سأذهب إلى هولندا فلا يوجد أي عائق يمكنه إيقافي، لن نخضع لعنصريين وفاشيين مثل فيلدرز
مولود جاويش أوغلو – وزير الخارجية التركي

قضى أغلب الأتراك ليلتهم الماضية أمام شاشات التلفاز حتى وقت متأخر يتابعون بغضب وحماسة التطور السريع للصدام بين تركيا وهولندا، بعد سحب الأخيرة الإذن لطائرة وزير الخارجية التركي الذي كان ينوي لقاء مواطني بلده في روتردام ضمن حملة الدعاية للموافقة على التحول للنظام الرئاسي، وهو الاستفتاء الذي من المقرر أن يقام الأحد 16 أبريل/نيسان القادم.


لماذا تم استيعاب الخلاف مع ألمانيا؟

شهد الأسبوع الماضي كذلك حرب تصريحات بين تركيا وألمانيا على خلفية عدم موافقة السلطات المحلية في مدينة هامبورج تنظيم فعالية لنفس الهدف كان من المفترض أن يحضرها وزير تركي، السلطات في هامبورج ادعت عدم كفاية إجراءات الوقاية من الحرائق!

هذا السبب بالطبع لم يقنع قادة الحزب الحاكم في تركيا القلقين من استضافة ألمانيا لمعارضين منتمين جماعة فتح الله كولن المتهمة بالوقوف خلف عملية الانقلاب الفاشلة، وكذلك من حزب العمال الكردستاني (PKK) الذي يشن عمليات إرهابية ضد الدولة التركية.

كما لا تزال قضية الصحفي الألماني (التركي الأصل) دينيز يوجيل المعتقل لدى السلطات التركية نقطة خلاف بين البلدين، حيث يتخذها الساسة الألمان فرصة للحديث المتكرر بطريقة سلبية عن حرية الإعلام والصحافة في تركيا.

هذا المنع صعد من حدة التوتر بين البلدين مؤخرا، والذي وصل لحد تشبيه أردوغان للقرار الألماني بالتصرفات النازية، لكن الأمر توقف عند هذا الحد قبل أن تخفف من حدته المستشارة أنجيلا ميركل في كلمتها أمام البرلمان (البوندستاغ) التي جاء فيها:

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل

ثمة أسباب عديدة تجعل من الخلاف التركي الألماني غير مرشح للتصاعد، منها وجود جالية تركية كبيرة تزيد عن 3 ملايين عبرت عن قلقها من تأثير الخلافات بين البلدين، وأيضا بسبب الاتفاقات المبرمة بينهما بشأن اللاجئين، وهي القضية الأولى على ساحة النقاش السياسي الألماني قبل الانتخابات البرلمانية سبتمبر/أيلول القادم.


ليلة عصيبة بين تركيا وهولندا

التوتر التالي جاء مع هولندا التي تستعد لتنظيم انتخابات برلمانية مهمة يوم الأربعاء 15 مارس/آذار الجاري، حيث أعلن كل من مارك روته رئيس الوزراء وأحمد أبوطالب عمدة روتردام أن زيارة جاويش أوغلو تمثل تهديدا للأمن العام، وأنه يجب على الوزراء عدم المشاركة في حملة الدعاية التي تستهدف المواطنين ذوي الأصول التركية المقيمين بهولندا؛ لأنهم هولنديون أولا كما يقول روته.

ما يعني أن الدول الأوروبية لا تريد لمواطنيها ذوي الأصول التركية أن ينخرطوا في الصراع السياسي التركي، لكن فيما يبدو كذلك أن هذه الدول غير مرحبة بتحول تركيا إلى النظام الرئاسي، وهو الأمر الذي تعتبره أنقرة تدخلا في شأنها الداخلي وعزلا للمواطنين الأتراك المقيمين بأوروبا عنها.

من جانبها حذرت تركيا من منع الزيارة وهدد جاويش أوغلو بفرض عقوبات ثقيلة على هولندا، كما أعلن مشاركته في تجمع عام للأتراك، ما اعتبره مارك روته تصعيدا، جعل التوصل لحل معقول مستحيلا.

تتابعت الأحداث خلال عدة ساعات، حيث لم يتم السماح بهبوط طائرة أوغلو، وبينما نجحت وزيرة الأسرة التركية فاطمة بتول في دخول هولندا عبر الحدود البرية تعاملت معها الشرطة بطريقة حادة، فتم منعها من الوصول للقنصلية التركية، حيث تجمع الأتراك قبل أن يتم اقتيادها للحدود مرة أخرى تجهيزا لترحيلها.

لا يعرفون أي شيء عن السياسة أوالدبلوماسية الدولية، هم عصبيون، هم جبناء، هم نازيون، هم فاشيون
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

في المقابل عبر الرئيس أردوغان عن الغضب التركي بوصفه لهذه التصرفات بالفاشية والنازية، وأعلن أنه لن يسمح للدبلوماسيين الهولنديين بدخول تركيا.

وأعلنت تركيا استدعاء القائم بأعمال السفير وإغلاق كل من السفارة والقنصلية الهولندية بأنقرة وإسطنبول لأسباب أمنية، وعدم رغبة أنقرة في عودة السفير الذي يقضي إجازته خارج تركيا هذه الأيام.

في هذه الأثناء شهدت كل من روتردام وإسطنبول احتجاجات تركية، حيث تظاهر الأتراك رافعين علم بلادهم أمام القنصلية التركية في روتردام، وتخلل ذلك اشتباكات مع قوات الأمن، كما أوقفت الشرطة فريق عمل وكالة الأناضول وقناة TRT التابعين للإعلام الحكومي التركي، وأجبرتهم على مغادرة البلاد، وشهدت إسطنبول هي الأخرى احتجاجات أمام القنصلية الهولندية بميدان تقسيم.


فرصة ثمينة لليمين الهولندي والتركي

يشير آخر استطلاع للرأي في هولندا أن حزب الحرية اليميني المتطرف PVV بزعامة خيرت فيلدرز هو الأقرب لتصدر الانتخابات التي تقام الأربعاء 15 مارس/آذار الحالي بالحصول على 25 مقعدا بفارق مقعد واحد عن حزب الشعب الليبرالي من أجل الحرية والديموقراطية VVD بزعامة رئيس الحكومة الحالي مارك روته، وذلك قبل المناظرة المرتقبة بينهما اليوم الأحد.

حزب الحرية الذي احتل المرتبة الخامسة في انتخابات 2012 يلقى تأييدا متزايدا في إطار صعود التيارات الشعبوية واليمينية في أوروبا، خاصة بعد وصول ترامب للبيت الأبيض وتصويت الإنجليز على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

الحزب الذي يعتمد على خطاب الكراهية والعنصرية ويعادي الإسلام والمهاجرين ويعد بغلق الحدود والمساجد والانسحاب من الاتحاد الأوروبي وسحب الجنسية من المسلمين الهولنديين الذين يمثلون من 6-8% من السكان (إحصائية رسمية) لن يكون الطريق أمامه سهلا للوصول للسلطة، حيث أعلنت الأحزاب التقليدية رفضها المشاركة في حكومة ائتلافية معه، ما يعقد الساحة السياسية في هولندا في حال تحقيقه المرتبة الأولى وعدم تمكنه من رئاسة الحكومة.

من جانبه استغل فيلدرز الأزمة بين بلاده وتركيا ونشر عدة تدوينات عبر صفحته على فيس بوك، داعيا إلى طرد الأتراك الذين يحملون الجنسية الهولندية ويرفعون أعلام تركيا فرحا بوصف أردوغان لهولندا بالفاشية!

كما جاء تعليقه على صورة لمحجبات تركيات شاركن في الاحتجاج قائلا:

إنهن لا ينتمين إلينا، بعد عقود من الحدود المفتوحة والهجرة وبدون إدماج في ثقافتنا هذه هي النتيجة.
وفي مواجهة خصمه الليبرالي كتب كذلك:
أين أنتما يا روته وأبوطالب؟ 500 تركي يصرخون الله أكبر في روتردام، هل هذه هي بلادنا؟ امحوا هذا الميدان وبسرعة!

على الرغم من استجابة الحكومة الهولندية لمزايدات فيلدرز، ورفضها عقد التجمع التركي والتعامل غير الدبلوماسي مع الوزراء الأتراك، فإن صورة الاحتجاجات وما صاحبها من حرب كلامية بين البلدين يصب في مصلحة حزب الحرية المتطرف الذي يقدم نفسه كمدافع قوي عن بلاده في مواجهة خطر الأجانب والمسلمين.

في المقابل أظهرت ردة الفعل الغاضبة من قبل عموم الأتراك أن الحزب الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية هما المستفيد من هذه الأزمة باعتماد خطاب قومي قائم على مواجهة الغطرسة الأوروبية، وهو المصطلح الذي استخدمه الإعلام التركي بالأمس، ما يزيد من جعل رافضي التحول للنظام الرئاسي يبدون وكأنهم حلفاء للغرب المعادي لتركيا طبقا لهذه السردية.

كما أنه يؤكد حجة المؤيدين أن بلادهم تحتاج نظاما قويا وأكثر استقرارا في مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية والدولية، وهو ما يحققه النظام الرئاسي.


صراع القوميات

مصلحتنا الخارجية والجيوسياسية لا يمكن أن تكون هي الابتعاد عن تركيا

رغم تدعيم هذه الأزمة لفرضية أن صعود التيارات القومية سيصاحبه كثير من التوتر في العلاقات والمشاحنات بين الدول فإنه لا يمكن التغاضي عن التوقيت والسياقات السياسية التي أحاطتها ولعبت دورا مؤثرا في سرعة التوتر وتصاعده كونها تأتي قبل أيام قليلة من انتخابات برلمانية هولندية يتوقع أن يحقق فيها تيار يميني متطرف نتيجة غير مسبوقة، كما أنها تأتي قبل أسابيع من الاستفتاء على النظام الرئاسي في تركيا، وفي ظل منع عدة دول أوروبية للحزب الحاكم من الدعاية بين المواطنين الأتراك.

الأمر الذي يرجح أن تخف حدة التوتر بين البلدين عقب هذه الاستحقاقات الديموقراطية، خاصة في حال موافقة الأتراك على التحول للنظام الرئاسي وتمكن مارك روته من الاحتفاظ بمنصبه عبر تشكيل حكومة ائتلافية تمنع فيلدرز من تشكيل الحكومة.