شهد عام 2018 صدور عدد من الأعمال الهامة لمفكرين عرب من اتجاهات مختلفة، تشكّل في مجموعها حصيلة الإنتاج العربي الفكري الذي يتعاطى مع هذا الواقع العربي الثقافي والسياسي ويعبر عن رؤية المثقفين العرب له. هنا أبرز تلك الأعمال.


1. الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة

الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة، عزمي بشارة
كتاب الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة ــ عزمي بشارة

يستكمل عزمي بشارة، المفكر والأكاديمي العربي ذائع الصيت، مشروعه المعرفي عبر كتابه «الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة» الصادر عن «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات» حيث يحاول فيه بشارة وضع نظرية معرفية مرتّبة عن الطائفية كواحدة من أبرز مشكلات الوطن العربي.

ويدرس الكتاب عملية تحول الفروقات الطائفية الاجتماعية والدينية إلى ظاهرة «الطائفية»؛ أي الاستقطاب السياسي على أساس الاختلاف الطائفي. يتتبع بشارة السياق التاريخي لنشوء ظاهرة الطائفية، ومقارنتها بنماذج غير عربية، وتحليل الفرق بين تلك النماذج المختلفة طبقًا لمجموعة من المعايير التي يرى بشارة أنها ذات فعالية مؤثرة في عملية التحول تلك.

ينقسم الكتاب إلى عدد من المحاور:

الأول، دراسة الطائفة بوصفها كيانًا متخيلًا: يتتبع فيه بشارة نشأة الطائفية السياسية في السياق العربي مدللًا على أن الطائفية بشكلها الحالي ليست من إنتاج مجرد وجود الطوائف، بل على العكس، فالطائفية هي التي تستدعي الطائفة من وعي الناس وتعيد إنتاجها كهوية سياسية.

الثاني، الطائفة قديمًا والطائفية حديثًا: يميز بشارة في هذا المحور الفرق بين الانتماء إلى الجماعة قديمًا والانتماء إليها في عصر الحداثة؛ ليستنتج أن الرابطة بين أبناء الطائفة بمعناها الحديث هي علاقة معنوية تقوم على الانتماء بين أفراد لا يشكلون جماعة، بل جماعة متخيلة، وأن شرطها هو أفول الجماعات بمعناها القديم.

الثالث، الطائفة والدولة الحديثة: وينتقد بشارة في هذا المحور نزوع عديد من الباحثين إلى استخدام العصبية الخلدونية في تفسير علاقة الطائفة بالدولة في العصر الحديث، مشددًا على ضرورة فهم أن الدولة الحديثة لا تقوم على عصبية لأنها تدعي تمثيل جميع أفراد المجتمع، موضحًا أن الدولة الحديثة هي التي تنشئ العصبية، وليست العصبية هي التي تؤسس الدولة.

الرابع، يدرس العلاقة بين الطائفية وثقافة المظلومية في الفكر الجمعي العربي.

الخامس، نقد عملية الديمقراطية التوافقية التي إن لم تقم على أساس المواطنة الحقيقية فقد تكون طريقًا جديدًا لتوطيد الطائفية.


2. في المسألة العربية: مقدمة لبيان عربي ديمقراطي

في المسألة العربية: مقدمة لبيان عربي ديمقراطي، عزمي بشارة
كتاب في المسألة العربية: مقدمة لبيان عربي ديمقراطي – عزمي بشارة

أما عن الكتاب، فهو كسائر إسهامات عزمي بشارة، يحاول دراسة المسألة الديمقراطية في الوطن العربي، ويحاول أن يستكشف عملية التفسخ والانقسام الذي يمكن أن تحدث للدولة الوطنية العربية في حال عجزت عن بناء ديمقراطية حقيقية داخل كيانها، والحديث هنا عن الديمقراطية بوصفها هدفًا وغاية وطنية عربية لا يمكن تحقيقها إلا إذا قادها ديمقراطيون وطنيون عرب، والعمل على بناء نظم ديمقراطية في الدول العربية، تقوم وحدتها على المواطنة وحقوقها.


3. سايكس بيكو – بلفور: ما وراء الخرائط

سايكس بيكو - بلفور: ما وراء الخرائط، فواز طرابلسي
كتاب سايكس بيكو – بلفور: ما وراء الخرائط – فواز طرابلسي

يروي الكتاب الصادر حديثًا عن «رياض الريس للكتب والنشر» قصة عقد من الزمن خلال الحرب العالمية الأولى تم فيه إنتاج الشرق العربي الحديث ابتداء بالعام 1920، العام الذي أسماه عرب ذلك الزمان «عام النكبة» كما يقول طرابلسي.

تعمل هذه الدراسة على إعادة تركيب المسار التاريخي لتقسيم الشرق بالنظر في ما وراء الخرائط؛ وذلك بدراسة لحظة تاريخية لا تتجاوز العقد من الزمن تقرر خلالها مصير المشرق العربي على خلفية الحرب العالمية الأولى

وترجع أهمية دراسة خرائط تقسيم المشرق العربي إلى استيلاء اتفاقية سايكس- پيكو وخريطتها (ومعها تعهد مكاماهون وإعلان بلفور) على مدارك أغلب الباحثين عن الفترة التأسيسية للمشرق العربي. أما عن إعلان بلفور، فيعتبر النص الذي أنتج دولة إسرائيل قبل أن يعود بدوره ليشكل عنصرًا فعالًا في تقسيم المشرق العربي. وقد قال عنها الكاتب: «إن أدهى ما في هذا كله حضور سايكس-پيكو الفاعل في الثقافة السياسية الشفوية والإعلامية لبلادنا. فقد دخلت سايكس-پيكو وأخواتها حومة الخرافة والأسطورة وبات لها صلابة المعتقدات الإيمانية الراسخة. فليس من المستغرب كثيرًا أن الموضوع لا يحظى إلا بقلة قليلة جدًا من الدراسات العربية أو من أبحاث من إنتاج كتاب عرب».


4. الإمبرياليون المقهورون: في المسألة الإسلامية وظهور طوائف الإسلاميين

الإمبرياليون المقهورون: في المسألة الإسلامية وظهور طوائف الإسلاميين، ياسين الحاج صالح
الإمبرياليون المقهورون: في المسألة الإسلامية وظهور طوائف الإسلاميين

يأتي هذا الكتاب الصادر حديثًا عن «رياض الريس للكتب والنشر» للمفكر السوري ياسين الحاج صالح، وهو كتاب يمكن اعتباره كما قال حاج صالح من قبل جزءًا ثانيًا من كتابه «أساطير الآخِرين: نقد الإسلام المعاصر ونقد نقده» (2011).

يأتي الكتاب في ثلاثة أبواب رئيسية، وهي: الباب الأول، معطيات التكوين. والباب الثاني الذي ينظر في تكوّن الضمير الإسلامي المعاصر. ويأتي الباب الثالث، فينظر في إسلام الحرب والظاهرة السلفية الجهادية.


5. ثغور المرابطة: مقاربات ائتمانية لصراعات الأمة الحالي

ثغور المرابطة، طه عبد الرحمن
ثغور المرابطة ــ طه عبد الرحمن

ظل الفيلسوف طه عبد الرحمن يحمل هموم الأمة على طريقته الفلسفية الخاصة، وتظهر هذه المرة الهموم السياسية والقومية التي يحملها؛ فتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يكتب فيها الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن في السياسة وقضاياها وأحداثها، بعد أن كان يأخذ مسافة من الواقع ويحلق بعيدًا عن قيوده وجاذبيته؛ لينظر إلى باطن الوقائع، ويبحث عن الأفكار التي تقف وراء الأحداث وتحركها.

ما غيّر تعاطي عبد الرحمن هو تغير حال الأمة العربية والإسلامية التي باتت تتعرض لأخطار تهدد وجودها كأمة مترابطة، وذلك على جبهات ثلاث؛ أولها: التفريط في القدس، ثانيها: تصارع الحكام المسلمين على النفوذ، وثالثها: الاقتتال بين العرب وبعضهم البعض.

ويعتبر السبب الضمني لكتابه أنه لم يرَ اقترابًا فلسفيًا من هذه التحديات الثلاثة، فمن يكتب ينظر إليها من التاريخ أو السياسة وليس من منظور فلسفي. يتعاطى هو معها ضمن نظريته الأخلاقية التي سمّاها «النظرية الائتمانية»، مجدِّدًا النظر في جوانب من تاريخ الأمة السياسي، ومتوصلًا إلى نتائج تتسم بالفرادة والإبداع، ومقترحًا مبادرات رباطية مستمدة من قيم التداول الإسلامي العربي، ائتمانًا وإيمانًا، طبقًا لكلامه.

الكتاب صادر عن «مركز مغارب للدراسات».


6. اللاهوت

اللاهوت ــ عبد الجواد ياسين

يواصل المفكِّر والقاضي السابق عبد الجواد ياسين في كتابه الصادر حديثًا عن مؤسسة «مؤمنون بلا حدود»، العمل ضمن مشروعه الفكري القائم على استكشاف الجذور الاجتماعية والتاريخية للديانات التوحيدية الثلاث: اليهودية، المسيحية، والإسلام. فبعد أن استكشف في أعماله السابقة الجذور التاريخية للأحكام التشريعية الإسلامية، يعمل في كتابه الجديد على مفهوم «اللاهوت»؛ أي التصور الرسمي النظري للاعتقاد داخل أي ديانة.

وتقوم نظرية ياسين العامة على فرضية مركزية مفادها التمييز بين الدين باعتباره يعبّر عن المطلق الإلهي والفكرة الأخلاقية الكلية المفارقة للاجتماع، وبين التدين باعتباره نتاج التفاعل بين الدين والاجتماع الإنساني. ويعتبر ياسين أن ممارسات التدين التاريخية هي ما ينشئ في النهاية الديانات على اختلافها باعتبارها تمثلات اجتماعية وتاريخية للفكرة الكلية التي تتمثلها الروح الإنسانية. وتتكون الديانة بحسب ياسين عبر عدة مراحل تطورية تحددها إكراهات الاجتماع الإنساني والسياق التاريخي المحيط بالديانة.


7. تفكيك الثورة: دراسات حول الانتفاضة المصرية والربيع العربي

اللاهوت، عبد الجواد ياسين
اللاهوت، عبد الجواد ياسين
تفكيك الثورة, تامر وجيه, كتب سياسة
كتاب «تفكيك الثورة» — تامر وجيه

هل للانتفاضات الهائلة التي اندلعت في المنطقة العربية قبل سبع سنوات علاقة بالنيوليبرالية؟ وما العلاقة بين تلك الانتفاضات وطبيعة الرأسمالية العربية وما يرتبط بها من هياكل السلطة؟ وهل الهزائم التي منيت بها تلك الثورات نهاية لمرحلة ثورية، أم أن ما شاهدناه مجرد مقدمة لعصر ثورة عربي وشرق أوسطي طويل؟

للإجابة على هذه الأسئلة قدم لنا جلبير الأشقر ولوسي ريزوفا ووالتر آرمبرست ثلاث دراسات مهمة جُمعت في كتاب واحد قام بتحريره الأستاذ تامر وجيه، وأصدرته «دار المرايا للإنتاج الثقافي» في مطلع 2018.

يرى أستاذ العلوم السياسية جلبير الأشقر في دراسته المعنونة «ملاحظات حول الدولة والثورة في المنطقة العربية» أن الثورات العربية لم تكن موجهة بشكل مباشر ضد السياسات النيوليبرالية بقدر مناوءتها للأزمات الهيكلية التي خلفها التحام أجهزة الدولة ومؤسساتها بسلطتها العسكرية والتي بشأنها حولت تلك المؤسسات لميليشيات وإقطاعيات تابعة للسلطة.

وعلى النقيض يعتقد أستاذ الأنثروبولوجيا والتر أرمبرست في دراسته «ثورة ضد النيوليبرالية» بأن الثورة المصرية نبعت من احتجاجات الطبقة الوسطى على السياسات النيوليبرالية. أما أستاذة التاريخ لوسي ريزوفا في بحثها «الثورة المصرية ونهاية التاريخ»، فقد جادلت بأن الثورة المصرية هي آخر الثورات الكلاسيكية في التاريخ، وأن ما حدث في أحداث محمد محمود لا ينتمي إلى عالم تلك الثورات الكلاسيكية، حيث خرجت قوى اجتماعية فاعلة بلا أي أهداف أو خطة سياسية لتخوض معركتها للموت في مواجهة عنف وقسوة النيوليبرالية، وتجادل ريزوفا بأن ما حدث في محمد محمود هو النموذج الذي ستكون عليه الثورات في عصر النيوليبرالية.