محتوى مترجم
المصدر
الإندبندنت
التاريخ
2016/02/19
الكاتب
سيوبهان فنتون

هل تعاني المرأة من تجاهل الطب لها في المجالات الطبية الخاصة بها والتي لا يشاركها فيه الرجل؟، وهل كانت الأبحاث الطبية مجالاً للهيمنة الذكورية والخطاب الأبوي بدلاً من أن تكون أداة لتحقيق السعادة للجنس البشري بجنسيه الذكري والأنثوي؟، كانت هذه الأسئلة محور مقال في جريدة الإندبندنت يتناول كيفية تجاهل الطب والعلم الحديث لإجراء الأبحاث حول تخفيف الآلام المصاحبة للدورة الشهرية.

آلام الدورة الشهرية قد تكون بنفس سوء الإصابة بذبحة صدرية ومع ذلك يتم تجاهلها.
أستاذ الصحة الإنجابية في جامعة «لندن كوليدج»

يبدأ المقال باقتباس عن جون جيليبود، أستاذ الصحة الإنجابية في جامعة لندن كوليدج، الذي أفاد أن بحثًا علميًا هذ ا الأسبوعقد أوضح أن آلام الدورة الشهرية قد تكون «بنفس سوء الإصابة بذبحة صدرية». حيث قال: «إن الرجال لا يدركون ذلك، ولم يتم التركيز على الأمر بالصورة التي يستحقها، وأنا بالفعل أؤمن أنه شيء يستحق الاهتمام به، كأي شيء آخر في المجال الطبي».كما نقل المقال ترحيب الطبيبة إيموجين شو التي تعمل كممارس عام متخصص في طب النساء بهذا التصريح قائلة: «لن أدعي أن آلام الدورة الشهرية لم تخضع للبحث بصورة موسعة» ،وعند سؤالها عما إذا كانت هذه المشكلة سيتم النظر إليها بصورة أكثر جدية إذا كان الرجال يعانون منها، أجابت: «أظن أن ذلك سيحدث؛ كونهم يسخرون من الأمر بشدة».ويتعجب المقال من أن يكون اهتمام مهنة الطب بموضوع الدورة الشهرية صغيرًا إلى هذا الحد، على الرغم من انكسار الكثير من المحرمات الخاصة بالدورة الشهرية في السنوات الأخيرة من خلال الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، ويضيف أنه ما يزال أمام هذا الأمر أن ينفذ إلى «الخطاب الطبي» على حد قول الكاتبة، حيث لا تزال الدورة الشهرية تعاني من ندرة الاهتمام الطبي الجاد بها في مجالات البحث. حيث لم تجرِ إلا القليل جدًا من الأبحاث حول طرق منع الألم أو المسكنات، ولا تزال أدوات مثل السدادات القطنية أو كؤوس الحيض أو الفوط الصحية يعوزها التطوير.ويضيف المقال أن آلام المرأة أثناء الدورة الشهرية لم تكن وحدها التي لم تؤخذ على محمل الجد كما ينبغي، بل إن تجاهل آلام المرأة بشكل عام قد أصبح ممارسة شائعة في الطب تبعث على القلق. وقد أظهر بحث علمي جديد أن الأطباء بوجه عام لا يأخذون آلام المرأة على محمل الجد بشكل كبير.

يتجاهل الطب آلام الدورة الشهرية بسبب اعتقاد الرجال أن النساء يبالغن في إظهار الألم ويهوّلن من المواقف كنتيجة للصور النمطية المتحيزة ضد المرأة.

ويوضح المقال أن الرجال ينتظرون حوالي 49 دقيقة في المتوسط قبل الحصول على العلاج من آلام البطن، أما النساء فهن ينتظرن 65 دقيقة لتلقي العلاج الخاص بنفس الأعراض. ويُعتقد أن ذلك بسبب النظرة السائدة للنساء بأنهن يبالغن في إظهار الألم ويهولن من المواقف كنتيجة للصور النمطية المتحيزة ضد المرأة، بينما يتم الاستماع للرجال ويُصدقّون عندما يعبرون عن نفس الآلام والأعراض.ويربط المقال بين هذه الصورة النمطية واللغة، فيوضح أن كلمة «هستيريا» مشتقة من كلمة هستريكوس اليونانية التي تعني «رحمي أو متعلق بالرحم»، وهو ما يظهر كيف يربط المجتمع دائمًا بين الأرحام والانفعال الزائد واللاعقلانية وعدم الاستقرار النفسي.ويشكو المقال من إهمال معظم المؤرخين الكبار في العالم تناول مشكلة الدورة الشهرية. فقد انحصر الحديث عن آلام الدورة الشهرية بين المرأة وأمها أو أختها أو صديقاتها المقربات، بدلاً من أن تكون موضوعًا للمحادثات المهذبة، ناهيك عن السجلات التاريخية والسجالات الفكرية.وعلى الرغم من ذلك، تتسرب دماء الدورة الشهرية –حسب وصف الكاتبة- أحيانًا إلى صفحات التاريخ، وتظهر تلك الوقعات النادرة أخبارًا تستحق الرواية. فبالنسبة لأرسطو، كانت دماء الدورة الشهرية هي إكسير الحياة الذي يختلط بمني الرجل لينشأ الأطفال؛ الأمر الذي جعل منه رعبًا غير طبيعي ودليلاً طبيعيًا على دونية المرأة المتأصلة فيها؛ مما جعله يستنتج أنه «يجب النظر إلى الحالة الأنثوية على أنها عاهة جسدية، لكنها عاهة تحدث بصورة طبيعية».ويضيف المقال: أن العهد القديم قدم مزيجًا من الرعب المتعالي روحيًا والانبهار الصبياني بدماء الحيض –حسب وصف الكاتبة- وذلك في فقرة حامية في سفر اللاويين تدعو إلى عزل الحائض عن المجتمع لمدة سبعة أيام، «وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ تَأْخُذُ لِنَفْسِهَا يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ، وَتَأْتِي بِهِمَا إِلَى الْكَاهِنِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. فَيَعْمَلُ الْكَاهِنُ: الْوَاحِدَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَالآخَرَ مُحْرَقَةً. وَيُكَفِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ أَمَامَ الرَّبِّ مِنْ سَيْلِ نَجَاسَتِهَا».وفي القرن الثامن عشر، أدى الهوس بعلم الفلك إلى استحداث موضوع جديد في النقاشات الطبية حول الدورة الشهرية. حيث صرح ريتشارد ميد أحد أطباء الملك جورج الثاني: «الكل يعرف الدور الكبير الذي يلعبه القمر في إخراج هذه الإفرازات من الجنس الضعيف».

تؤثر الدورة الشهرية على النساء حول العالم لأيام في كل شهر، إلا إن الألم الذي يصاحبها نادرًا ما يتم بحثه أو محاولة تخفيفه لأنها مشكلة نسائية.

ومنذ ذلك الوقت، فسرت الأبحاث العلمية الأساسية نزول الدم كل شهر وربطته بانهيار بطانة الرحم. ولكن بعيدًا عن ذلك، لم يدخل الخطاب الطبي إلا القليل من التناول العملي الثمين للدورة الشهرية.ويشكو المقال من أنه على الرغم من أن هذه الدورة تؤثر على النساء حول العالم لأيام في كل شهر، فإن الألم الذي يصاحب الدورة الشهرية نادرًا ما يتم بحثه ولا توجد محاولات جادة تذكر للعمل على تخفيفه. ويرجع ذلك في الغالب إلى أن الدورة الشهرية توصف بأنها «مشكلة نسائية» وتوضع في إطار الألم الطبيعي المتأصل في طبيعة المرأة، وأنه معاناة مقدسة روحانية مثل آلام الولادة.كما لو أن تخفيف الألم يقلل من أنوثة المرأة، أو يجعلها تتنازل عن دورها في أن تكون أوعية صامتة للإنجاب. وللحصول على الخطاب أو المساعدة أو التدخل الطبي لتخفيف آلام الدورة الشهرية، سيتطلب ذلك التخلي عن لعبة الصمت وغلق الأفواه وضم زجاجة المياه الساخنة بشدة إلى البطن.ويختتم المقال بالقول إنه على الرغم من الشعور بالراحة بأن مقولات أرسطو والكتاب المقدس لم تعد آخر ما وصل إليه العلم حول الموضوع، فإن تناول الطب للدورة الشهرية يترك الكثير من الإنجارات التي نرغب في أن تتحقق في هذا المجال. فلم يعد الحيض أمرًا شائكًا كما كان في الماضي، ولكنه لايزال يمثل مشكلة لم تنل ما تستحقه من التناول العلمي الجاد، وستعاني المرأة بسبب ذلك كل شهر حتى يحدث هذا التناول.