محتوى مترجم
المصدر
The Gaurdian
التاريخ
2012/02/07
الكاتب
Lesley Chamberlain

أذاع فريدريك نيتشه «موت الإله» بشاعريةِِ في كتابِه «هكذا تكلم زارادشت» (1884)، ويعود إليه في «عدو المسيح» (1888) كقولِِ فلسفيِِّ مأثور. بـ «فلسفيِِّ» أعني أنه لم يكن هجومًا إلحاديًّا على الإيمان والمؤمنين بالنوع الذي قد اعتدناه في وقتنا الحالي، أو لم يكن فقط هكذا. لقد كان هجومًا على الترابط المحكم بين المنطق واللاهوت، والذي بدأ مع أفلاطون، مارًّا بالتعاليم المسيحيَّة حتى رينيه ديكارت في القرن السابع عشْر.

في كتاب ديكارت «تأملات في الفلسفةِ الأُولى»، على الشخص التشكيك في أيِّ حقيقة متاحة له في العالم ما لم يستطِع إثباتها بعقلانية. أحكم ديكارت منهجهُ بستّة براهين للإله تؤكد نفوذ المنطقِ للحقيقة، لكن أنداده رأوا أن وجود الإله من عدمه لا علاقة له بالمنهج العلمي الحديث.

غير أنه أثناء ثورة ديكارت العلمية والتنوير -والتي ترسِّخ بعقلانية كالقوة الدافعة للثقافة العامة- استُثني الإله من الصورة في فرنسا (وبأفكار دايفيد هيوم في بريطانيا كذلك). في ألمانيا، بزغ نوع ابتكاري من الفلسفة في نهاية القرن الثامن عشر ترأس فيه الإله تفسيراتِِ ممنهجة للإنسان والطبيعة ومعنى الحياة. تصور مختلف للإله جعل المناهج العظيمة ل«هيجل وشيلينغ» -مسمَّاة معًا بالمثالية الألمانية- ممكنة!

«نيتشه»، كفيلسوفِِ ينتمي لمنتصف القرن التاسع عشر، أعلن للمرة الأولى موت الإله في إطار هذه المثالية. لربما كان يعلن في وقتِ واحد موت المنطق كذلك. نعم، لقد فعل هذا بالضبط. لأن المنطق -في المفهوم المثالي- لم يكن مجرد قدرة عقلية لإثبات حقيقة فرضيات بالتجربة، طبقًا لهيجل فهو قوة غيبية في الخارج، تحرِّك العالم نحو التقدم. تمرد نيتشه كان طريقته لقول أنه لا توجد قوى ميتافيزيقية هائلة تتحكم في الحياة البشرية، أو أنها خلقَت بنيةً للمعنى، فكل شخص يواجه السخف الممكن لوجوده وحده. لكن من غير المحتمل أن يكون هذا هو المعنى الوحيد لجملته «موت الإله».

نشأ نيتشه في بيئةٍ لوثرية موحشة، وقد كان ضد هذا الضغط الاستبدادي للعِظَة المسيحية على كيانه الحسي.

كان نيتشه كاتبًا ألمانيًا بقدر ما كان فيلسوفًا. والده، الذي مات وهو في الرابعة من عمره، كان قسيسًا بروتستانيًا، ونشأ نيتشه في بيئةٍ لوثرية موحشة. لقد كان ضد هذا الضغط الاستبدادي للعِظَة المسيحية على كيانه الحسي. هذا التمرد أكثر ما أشعله كان المرض المزمن، والذي فيما بعد حد من فرص حياته الجنسية.

إلى هذا التمرد الشخصي، لا بد من إضافة سخط نيتشاوي على ألمانيا الموحدة حديثًا تحت حكم «بِسمارك»، والذي كان يواصل صراعًا ثقافيًا رسميًا kulturkampf لتوحيد الثقافة الألمانية كثقافة بروتستانتية وقومية. احتقر نيتشه الكنيسة كمؤسسة، سياسيًا وثقافيًا كان مفكرًا حرًّا أوروبيًّا سابقًا لأوانه.

إذًا، «الإله ميِّت»: أنتم، رجال السلطة، لا يمكنكم أن تجدِّفوا على الإله لدعم مؤسساتكم.. هذه هي الرسالة السياسية.

إذًا، «الإله ميِّت»: تعني أن «العقل» (هكذا بين قوسين)، أي القوة الموجودة في الخارج، والتي جعلت فلسفة أفلاطون في التشابك بين المنطق واللاهوت ممكنة في الاتجاه السائد في المسيحية والفلسفة الغربية – ليس من الممكن استخدامه لتفسير طبيعة الإنسان. لكن ذلك يعني أيضًا موت الإنسان. في الحقيقة، إن الاستنتاج الأكثر جديَّة لمعنى موت الإله عند نيتشه هو موت الإنسان، أو البشرية ككيان واحد، يمتاز بالقدرة العقلانية، ومنتظم في رؤية التقدم «العقلاني».

إذًا، «الإله ميِّت»، لكن ذلك، يعني لنيتشه، ضمنيا، أنّ الجسدَ حرٌ. وكتاب «العلم المرح» (1886)، هو المكان الذي يمكنك البحث فيه عن إجابة بأسلوبِِ نيتشاوي. ها هي مَسحة من المقدمة الثانية التي كتبها نيتشه له:

«التنكُّر اللاشعوري للضرورات الفسيولوجية تحت عباءات الموضوعي والمثالي والمعنوي تمامًا، يصل لأبعاد مخيفة، على المدى البعيد؛ وغالبًا ما سألت نفسي إذا ما كانت الفلسفة تأويلا للجسد فقط، أو أنها سوء فهم للجسد أيضًا!».

الكتاب الثالث به أقوال مأثورة مثل: «إن الصلاة اختُرعت لهؤلاء الذين ليس لديهم أفكار خاصة بهم، وهؤلاء الذين لا يعرفون أيَّ ارتقاء للروح..». وأيضًا: «إصرار المسيحية على اعتبار العالم مكانا قبيحًا وسيئًا، قد جعل من العالم مكانًا قبيحًا وسيئًا». موت الإله الآن يتحرك صوب فكرة أن كل إنسان عليه أن يعيد اكتشاف نفسه كذوَّاقٍ لنشوة الحياة، والتي قمعتها المسيحية.

السياق الذي أتت فيه صيغة إعادة اكتشاف الذات هذه من قبل نيتشه كان «المادية»، هذا لا يعني أن نيتشه كان «ماديا»، لكنه يعني أنه لم يكن «عدميا».

إذًا، «الإله ميِّت»: فظاعة البشر قتلته، هذا هو موضوع وأغلب خيال كتاب زارادشت. هذا يجعل الرسالة مبكية أيضًا.

وعلى عكس هذا، انفجار المرح، في كتابه العلم المرح، يجهِّز البشرية للمهمة الشبه مستحيلة، لإعادة اكتشاف الذات بالكامل في سبيل العيش بحق هنا، في هذا العالم.

السياق الذي أتت فيه صيغة إعادة اكتشاف الذات هذه من قبل نيتشه كان «المادية»، والتي كانت في الاصطلاح الفلسفي نقيضًا لمثالية

«هيجل وشيلينغ»، أعلنها فيورباخ في منتصف القرن الثامن عشر، وهذا كما هو متعارف عليه كان بمثابة نقطة الانطلاق لفلسفة ماركس.

هذا ليس لادعاء كون نيتشه ماركسيًا، بل هو بعيد كل البعد عن هذا. لكن ذلك يعني أن تفكيره على الأقل لم يصل إلى أن يكون «عدميًا». لقد حمل نيتشه قُدُمًا، الروح الأكثر راديكالية للزمن الذي ولد فيه، والذي عاش فيه حياته على طريقته الخاصة: ككاتب ألماني، كمناهض للمثالية، وكعدو للمسيح. عنوان كتابهِ Der AntiChrist بالألمانية يعني «عدو المسيحية» كما تعني تمامًا «عدو المسيح».

الراوي الآخر الذي كان قد أخبر العالم الغربي بموت الإله في منتصف القرن التاسع عشر كان بالطبع داروين. نيتشه لم يكن جزءًا من ما بعد الداروينية، لكنّ ما كان لديه ليقوله غذَّى الهياج الثقافي لما بعد الإله في القرن العشرين.

الأكثر أهمية، حينما نحسبه في إطار الملحدين اليوم، هو أن نتذكر أنه لم يُعلِ المنطق إلى إله أيضًا، وأن انخراطه في الأسلوب الروحاني، الذي كان يحاول أن يغادره، كان شديدًا.