احتفت قصص المغامرات والأساطير العربية بطائر العنقاء وضربت به مثالاً في الجمال والقوة، يعيش العنقاء طوال حياته سعيداً في مكان مليء بجمال الطبيعة يغرد أغانيه الجميلة، وما أن يحين وقت التغيير والتجديد حتى يستعد ويتوجه إلى مكانه في معبد في هليوبوليس ليحترق هناك تحت الشمس، يظن الناس أنه قد انتهى ومات؛ ولكن من رماده يخرج لنا عنقاء جديد يعود ليمتلك السماء بقوته وجماله.

سر قوة العنقاء هو معرفته بالقوانين، يعرف متى يترك نفسه ليحترق، ومتى يطير مستمتعاً بالحياة التي يعرف أن التغيير هو الثابت الوحيد فيها، وأن قسوة الأحداث هي جزء رئيسي من قصة النجاح، وكما يقول الكاتب روري فادن: «النجاح لا يُمتلك إطلاقاً، بل هو دائماً يُستأجر ويجدد الإيجار كل يوم».

ولكي نستمر في الرحلة نقدم خمس نصائح في كيفية إدارة الشركة في مثل هذه الأوقات، علها تكون مصابيح تعيننا في رحلتنا في ريادة الأعمال فنمضي مثل العنقاء أقوياء أو نولد من جديد من رحم المعاناة.

1. التواصل سر النجاح

بغض النظر عن حجم الشركة أو مدى استقرارها في السوق فالتواصل سيكون أحد أهم العوامل التي ستعين الشركة الناشئة على عبور الأزمة، يجب عليك أن تبدأ فوراً في تجهيز خطابات واضحة للفريق الداخلي تساعد على أن يعرف كل شخص دوره ودور باقي الأفراد لكي يبقى على اتصال مع رؤية الشركة خلال الأزمة.

بعد ذلك ابدأ في تجهيز خطابات للعملاء لشرح المستجدات وتوضيح خطة الشركة في التعامل مع الأزمة مما سيطمئن العملاء ويؤثر بالإيجاب على سير عمليات التفاوض، ابدأ أيضاً في كتابة رسائل يومية لفريق العمل وأسبوعية للعملاء. من المهم أن يتسم التواصل مع الجميع بالشفافية (وهذا لا يعني أن تكون سلبية)، على ألا تتجاهل أي شخص من أكبر مستثمر إلى أصغر مورد أو عامل وجزء من هذه الاستراتيجية سوف يركز بلا شك على ضمان سلامة وأمن الموارد البشرية بالشركة.

2. تكيف خطة الشركة مع الأزمة

حسب صحيفة الجارديان، فإنه من المحتمل أن يستغرق الباحثون من 12 إلى 18 شهراً (في سيناريو متفائل) حتى نتوصل إلى لقاح توافق عليه الجهات المعنية ويتم اعتماده – وهذا لا يشمل آثار ما بعد انتهاء الأزمة – فالسؤال هنا.. هل الخطة العامة لشركتك ونموذج العمل مهيئان للصمود طوال تلك الفترة؟

خطة الشركة يجب أن يتم مراجعتها لمعرفة الفرص والمخاطر الكامنة كتبعات للأزمة باستخدام آليات للتحليل مثل SWOT و PESTEL حيث يعطينا تحليل PESTEL انطباعات عن العوامل والمتغيرات الخارجية الكلية التي تؤثر على الشركة من أجل بحث استغلالها كفرص، أو إيجاد حلول للتهديدات المحتملة، ثم يأتي تحليل SWOT ليعطينا معلومات عن نقاط القوة والضعف لدى الشركة إضافة إلى المخاطر والفرص.

بعد التحليل ستبدأ في تطوير خطتك في التعامل مع المرحلة التي ستصل إلى عام ونصف أو تزيد. ستبدأ هذه الخطة بتقييم دقيق للمخاطر، يليه أفكار مقترحة للحلول والبدائل ومن ثم تطوير ملف خطة العمل الخاص بالشركة بما يضع العميل أو الزبون في المركز. وتذكر أنه يمكنك دائماً بلوغ نفس الهدف الذي طالما عملت من أجل تحقيقه، ولكن الطريق مختلف أو دعنا نقول إنه مطور قليلاً، وهناك أمثلة كثيرة ممكن أن تعلم منها في هذا الأمر.

إذا كانت شركتك تمتلك سيولة كافية لعام أو أكثر، فهذا هو أفضل وقت تركز فيه على تطوير منتجك والحفاظ على العملاء الحاليين وتقوية آلية العمليات في الشركة، أما إذا لم يكن هذا موقفك ففكر وقرر إلى أي مدى من الممكن أن تضحي وتطور.

التعديلات والتطويرات من الممكن أن تكون بسيطة في كيفية عرض المنتج أو التركيز على منتجات على حساب منتجات، ومن الممكن أن تكون جذرية لتشمل نموذج العمل بالكامل، المهم ألا تتردد في تطوير خطتك لأن أهم شيء في هذه المرحلة هو الصمود، هذا هو الوقت الذي نحتاج فيه لأن ننحي كل الأشياء غير الضرورية جانباً. كل الشركات تركز على الصمود كأولوية وبعده يأتي أي شيء ونأخذ في هذه النقطة شركة جنرال موتورز -ثاني أكبر منتج للسيارات في العالم- التي قد أعلنت في وقت سابق تعاونها مع شركة Ventec في إنتاج أجهزة التنفس الصناعي والذي يعد بعيداً تماماً عن النموذج الأساسي للعمل فيما يخص صناعة السيارات ولكن هذه هي طبيعة الأزمات.

3. افهم كيف يفكر المستثمرون

طبقاً لاستبيان قامت به 500 Startups حول ماهية تأثير فيروس كورونا على بيئة الاستثمار في الشركات الناشئة، 86% من المستثمرين يرون أن هذه الأزمة ستؤثر سلباً على استثماراتهم، و63% يعتقدون أن هذا التأثير سيستمر لمدة عام أو عامين. ومع ذلك، فإن هناك أفكاراً إيجابية لدى مستثمرين حول بعض المجالات المستفيدة من أزمة COVID-19، بما في ذلك الرعاية الصحية وحلول العمل عن بعد حيث ارتفعت التمويلات في مجال الـTelemedicine في الربع الأول من 2020 إلى 788 مليون دولار وهذا يمثل ارتفاعاً يبلغ أكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بالتمويلات التي تم جمعها في الربع الأول من 2019.

المجالات التي يرغب المستثمرون عالمياً في الاستثمار فيها في الفترة الحالية
المجالات التي يرغب المستثمرون عالمياً في الاستثمار فيها في الفترة الحالية

في ظل هذه الظروف أيضاً نجحت بعض الشركات في المنطقة العربية في تأمين جولات استثمارية في الربع الأول من 2020 قدرت بنحو 277 مليون دولار حسب تقرير أصدرته MAGNiTT منها فيزيتا في مجال الرعاية الصحية (40 مليون دولار)، وانستاباج (5 ملايين دولار) التي ارتفع عدد مستخدميها بنسبة 45% منذ اندلاع الأزمة في يناير.

مجموع الاستثمارات بالدولار وعدد الجولات الاستثمارية في 2019 والربع الأول من 2020
مجموع الاستثمارات بالدولار وعدد الجولات الاستثمارية في 2019 والربع الأول من 2020
/

وفقاً لماجنت، فقد شهدت الاستثمارات في المنطقة العربية في مارس انخفاضاً ملحوظاً إثر تفاقم الأزمة، ومن المتوقع أن يستمر هذا الانخفاض. إذا كانت شركتك في المجالات غير المحظوظة بتفاقم الأزمة، وكنت قد بدأت محادثات حول استثمارات في شركتك قبل الأزمة، من الأفضل أن تكمل جولة الاستثمار بالتقييم الحالي للشركة قبل أن تسوء الأمور. أما إذا كنت تبحث عن استثمارات في هذا التوقيت ففكر جيداً في تقييم الشركة الحالي، وحاول أن تبحث عن مستثمرين جدد أو صناديق استثمارية حديثة العهد، لأن الكل حالياً مهتم بالحفاظ على أمواله بمساندة الشركات الذين استثمروا فيها بالفعل ومساعدتها على المواصلة وجني الأرباح أو أن تنجو بأقل الخسائر.

4. الموظف هو أهم مورد

في عالم ريادة الأعمال حيث يتم تعيين أشخاص مميزين بطبيعة الحال، تصبح حماية هؤلاء الأشخاص جسدياً وذهنياً أولوية قصوى لدى الشركة.

الكثير من أصحاب الشركات الناشئة يركز في على إدارة رأس المال ويغفل قليلاً إدارة أهم موارده، وهذا يسبب الكثير من المشاكل لهؤلاء الموظفين مما يؤثر بالسلب على قدرتهم على الإنتاج في هذه الأوقات.

نرشح لك اعتماد أحد التطبيقات لتكون بمثابة مكان العمل الافتراضي مثل Slack، وZoom للاجتماعات والنقاشات، وEvernote أو Trello أو Asana لتنظيم العمل والمهام، وToggl لإدارة الوقت ومعرفة الوقت الذي يستغرقه الموظف في المهام المختلفة، بفضل هذه الأدوات سيبدأ الموظف العمل وينهيه (Check in and out) في مواعيد محددة لسلامة صحته النفسية في المقام الأول وتلاشي أن نقع جميعاً في مشاكل الإجهاد الذهني والجسدي الناتجة عن سوء التواصل، وأيضاً حاول استبدال النقاشات الخارجية البعيدة عن العمل ببعض الاجتماعات (Social Hangouts) في مواعيد محددة أيضاً لتحاول تعويض مشكلة التواصل البشري.

وفقاً للأبحاث، فإن 39% من الموظفين الذين يعملون من المنزل يكملون مهامهم بشكل أسرع من أولئك الذين يعملون في المكاتب وأماكن العمل الثابتة؛ ولكن من المهم أن نساعدهم على إعداد وترتيب مكان مناسب للعمل من المنزل حتى لا يصبح مشتتاً بأشياء أخرى أثناء وقت العمل، على سبيل المثال، تحملت شركة تويتر تكاليف مساعدة موظفيها في إعداد المكتب المنزلي الخاصة بهم، مما سهل من العملية الانتقالية للعمل من المنزل.

العديد من أصحاب الشركات يظن أن هذا الوقت فرصة جيدة لتسريع العمل واستغلال تواجد الموظفين في المنزل، ولكن فكرة التواجد الدائم للموظف (Always-on Mode) تضر أكثر مما تنفع. معرفتك بإمكانيات فريقك ستساعدك في تقييم الوضع وتحديد حجم العمل المناسب لهم بما لا يسبب أي مشاكل جانبية.

5. السيولة المالية وكيفية المحافظة عليها

لن يهم مدى سعادة موظفيك إذا استنفدت ما تمتلك من سيولة وكنت على أعتاب إغلاق الشركة، يجب عليك تقييم الوضع المالي للشركة ومعدل الاستنفاد (Burn rate).

ابدأ بحساب حجم المال الذي تنفقه كل شهر، ثم تحديد مقدار ما يذهب إلى النفقات الثابتة (التي تتحملها الشركة ولا تتأثر بحجم الانتاج، مثل إيجار مكتب ويدخل من ضمنها جزء من الرواتب)، ثم تحديد مقدار ما يذهب إلى النفقات المتغيرة (التى تتغير مع التغير بحجم الإنتاج مثل رواتب العاملين، والمواد الخام التي تتغير مع المبيعات والعمولات وما إلى ذلك).

بعد ذلك ، ألق نظرة على الإيرادات كل شهر (الأرقام الفعلية وليس التوقعات)، إذا كنت تجني أموالاً أكثر مما تنفق فهذا شيء جيد، أما إن لم تكن كذلك؛ فألق نظرة على حسابك البنكي لمعرفة عدد الأشهر التي يمكن لشركتك خلالها الاستمرار في حرق (استنفاد) هذا المبلغ كل شهر قبل أن تحتاج لتمويل.

كيفية إدارتك للموارد ومعدل الاستفاد هي نقاط ستدخل بقوة في تقييم شركتك ومدى إمكانية الاستثمار فيها. حاول بقدر الإمكان أن تجد حلولاً مع فريقك لزيادة الإيرادات وأدخل الأفكار سريعاً في مرحلة التجربة لاختيار أفضلها وإكمال البناء عليه، أيضاً التريث في عملية تعيين موظفين جدد سيكون شيئاً مفيداً لحين الانتهاء من تقييم الأمر وحساب توقعات الأرباح في الفترة المقبلة.

وضع فيروس كورونا الجميع في اختبار صعب لم نكن نضعه في الحسبان، فجأة كل منا وجد نفسه أمام قرارات مصيرية وصعبة تتعلق بتسريح بعض الموظفين أو تقليل الرواتب أو حتى تغيير فكرة ونموذج عمل الشركة بالكامل، وكل هذه النقاط صعبة جداً لكن التغيير هو الثابت الوحيد للحياة وإعداد أنفسنا لهذا التغيير كان دائماً وأبداً شيئاً ضرورياً، ستنقضي الأزمة وينتهي الوباء وسيخسر كل من لم يبذل مجهوداً كافياً في التعامل مع الأزمة على كل المستويات، وسيفوز من فكر وأعمل عقله واستغل مرونة الشركة الناشئة في العبور من الأزمة، والجدير بالذكر أن هناك العديد من الشركات خرجت من رحم أزمات اقتصادية مثل كورونا لعل أبرزها Airbnb وStripe وSquare الذين ظهروا في 2008 و2009؛ فلا تدع أبداً باباً لليأس وابدأ الآن دراسة موقفك ووضع خطة نجاحك وتنفيذها مهما كانت الظروف.