محتوى مترجم
المصدر
the conversation
التاريخ
2018/08/09
الكاتب
حسام بن الأزرق

أثارت الأزمة الدبلوماسية المفاجئة والصاعقة بين كندا والمملكة العربية السعودية تساؤلات حول مستويات العلاقات الاقتصادية المتبادلة، وهي صفقة بيع أسلحة بقيمة 12 مليار دولار، وقعتها الدولتان في العام 2014، ومصير الآلاف من الطلاب السعوديين الذين يواصلون تعليمهم العالي في الجامعات الكندية.اشتعل هذا الخلاف عندما أمرت الحكومة السعودية بطرد سفير كندا من المملكة وأعلنت عن وقف «جميع المعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة مع كندا». جاء ذلك ردًا على تغريدات وزيرة الشؤون الخارجية الكندية، كريستينا فريلاند، على حسابها على موقع تويتر التابع لوزارة الخارجية، والذي ينتقد توقيف الناشطة الحقوقية سمر بدوي.

انزعجت جدًا لمعرفة خبر سجن سمر بدوي أخت رائف بدوي
في المملكة العربية السعودية. وتؤازر كندا عائلة بدوي في هذه الأوقات العصيبة، وما زلنا ندعو بقوة إلى إطلاق سراح كل من رائف وسمر بدوي.

لكن قبل الخوض في تداعيات هذه الأزمة، نحتاج إلى تقييم شامل للعلاقات الكندية السعودية.


تجارة كبيرة

رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو

وفقًا لصحيفة وقائع منشورة على موقع الحكومة الكندية، فإن المملكة العربية السعودية هي أكبر شريك تجاري لكندا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تراوحت القيمة الإجمالية للتجارة بين البلدين بين 3 و 4 مليار دولار كندي بين عامي 2011 و 2017، حيث بلغت الصادرات الكندية نحو مليار دولار والواردات من 2 إلى 3 مليار دولار.على الرغم من ضآلة هذه الأرقام، إلا أنها لا تقارن بتجارة كندا المتبادلة مع الولايات المتحدة، والتي بلغت 673.9 مليار دولار في عام 2017. ومع ذلك، قد يؤدي تحرك الرياض لتجميد كل الأعمال التجارية مع أوتاوا لحرمان كندا من فرص هائلة للتعاون والاستثمار في المملكة العربية السعودية.مع رؤية 2030 الجديدة التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أصبحت المملكة أكثر انفتاحًا على الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث تُنوع مشاريعها للبنية التحتية وتخطط للتحول إلى اقتصاد أخضر أقل اعتمادًا على الوقود الحفري. كل هذه القطاعات تقدم فرصًا تجارية للصناعات الكندية، لكن أوتاوا في طريقها إلى فقدانها.توجد أيضًا صفقة بقيمة 15 مليار دولار لبيع مركبات خفيفة مدرعة (LAVs) إلى المملكة العربية السعودية التي أصبحت الآن في خطر. يمكن أن تشكل الصفقة – إذا أُلغيت – ضربة لصناعة الدفاع الكندية، التي توظف 65 ألف عامل، وتساهم بـ 6 مليارات دولار سنويًا في الناتج المحلي الإجمالي لكندا.يجادل ديفيد بيري(1) بأن «مبيعات الأسلحة الأجنبية تسمح للشركات الكندية بالاحتفاظ بتشغيل المصانع، وتوظيف القوى العاملة، وتدعم سلاسل التوريد وتهندس أبحاثًا دسمة وتطور التكنولوجيا الجديدة. ستحتفظ الصفقة السعودية بالآلاف من عمال ومهندسي النقابات العمالية في مصنع GDLS-C في لندن، في أونتاريو، الذين عملوا لديها لسنوات».التبادل التعليمي ومساهمته الملحوظة في الاقتصاد الكندي، هو مجال آخر من مجالات التعاون لا يمكن تجاهله. حصل ما يقرب من 7000 طالب سعودي على المنح الدراسية الحكومية التي تدرس في كندا. تكشف الإحصائيات الصادرة عن المكتب الكندي للتعليم الدولي أن الطلاب من المملكة العربية السعودية يشكلون 2% من 494،525 طالبًا من كندا في عام 2017.لسوء الحظ، لا يزال مصير هؤلاء الآلاف من الطلاب غير محدد حيث قررت المملكة سحبهم ونقلهم إلى بلدان أخرى ردًا على انتقادات كندا لسجلها في مجال حقوق الإنسان، مما سيكون له تأثير سلبي على ترتيبهم الأكاديمي ودراساتهم.

لماذا الخلاف؟

قامت كندا بـ الرفع من شأن حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة وحقوق الأقليات الدينية، وهي أولوية عليا في سياستها الخارجية ومبادراتها الدبلوماسية.لذلك من المناسب أن تطلب من السعودية إطلاق سراح السجناء السياسيين والالتزام بمعايير حقوق الإنسان. وكما تم توثيقه على نطاق واسع، فإن وضع حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية سيئ للغاية، واتُهمت المملكة بارتكاب جرائم حرب في اليمن. لكن وقعت أوتاوا في فخ «المعايير المزدوجة» عند التعامل مع قضية حقوق الإنسان. فعندما ترتبط انتهاكات حقوق الإنسان بالصراع الإسرائيلي/الفلسطيني، تغض كندا الطرف عن إدانة عمليات القتل والسجن التي ترتكب ضد الأطفال والشباب الفلسطينيين، ومصادرة الأراضي الفلسطينية وإقامة مستوطنات غير قانونية. اقرأ أيضًا: 7 قصص ترسم لك الوجه «القبيح» لجاستن ترودو تظهر أوتاوا باتباع نهج ثابت ومنصف؛ إما إدانة لكل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية، أو غض الطرف عن كليهما.

رد الفعل السعودي

جاستن ترودو
كتب
سلطان بركات(2) أن رد الفعل السعودي تجاه انتقادات كندا صورها كـ «متهورة ومندفعة وعدوانية». وبالمثل يشبهه لويد أكسوورثي(3) نوبة دونالد ترامب من استياء تميز بالترهيب واستعراض القوة.على الرغم من الاتفاق بالإجماع بين المعلقين السياسيين والمحللين على أن رد الفعل السعودي مبالغ فيه، يمكن للقيادة السعودية استغلال هذه الأزمة للحصول على الدعم المحلي وإحباط كل محاولات انتقاد حملة القمع الوحشية للمملكة ضد المعارضين السياسيين. غالبًا ما تهدف العلاقات الخارجية والسياسة الخارجية إلى تعزيز المصالح الوطنية. إذن ما الذي يريد صناع السياسة الخارجية الكنديون تحقيقه من خلال ملاحقة السعودية علنًا؟إذا كان الهدف هو التخفيف من ظروف سمر بدوي وشقيقها رائف المسجون، للتأثير على الاتجاه الأوسع للقيادة السعودية أو حشد دول أخرى متشابهة التفكير للتحدث ضد انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، فإن النتائج كانت كارثية.كان بوسع صناع السياسة الخارجية الكنديين تبني نهجًا أكثر مهنية لمعالجة قضايا حقوق الإنسان في المملكة مع الحفاظ على روابط إستراتيجية واقتصادية قوية. بعبارة أخرى، يتعلق الأمر بإيجاد طريقة لمعايرة ما يسميه توماس جونو، الأستاذ بجامعة أوتاوا، تكاليف الخلافات التكتيكية وفوائد المواءمة الإستراتيجية. إن علاقة كندا بالمملكة العربية السعودية مفيدة في الواقع على عدة جبهات. ما من شك في أن العلاقة كانت صعبة في بعض الأحيان، لكن البديل سيكون ضارًا للغاية لكندا إذا كثفت المملكة العربية السعودية إجراءاتها العدوانية ضدنا.
(1) كبير المحللين وزميل في المعهد الكندي للشؤون العالمية.(2) مدير مركز دراسات النزاعات والإنسانية في معهد الدوحة.(3) وزير الشؤون الخارجية الكندي السابق.