في كلمته أمام المؤتمر الوطني للشباب تم توجيه سؤال للسيسي عن تصرفه حال خسارته للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما أجاب عليه إجابة متسقة تماماً مع ما عهدناه عليه من كلام مفعم بالديمقراطية والحرية والتنزه عن حب السلطة وتمني الخير لمصر على أي يد تتولى الحكم، حالفاً بالله العظيم ثلاثاً:

لو المصريين ما عايزني ما هقعد ثانية

وهو بالطبع كذلك ما قابله ويُقابله إجراءات لا تمت لكلامه بصلة عهدناها عليه منذ اليوم الأول له في الحكم ومن قبله أيضاً، إلا أن رد الفعل على كلامه من المؤيدين والمعارضين يستحق الوقوف أمامه والتأمل فيه.

في البداية صار لا يخفى على أحد كيف يتم تنظيم مؤتمرات السيسي، بداية من عسكرة المدينة التي ينعقد فيها المؤتمر بالآلاف من العساكر والقناصة وقوات التأمين وغيرها –أحد شباب الإسماعيلية قال لي إن المدينة تم تطويقها وإغلاق كثير من الطرق والمعدية ونثر أفراد قناصة فوق أسطح المنازل وغيرها- مروراً بشبابه الذين يحضرون والذين يتم اختيارهم بعناية فائقة من الأمن وبالطبع كثير منهم من الوجوه المحفوظة التي تتقاتل على فتات الموائد والمناصب والمكافآت، وحتى تلك الأسئلة التي يتم توجيهها إليه، والتي يتم تحضيرها جيداً قبل المؤتمر حتى يستطيع سيادته الإجابة عنها.

وبغض النظر عن الكلام الكثير الذي يمكن كتابته حول رغبة السيسي في السلطة والتي لا تُخطئها عين منذ اللحظة الأولى حينما كان يتم توزيع الكلام بالنص على المذيعين كافة حول أنه لا مرشح سواه وأن الدولة قد عقمت عن رئيس غيره مروراً بالإجراءات القمعية والمستبدة والوحشية لتهيئة الأجواء لسيادته وأذكر جيداً أنني رأيت كرنفالات أمام أقسام شرطة توزع صوره وصورة مهولة له داخل أكاديمية ناصر العسكرية أثناء الحملة الانتخابية، إلا أن توجيه هذا السؤال له أعتقد أنه من قبيل الدعاية والآلاعيب السياسية والتي يقصد بجزء منها الخارج حيث إن المؤتمر تزامن مع مناقشات لجنة المخصصات المالية في مجلس الشيوخ الأمريكي أحوال الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في مصر والتي شهدت هجوماً حاداً على النظام.

وجزء آخر من تلك الدعاية هو موجه إلى الداخل للتنفيس عن الغضب الذي يتراكم داخل الناس من جرّاء السياسة الاقتصادية المتوحشة التي يتبعها، وهي الطريق التي تم تنفيذها عدة مرات على أوجه كثيرة بعضها لبث رسالة حول وجود صراع بين الأجهزة – وقد يكون بعضها حقيقيا – وبعضها لإعطاء أمل في التغيير من قبله نفسه وذلك كمحاولة للهروب إلى الأمام والاستمرار في الحكم بمسكنات وهمية تجعل الكثيرين في حالة انتظار لما قد يُسفر عنه ذلك الصراع.

أما رد الفعل على السيسي فتمثل في تدشين هاشتاج «مش عايزين السيسي» على مواقع التواصل الاجتماعي والذي امتلأ سريعاً بالآلاف من التغريدات التي كيلت له السب وقامت بسرد أسباب رفض ترشحه لفترة ثانية حتى وصل إلى صدارة الهاشتاجات في مصر، وكما استطاع اللحاق بأعلاها على مستوى العالم، وهو ما رد عليه المؤيدون واللجان الإلكترونية بهاشتاج مضاد وهو «هنتخب السيسي تاني» وهو ما يفتح الباب حول ما أحدثه التدوين على مواقع التواصل في المشهد السياسي والذي أرى أنه أصبح بديلاً عن كل الآليات والتحركات السياسية للأسف.

فصار كلٌ منا ينفث غضبه في بضع كلمات يدونها ثم يهدأ بعدها وقد استراح ضميره، وإن كانت تلك هي الطريق المتاحة للغالبية العُظمى منا فماذا عن الفاعلين في الحياة السياسية في الأحزاب وغيرها من التيارات، والذي يكتفي أغلبهم أيضاً ببعض الكلمات التي يدونها على صفحته أو على الأكثر الاشتراك في إصدار بيان بموقف لا يقرؤه إلا القلة القليلة والتي قد لا تزيد في بعض الأحيان عن أعضاء حزبه أو بعضهم، وذلك دون التحرك جدياً والتعامل مع الموقف السياسي الحالي الصعب.

الأكثر غرابة في ردود الأفعال كان هاشتاج حمل عنوان «عاوزينه للآخر» وهو هاشتاج أطلق أيضًا على مواقع التواصل وامتلأ بعشرات الآلاف من التدوينات حتى تصدر هو الآخر قمة الهاشتاجات المتداولة في مصر، والذي قيل إن مؤيدي السيسي قد أطلقوه للرد على الهاشتاج الأول، وقد امتلأ بسخرية شديدة من اسمه لما يحمله من معنى جنسي ومن المؤيدين أيضاً.

وهو ما تم الرد عليه بعد ذلك بهاشتاج آخر حمل اسم «خدوه لوحدكم» والذي يحمل هو الآخر معنى جنسيا مضادا، إلا إنه بعد البحث وراء هاشتاج «عاوزينه للآخر» فشلت في أن أجد تدوينة واحدة لأحد مؤيدي السيسي، بينما كلها عبارة عن سخرية من الهاشتاج ومن المؤيدين وحتى بداية الهاشتاج كانت عبارة عن سخرية أيضاً وفق ما توصلت إليه من بحث، أي أنه تم ابتكار معركة وهمية بالكامل بدأت بهاشتاج وهمي تم الرد عليه بهاشتاج مضاد على واقع افتراضي لم نستطع أن نستغله جداً في أي محاولة لتحريك الحياة السياسية أو استخدامه في معالجة عقدة التنظيم التي تضرب جميع القوى المؤمنة بالديمقراطية والتغيير خلال السنوات الماضية.

المتأمل في المشهد السابق وفي الوضع السياسي عامة سيجد أننا تحولنا إلى ملايين من محاربي طواحين الهواء كمثل «دون كيشوت» بطل الرواية الشهيرة، بداية من رئيس تقوم أجهزته الأمنية بجمع بعض الشباب الذين ترضى عنهم ليصفقوا ويهللوا أمامه وهو يتخيل أنهم ممثلو شباب مصر الذين كفر الملايين منهم بالحياة بسببه وبسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية.

وهناك أيضاً مؤيدوه الذين يعيشون في واقع خرافي تحتل مصر فيه صدارة العالم اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وحرية وديمقراطية ويقود فيه رئيسهم العالم ويغزو الدول ويفتح الفتوحات، وهناك أيضاً المعارضون الذين يفرغون غضبهم وحماسهم في تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي دون أن تُحرك ساكناً في الواقع السياسي المؤلم -وإن كنت لا أنكر نجاحها في بعض الحالات التي قامت بإنقاذ بعض الضحايا أو تسليط الضوء على إحدى القضايا المهمة إلا أن ما تستنزفه مواقع التواصل من الجهد والحماس هو أضعاف أضعاف ما يمكن استغلاله في عمل سياسي مجد، وهو ما يستدعي التفكير في هذا الأمر بجدية ودراسة كيفية الاستفادة الحقيقية من شبكات التواصل والإنترنت بصفة عامة.

وهو ما يُشير إلى تجربة «حركة النجوم الخمسة» الإيطالية والتي استطاعت أن تستغل الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في تكوين حركة سياسية منظمة اكتسحت الحياة السياسية محققة مكاسب عظيمة في وقت قياسي حتى صارت من أقوى التنظيمات السياسية في إيطاليا، وهو ما قد نتناوله بتفصيل أكثر في وقت قريب.