أصدر ملك المملكة العربية السعودية «سلمان بن عبد العزيز آل سعود»أمرًا ملكيًا صبيحة يوم الأربعاء، الموافق 21 يونيو/حزيران، بإعفاء الأمير «محمد بن نايف آل سعود» من ولاية العهد واختيار ابنه الأمير «محمد بن سلمان» خلفًا له. وقد بدأت كثير من التفسيرات لهذا القرار بالظهور تباعًا، لكن العلم بآليات الحكم داخل الأسرة الملكية وكيفية تشكلها يجعلان من فهم ذلك القرار أمرًا واضحًا. وللوقوف على تلك الآليات، يعرض هذا المقال موجز تاريخ دولة آل سعود.


إمارة نجد وتأسيس الدولة الأولى (1745م-1818م.)

تعد «نجد» مهدَ بيت آل سعود، فمنذ القرن السادس عشر وحتى القرن الثامن عشر شهدت منطقة الجزيرة العربية عدة تقلبات وصراعات دامية بين قبائل تلك المنطقة؛ إذ أنه نظرًا لضعف النفوذ العثماني هنالك نتيجة لتعقيدها من جهة، ولانشغال العثمانيين عنها بجبهات أخرى من جهة، بدأت عشائر المنطقة من أصحاب النفوذ، وعلى رأسهم «بنو خالد»، في تحدي سلطة العثمانيين؛ الأمر الذي خلق مجالاً كي تبدأ سائر العشار والقبائل في حذو خطى بني خالد تحديدًا، ثم مجالاً آخر للتصارع بين هذه القبائل بعضها البعض. وبحلول عام 1720م، كانت الصراعات على أشدها في مناطق عدة يجمعها اسم نجد؛ وفي الوسط من هذه الصراعات ظهر «سعود بن محمد بن مقرن» وولده «محمد بن سعود» على أنهما المؤسسون الأوائل لسطة آل سعود في منطقة نجد؛ عن طريق اشتراكهما في الصراعات بشكل مباشر واستحواذهما تباعًا على عدة مناطق بين كر وفر.[1]

في الدرعية لاقت دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب رواجها لتلاقي أهدافه مع أهداف محمد بن سعود؛ فالشيخ يبحث عن سلطان السيف لتطبيق دعوته، والأمير يبحث عن أساس ديني لسلطانه.

وفي عام 1727م. حاز محمد بن سعود على إمارة «الدرعية»؛ وهي آنذاك بقعة صغيرة من نجد. وقد عانت إمارته عدة عقبات منها: أن آل سعود لم يتمتعوا بالنفوذ ولا بقوة النسب المتمتع بها قبائل أخرى في المنطقة، وأن الدرعية لم تكن مصدرًا للأموال، كذلك فالأجواء المحيطة بالمنطقة ككل كانت منذرة بأن إمارة محمد بن سعود تحت تهديد مستمر. هذه العوامل، وغيرها، دفعت محمد بن سعود إلى تلمح فرصة عقد معاهدة بينه وبين الشيخ «محمد بن عبد الوهاب التميمي» عام 1744م. فقد كان الشيخ ابن عبد الوهاب قد بدأ دعوته بالفعل بعد موت والده عام 1741م. في «العُيينة»، منطقة أخرى من مناطق نجد. وقد بدأ الشيخ ابن عبد الوهاب في عدة إجراءات عملية باعتباره قاضي العيينة؛ تلك الإجراءات تنوعت بين الدعوة إلى التوحيد من جهة نظرًا لانتشار عادات رآها ابن عبد الوهاب تناقض الإسلام وعقيدته بين القبائل آنذاك، والبدء في تطبيق عدة تعزيرات وعقوبات على كل من يخالف دعوته من أخرى؛ الأمر الذي لم يلق أي ترحيب في العيينة؛ حتى أن أميرها أعفاه من حكم صدر عليه بالقتل وأرسله بدلاً من ذلك إلى الدرعية [2].

وفي الدرعية لاقت دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب رواجها لتلاقي أهدافه مع أهداف محمد بن سعود؛ فالشيخ يبحث عن سلطان السيف لتطبيق دعوته، والأمير يبحث عن أساس ديني لسلطانه يمكنه من تعزيز حكمه ومده إلى سائر الأرجاء، ويبدو أن سعود كان قد اقتنع بأفكار ابن عبد الوهاب. ونظرًا لأن الدرعية كان كل علمائها من الفقهاء حصرًا، فقد وجدوا في الشيخ محمد بن عبد الوهاب ميزة لم يعتادوها: كونه يجمع دعوة عقائدية إلى جانب علمه بالفقه، ومن ثم انطلقت عدة حملات صالت في الجزيرة العربية وبدأت تحشد الرجال؛ نظرًا لأن هذه الدعوة حملت أيضًا تبشيرًا بأن هناك إسلامًا «نقيًا» مناوئًا للشرك ومظاهره التي كان يقع فيها الناس على جهل منهم، ولا يحتاج الأمر إلى وسائط كما كان منتشرًا وقتها من جهة، وأن تلك الدعوة أيضًا بشرت بنجاة من يتبعها في الدنيا والآخرة. وبحلول عام 1804م كانت كل بقاع نجد، إلى جانب: المناطق التي تعرف اليوم بقطر والبحرين وبعض الإمارات وعمان، كذلك: الطائف ومكة والمدينة قد دخلت في سلطان آل سعود. ثم بحلول 1812م، كانت قد تغلغلت هذه الدولة إلى مناطق في بادية العراق وسورية [3].

هذا التمدد أفزع العثمانيين، الذين أسندوا في عام 1811م إلى والي مصر «محمد علي» باشا مهمة إنهاء هذا الانتشار «السعودي»، وبموت سعود بن عبد العزيز بن محمد عام 1814م. وصل ابنه «عبد الله» إلى الحكم ليواجه الجيوش العثمانية، التي ترك محمد علي قيادتها إلى ابنه القائد المحنك «إبراهيم» باشا؛ وانتهى الأمر بهزيمة السعوديين، ومقتل العشرات من العلماء والعامة المنتمين لدعوة الشيخ ابن عبد الوهاب، والسيطرة على الدرعية ومحو كل أثر لدعوة الشيخ بها وبمناطق أخرى على رأسها الحجاز، ثم أسر كل من وصلوا إليه من آل سعود، وإرسال عبد الله بن سعود الثاني إلى إستنبول حيث قُطعت رأسه [4].


عودة آل سعود

لكن من شأن عام 1820م أن يعيد تشكيل الصورة برمتها، ففي ذلك دارت عدة أحداث أعادت آل سعود مرة أخرى لنهضة دولتهم الثانية. فأولاً، بدأ محمد علي منذ 1818م في محاولات إزالة كل آثار أتباع الشيخ ابن عبد الوهاب وآل سعود، وقد كلفته تلك الحملة أموالاً باهظة مما جعله يأمر بعودة جيشه. هنا، بدت نجد في خواء سياسي، مما أجج حروبًا ونزاعات كبرى بين القبائل. ونظرًا لتوسعات مشروع محمد علي ولمواجهاته مع الإنجليز، فقد عاد إليه هاجس السيطرة على المنطقة فأرسل عدة حملات أخرى كان من أهمها حملة 1820م على عسير والتي انتهت بفشل جنده فشلاً ذريعًا، وفي هذا العام أيضًا توصلت مباحثات ممثلي محمد علي مع الإنجليز حول المنطقة إلى فشل آخر جعل الإنجليز يفكرون جديًا في إمكانية تعاون مشترك مع قبائل المنطقة للإطاحة بمحمد علي نفسه![5].

وثانيًا، فقد ظل هناك لآل سعود إمكانية للعودة مجددًا عن طريق ثلاثة أشخاص لم يؤسروا: «محمد بن مشاري بن معمر» الذي كان قد صاهر آل سعود، و«مشاري بن سعود بن عبد العزيز» الذي هرب من أسر جند محمد علي، وكذلك «تركي بن عبد الله بن محمد بن آل سعود» الذي استطاع الهرب أيضًا إلى الرياض. وقد استطاع تركي أن ينتقم لأسرته ولمقتل مشاري بن سعود مؤسسًا بذلك بدايات عودة آل سعود؛ حيث استطاع أن يُعيد الدولة السعودية مجددًا عام 1824م، حاكمًا إياها من الرياض، وقد تحارب مع من تبقى من بني خالد طوال الفترة من 1826م إلى 1834م، وتمكن من النصر عليهم، وفي تلك الأثناء كان ابنه الهارب فيصل قد تمكن من الهروب من الأسر، فخلف أباه بعد مقتله على يد مخطط «مشاري بن عبد الرحمن». وقد تعاون فيصل مع «عبد الله بن آل رشيد» كي ينهيا ثورة مشاري بن عبد الرحمن لتنطلق البدايات الفعلية للدولة الثانية [6].

في عام 1837م رفض فيصل دفع أي أموال إلى ممثل محمد علي في الرياض، الأمر الذي دفع بمحمد علي إلى مساندة الأمير «خالد بن سعود» الذي أبدى رغبته في الوصول للحكم بدلاً من فيصل، وبعد عدة معارك توصل الطرفان لتقسيم نجد بين كل من فيصل وخالد آل سعود، لكن بحلول 1838م دعم محمد علي الأمير خالد بقوة أخرى أعطته السلطة. وبانتهاء مشروع محمد علي في 1840م، وجد خالد نفسه وحيدًا ليخلفه «عبد الله بن الثنيان»، حفيد حفيد الجد الأكبر سعود، لكن سريعًا عاد فيصل بن تركي في 1843م، وسيطر على ما كان قد أخذه منه عبد الله بن الثنييان، لكن لم يستتب له الأمر نظرًا للثورات العديدة التي شهدتها المنطقة وللصراعات، إلى جانب تدخلات بريطانيا الدائمة [7].

تُوفي فيصل عام 1865م تاركًا أربعة من الأولاد: عبد الله، سعود، محمد، وعبد الرحمن. وبالفعل خلفه «عبد الله بن فيصل» نظرًا لاعتبارات عدة، لكن سرعان ما تصادم مع الإنجليز على أنه اعترف في نهاية المطاف بــ«خطئه» ضدهم، ولخوفه من «سعود بن فيصل»، بدأ عبد الله يقوي علاقته بالإنجليز، لكن سعود بالفعل أطلق حملة ضد عبد الله والتي انتهت بانتصاره وبإعلان بريطانيا دعمها إياه، لكن أخاهما «عبد الرحمن بن فيصل» الهارب من أسر العثمانيين حاول الإنقلاب على حكم أخيه سعود وبالفعل انتهى انقلابه بالنجاح المنشود![8].

لكن عبد الله عاد للمشهد مرة أخرى مما اضطر كلاً من «محمد» و«عبد الرحمن» آل سعود إلى إقامة تحالف ضد أخيهما، وقد استعان عبد الله في ذلك بــ«محمد بن آل رشيد» عام 1887م، والذي كان لدخوله في ذلك الخلاف أثره في نصرة عبد الله بن تركي، لكن في المقابل نمت قوة آل رشيد من جديد في تلك الفترة للغاية، ومستغلين هذه الظروف المعقدة والصراعات الداخلية؛ حيث استطاعوا تسديد ضربة قوية لآل سعود وإعلان أنفسهم أمراء لتنتهي بذلك الدولة السعودية الثانية عام 1891م [9].


الاستقلال والدولة السعودية الحديثة

عقب هزيمة آل سعود من محمد علي باشا، ظلت لهم إمكانية العودة عن طريق ثلاثة أشخاص لم يؤسروا: «محمد بن مشاري بن معمر»، و«مشاري بن سعود بن عبد العزيز» و«تركي بن عبد الله بن محمد بن آل سعود».

هرب عبد الرحمن بن فيصل آل سعود إلى البحرين ثم الكويت عام 1893،. وهناك بلغ ابنه «عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود» أشده، وبعد موت محمد بن عبد الله آل راشيد في 1897م خلفه ابنه «عبد العزيز بن آل راشيد» في السيادة على نجد، والذي سارع لمهاجمة الكويت لضمها إليه، لكن آل مبارك بمساعدة عبد العزيز آل سعود استطاعوا هزيمته، ونجح عبد العزيز في الظفر بمنطقة «شمر»، ثم في عاميْ 1901م، 1902م بدأ عبد العزيز آل سعود في جمع البيعة له ولأبيه. وفي عام 1906م، استطاع التخلص من ابن رشيد. ونظرًا لتصاعد قوته، انقلب عليه آل مبارك منضمين إلى الأتراك؛ مما دفعه، عام 1912م، لتكوين «إخوان من أطاع الله»: وهم جماعات من البدو المسلحين الذين تركوا حياة البداوة إلى الدعوة والجهاد والاستقرار في الحضر، والانضمام إلى عبد العزيز باعتباره الإمام والقائد والمكمل لمسيرة آل سعود وابن عبد الوهاب، وقد وصل عددهم بحلول 1915م إلى قرابة 60,000 مقاتل استخدمهم في بسط نفوذه سيطرته، وبالفعل حاز بهم على الأرض والنفوذ المسلح، ثم وبفضل ترسيخه لأفكار الشيخ ابن عبد الوهاب جمَّـع حوله كثيرًا من العلماء ليحظى بتأييدهم [10].

عبد العزيز آل سعود استثمر ضعف الشريف حسين ودخل معه في صدام، وفي سنة 1932م أعلن توحيد نجد والحجاز، ثم أعلن إنشاء «المملكة العربية السعودية» في ذات العام.

في الحرب العالمية الأولى ظهر «الشريف حسين» على أنه ممثل لفكرة الاستقلال العربي عن العثمانيين، وظهر ذلك في قبوله لوعد بريطانيا بمنحه الاستقلال إذا دعمها وفازت بالحرب، وقد ظهر أيضًا عبد العزيز آل سعود كقائد قوي سعت تركيا العثمانية وبريطانيا لضمه إلى جبهتيهما. لكن اختلاف الأهداف بين الشريف حسين وابن سعود، إلى جانب عدم اعتراف الشريف حسين بعبد العزيز آل سعود، جعل العداء بينهما يتصاعد للغاية، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وهزيمة العثمانية، وبعد أن أخلفت بريطانيا وعدها للشريف حسين، ثم بدأت في ترسيم الحدود وفقًا لمعاهدة «سايكس-بيكو» في 1916م، استغل عبد العزيز ذلك الوضع السياسي في كسب مزيد من الأراضي داخل الجزيرة العربية، ولقد سارعت بريطانيا لمحاولة التواصل معه إلى اتفاق يعطيه استقلالاً بمنطقة بعينها، لها حدود واضحة كي توقف انتشار نفوذه [11] وهو ما ميَّـز بدايات استقلال الدولة السعودية الحديثة عام 1922م.

ولكن عبد العزيز آل سعود استثمر ضعف الشريف حسين ودخل معه في صدام تمثل في «معركة الطائف» التي انتهت بضم الحجاز إلى حدود آل سعود في 1926م، وبعد احتوائه للمقاومة الداخلية أصدر ابن سعود قرارًا في سنة 1932م بتوحيد نجد والحجاز، أعقبه قرار آخر أعلن فيه عن إنشاء «المملكة العربية السعودية»، تزامن ذلك مع اكتشاف البترول، ثم تقوية العلاقات السعودية الأمريكية في نهايات الحرب العالمية الثانية باعتبارها القوة التي حلت محل البريطانيين في العالم المعاصر، فضلاً عن صعود نمط إداري جديد و«حديث» داخل الممكلة، أشرف عليه منذ البداية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود، واستمر هذا النمط إلى وفاته في 1953م، تاركًا منصبه لخلفه: «سعود بن عبد العزيز»[12].

إن تاريخ آل سعود هو تاريخ مليء بالصراع من أجل إثبات الذات؛ فهو صراع ظهر منذ لحظة التأسيس في الدرعية، وامتد حتى تكوين المملكة السعودية الحديثة أو الدولة الثالثة. لكن هذا الصراع الخارجي قد شهد محطات مختلفة من الصراعات الداخلية أيضًا، تلك الصراعات التي حكمها منطق الحكم للأفضل والأقوى. وداخل المملكة الآن، لا يختفي هذا المنطق في ضوء ما رأينا، فيبدو جيل الأحفاد قد بدأ يثبت نفسه على أنه القادر على إعلاء كلمة آل سعود، والقادر هو صاحب الصدارة في سباق ولاية العهد!

المراجع
  1. Madawi al-Rasheed, «a history of Saudi Arabia», (Cambridge: Cambridge University Press, 2010), p: 14
  2. Ibid., pp: 15-16
  3. Ibid., pp: 15-21
  4. James Wynbrandt, «a brief history of Saudi Arabia», (NY: Checkmark Books, 2004), pp: 142-144
  5. Ibid., pp: 146-150
  6. Ibid., pp: 151-152
  7. Ibid., pp:154-156
  8. Ibid., pp: 161-162
  9. Ibid., pp: 162-164
  10. Ibid., pp: 165-172
  11. Ibid., pp: 178-181
  12. Ibid., pp: 182-186. Also: Robert Harper, «Saudi Arabia», (USA: Chelsea House Publishers, 2007), pp:14-15