وجه إعلامي عربيٌّ شهير، مثيرٌ للجدل، وللآراء المتطرفة في الاتجاهيْن، لطالما اجتذب ملايين المشاهدات لبرامجه التي سخر فيه لسنواتٍ من الأنظمة السياسية، يطل، مؤخرًا، من الفضاء المفتوح، لكن عبر نافذة الأنظمة الغذائية.

ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي أثارتها حملة Plant B التي أطلقها الطبيب والإعلامي باسم يوسف، والتي تنطلق من تجربته الشخصية لأكثر من 5 سنوات مع النظام الغذائي النباتي Plant-Based diet. كالعادة انقسمت آراء المتابعين إلى فريقيْن؛ الفريق الأول من المؤيدين بشدة للحملة، المعجبين بأداء باسم، وبأسلوبه الساخر، وبطريقة عرضه المقنعة، التي تضمَّنت لقاءاتٍ مع أطباء وعلماء وشخصيات ناجحة رياضيًا اعتمدت على الغذاء النباتي، أما الفريق الثاني، فقد هاجم باسم بضراوة، متهمين إياه بالاجتزاء وعدمِ الموضوعية، لعرضه الجوانب التي تدعم وجهة نظره من الحقيقة، وإغفال الباقي، ويستنكرون كذلك لهجة المزايدة على من لا يحذون حذوه في تبني الغذاء النباتي، والخلط بين فوائد الغذاء النباتي، وفوائد الانتقال إلى أنظمة غذائية أكثر صحية سواءً كانت نباتية أو حيوانية.

بالطبع يرجع جزء من الجدل السابق إلى التنازع المستمر حول شخصية باسم نفسها، لكن الجانب الأكبر منه يرجع إلى طلب الموضوع نفسه، والتعارض بين عشرات الأدلة العلمية القوية في الكثير من التفاصيل حول فوائد وأضرار الغذاء النباتي.

لا يعنينا هنا تقييم حملة باسم إيجابًا أو سلبًا، إنما سنستغل الضجة الكبيرة التي أحدثتها في وضع النقاط على الحروف حول الكثير من التفاصيل الصحية المتعلقة بالغذاء النباتي. بالطبع هناك أبعادٌ بيئية واقتصادية واجتماعية للأمر، لكن لا يتسع لها المقام هنا.

أحد مقاطع اليوتيوب من حملة باسم يوسف لتعزيز الغذاء النباتي


النظام الغذاء النباتي والجدل البيزنطي

دائمًا ما يثير الحديث عن النباتيين، والغذاء النباتي، جدلًا لا ينتهي، تتشابك وتنعقد فيه الخيوط الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. هناك من يركز على الفوائد الكثيرة للغذاء النباتي، وأنه التطور النهائي للتغذية البشرية، بينما هناك آخرون لا يرون إلا المآخذ على الغذاء النباتي، ويرون في انتشاره المتزايد، موضةً سلبية جديدة ستظهر لها المزيد من الآثار الجانبية مع مرور الوقت.

ويبدو أن المشكلة الأكبر، هي سعي كل طرف – كثير من النباتيين وخصومهم – للاستقواء بالأدلة العلمية المؤيدة، وادعاء حسم الخلاف، وإلصاق تهم الإضرار بالصحة بالآخرين. ومما يزيد الخلاف والجدل، وجود أنماط متعددة من الغذاء النباتي، وغير النباتي، وتباينها كثيرًا على موازين الفائدة والضرر المختلفة، وأيضًا وجود اختلافاتٍ كبيرة بين مطبقي كل نظام في نسبة الالتزام باختيارهم، والانصياع للمحاذير الطبية المتعلقة بكل نظام. كذلك تؤثر الحالة الصحية للشخص على ميزان الفائدة والضرر له وعليه، من كل نظام غذائي، وفي كيفية تطبيقه.

إذن، فلا تتوقع عزيزي القارئ أنني في السطور القليلة المقبلة سأحسم كل صغيرة وكبيرة في هذا الموضوع الشائك، والذي ما يزال بحاجةٍ لسنواتٍ من البحث العلمي النزيه، لحسم الجدل فيه، إن كان من الأساس هناك قابلية للحسم المطلق، لكننا على الأقل سنضع الكثير من النقاط على الحروف، لتزداد الصورة اتضاحًا.


أنظمة عديدة للغذاء النباتي

ينضم عشرات الآلاف سنويًا إلى النظام النباتي، خاصةً مع تكاثف الدعاية حول مزاياه الصحية. قدرت إحدى الدراسات عام 2010م أن 18% من البشر يتبنون الأنظمة الغذائية النباتية بمختلف أنواعها، كذلك أظهرت الإحصائيات أن أكثر من 3% من أطفال بلجيكا مجبرون من قبل والديهم على تبني نظامٍ نباتيٍّ صارم.

يمكن تبيُّن وجود 4 أنماط رئيسة للغذاء النباتي. أولًا هناك النظام النباتي الحصري، وهو الأكثر إثارة للجدل، وعليه أكثر المحاذير الطبية. وفيه يتجنب الشخص كافة المنتجات الحيوانية بما فيها الدجاج والسمك واللبن والبيض والعسل، وحتى مستحضرات التجميل والصابون، وأنواع الملابس المشتقة من منتجاتٍ حيوانية.

ثانيًا: النظام النباتي المتسامح مع منتجات الألبان، حيث يستثني اللبن والجبن والزبادي من الحظر الحيواني، وذلك للحصول على عنصر الكالسيوم المهم للعظام والعضلات وغيرها.

ثالثًا: النظام النباتي المتسامح مع منتجات الألبان والبيض (والبعض يضيفون إليها الأسماك، ويستثنون اللحوم والدواجن).

وأخيرًا هناك النظام النباتي المرن، والذي يتناول فيه الشخص كافة المنتجات الحيوانية، لكن بمقادير معتدلة محسوبة، والذي يناصره الكثير من الأدلة العلمية الداعمة لفوائد الغذاء النباتي.


كيف تحصل على فوائد النظام الغذائي النباتي وتتجنب أضراره؟

لكي يسهم النظام النباتي في حماية صحة القلب، لا بد من انتقاء الأغذية النباتية عالية الجودة، وتقليل استهلاك الأطعمة الحيوانية، دون الامتناع عنها بشكلٍ تام ..
د.أمبيكا ساتيجا، قسم التغذية، كلية الصحة العامة بهارفارد

تواترت الأدلة العلمية في السنوات الأخيرة حول فوائد النظام النباتي للصحة وللبيئة، ومساهمته في تقليل فرص الإصابة بالكثير من الأمراض المزمنة كالضغط والسكر وشرايين القلب التاجية. كذلك ثبت أن بإمكان النباتات إمداد الإنسان بمعظم البروتينات والدهون والكربوهيدرات والفيتامينات التي يحتاجها، باستثناء بعض المواد الحيوية، والتي لا تتوافر إلا في الغذاء الحيواني، وقد يُضطَّرُّ إلى تعاطيها على هيئة أقراص دوائية للتعويض، في حالة تبني النباتية الصارمة، ومنها:

  • أملاح الأوميجا 3 الدهنية: وهي مهمة لصحة القلب والشرايين، حيث تبطيء عملية تصلب الشرايين، وهي توجد بوفرة في الأسماك، ولذا توصي جمعية القلب الأمريكية بتناول السمك مرتيْن أسبوعيًا لوقاية القلب. وُجد أن الزيوت المستخلصة من بعض أنواع الطحالب تحتوي على الأوميجا 3، وقد يعتمد عليها النباتيون في تعويض تلك المادة الحيوية.
  • فيتامين ب 12: والذي يوجد بوفرة في اللحوم، والبيض، واللبن، ويسبب نقصه أنيميا الدم، والتهاب الأعصاب الطرفية، وأمراضٍ عصبية أخرى مثل الذُّهان. وُجد بعض المواد الشبيهة بفيتامين ب 12 في النباتات، لكن جسم الإنسان لا يستطيع الاستفادة منها.
  • الكالسيوم، وفيتامين د الحيويان للعظام والعضلات والأسنان، ويتواجدان بوفرة في منتجات الألبان والأسماك. يحاول النباتيون تعويض غياب اللبن، بالحصول على الكالسيوم من الأطعمة المعزَّزة به، أو من حليب الصويا. لكن قد يضطر أكثرهم لتعاطي أقراص الكالسيوم وفيتامين د الدوائية. من مشاكل الغذاء النباتي بخصوص الكالسيوم، احتواء بعض النباتات على كميات كبيرة من الأوكسالات وحمص الفيتيك، والتي تتحد مع الكالسيوم في الطعام، فتقلل من امتصاصه.
  • الحديد الحيوي لبناء هيموجلوبين الدم، وبالتالي تحدث الأنيميا عند نقصه. تمتاز المصادر الحيوانية للحديد بسهولة امتصاصه في الأمعاء واستفادة الجسم منه، على عكس المصادر النباتية، والتي تحتاج لتناول مصادر فيتامين سي بوفرة، لتسهيل امتصاص الحديد. كذلك فبعض المصادر النباتية الغنية بحمض الفيتيك، والذي يتفاعل مع الحديد في الطعام، فيحول دون امتصاصه.

مقطع قصير من إنتاج مايو كلينيك، ينوه بأهم المغذيات التي يفتقدها النظام النباتي الصارم، مثل فيتامين ب 12 و د وأوميجا 3 والحديد والكالسيوم، وأهمية تعويضها

وتأكيدًا على خطورة التقصير في تعويض تلك المواد الحيوية، فإنه منذ أيام، أصدرت الجمعية الطبية الملكية في بلجيكا تحذيرً ا هامًا من مخاطر إجبار الأطفال على تبني النظام النباتي الصارم، الذي يحرمهم من الغذاء الحيواني، وما فيه من مقادير مركزة من البروتين، الحيوي للغاية لنمو أجسامهم، بجانب الكالسيوم والفيتامينات .. الخ.

إذن لكي يكون مثل هذا النظام الصارم صحيًا للأطفال، فلابد من متابعة صحية دورية، وعمل بعض التحاليل الطبية للاطمئنان على نسب الفيتامينات والأملاح الحيوية، وكذلك تعاطي الأقراص الدوائية التي تحتوى المواد الحيوية الناقصة التي ذكرناها منذ قليل، وقد وجد الباحثون أن أكثرية الآباء للأسف لا يلتزمون بتلك التعليمات، مما يؤثر سلبًا بشكل كبير على النمو البدني والنفسي والذهني لأطفالهم.

فقرة من برنامج صباح الخير بريطانيا، تتحدث فيه الأمريكية نيكول كارتر عن أسباب تخليها عن الغذاء النباتي الصارم – بعد 15 عامًا من التزامه – إثر إصابتها بالتهاب القولون التقرحي


برنامج غذائي نباتي متوازن

من الضروري للغاية التأكيد على أن برنامج الغذاء النباتي لا بد أن يكون متوازنًا، ومتوافقًا مع طبيعة الشخص، وظروفه الصحية، ونمط حياته، وذلك لتحقيق أكبر قدر من الفائدة واجتناب الضرر. تقدم المدونَّة الصحية التابعة للكلية الطبية بهارفارد برنامجًا نباتيًا موجزًا من عدة نقاط كالتالي:

  1. الإكثار من الخضروات، خاصةً في وجبتيْ الغداء والعشاء، مع مراعاة التنوع فيها شكلًا ولونًا. ووضع نصيبٍ خاص للخضروات الورقية بمختلف أنواعها، مثل السبانخ.
  2. جعل اللحوم طبقًا إضافيًا على المائدة، وليس الطبق الرئيس.
  3. الاعتماد على الحبوب الكاملة مثل الشوفان خاصةً في وجبة الإفطار.
  4. استبدال الفواكه مثل الخوخ والبطيخ بالحلويات.
  5. عدم إغفال مصادر الدهون المفيدة غير المتشبعة، مثل زيت الزيتون، والأفوكادو.

في حالة تحقيق مثل هذا التوازن، فإن الغذاء النباتي سيكون صحيًا لكافة الشرائح، حتى الأطفال والحوامل والمرضعات والرياضيين المحترفين .. الخ من ذوي الاحتياج الغذائي العالي.


هل توجد أنظمة غذائية معزَّزة بالأدلة العلمية، تشتمل على مصادر حيوانية؟

بالطبع هنالك. وأشهرها النظام الغذائي للتحكم في ارتفاع ضغط الدم، والذي يسمى اختصارًا DASH diet، ويسمى أحيانًا بنظام البحر المتوسط الغذائي، والذي أثبتت الدراسات فوائد صحية عديدة له، أهمها المساعدة في التحكم في ارتفاع الضغط، وتقليل كافة مضاعفاته الخطيرة كجلطات شرايين القلب والمخ وضغف عضلة القلب، وتقليل فرص الإصابة بالعديد من السرطانات الخبيثة كسرطان القولون، والبروستاتا والثدي . وأهم عناصر هذا النظام:

  • الاعتماد على الدواجن والأسماك والبيض والبقوليات كمصادر للبروتين، لفقرها في الدهون المشبعة التي تسبب تصلب الشرايين atherosclerosis، والذي يفاقم الضغط، ومضاعفاته.
  • زيادة البوتاسيوم على حساب الصوديوم، حيث للصوديوم دور رئيسي في حدوث ارتفاع الضغط ومضاعفاته، ويتأتى هذا بالإكثار من الأغذية الغنية بالبوتاسيوم مثل الخضروات الورقية (خاصة السبانخ)، وكذلك الموز، وكذلك الأغذية قليلة الصوديوم مثل الشوفان، مع التقليل بالطبع من ملح الطعام (كلوريد الصوديوم) قدر الإمكان، إذ إنه يسبب ارتفاع الضغط، ويعرقل عمل الكثير من الأدوية المهدئة للضغط.
  • التقليل من الدهون المشبعة (اللحوم السمينة والزبدة والألبان كاملة الدسم… إلخ)، والمحليات السكرية (كما في المشروبات الغازية… إلخ).-
  • زيادة الكالسيوم من خلال الألبان والزبادي والأجبان قليلة ومنزوعة الدسم.

اقرأ أيضًا: طعامك الداء والدواء

يمكن من بعض الوجوه، تصنيف هذا النظام المذكور تحت بند النظام النباتي المرن، والذي يقلل من الاعتماد على المنتجات الحيوانية دون اجتنابها مطلقًا.