إذا كنت من طلاب جامعة الأزهر أو من الساكنين حولها في الحي السادس والسابع بمدينة نصر في محافظة القاهرة، فإنك ستراهم كل يوم حول الجامعة وربما أثناء عملهم في بعض المحلات والمطاعم حول المنطقة، أسر وطلاب ربما حينما تراهم للمرة الأولى تظنهم جميعًا من منطقة واحدة من آسيا لتشابه ملامحهم الآسيوية، ولكن حين الاقتراب منهم والتعامل معهم ستجدهم من أجناس شتى من نفس القارة وراء كل واحد منهم قصة طويلة، فالأزهر منارة تعليم وتدريس المذهب السني للدين الإسلامي في كل أنحاء العالم.

ومن ضمن مجموعات الطلاب الدارسين في الأزهر والوافدين عليه للتعلم هم الطلاب المنتمون لطائفة «الإيغور» المسلمة أصحاب الموطن الأصلي لتركستان الشرقية، تجدهم دائمًا صامتين لا يتحدثون مع أي غريب عنهم، مسالمون دائمًا فلم تسجل حالة اعتداء واحدة أو ارتكاب جريمة في مصر سابقًا من أحد هؤلاء الطلبة أو المقيمين في مصر.


العلاقة بين الإيغور والصين

الإيغور هم واحدة من 56 قومية يتشكل منها المجتمع الصيني، يعيشون بشكل أساسي في إقليم تركستان الشرقية الواقع تحت احتلال الإمبراطورية الصينية، ويشكل هذا الإقليم سدس مساحة الإمبراطورية، علاقة الإيغور بالإمبراطورية علاقة كر وفر حتى تمكنوا من إقامة دولتهم في تركستان الشرقية والتي استمرت لمدة عشرة قرون حتى وقعت تحت الاحتلال الصيني عام 1756 ثم عام 1876 ثم ألحق الإقليم في النهاية بالصين الشيوعية في العام 1950.

في خلال هذه المدة قامت العديد من الثورات من أجل الاستقلال؛ بعضها فشل والبعض الآخر نجح، ولكن سرعان ما كانت تنهار أمام المعسكر الصيني القوي وما يتخذه من إجراءات للتضييق على الإقليم وإخضاعه للسيطرة.

اعتمدت الصين سياسة التنكيل بالإيغور للقضاء على أي حركات تحرر من الممكن أن تنشأ في الإقليم، وذلك عن طريق عمليات من الانتهاكات الموسعة التي وصلت لحد الإعدامات والسجن المؤبد للنشطاء، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 والتي عرفت حينها باسم «الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب»، كما قامت الحكومة الصينية بترحيل 240 ألف من مسلمات الإيغور عنوةً إلى المصانع في شرق الصين للعمل بالسخرة وإجبارهن على الزواج من غير المسلمين.

كما شرع في توطين مئات الآلاف من الصينيين من عرق الهان الذين سيطروا على كافة الوظائف الرئيسة والنشاط السياسي للإقليم، حتى أصبحوا يسيطرون على غالبية المصانع والشركات ولا يقبلون توظيف غير أبناء عرقهم فيها؛ ما اضطر أبناء البلد الأصلي من الإيغور لامتهان مهن متدنية، كما مُنع أبناء الإيغور من التمثيل ولو بنسبة ضئيلة في الهيئات الحكومية وحرموا أيضًا من استخدام لغتهم في المدارس.

واستمرت الصين في انتهاك حرياتهم العقدية ومحاربة هويتهم من خلال إغلاق المساجد، بحجة عدم وجود تراخيص ومنع الشباب دون 18 من الصلاة بالمساجد، كل هذا بالإضافة إلى مهاجمة مسلمي الإيغور من آن لآخر وقتل عدد منهم، وكان من بين تلك المجازر التي أًقيمت بحق مسلمي الإيغور مهاجمة عمال في مصنع للألعاب في مقاطعة كونجدوج الواقعة جنوب الصين بواسطة صينيي الهان في يونيو من العام 2009.

الحادث الذي أسفر عن قتل وجرح ما لا يقل عن 1000 من مسلمي الإيغور، وتلاها عدد من الأحداث الدامية التي يقوم بها الصينيون من عرق الهان دون مساءلة رسمية من الدولة التي كانت تساعد في سن القوانين التي تزيد من اضطهاد مسلمي الإيغور.


مسلمو الإيغور في مصر مطلوبون للتحقيق في الصين

اضطر مسلمو الإيغور التركستانيون للمغادرة والهرب من الإقليم حتى لا يتعرضوا لعمليات قتل أو انتهاك لحقوقهم، منهم من يهاجر للدراسة بشكل قانوني في الجامعات التركية وهي الأكثر استضافة لهم، وهناك جزء أيضًا من الفارين من يتجه لدراسة العلوم الشرعية في جامعة الأزهر في مصر.

ومنهم من يكمل الدراسة حتى نهايتها ثم يقنن وضعه للإقامة القانونية بعد توفيق عمل يكفي احتياجات أسرته، ومنهم من يقوم بتقديم طلب لجوء ومسجلون لدى المفوضية السامية لشئون اللاجئين، ومنهم من يقيم بشكل غير قانوني وعددهم قليل جدًا خوفا من العودة ومواجهة أحكام بالقتل والسجن، كما أن الكثير منهم يعتمد على المعونات من أصدقاء الدراسة ومن هيئات الإغاثة وبعض أساتذة الجامعة المتعاطفين مع حالتهم الإنسانية.

وبرغم أن عددًا كبيرًا من الطلاب الإيغور يدرسون في الأزهر حاليًا بموافقة الحكومة الصينية وبشكل قانوني، إلا أنه منذ عدة شهور قامت الحكومة الصينية بإصدار مرسوم لكل الطلاب الإيغور بجامعة الأزهر يطالبهم بالعودة إلى الصين للتحقيق معهم، ويقول الطلاب التركستانيون إن الحكومة الصينية هددتهم باعتقال ذويهم في حالة عدم عودتهم.

وبالفعل هذا ما حدث مع البعض منهم، مما اضطر البعض الآخر للعودة خوفًا على أسرهم وأقاربهم فواجهوا اتهامات بنشر أفكار إرهابية ومن ثم القبض عليهم ومواجهة عقوبة بالسجن 15 عامًا.


التوافق المصري الصيني

كان البنك المركزي المصري والبنك المركزي الصيني قد قاما بعقد اتفاق تعاون اقتصادي مشترك بشأن تبادل العملة في 6 ديسمبر 2016، تبعته مقابلة لنائب مدير الأمن العام الصيني تشن زيمين مع وزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار في القاهرة في 19 يونيو 2017، قاما خلالها ببحث سبل التعاون الأمني بين البلدين على إثر التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين.

كما قاما بتوقيع اتفاق أمني لتبادل المعلومات والمساعدة في الحرب على الإرهاب، ترددت أنباء في ذلك الوقت عن تضمن الاتفاق جزءًا متعلقًا بتسليم التركستانيين المقيمين في مصر إلى الصين وهو ما قابلته حكومة البلدين بالصمت.

يعيش الطلاب التركستانيون والمنتمون لقومية الإيغور المقيمون في مصر خلال هذه الأيام وقتًا عصيبًا، حيث قامت الشرطة المصرية بملاحقتهم في أماكن إقامتهم وأماكن عملهم والقبض على العديد منهم، تضاربت الأخبار عن عدد المقبوض عليهم حتى الآن، ويقول أحد المحامين إن عدد المقبوض عليهم لا يقل عن ثلاثمائة.

كما أن رابطة علماء أهل السنة أصدرت بيانًا تستنكر فيه ما يحدث من عمليات قبض جماعي على الطلاب التركستانيين وتصفه بالجريمة، كما أشارت خلال البيان أن عدد المقبوض عليهم لا يقل عن 500 طالب، فيما أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير ومنظمة هيومان رايتس ووتش رسالة مشتركة يطالبون فيها شيخ الأزهر بالتدخل لحل الأزمة مع الحكومة المصرية، وذكر في البيان أن عدد المقبوض عليهم تجاوز الستين فردًا.

وبالتواصل مع بعض الطلاب التركستانيين في مصر تبين أن عدد المقبوض عليهم من منطقة مدينة نصر 100 شخص، تم احتجازهم في قسمي مدينة نصر أول وتاني ثم تم نقلهم إلى مجمع التحرير للنظر في أوضاعهم، كما تم إلقاء القبض على 19 أثناء محاولتهم السفر عن طريق مطار برج العرب يوم 4 يوليو 2017 وأيضًا تم إلقاء القبض على 30 آخرين من مطار القاهرة، فيما نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية خبرًا يفيد بترحيل 12 من الطلاب التركستانيين في مصر في وقت متأخر من مساء يوم الخميس 6 يوليو 2017 وهناك 22 آخرون في انتظار ترحيلهم إلى الصين.

وبالرغم من إصدار الأزهر بيانًا في يونيو 2015 يستنكر فيه كافة أشكال الاضطهاد الذي يمارس بحق مسلمي الإيغور الصينيين، ومصادرة حقوقهم الدينية وحرياتهم الشخصية، وبالرغم من أن المقبوض عليهم غالبيتهم العظمى بحسب أصدقائهم ومحاميهم هم من الطلاب المنتسبين لجامعة الأزهر، إلا أنه في أول بيان صدر له على لسان المركز الإعلامي يوم 8 يوليو نفى أيًا من الأخبار التي تم تداولها على المواقع الإخبارية باعتقال أي من الطلاب الإيغور المسلمين.

ثم وفي نفس اليوم صرح الدكتور محمد مهنا عن أن عدد المقبوض عليهم هم 43 فقط منهم 3 طلاب يدرسون في الأزهر، ثم في آخر اليوم بدأت بعض المصادر من داخل الأزهر تتحدث عن تدخل شيخ الأزهر لحل الأزمة، وحتى الآن لم يصدر بيان واضح أو استنكار من الأزهر أو تدخل فعلي لمنع عملية الترحيل القسري بحقهم.


من ينظم شئون اللاجئين في مصر؟

المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بمصر لم تصدر أي بيانات بخصوص الواقعة حتى الآن، بالرغم من تسجيل بعض المقبوض عليهم كمستفيدين في المفوضية ومنهم من يحمل صفة لاجئ ووثيقة لجوء، كما نفى أصدقاء المقبوض عليهم أن المفوضية تابعت حالتهم أو قامت بإرسال محامين للدفاع عنهم.

على الرغم من عدم إصدار تشريع قانوني منظم لشئون اللاجئين إلا أن المادة 91 من الدستور المصري الحالي تنص على أن:

للدولة أن تمنح حق اللجوء السياسى لكل أجنبي اضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب أو حقوق الإنسان أو السلام أو العدالة، وتسليم اللاجئين السياسيين محظور، وذلك كله وفقًا للقانون.

وبذلك تخضع مصر فيما يخص اللاجئين بما نصت عليه المادة السابقة بمعناها الواسع وبما نصت عليه المعاهدات والمواثيق الدولية في هذا الصدد بناءً على نص المادة 93:

تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة

وبناء عليه فإن مصر تخضع لاتفاقية جنيف 1951 والبروتوكول الإضافي لعام 1967 واللذين يحددان وصف اللاجئ، والذي ينطبق، باعتراف الأزهر والأمم المتحدة، حاليًا على جميع الطلاب المقبوض عليهم سواء من الطلاب أو المقيمين أو طالبي اللجوء.

وبناء على تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش فإنه في حالة عودة هؤلاء فإنهم سيخضعون لعمليات إخفاء قسري وتعذيب وربما يصل الأمر للسجن المؤبد والإعدام لبعضهم كما حدث قبل ذلك في عمليات التسليم التي تمت بحق تركستانيين، والذين تنقطع معلوماتهم بمجرد وصولهم للصين، كما أن المواثيق الدولية التي وقعت وصدقت عليها مصر تمنع تسليم اللاجئين إلى بلادهم أو الدول التي يمكن أن يكون في عودته خطرًا على حياته أو حقوقه.

ومع التعاون الأمني بين البلدين سالف الذكر، أيضًا من المقرر أن يزور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العاصمة الصينية بكين، في الـ 3 و4 سبتمبر القادم، للمشاركة في منتدى الاقتصاديات الناشئة، والذي سيعقد على هامش قمة البريكس، فهل عملية القبض على الطلاب الإيغور وتسليمهم إلى الصين هو جزء من الاتفاق الأمني السابق بين البلدين، أم هو شرط لاستمرار التعاون الاقتصادي، أم كان هدية مسبقة لزيارة السيسي المرتقبة للصين؟.

في مكالمة مع أحد الطلاب الذين نجوا من عمليات الاعتقال وفر هاربًا إلى إحدي المحافظات بعيدًا عن أعين الشرطة، والذي فضل عدم نشر اسمه خوفًا على حياته وأسرته التي تعيش معه، قال: «أتينا إلى هذا البلد الغالي وأهله على قلوبنا طالبين السلام والأمن فقط بعد أن سلبت حقوقنا، أحببناه وتعلمنا ديننا الذي اضطهدنا بسببه في الأزهر الشريف بيتنا وحاضنتنا، لم نكن نتخيل يومًا أن تتم خيانتنا بهذا الشكل وتسليمنا إلى حتفنا، أرجوكم لا تتركونا لهم، أرجوكم لم يتبق لنا سوى أنتم».