تداولت الصحافة الألمانية مؤخرًا عدة تقارير عن «خطة سرية» أعدها حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم لمعالجة أزمة المهاجرين في البلاد، وهي التي كان لها أثر شديد السوء على شعبيته، وذلك باستنساخ تجربة أستراليا بترحيل طالبي اللجوء إلى أماكن خارج الحدود حتى يتم البتّ في طلباتهم، وترحيل المرفوضين.

إلا أن المفاجئ في الخطة هو اختيار مكان المعسكرات التي ستستقبلهم، حيث قال أحد قيادات الحزب أن الاختيار وقع على «مصر» التي لطالما علق نظامها مشاكله الاقتصادية على زيادة الكثافة السكانية!


متى بدأت المباحثات؟

كانت القاهرة قد استقبلت وفدًا ألمانيًا رفيع المستوى ليلة الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ضم كلًا من مستشار الأمن القومي ومحافظ البنك المركزي، أشارت مواقع مصرية إلى أن تلك الزيارة تهدف إلى دعم علاقات التعاون بين البلدين في مجالات الهجرة غير الشرعية وعملية السلام ومواجهة التنظيمات الإرهابية.

تبع ذلك تصريح للسفير الألماني في القاهرة خلال مؤتمر صحفي بعد يومين من وصول الوفد برغبة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في زيارة مصر، إلا أن صحيفة التايمز البريطانية كشفت بعد ذلك عن تفاصيل سرية لزيارة الوفد الذي قالت إنه ضم كلًا من كريستوف هوجين، مستشار السياسية الخارجية لميركل، وجان هيكر، منسق شئون اللجوء، حيث نقلت عن مصادر دبلوماسية ألمانية أن الوفد قد ناقش مع المسؤولين المصريين خطة لإعادة المهاجرين غير الشرعيين أو الذين تم رفض طلباتهم للجوء.

كذلك ناقش الوفد في مصر إحباط عمليات التهريب عبر القوارب وإعادة المهاجرين ممن يحاولون عبور البحر المتوسط للوصول إلى أوروبا إلى مصر، في مقابل تنازلات تجارية ومساعدات مالية وتعاون مع أوروبا، كما أوضحت أن المسؤولين المصريين طلبوا، إضافة لذلك، مساعدة ألمانيا والاتحاد الأوروبي في مفاوضات القاهرة مع صندوق النقد الدولي للتوصل إلى شروط أفضل بشأن قرض الصندوق لمصر.


الخطة مُعدة مُسبقًا

وقد جاءت التفاصيل التي كشفتها الصحيفة متوافقة مع ما صرحت به المستشارة الألمانية في كلمة ألقتها في مجلس النواب في برلمان بلادها في السابع من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، حيث أشارت إلى نيتها لتغيير سياساتها بشأن المهاجرين قائلة: «وراءنا عام مليء بالقرارات لخفض أعداد المهاجرين»، موضحة أن حكومتها أقرت قانون الاندماج وسرعة ترحيل المهاجرين الذين تُرفض طلباتهم للجوء؛ مُشيرة إلى نجاح اتفاق الاتحاد الأوروبي مع تركيا بشأن ترحيل البعض إليها ومؤكدة أن هذا الاتفاق «هو نموذج لاتفاقات أخرى مماثلة يُجرى عقدها مع عدة دول، حددت منها بالاسم: مصر»، وفق ما نقلته وكالة رويترز للأنباء.

البرلمان المصري آخر من يعلم وآخر من يقرر

تصريح ميركل الذي كان يشي بوجود مفاوضات تجري بالفعل بين حكومتها ومسؤولين مصريين لم يكن مفاجئًا للمواطنين العاديين فحسب، وإنما أيضًا لنواب البرلمان المصري الذين أبدى بعضهم شديد الاعتراض على الخطة، كما جاء على لسان النائبة داليا يوسف، عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان، التي وصفت المقترح بغير المنطقي، في تصريح لـ موقع برلماني.

علاوة على ذلك، انتقد محمد العرابي، عضو اللجنة، المقترح، موضحًا أن علاج مشكلة اللاجئين لا يتم بهذه الطريقة، وإنما من خلال علاج السبب الرئيسي لتفاقمها وهو الإرهاب وعدم الاستقرار في بعض بلاد المنطقة. بينما تخوفت النائبة مارجريت عازر، عضو لجنة حقوق الإنسان، من الخطة، خشية أن يكون من بين المرحلين أفراد من تنظيمات إرهابية، متوقعة رفض مصر للخطة خوفًا على الأمن القومي، إلا أنه وفق ما جرى من أحداث داخل المجلس، فإن الأعضاء ليسوا فقط آخر من يعلم؛ وإنما أيضًا آخر من يقرر.

الرد الرسمي المصري

وبالرغم من مرور قرابة شهرين على تصريح ميركل، خرج الرد الرسمي المصري على الخطة بعد تقرير صحيفة التايمز، والذي تباين بين انكار ورفض تام للصفقة برمتها نقلته صحيفة الرأي الكويتية عن مصدر ديبلوماسي مصري لم تذكر اسمه قال: «إن هذا الأمر عار تماما من الصحة»، ومُضيفاً بأن زيارة الوفد الألماني لم تتطرق إلى هذا الملف، إلا أن رد الدبلوماسي المجهول اختلف شكلاً وموضوعاً عن رد المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، ل موقع اليوم السابع، والذي لم ينفي الصفقة واكتفى بالإشارة إلى أن مباحثات الطرفين لم يتم خلالها التوصل لأية قرارات.

ألمانيا تُقرر

ورغم الردود المصرية المتباينة، خرج توماس ستروبول، وزير داخلية ولاية بادن-فورتمبيرغ الألمانية، والقيادي بالحزب الحاكم، مُعلنًا عن الخطة بالتفصيل في مقال له نشرته إحدى الصحف الألمانية، ونقلته عنها صحيفة صنداي اكسبريس البريطانية، وقال فيه صراحة إن الظروف مهيأة للاتفاق مع القاهرة بشأن ترحيل نصف مليون لاجئ إليها، وذلك عبر اعتراض قوارب الهجرة غير الشرعية في البحر المتوسط ومن ثم إعادة من هم على متنها إلى معسكرات توطين في مصر، بالإضافة إلى أولئك الذين لم يتم قبول طلباتهم للجوء في ألمانيا، على غرار الاتفاق الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع تركيا.

يعزز توقيت نشر هذا المقال من قدر الثقة في دقته، حيث جاء بعد عدة أيام من زيارة وفد برلماني مصري إلى برلين، يضم رئيس لجنة العلاقات الخارجية ووكيليها، إلا أن الوزير الألماني لم يتطرق إلى ماهية «الظروف المواتية» التي جعلته يتأكد من موافقة القاهرة على هذا الاتفاق ودفعته للإعلان صراحة عن عزمه عرض هذا المقترح على مؤتمر لوزراء داخلية ولايات ألمانيا، وعلى مجلس الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم، عبر ورقة بعنوان: «من يفقد حقه في الإقامة.. يجب أن يرحل».


مصر..كل حاجة وعكسها

ولعل أغرب ما في تلك الصفقة أنها تأتي في ظل رؤية الحكومة المصرية للزيادة السكانية باعتبارها الخطر الأكبر على البلاد، وهو ما أكده المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي قائلا: «إن زيادة السكان هي سبب مشاكل مصر»، وهي المشكلة التي حمّلها مسؤولية عدم شعور المواطنين بالتحسن الاقتصادي بعد توليه الرئاسة، محذرًا الشعب من خطورتها قائلا: «الزيادة السكانية بتاعتنا دى مش هينفع نمشى بيها كده».

وبالرغم من تصريحات السيسي السابقة، لا يمكن استبعاد موافقته على الصفقة وزيادة السكان بنحو نصف مليون من أولئك الذين تُريد ألمانيا إبعادهم عن أراضيها لما تراه من خطورة بقائهم فيها على أمنها القومي، كما أنه ليس من الصعب توقع الظروف المواتية التي أشار إليها الوزير الألماني لعقد الصفقة، كتلك التي أشارت إليها صحيفة The Australian من سعي مصر للحصول على منح ومساعدات مالية وامتيازات تجارية بالمقابل.

يبدو أن هذا هو الأسلوب المتبع من النظام المصري الحالي الذي أقدم على العديد من القرارات الخطيرة مُقابل منح ومساعدات مالية وعينية مماثلة، بداية من إرسال قوات مصرية لليمن ضمن التحالف الخليجي، وحتى التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للملكة العربية السعودية، وهي الاستراتيجية التي أعلن عنها السيسي في إحدى الندوات التثقيفية خلال توليه منصب وزير الدفاع قائلا: «هاتدفع، هاوريك اللي عمرك ما شفته».