محتوى مترجم
المصدر
Quora
التاريخ
2016/12/09
الكاتب
توماس فريدمان

أكثر ما يخيفني من ترامب أنه قفز حديثًا من عالم العقارات، وسوق العقارات فيه خاسر ورابح. إذا كان ثمة من يبيع لي منزلًا/عقارًا، فكلما زادت خسارته زاد ربحي والعكس. أما في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، فالولايات المتحدة لم تعرف الخسارة.

أعطينا مليارات الدولارات للأوروبيين في خطة مارشال، ليُشيّدوا مركزًا حضاريًا وديموقراطيًا حديثًا، ويؤسسوا سوقًا اقتصاديًا كبيرًا، في حين ضمنّا للعالم الازدهار والأمان لـ6 عقود تالية. نقوم اليوم بدوريات للحماية في المحيط الهادئ وننفق الكثير من أموال الضرائب على هذا، لتكون النتيجة تعاونًا تجاريًا أكبر مع الصين ودول شرق آسيا، واستقرارًا عالميًا، ومن ثم يكون الحفاظ على الأمن والسلام الدوليين مسؤولية الجميع.

ما أنا قلق بشأنه إذن أن يأتي ترامب ويعتبر كوريا الجنوبية -مثلًا- مطعمًا للمشويات في بُرجه. صاحب المطعم لا يدفع الإيجار الكافي، ومن ثم فليس له أن يتمتع بالميزات (الحماية) التي يتمتع بها غيره من أصحاب المطاعم.. في عالم السياسة إذا لم تشعر دولة كـ«كوريا الجنوبية» بالأمان، في ظل جوارها الشمالي المتمرد على النظام العالمي، فإنها ستلجأ -لحماية نفسها- إلى شراء الأسلحة النووية أو تطويرها.

أسوأ ما يمكن أن يؤخذ على ترامب أن سقط على السياسة من عالم العقارات، حيث المكسب والخسارة وجهين لذات العملة!

صاحب مطعم السوشي المجاور سيذهب بكل تأكيد لمواكبة موجة الاحتماء بامتلاك الأسلحة الفتاكة، وصاحب المطعم (الصيني) هو الثالث سيحمي نفسه بامتلاك السلاح النووي، وفي لحظة مفاجأة تنشب بينهم معركة، ويتفجّر العالم من حولهم.

أجد كذلك الطريقة التي يعالج بها ترامب الأمور، من خلال الـ«سوشيال ميديا»، مزعجة للغاية. أزمة تايوان على سبيل المثال، هل بات معقولًا بعدها أن ندّعي علاقات قوية مع الصين؟ إذا كان الرئيس يسعى لهذا فعلًا فليعلق أفعاله حتى يكون له وزير خارجية، يسأله عن تداعيات ما يقول دبلوماسيًا، ووزير للتجارة يسأله عن التداعيات التجارية، ووزير للخزانة يسأله عن حال الدولار، قبل أن يطلق التصريحات -بلا تحليل- على حسابه على تويتر أو فيسبوك!من السهل جدًا أن تقول الحملة الانتخابية إنها عازمة على إجبار الدول على دفع المزيد في مقابل ما تقدمه لهم الولايات المتحدة الأمريكية، لكن هذا في سوق العقارات، لا في الجغرافيا السياسية. الجغرافيا السياسية وتجارة العقارات أمران مختلفان تمامًا.

أكثر ما يؤرقني اليوم هو أن الناس يلعبون حول مؤسسات عملاقة، «الاتحاد الأوروبي، لقد سئمت منه، دعونا نتخلص منه»، «حلف الناتو، لا يدفعون ما يكفي نظير الحماية الأمريكية، دعونا نتخلص منهم»، «الولايات المتحدة، الصين، وتايوان، لدينا سياسة واحدة منذ سبعينيات القرن الماضي، نحفظ من خلالها أمن وازدهار المحيط الهادئ الآسيوي، دعونا نعبث به». عندما أقطع كتفي، فأنا أعلم ما هو متصلٌ به، وعليه أكون على قدر من المعرفة بأي الأجزاء سأفقد السيطرة عليها مع الكتف، إذ لا ذراع ولا ساعد ولا أصابع. دعونا بعد ذلك نتخلص من المؤسسات الكبرى، ثم نكتشف الكثير من الأشياء التائهة، التي كانت متعلقةً بها!


إجابة أخرى على السؤال نفسه جاءت من يانزي كريسي، أحد العاملين بمجال الهندسة البيئية، حاملًا بعض السخرية من النشاط المفرط لترامب على حسابه على تويتر، متسائلًا عما إذا كان ترامب سيجد وقتًا لمهام الرئاسة أم لا، وهل إذا ما كان يطّلع على وثيقة استخباراتية سرية، سيكون حسابه على تويتر أقرب إليه من مستشاريه!


بوب ساك، مدرس رياضيات، هو الآخر أدلى بإجابته: أكثر ما يخيفني من رئاسة ترامب هو دمج جماعات الكراهية في التيار الرئيس. إذا كان ترامب محافظًا ومحبًا للولايات المتحدة، فإن هذه الجماعات لا هي محافظة ولا موالية للولايات المتحدة!

ترامب كذلك كانت لديه فرصة كبيرة ليكون نسخة مطورة من الرئيس ريجان، فريجان كان يدرك أنه ليس الأذكى، ولذلك أحاط نفسه بأناس أذكياء، أما ترامب فهو اليوم يدرك أنه أذكى من في الإدارة، وأذكى من الذين جعلهم حتى ضمن فريقه الرئاسي. نقطة أخرى بخصوص فريقه الرئاسي، وهي أنهم جميعهم على خط قريب من جماعات الكراهية أمثال مايكل فيلين، وستيف بانون.

يظن ترامب أنه من خلال هذا الفريق الرئاسي سيغدو قادرًا على إنفاذ أفكاره التي جاء من أجلها، سيعالج مشكلات التجارة، ويعيد التصنيع ثانيةً إلى الولايات المتحدة، ويحل أزمة الوظائف. لكن لسوء حظه سينفق جهدًا كبيرًا لمعالجة الآثار السلبية الناجمة عن خياراته هذه! وسيلاقي الكثير من ردات الفعل السيئة من الجماعات اليمينة المحافظة من أنصاره، إذا رأوه بعيدًا عن وعوده الرئاسية التي لم يكن لها معنى على أرض الواقع. ولعل أكثر ما يخيف المعتدلين والليبراليين هذا الكم المتنامي من مشتريات السلاح من قبل الجماعات اليمينية!


سؤال آخر أجاب عنه فريدمان في هذا الصدد، ما أسوأ ما يمكن أن يخلّفه ترامب خلال سنوات حكمه الأربعة؟

«أنا أفكر عمليًا أنه لا يوجد شيء سيفعله ترامب لا يمكن الرجوع فيه من قبل الرئيس القادم بعد أربع سنوات، ولا حتى تعيين رئيس المحكمة العليا، الشيء الوحيد الذي لن يُمحى أثره حقًا، هو أن يسحب الولايات المتحدة بعيدًا من قيادتها للعالم في التغير المناخي، إن هو فعل ذلك فعلًا، فلن يكون الأثر قابلًا للمحو، وذكرت له ذلك في مذكرة، وأشرت إلى أن لديه ملاعب جولف ساحلية كثيرة على شاطئ المحيط، ستكون بداخله إن هو فعل ذلك، خلافًا لمنتجعه في ميامي التي تعاني فيضانات أصلًا».

كانت هذه إجابة، توماس فريدمان، الصحفي الأمريكي لدى «نيويورك تايمز»، على أسئلة، على حسابه على «موقع Quora»، للأسئلة والأجوبة، إذ يسعى فريق عمل إضاءات لترجمة سلسلة أسئلة وأجوبة، تطرحها شخصيات عامة، وأناس عاديون، حول الأحداث السياسية المتلاحقة، رغبةً في إثراء روح المشاركة الجماهيرية والرأي العام العربي والعالمي، ومد أواصر الصلة بيننا وبين الشارع الغربي وكيفية تفكير الناس هناك.