ذلك عن ابتزاز المافيا، باستثناء أن رجال العصابات هذه المرة لا يمارسون عملهم بطريقة مشروعة فحسب، بل إن لديهم مقاعد في الحكومة، ويهرول السياسيون علانية لاسترضائهم، ويُطلّون عليك يوميًا للإلحاح في إقناعك بأن مصالح جلاديك هي مصالحك أنت.

إن العبرة الكامنة في قضية «بورديو»، التي هي قضية مليارديرات يجتمعون حول الطاولة لمناقشة كيف يلقون الناس في البحر ثم يبيعونهم أطواق النجاة، لهي عبرة قاسية ومروعة، بيد أنها مجرد موعظة مكثفة حول ما تفعله الطبقة الرأسمالية مع الطبقة العاملة طوال الوقت.

ربما تقع «بورديو» تحت طائلة العقاب، لكن دعوى قضائية واحدة لا يمكنها أن تعاقب نخب المجتمع بأكملها، فهذا يقتضي تحولًا اقتصاديًا جذريًا، وفي نهاية المطاف فإن الاشتراكية وحدها هي القادرة على محاصرة رجال العصابات.