مع استمرار أزمة كورونا، قد تلجأ بعض الدول إلى وضع المزيد من القيود التجارية أو الميل للتخزين الإجباري في محاولة لحماية أمنها الغذائي.
مؤسسة فيتش سوليوشنز.

بين عشية وضحاها، وجد العالم نفسه اضطراريًا في حالة طوارئ، وقد أُعلنت حالة من الحرب تهدد الأمن الغذائي لسكان العالم أجمع.

فمنذ بداية أزمة تفشي الفيروس التاجي كورونا، اتبعت الحكومات الوطنية إجراءات حمائية شديدة، جعلت من هيئة الغذاء التابعة للأمم المتحدة تحذر بخطورة ما يُثيره ذلك من نقصٍ في الغذاء حول العالم.

لم يكن ذلك المتوقع لعام 2020 قبل ظهور فيروس كورونا، فقد كانت التوقعات بشأن المحاصيل الأساسية واعدة، ومستوى الحصاد كان يسير على نحو جيد. لكن التحركات نحو الحمائية من حظر للتصدير وغلق المطارات تسبب في نقص أعداد العاملين الميدانيين في مجال الأغذية.

الأزمة ليست جديدة  

لم تكن أزمة الغذاء التي تلوح في الأفق بجديدة، بل مر العالم بأزمة غذاء بظروف مشابهة خلال الأزمة المالية العالمية في 2008، وذلك حين قرر المصدرون الكبار الذين كانوا قلقين بشأن الإمدادات الغذائية، الحد من الصادرات كي لا تتفاقم أزمة الغذاء. وردًا على ذلك اتجهت عدة دول لاستيراد الأغذية، وبزيادة الطلب اتجهت الأسعار للارتفاع.

جدير بالذكر أن أسعار المواد الغذائية تتغير استجابة لأحداث عدة كالصدمات المناخية وأسعار الطاقة والطلب على الوقود الحيوي والسياسات التجارية، فقد تؤثر الزيادات في أسعار النفط مثالاً على أسعار الأسمدة وكذلك على تكلفة الشحن والنقل.

وما حدث في أعقاب الأزمة المالية في عام 2008 هو تحويل العديد من المستثمرين أموالهم من أسواق الرهن العقاري إلى السلع الزراعية، الأمر الذي خلق صدمة في الطلب تسببت في زيادة أسعار السلع. خاصة وأن العديد من البلدان قد انتقلت منذ الثمانينيات من الاكتفاء الذاتي إلى كونها مستوردة للأغذية، وهو ما وضع تلك الدول في مأزق كبير خاصة في ظل ارتفاع الأسعار على نحو مبالغ فيه.

فقد أعلنت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة عن زيادة بنسبة 45% في الرقم القياسي العالمي لأسعار الغذاء خلال أزمة الغذاء عام 2008. إذ ارتفعت أسعار القمح بنسبة 130٪ مقارنة بمستويات عام 2007. وبالمثل، ارتفعت أسعار فول الصويا بنسبة 87٪، فيما ارتفعت أسعار الأرز بنسبة 74٪، وأسعار الذرة بنسبة 31٪.

وهو ما لم يتحمله فقراء العالم، فقد تسبب نقص الغذاء وارتفاع أسعارها إلى زيادة سوء التغذية حول العالم خاصة عند الأطفال وزيادة أعداد الناس الذين يعانون من الجوع ونقص التغذية بدرجة مثيرة.

بيد أن الوضع اليوم يختلف كثيرًا عن ما كان عليه في عام 2008، فالمخزونات العالمية من المواد الغذائية الأساسية الآن أعلى بكثير مما كانت عليه في تلك الفترة. لكنه من المتوقع أن تسعى الدول التي تمتلك مخزونًا جيدًا من الأغذية في الوقت الحالي إلى تخزين الطعام، الأمر الذي سيتسبب في خلق الذعر في سوق الأغذية.

كيف تهدد أزمة كورونا الأمن الغذائي العالمي؟

تسببت القيود المفروضة على حركة الطيران نتيجة لعمليات إغلاق المطارات في أغلب البلدان، في تعطيل إمدادات الغذاء العالمية نظرًا لحدوث نقص في أعداد العمالة الزراعية في وقت حرج من السنة بالنسبة للعديد من المحاصيل.

خطورة ذلك على المدى القصير، تتمثل في تعطيل تسليم الأغذية الطازجة وربما فسادها. وعلى المدى الطويل، فإن نقص العمالة في مجال الزراعة والحصاد يمكن أن يسبب نقصًا في كمية المحاصيل وارتفاعًا في أسعار المحاصيل الأساسية.

ومن ناحية أخرى، فإنه مع فقدان الناس لوظائفهم أو انخفاض دخلهم نتيجة للإغلاق أو الإصابة بالفيروس وتدهور الصحة، فإن ذلك يهدد بزيادة نسب الجوع في العالم لعدم وجود الدخل الكافي لسد الاحتياجات الأساسية من الغذاء.

ولن يكون من الصعب تصور سيناريوهات تتضاعف فيها أعداد الأشخاص الذين يعانون من الجوع على أساس يومي، خلال الأشهر القادمة في ظل خوف كبير من زيادة معدلات سوء التغذية وتقزم الأطفال.

من جهة ثالثة، فإن حالة الذعر من نفاد الغذاء باتت تسيطر على المتسوقين، مما جعلهم يعمدون لشراء كميات هائلة من الأغذية الأساسية بما يفوق احتياجاتهم خشية عدم توافر تلك البضائع مرة أخرى، الأمر الذي يؤثر سلبًا على فرص حصول الآخرين على احتياجاتهم من الغذاء.

من زاوية أخرى، فإنه مع إغلاق العديد من المطاعم وغيرها من المؤسسات العاملة في مجالات صناعة الضيافة، فإن منتجي الأغذية يحذرون من تعرض مخزون كبير من الأغذية للفساد. وبينما يحاول بعض المنتجين التركيز على إمداد المتسوقين العاديين لتسويق ذلك المخزون، إلا أن تغير طلب السوق يجعل من المخزون الزائد مشكلة كبيرة.

التوجه نحو الإغلاق سيد الموقف

لعل القيود التجارية وتعطيل سلاسل التوريد وحالة الذعر من تفاقم الأزمة ستزيد بدورها الأمر سوءًا. فقد أغلقت البلديات في الأرجنتين، أكبر مُصدر لمنتجات فول الصويا في العالم، الطرق في مناطق إنتاج فول الصويا الرئيسية ضاربة بعرض الحائط أوامر الحكومة الفيدرالية بإبقائها مفتوحة، الأمر الذي تسبب في تقلص إمدادات الحبوب في البلاد بمقدار النصف، ولم تخفف البلديات تلك القيود إلا عندما توقفت حركة الطائرات.

ووفقًا لتقرير صادر عن بلومبرج، فإن دولة كازاخستان، التي تمثل أحد أكبر مصادر العالم لدقيق القمح، قد حظرت تصدير دقيق القمح، فضلاً عن القيود التي فرضتها على الحنطة السوداء والسكر وزيت عباد الشمس وبعض الخضروات بما في ذلك البصل والجزر والبطاطس.

فيما علقت فيتنام، وهي ثالث أكبر مصدر للأرز في العالم عقود تصدير الأرز مؤقتًا، كما من المتوقع أن تهدد روسيا، كأكبر مصدر للقمح في العالم، بتقييد الصادرات كما فعلت من قبل. كما حظرت تايلاند شحنات بيض الدجاج لمدة أسبوع بعد أن تسبب نقص الإمدادات المحلية في ارتفاع الطلب وتضاعف الأسعار.

بينما اتجهت مدينة صباح، وهي أكبر مدينة منتجة لزيت النخيل في ماليزيا، لإغلاق مزارع زيت النخيل في ثلاث مقاطعات بعد أن أثبتت بعض العاملات إصابتها بفيروس كورونا.

جدير بالذكر، أنه لا توجد دولة محصنة من التعرض لأزمة نقص الغذاء، فقد ارتفعت أسعار القمح منذ بداية الأزمة بنسبة 8% وأسعار الأرز بنسبة 25%. وفي الأرجنتين، التي تعد أكبر اقتصاد أفريقي، قفزت أسعار الأرز فيها لأكثر من 30% خلال الأربعة أيام الأخيرة من شهر مارس فحسب.

ومن المتوقع أن تكون البلدان الفقيرة الأكثر تضررًا، لأنه لن يكون بإمكان أغلب سكانها شراء السلع الغذائية في ظل ارتفاع أسعارها، كما ستعاني الدول التي تستورد عادة أغذية أكثر من تصديرها من ارتفاع جامح في الأسعار في ظل ضعف العملات.

خطورة استمرار أزمة كورونا لفترة أطول

أزمة غذائية تلوح في الأفق، ما لم تتخذ الحكومات إجراءات سريعة لحماية الفئات الأكثر ضعفًا.
منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

إذا ما استمر فيروس كورونا في التفشي، وأصرت الحكومات على انتهاج سياسات الإغلاق بما يعيق الإنتاج عبر سلاسل التوريد، وكذلك الحواجز التجارية فإن ذلك قد يؤدي إلى أزمة غذاء محتمة.

إذ تحذر وكالات دولية وخبراء في مجال الغذاء من أن تتسبب جائحة كورونا إذا استمرت لفترة أطول في تعطيل سلاسل الإمدادات الغذائية العالمية، بما يعني ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار.

وحتى لو لم تحدث زيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية، فمن المرجح أن يتدهور وضع الأمن الغذائي للفقراء بشكل ملحوظ في جميع أنحاء العالم، وينطبق هذا بشكل خاص على الاقتصادات الفقيرة كالسودان وزيمبابوي التي كانت تكافح الجوع قبل تفشي الوباء.

وبالرغم من أن الإمدادات العالمية من المحاصيل الغذائية الأكثر استهلاكًا لا تزال كافية للاستهلاك العالمي، إلا أن تركيز الإمدادات القابلة للتصدير لبعض السلع الغذائية في عدد صغير من البلدان والقيود المفروضة على التصدير من قبل كبار الموردين، يجعل من العرض العالمي للغذاء أكثر هشاشة مما توحي به الأرقام الرئيسية.

ووفقًا لـ عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة، فإن 135 مليون شخص يواجهون بالفعل نقصًا حادًا في الغذاء، ولكن الآن مع تفشي الوباء يمكن أن يعاني 130 مليون آخرين من الجوع في عام 2020. وإجمالاً، يمكن دفع ما يقدر بنحو 265 مليون شخص إلى حافة المجاعة بحلول نهاية العام، ما لم توجد حلول.

ختامًا، العالم أمام كارثة إنسانية محتمة نتيجة لتفشي فيروس كورونا، فالملايين من الناس حول العالم معرضون للجوع، إذا ما استمرت الأزمة لشهور أخرى مقبلة في ظل الإجراءات الحمائية التي تتخذها الحكومات حول العالم من غلق للمطارات وتعطيل لسلاسل التوريد.

الأمر الذي يستدعي ضرورة التفكير في حلول لأجل أولئك الذين لن يكون بإمكانهم توفير احتياجاتهم الأساسية من الطعام في ظل ارتفاع أسعار الغذاء.