أنا ممكن بكتيبتين أدخل على النت وأعملها دايرة مقفولة، وأخلي الإعلاميين ياخدوا منها أخبار وشغل

الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» في أحد خطاباته في أبريل/ نيسان 2016

أخذ يدخن سيجارته في استرخاء، وينفث دخانها تجاه شاشة اللاب توب الخاص به، بينما تواصل أصابعه التجول في أرجاء لوحة المفاتيح في سرعة واندفاع، لا يتناسبان مع كونه راقدًا على سريره … لطيفٌ هذا العمل الذي أتقاضى عليه آلاف الجنيهات بينما أنا مسترخٍ في غرفة نومي .. هكذا حدَّث نفسه في نشوة.

كان أمامه على الشاشة واجهة خدمة tweetdeck التابعة لتويتر، أو أي خدمة شبيهة، حيث تمكنه من التغريد عبر عدة حسابات على تويتر في نفس الوقت. مهمة هذا الأسبوع هو مهاجمة سياسات دولة بعينها، والمطلوب أن يتصدر «الهاشتاج» الذي يتضمن هجاء هذه الدولة، «الترند» المحلي على تويتر لهذا اليوم.

الأمر في منتهى البساطة، سيجهد عقله دقيقتين في كتابة التغريدة، ويلحق بها «الهاشتاج» بالطبع، ثم نسخ ولصق في الـ 20 حسابًا وهميًا الخاصين به، مع إجراء تغييرات طفيفة لزوم الإقناع، ثم يضغط نشر في نفس اللحظة ! وهكذا ويكأن 20 مغردًا ينشطون على «الهاشتاج» في نفس اللحظة، وعبر جهازه فقط.

بالتزامن مع ما يقوم به، يقوم بنفس الأمر 300 من زملائه، وهكذا يحظى «الهاشتاج» آلاف التغريدات. عمل شاق ومهمة وطنية عظيمة … هكذا جلجلت السخرية في أعماقه.


هندسة التواصل الاجتماعي .. تويتر نموذجًا

من أهم المميزات الأصيلة في طفرة مواقع التواصل الاجتماعي عند ظهورها منذ سنوات، أنها كانت وسيلة للتعبير عن النبض الفعلي، والروح الحقيقية للمجتمع والأفكار دون رتوش، خاصة تويتر الذي لا يُعنى الكثيرون فيه بالظهور بشخصياتهم الحقيقية كما هو الحال في الفيسبوك، مما يتيح للمغردين تحررًا أكثر في التعبير عما يريدون. وتجلَّت وظيفة تويتر كمنصة للتعبير السياسي والفكري الحر في سنوات الثورات العربية.

وبشيوع استخدام خاصية الوسوم أو «الهاشتاجات»، أقبل عليها المغردون كوسيلة لتجميع المهتمين بسياق معين، وكذلك تقييم أهمية الموضوعات بشكل غير مباشر من خلال عدد التغريدات بكل «هاشتاج». فكان وصول «هاشتاج» إلى المراكز الأولى في «الترند» في بلد ما، هو إشارة حقيقية إلى قيمة موضوع «الهاشتاج» في زمانه ومكانه.

للأسف امتدت يد العبث سريعًا لتفسد تلقائية الأمر ومصداقيته. فالبعض يريدون فرض موضوعاتهم، والتسويق لأنفسهم بشكل متضخم أكثر بكثير مما يستحقون. على سبيل المثال تحرص بعض البلدان الدكتاتورية على تجميل أنفسها عبر تويتر بصناعة «هاشتاجات» دعائية كتلك التي تمتدح الرئيس، ودفعها دفعًا إلى الصدارة في «الترند» على الأقل على مستوى الدولة إن لم يكن العالم، إما من خلال استئجار بعض الشباب يمتلك كل منهم حسابات عديدة، لدعم «الهاشتاج»، أو حتى برمجة حسابات تقوم بالتغريد الآلي Bots على هذا «الهاشتاج».

هذا الشهر (فبراير/ شباط 2018) ضجَّت وسائل الإعلام العالمية بالحديث عن حملة تويتر لحذف آلاف الحسابات الوهمية والآلية والمريبة. وما لفت الأنظار أكثر، علاقة هذا الأمر بالقضية التي تشغل الرأي العام الأمريكي في الفترة الأخيرة، وهي قضية التدخل الروسي غير المباشر في انتخابات الرئاسة الأمريكية لإنجاح ترامب.

فأغلب الحسابات التي حذفها تويتر -حوالي 50 ألف حساب حتى الآن- روسية المنشأ، وذات أنشطة مؤيدية لتوجهات الرئيس الأمريكي المثير للجدل ترامب، ولتوجهات اليمين الأمريكي المحافظ.


تويتر يغضب

في يناير/ كانون الثاني الماضي، وفي وسط الزحم الكبير لقضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية التي تتداولها الأوساط السياسية والقضائية في الولايات المتحدة الأمريكية، كشف مسئولو تويتر على المدونة الرسمية للموقع على شبكة الإنترنت، عن متابعتهم لهيئة روسية حكومية تدعى «الوكالة الدولية للبحث – IRِA= International Research Agency»، والتابعة للحكومة الروسية، والتي كانت تدير أنشطة مشبوهة على موقع تويتر وغيره، خصوصًا أثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية أواخر 2016.

أكد مسئولو تويتر أنهم سيرسلون تنبيهات إلى آلاف المستخدمين على الموقع والذين تفاعلوا بكثرة -خصوصًا إبان الانتخابات- مع حوالي 4 آلاف حساب تديرها الوكالة الروسية، بمخلتف أشكال التفاعل (الإعجاب – الرد – إعادة التغريد، … إلخ)، وكذلك من كانوا يتابعون بعض هذه الحسابات الـ 3810 لحظة قيام إدارة تويتر بتعليقها لمخالفتها القواعد المنظمة لبيئة تويتر.

وبلغ عدد الحسابات التي تلقَّت تنبيهات تويتر حوالي 1.4 مليون حساب طبقًا لمدونة تويتر الرسمية. وسيصاحب عملية التنبيه مراجعة لنشاط هذه الحسابات لتمييز من تفاعل تلقائيًا مع الحسابات دون معرفة بنشاطها المشبوه، ومن كان جزءًا من نشاطها. وأعلن المسئولون عن إجراءات لاحقة لتنظيف تويتر من «الأنشطة المشبوهة – spamming»، والتي أفسدت الأجواء التلقائية للتواصل عبر تويتر.

وبالفعل منذ أيام قليلة، أعلن مسئولو تويتر عن قيامهم بتعديلات مهمة في بيئة عمل تويتر ستمثل ضربة كبيرة للجان الإلكترونية. تتلخص التغييرات الجديدة في النقاطِ الأساسية التالية:

أولًا: تقييد إمكانيات خدمة tweetdeck في التغريد المتزامن من حسابات مختلفة في نفس اللحظة، والتي كانت من أعمدة أنشطة اللجان الإلكترونية كما أظهرنا في القصة الرمزية في مطلع التقرير.

ثانيًا: التنبيه على المستخدم بعدم نشر تغريدات متطابقة أو حتى متشابهة من حسابات مختلفة بشكل متزامن آنيًا، أو مرتب للنشر لاحقًا scheduled ، وإلا ستتعرض الحسابات لخطر الإيقاف. بالإمكان الاستعاضة عن ذلك بنشر ما يريد المستخدم عبر أحد حساباته، ثم عمل إعادة تغريد retweet من عدد قليل فقط من الحسابات الأخرى.

ثالثًا: منع استخدام حسابات متعددة لمتابعة follow حساب آخر بشكل متزامن في نفس اللحظة.

رابعًا: إذا كان المستخدم يمتلك تطبيقًا للتغريد الأتوماتيكي المتزامن عبر حسابات مختلفة، فسيمنحه تويتر مهلة حتى أواخر الشهر المقبل ( 23 مارس 2018 )، لتوفيق أوضاعه مع التعليمات الجديدة، وإلا أصبحت حساباته تحت طائلة التعليق أو الحذف.

خامسًا: يُستثنى من منع التغريد المتزامن عبر حسابات مختلفة، التطبيقات والخدمات ذات المنفعة العامة، كأحوال الطقس والمرور، وحسابات التنبيه من الكوارث كالأعاصير والزلازل .. الخ.

سادسًا: يحظر استخدام تطبيقات للنشر الآلي automated المتزامن على « هاشتاج » معين بغرض دفعه للصدارة على قائمة « الترند».

سابعًا: سيطبق هذا على منصة تويتر وتطبيق tweetdeck التابع لها وكذلك أي تطبيق يستخدم واجهة تويتر البرمجية Twitter API

وأثنى بعض المغردين العرب على هذه القرارات الأخيرة من تويتر:

لكن هل يتوقع ممن أنفقوا الملايين على السيطرة على أجواء التغريد في تويتر، أن يستسلموا الآن؟ أم سيبحثون عن وسائل اختراق أخرى؟ وهل سيتوقف تويتر عند هذا الحد، أم ننتظر المزيد من الإجراءات؟! سنرى .. وبالطبع نتمنى أن تنتهي المعركة بعودة ساحة تويتر إلى عهدها الأول، قبل تفصيلها على مقاس دعاية هذا أو ذاك.