لا تخلط بين كواترماس الذي نتكلم عنه هنا وكواترماس العالم الذي تقابله في أفلام رعب شركة هامر الشهيرة، والذي أجرى بدوره عددًا هائلًا من التجارب العلمية المخيفة.

د. كواترماس الذي نتكلم عنه عالم يعمل في مختبر غامض في ألاسكا، كان يقوم بعمل تجارب غريبة على خنازير غينيا. طبعًا نذكرك أن خنازير غينيا ليست خنازير ولم تأت من غينيا، بل هي كائنات وديعة أقرب للفئران، وذنبها الوحيد هو أن جهازها المناعي يشبه جهاز الإنسان. لكن ضعف الميزانية اضطر العالم إلى اللجوء للأرانب.

كواترماس – كالعادة – عالم مجنون له شعر أشعث ونظرات مخبولة من وراء زجاج عويناته، لكنه عبقري ولا يوجد تعارض هنا.


تجربة كواترماس 1

لاحظ كواترماس أن مجتمع الأرانب في المختبر يمكن تقسيمه إلى أرانب ضعيفة مستسلمة تميل للعمل الشاق، وأرانب قوية تهوى السيطرة والتحكم، وهناك أرانب من نوع ثالث لا جدوى منها على الإطلاق، ولكنها تقوم بدور غريب في تضليل الأنواع الأخرى وتنويمها. وقد لاحظ أن أرانب النوع الثالث هذه تأكل كميات هائلة من الطعام وتحظى بحياة رغدة مترفة، وهي ذات ميول استعراضية واضحة لدرجة أنها تخرج رءوسها من بين قضبان القفص طيلة الوقت.

لاحظ كواترماس أن أرانب المجموعة الثالثة الاستعراضية شبه منيعة. عرضها لدرجات حرارة كفيلة بسلق اللحم، وعرضها لصدمات كهربية قوية، وحقنها في بطنها ببكتريا الدرن، بل إن المختبر احترق ذات مرة، وعندما انقشع الدخان اكتشف أن هذه الأرانب لم تمت. كتب في مذكراته أن أرانب النوع الثالث لا تموت أبدًا مهما حدث لها. إنها باقية دائمًا ومن حقائق الكون.


تجربة كواترماس 2

جرب كواترماس دراسة تأثير الضغط العصبي والجسدي على أرانبه، فقام بزيادة حرارة الغرفة لدرجة 39 مئوية كما قام بتقليل كمية الغذاء المقدمة لها. في المرة الأولى كان هياج الحيوانات عنيفًا وقد وجهت له مجموعة عضات شرسة، مما اضطره لزيادة جرعات الغداء من جديد لأنه صار خائفًا من دخول المختبر فعلاً، ثم أنه بدأ في فصل الأرانب التي بدأت بالشغب في المرات السابقة. قام بإطعامها للقطط .

بعد هذا جرب كواترماس أن يقلل جرعات الغداء بالتدريج فلم يحدث شيء. قلل كميات الماء جدًا، فظلت الأرانب هادئة .. قرر أن يضرب الضربة الكبرى وأوقف الغذاء والماء تقريبًا، فلاحظ أنها تتذمر لكنها ظلت خائفة من أجل أقل القليل الذي تحصل عليه، فهي تخشى أن تفقد هذه الوجبة المضمونة بدورها، كما أنها تتذكر مشهد الأرانب التي افترستها القطط فتقرر الصمت.

أثار هذا فضول كواترماس جدًا، وقد قرر أن يدرس درجة الاستفزاز التي يمكن أن تبلغ بالأرانب مرحلة العض. ولتكونن ورقة علمية جبارة. وبدأ يبتكر في كل يوم اختبارًا آخر. قام بتضييق الأقفاص بحيث صارت الأرانب تنام وتتبرز وتتبول فوق بعضها. كما أنه في كل يوم كان يأخذ مجموعة منها ليصعقها بالكهرباء. لكن النتيجة ظلت كما هي: الحياة المعذبة أفضل من لا حياة على الإطلاق. أو كما يقول صلاح جاهين شاعرنا: محلى الحياة ولو على صورة نبات.

كانت هناك أرانب تأخذ قطرات دواء مضاد للإسهال أو فطريات الأذن، فأوقف هذه القطرات .. لم يحدث شيء. أما الأرانب الوليدة فقد أوقف تقديم اللبن لها لفترة لا بأس بها. أثار هذا دهشته فعلًا. بل إن أحد الأرانب عضه ذات مرة فانقضت الأرانب عليه لتمزقه بأسنانها تمزيقًا.

قرر كواترماس أن الأرانب تعيش بقاعدة (الحياة المعذبة أفضل من لا حياة على الإطلاق). لهذا قرر أن يضعها في خطر دائم وبدأ يترك بعض الأقفاص مفتوحة، وسمح بدخول القطط وحيوان ابن عرس إلى المختبر، وهكذا كان الليل كله عملية التهام طويلة على صوت استغاثة الأرانب .. القطط لا تعرف الفارق الدقيق بين الأرانب والفئران، الذي يجعل الأولى كائنات رقيقة لطيفة والثانية كائنات مقرفة مرعبة. في الصباح كنت ترى أشلاء الأرانب والدم في كل مكان. لكن لم يزدد سلوك الأرانب عدوانية.


تجربة كواترماس 3

قرر كواترماس أن يستغل نقطة الحقد الطبقي، الأرانب المسيطرة قام بوضعها في أقفاص واسعة فاخرة وقام بزيادة كميات الطعام لها .. الكثير من الخبز والبرسيم والنخالة مع ماء نقي ممتاز. كلما قلل كميات الطعام للأرانب التعسة زاد الكميات للأرانب القوية، ثم وضع لها وسائل ترفيه متعددة وأكثر من أرجوحة، برغم أن الأرانب لا تحب اللعب مثل فأر الـهمستر hamster.

ذات مرة حاول أرنبان من الأرانب المستسلمة عضه وهو يفتح القفص، وسرعان ما تكالبت عليهما الأرانب من النوع الثالث .. الأرانب ذات الميول الاستعراضية إياها، قامت بعض الأرنبين وتمزيق ذيليهما. كان التصرف عنيفًا لدرجة أنه اضطر لأن يبعد الأرنبين التعسين في قفص منفرد، ثم قرر أن يعطيهما لزوجته كي تطبخهما للعشاء، فهما لن يصلحا لأي تجربة بعد ذلك.


تجربة كواترماس 4

قرر كواترماس أن يجرب إغراق بعض الأقفاص في الماء ليرى رعب وانتظار الأرانب التي لم يأت دورها … لربما أدى هذا إلى تحريكها.

المشكلة هي أنه كان يرسم منحنيات بيانية ويملأ الكثير من الجداول، وكان ينتظر في لهفة نقطة الانفجار ليكتب ورقة علمية مثيرة في علم النفس السلوكي، لكن الوضع ظل خاملًا جامدًا وبدا واضحًا أنه لن يحدث شيء ..

اقترح مساعده أن يعود للعمل مع خنازير غينيا فهي أكثر حيوية وأحرّ دمًا، لكن كواترماس لم يتكلم .. ظل يرمق أقفاص الأرانب في غيظ، ثم مزق أوراقه وشعره وصاح بما معناه بالعامية المصرية:

-ـ«ربنا ينتقم منكم! كفرتوني! أنتم مش كائنات حية!»

ثم خرجت الرغاوي من فمه والدم من أنفه وسقط على الأرض وأصيب بالفالج، ويبدو أن هذه كانت طريقة الأرانب العبقرية في الانتقام من د. كواترماس الرهيب.