مناقشات طويلة وشد وجذب هنا وهناك، حالة من التعب والإرهاق تحل بالنواب التونسيين في جلسة التصويت على سحب الثقة من حكومة الحبيب الصيد التي تشكلت في يناير/ كانون الثاني 2014 عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية، تظل الجلسة منعقدة حتى الساعة العاشرة مساء السبت الماضي ليقرر البرلمان سحب الثقة من حكومة الصيد.


جذور الأزمة والتغيير

شهدت حكومة «الحبيب الصيد» العديد من الأزمات التي عصفت ببقاء الحكومة وسحب الثقة منها بالرغم من محاولات احتواء تلك الأزمة وإجراء بعض التغييرات الوزراية لاحتواء غضب الشارع التونسي، يذكر أن حكومة الصيد كانت قد تشكلت من حزب نداء تونس الحاصل على أغلبية مقاعد البرلمان التونسي عام 2014 وحزب النهضة صاحب المرتبة الثانية وحزب آفاق والحزب الوطني الحر.

كانت أولى الأزمات التي ضربت حكومة الصيد هي أزمة حزب نداء تونس التي أدت إلى انقسام الحزب إلى حزبين وبالتالي انقسام الكتلة الحزبية لنداء تونس؛ ليصبح حزب النهضة هو الحزب الأول بالبرلمان. لم تكن أزمة نداء تونس هي الأزمة الوحيدة في ذلك الوقت، فعلى الرغم من أن تلك الأحزاب هي أقرب لليمين السياسي إلا أن مصالحها السياسية كانت متعارضة ومتقاطعة؛ مما أدى لعدم وجود برنامج سياسي متماسك لحكومة الصيد.

كما كان للهجمات الإرهابية على تونس خاصة عمليتي بارد وسوسة أثرها على تقبل المواطنين للحكومة وثقتهم في أدائها خاصة مع تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد، فلم يتحقق أي نمو اقتصادي وظلت نسبته 0%، كما زادت المديونية العامة للدولة مع تدهور قيمة الدينار التونسي وزيادة نسب البطالة، كل تلك الأسباب دفعت الرئيس «الباجي قائد السبسي» إلى الدعوة لمبادرة تشكيل حكومة وحدة وطنية تستطيع الاتفاق على برنامج اجتماعي واقتصادي متماسك يستطيع أن ينهض بالبلاد.


حكومة يوسف الشاهد وأمل الوحدة

صوّت البرلمان التونسي يوم السبت الموافق 30 يوليو/تموز 2016 على سحب الثقة من وزارة الصيد بأغلبية 118 صوتًا، وكلف الرئيس السبسي وزير الشئون المحلية في الحكومة المقالة «يوسف الشاهد» بتشكيل الحكومة الجديدة، يحاول الشاهد تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال شهر ونصف من تكليفه وفقًا للدستور التونسي، يذكر أن الشاهد ينتمي أيضًا لحزب نداء تونس وفي حال موافقة البرلمان على ترشحه فسوف يكون أصغر رئيس حكومة عرفته تونس عقب استقلالها عن فرنسا عام 1956.

وبعد تكليفه حدد الشاهد خمس أولويات في برنامج حكومته القادمة وهم كسب معركة الإرهاب، التصدي للفساد، رفع نسب النمو، التحكم في الأمانات المالية والعناية بالنظافة والبيئة، كما قال إنه سوف يسعى إلى أن تكون حكومته حكومة شبابية، كما أنها لن تكون حكومة حزبية على قدر ما سوف تكون حكومة كفاءات من مختلف التيارات.

كان اختيار السبسي للشاهد آتيًا بعد مفاوضات دامت يومين شارك فيها تسعة أحزاب وثلاث منظمات؛ هي «اتحاد الشغل»، و«اتحاد الصناعة والتجارة»، و«اتحاد الفلاحين». وهذه الأحزاب والمنظمات قامت بالتوقيع على «وثيقة ضبط عمل حكومة الوحدة الوطنية» بعدما خرج السبسي في وسائل الإعلام معترضًا على عمل حكومة الصيد ودعوته لتشكيل حكومة وحدة وطنية.


بداية الانقسام قبل بدء العمل

لم يكن قد تأكد بعد طرح الشاهد كرئيس للحكومة الجديدة حتى بدأت الاختلافات بين الطارحين لاسم الشاهد وأحزاب المعارضة، فرأت المعارضة أن الشاهد لا يمثل اختيارًا غير موفق. وتعددت أسباب اختلاف المعارضة حول اختيار الشاهد، فيرى قسم من المعارضة أن اختيار الشاهد يعدّ محاولة لتركيز السلطة السياسية في يد الائتلاف الحاكم بأكثر ما يمكن من الحقائب الوزارية إلى جانب وضع عدد من الحقائب للأحزاب المشاركة في الحوار من أجل تجميل الوزارة ليس إلا، ويرى البعض الآخر أنهم يفضلون أن يكون رئيس الحكومة غير حزبي حتى لا ينحاز لأي من الأحزاب، وذلك وفقًا لما يتطلبه تطبيع الوضع السياسي الحالي من ضرورة أن يكون رئيس الحكومة على مسافة واحدة من جميع الأحزاب.

وعلى الرغم من مواقف أحزاب المعارضة من حكومة الشاهد إلا أن أحزاب المعارضة الثلاثة – حزب حركة الشعب، والحزب الجمهوري، وحزب المسار- قد لبوا الدعوة لحضور حوار « قرطاج» والذي عقده من أجل التشاور حول هيكل الحكومة واقتراحات بأسماء الوزراء القادمين.

وعلى الرغم من حضورهم إلا أنهم رفضوا أن يقدموا أية اقتراحات بأسماء وزراء من أحزابهم؛ لرفضهم الطريقة التي قام بها السبسي باختيار الشاهد، فرأوا أن السبسي قد تجاوز مراحل الحوار واختار عضو الهيئة السياسية بحزبه ليكون رئيس الحكومة هادمًا أي سبيل نحو حكومة وحدة وطنية.


هل تتجاوز الحكومة الجديدة أخطاء سابقتها؟

حكومة جديدة تتوارث نتائج فشل الحكومة السابقة ما بين إخفاق أمني واقتصادي ومجتمعي، إلى جانب الاختلاف السياسي بين أحزاب المعارضة وحكومة الشاهد؛ليجد الشاهد نفسه في حالة من التحدي والضغط. لم يتبين بعد برنامج الحكومة حيث لم تنتهِ المشاورات بشأن الوزراء الجدد والهيكل الوزاري الجديد، إلا أن الشاهد بدأ في محاولة إنهاء أزمة الانقسام السياسي والاختلاف الحزبي من خلال دعوته جميع الأحزاب بالبرلمان ليقترحوا أسماء التشكيل ومن يرونهم من أحزابهم مؤهلين لشغل مناصب وزارية بحكومته.

وفيما يخص الملف الأمني يرى المحللون السياسيون في تونس أنه يجب أن يستمر وزير الداخلية «الهادي مجدوب» في منصبه حتى لا ترتبك وزارة الداخلية، وفيما يخص الملف الاقتصادي فيرى هؤلاء أنه يجب أن تكون هناك سياسات واضحة فيما يخص نسب النمو ونسب البطالة.

ستة سنوات شهدت خلالهم تونس العديد من الحكومات التي تبحث عن الوحدة الوطنية وحل الأزمات الاقتصادية؛ ما بين إنقسامات سياسية، وعمليات إرهابية، واغتيالات، واختلافات سياسية. وعلى الرغم من أن تونس قد سبقت باقي بلدان الربيع العربي في عملية التحول الديمقراطي، إلا أن هناك العديد من الأزمات التي من الممكن أن تطيح بكل ذلك التقدم. فهل تتجاوز الحكومة الجديدة أخطاء سابقتها؟.

المراجع
  1. تونس بلا حكومة
  2. يوسف الشاهد يحدد أولويات الحكومة الجديدة
  3. السبسي يكلف يوسف الشاهد بتشكيل حكومة جديدة في تونس
  4. بعد إخفاق الصيد.. كيف تنجح حكومة "الشاهد" في تونس؟
  5. بحكومة الشباب.. هل يُنقذ الشاهد تونس؟
  6. تونس: هل تحقق حكومة الشاهد تطلعات المواطنين؟