محتوى مترجم
المصدر
Jacobin
التاريخ
2016/10/30
الكاتب
Vic Vaiana
اعتمدت النظم الرأسمالية المختلفة في تعظيم أرباحها، خاصة في ظل حالات المنافسة الكاملة، على استغلال العمالة، سواء من خلال خفض رواتبهم، أو إجبارهم على العمل لساعات إضافية دون زيادة، فهم دائمًا الحلقة الأضعف في عملية الإنتاج. ورغم أن «أوبر» مشروع حديث قائم على تطبيقات تكنولوجية عصرية، فإنه اتبع النموذج الاستغلالي ذاته.

بيّن تحقيق استقصائي أن أوبر تبخس سائقيها أجورهم المستحقة. وباستخدام البيانات المقدمة من الشركة والملفات المُسربة، وجدت Buzzfeed أن السائقين في مدن ديترويت وهيوستن ودينفر في الولايات المتحدة، قد حصّلوا أقل من معدل 13.25 دولار في الساعة بعد المصاريف، بينما يواجهون نفقات سنوية تصل إلى نحو 3000 دولار.

هذا لا يعني أنه من الأفضل للسائقين ترك العمل والتوجه إلى شركات التاكسي العادية. ففي الوقت الذي أصبح فيه تهرب أوبر من النفقات فيما يعرف بالـ «Uberization»، يشهد التاكسي العادي ممارسات استغلالية مؤسسية، فنظام رخصة التاكسي الذي يفرض على السائقين دفع مبلغ ما لصاحب رخصة التاكسي في بداية كل نوبة، يجب أن يتم إيقافه. ولكن رغم ذلك، فإن موظفي شركة أوبر يواجهون تكاليف ومخاطر جدية.

ومع ذلك، فالاحتمالات يجب ألا تكون محدودة إلى هذا الحد. فسائقو «تشارك الرحلة Ridshare» (خدمة النقل التي تقدمها الشركات الحديثة مثل أوبر) عادة ما يمتلكون سياراتهم الخاصة، لذلك يمكنهم نظريًا دخول سوق «تشارك الرحلة» بأنفسهم. وبالتخلص من ممارسات أوبر التعسفية لصالح نموذج تعاوني يستخدم نفس التقنية، يمكن للتطبيقات التي يمتلكها السائقون أن تضفي طابعًا ديمقراطيًا على سوق المشاركة في الرحلات، مما يحقق وعدهم الأولي بما يسمى الاقتصاد التشاركي.

ومن شأن تطبيق تعاوني أيضًا أن يتجنب عثرات تعاونيات سيارات التاكسي الأخرى المملوكة للعمال مثل «تعاونية التاكسي الأصفر» في فرانسيسكو التي تقدمت بطلب الإفلاس في يناير/كانون الثاني. وقد اعتمدت تعاونية التاكسي الأصفر على النموذج الأسبق لتشارك الرحلة، وإذا استخدمت تعاونيات جديدة نموذج تشارك الرحلة – مثل ذلك الذي تستخدمه كُبريات الشركات كـ«Uber» و«Lyft» – فمن الممكن لها المنافسة في نفس السوق، ومن المحتمل أن تُحدث اضطرابًا لدى خصومها الأعزاء في وادي السيليكون [المنطقة التي تتمركز فيها معظم شركات التقنية الحديثة].


النتيجة المالية

ربما تكون تكنولوجيا برنامج أوبر قد غيرت الطريقة التي يحصل بها الناس على توصيلة ما، لكن الواقع أن ما جعل هذا العمل العملاق مربحًا اليوم هو مراوغة الشركة وتهربها من النفقات. إلى جانب أن هذا النجاح لم تتم مشاركته مع السائقين في الشركة.

وتؤكد أوبر تأثيرها الإيجابي على حياة العاملين بدوام غير كامل والذين يعدون القيادة وظيفة جانبية، ولكن الشركة تعتمد على شركائها العاملين بدوام كامل لنقل أغلب الركاب. وهنالك نسبة من المتعاقدين مع أوبر تفوق الـ 30% تعمل لأكثر من ثلاثين ساعة أسبوعيًا. لكن وفقًا لمسح أجراه هاري كامبيل – وهو سائق ويدوِّن باسم «فتى تشارك الرحلات» – فإن هؤلاء العمال بدوام كامل يقودون نحو نصف مجموع ساعات العمل التي تشغلها منصة أوبر. كما أشارت مدونته إلى أن السائقين في أوبر يقودون ضعف المدة التي كانوا يقودونها كي يحصلوا على نفس المبلغ الذي كانوا يتقاضونه في 2013، وهذا بسبب انخفاض سعر الفوائد.

والسائقون الذين لا يعتمدون على عملهم في شركة أوبر بشكل كامل لدفع فواتيرهم – وهم مجموعة تشكل أكثر من نصف العاملين في الشركة – يخفضون أجور العمال الذين يعملون بدوام كامل. ولأنهم أقل استفادة من الوظيفة أصلًا، ليسوا متحمسين للمطالبة بتحسين الأجور والفوائد.

وبالفعل، قام السائقون العاملون بدوام كامل بالانضمام إلى القوى المطالبة بتحسين الظروف. ففي شهر فبراير/شباط، تجمع المئات أمام المقر الرئيسي للشركة في نيويورك، وقاموا بإغلاق تطبيقاتهم احتجاجًا على خفض الأسعار بنسبة 15%، وهو القرار الأحدث في سلسلة من قرارات الشركة التي أضرت بالسائقين ماديًا. وقامت شبكة سائقي أوبر – التي كانت تحاول تمثيل السائقين في نيويورك منذ عام 2014 – بتنسيق العمل. تحدثت صحيفة نيويورك بوست إلى سائق من المتظاهرين، وقال للصحيفة، إنه يعمل 16 ساعة في اليوم، وأضاف قائلًا، عن العمل في الأسبوع السابق «عملت لمدة 19 ساعة في يوم واحد، ونمت في السيارة في مطار جون كينيدي».

فروخ خامداموف، واحدٌ من منظمي المجموعة، انضم إلى أوبر أساسًا للعمل في الساعات حول دروسه، ولكنه اضطر في النهاية إلى العمل لساعات إضافية لتعويض الانخفاضات غير المتوقعة في معدلات الفوائد، مثل تلك الحادثة في شهر فبراير/شباط. وتدعي أوبر أن مثل هذه الانخفاضات ترفع الطلبات وتقلل أوقات انتظار السائق بالتبعية.

ولكن، وكما أشار خامداموف فإن أغلب السائقين يتمكنون من الموافقة على الرحلات في إطار زمني معين، لذلك فإن انخفاض الأسعار لا يفيدهم على الإطلاق. وبعد انضمام هؤلاء السائقين إلى الشركة وهم يتوقعون الكثير من المرونة والاستقلالية، بدؤوا في التحرر من هذه الأوهام شيئًا فشيئًا، في كل مرة تقوم الشركة بفرض سطوتها عن طريق خفض أجورهم.

طوّر أعضاء المجموعة بالتعاون فيما بينهم تطبيقًا باسم «سويفت»، والذي سيكون مملوكًا للسائق بشكل كامل. يعتقد خامداموف أن السائقين – كمقدمي خدمات وأصحاب سيارات في أوبر – يمكنهم الاستفادة من رأس المال والعمالة ضد الشركة، فبعد كل شيء «بدون السائقين، إنه مجرد تطبيق على هاتفك». كما يأمل أن يخلق هذا التطبيق الجديد مساواة أكثر بين الموظفين، وعملًا أكثر استقرارًا، وحكمًا مشتركًا يُمكّن السائقين من إملاء قيمة الخدمة التي يقدمونها.

لما يتم الإعلان عن تاريخ إطلاق التطبيق بعد، ولكن يمكن للسائقين المهتمين بالقيادة بدوام كامل الاشتراك بالفعل. وعلى الرغم من أن «سويفت» لم تفصح بالضبط عن كيفية توظيف السائقين، فإن هنالك بالفعل عدة نماذج.

في آخر 10 سنوات دخل سائقو سيارات الأجرة بشكل متعاقب في شراكة مع نقابات مثل «تيمسترز» و«عاملي الاتصالات الأمريكية» في سياتل ودينفر. كما تمكنت «يونيون كاب» في ماديسون، ولاية ويسكونسن – التي تعمل منذ عام 1979 – من أن تصبح الشركة الرائدة في سوق المدينة. الأجور والمزايا التي تقدمها يونيون كاب تتجاوز معايير الصناعة، وتسمح رغم ذلك للشركة بتحقيق الربح. ويمكن أن يتجاوز الدخل السنوي للسائقين المحنكين 40 ألف دولار (أي أعلى من المعدل الوطني بنسبة 35% تقريبًا) إلى جانب التمتع بخدمة التأمين الصحي، الذي يُعد أمرًا نادرًا بالنسبة لسائقي سيارات الأجرة.

إن دمج هذه النماذج مع تطبيقات تشارك الرحلات من شأنه المساعدة على التعاون من أجل البقاء في السوق الجديدة.


طريقان إلى الأمام

قد يبدو التنافس مع شركة أوبر أمرًا مهيبًا، ولكن الشركة من نواحٍ أخرى ليست إلا أرقامًا من ورق. فتقييمها الهائل الذي بلغ 62.5 مليار دولار في يناير/كانون الثاني يأتي من ملكيتها الفكرية – علامتها التجارية وبياناتها – أكثر مما يأتي من ممتلكاتها الملموسة. وبينما يدرك المستهلكون مدى قوة العلامة التجارية للشركة، فإن الشركة لا تقدم منتجًا حصريًا، كما تفتقر إلى السيولة ووسائل الإنتاج.

ورغم ذلك، فالشركة تستثمر بانتظام في الإبقاء على النموذج الاستغلالي لعملها. وقد تم تصنيف الشركة على أنها «شركة تكنولوجية»، وتمكنت من هزيمة محاولات إعادة تصنيفها كشركة نقل عادية. ومؤخرًا في لوس أنجلوس، دفعت قرابة 100 مليون دولار لتسوية دعوى مع حوالي 385 ألفًا من سائقي المدينة. وإذا خسرت الشركة هذه الدعوى، فربما سيتوجب عليها معاملة هؤلاء السائقين كمجرد موظفين عاديين، مما قد يكلفهم المليارات من الأجور والفوائد.

بالنسبة لأوبر فإن تقديم تسويات صغيرة نسبيًا لكل سائق على حدة هو خيار سهل. فالسائقون والنقابات/الاتحادات الذين لا يمكنهم تحمل نفقات معركة قضائية طويلة سيقدمون أي تنازلات يمكنهم تقديمها من أجل الحصول على التسوية القضائية.

لكن النموذج الاستغلالي لعمل الشركة بدأ في حصاد نتائج أفعاله، خاصة بالنسبة إلى السائقين. ووفقًا للأرقام العامة لدى أوبر، فإن الشركة تقوم بتسريح نصف سائقيها كل عام. ويبدو أن سائقي أوبر يتشاركون نفس تجربة العمل في الشركة: فهم في البداية يستمتعون بفترة شهر عسل قصيرة، ثم يواجهون بعدها ما يدعونه كامبيل «خضم المشكلة»، إغاظات متتابعة مثل الزيادات المنتظمة في المهمات، أو التعامل مع عملية خدمة العملاء صعبة المراس الخاصة بالشركة. يتكيف بعض السائقين عن طريق تعلم أنواع العمل التي تبرزها المدونات مثل كامبيل، ولكن في آخر الأمر يتقاعد أغلبهم.

علاوة على ذلك، فإنشاء تطبيق مفتوح المصدر (البرمجيات التي يمكن الاطلاع والتعديل على شفرتها البرمجية باستخدام ترخيص) تشارك الرحلات سيسمح للسائقين المستائين في أي مدينة بتشكيل تعاونيات محلية، وهو السيناريو الذي يجادل به عالم الاجتماع «جيرالد ديفيس» أنه لن يعطل أوبر، بل ربما يدمرها. وفي كتابه الجديد «زوال النقابة الأمريكية»، يصف ديفيس طريقين للتقدم، الأول، هو الاستمرار في تلاشي مسئوليات النقابات والشركات من أجل تعزيز عدم المساواة، والثاني، حيث تستخدم المجموعات الشعبية التكنولوجيا لبناء بنيتها التحتية الخاصة بها.

وبتوظيف سائقين بدوام كامل من ذوي الخبرة والذين يقدمون خدمتهم ذات جودة، يمكن للجمعيات التعاونية بسهولة أن تتفوق على قوة العمل غير المنتظمة في أوبر. ويمكن للتعاونيات أن تتنافس عبر جذب أفضل السائقين وبتعزيز مستوى أعلى من الخدمة التي يمكن أن يقدمها الموظفون المنزعجون.

ويشير ديفيس إلى أنه من أجل التنافس مع أوبر على التعاونيات أن تنظر «إذا كان هنالك مساحة كافية لدى الناس من أجل تطبيق آخر على هواتفهم». وأن إحدى طرق إيقاف القتال الداخلي بين الشركات التي يتعامل معها السائق مباشرة عن طريق التطبيقات ستكون عن طريق «جعل البرنامج مفتوح المصدر، حيث يمكن مشاركة التحديثات بشكل فوري».


إعلاء رأي السائقين

يشعر المستهلكون عمومًا بالسعادة تجاه شركة أوبر والوضع الخاص بها، لذلك فالضغوط قليلة على جانب طلب التعامل مع موظفيها بشكل أفضل. ومع ذلك، يقول ديفيس:

قد تكون التعاونيات أقل عرضة لجذب المقاومة المحلية، كما أنها أكثر احتمالًا لإخراج موظفين مخلصين، وربما راكبين أيضًا.

وفي الوقت الذي يؤمن فيه 60% من مستخدمي تطبيقات تشارك الرحلات أن خدمات مثل أوبر يجب ألا تنصاع لنفس اللوائح التي تنظم شركات التاكسي العادية، ربما يكونون على استعداد للتحول إلى نموذج تعاوني يقدم سعرًا أرخص وخدمة ثابتة. وسوف تقوم التطبيقات الصادرة قريبًا مثل سويفت باختبار هذه النظرية.

وقد جذبت أوبر سائقيها بالساعات المرنة ووعدها «أن تكون رئيس نفسك». ويمكن لمكافأة الملكية في التعاونيات أن توفر هذا الاستقلال للسائقين.

وبالتحول إلى التطبيقات التعاونية يمكن للسائقين أن يحافظوا على مرونة العمل بنموذج مثل الخاص بأوبر، بينما يكون لهم رأيهم الخاص في أمر الأجور والأحوال الخاصة بهم. وعند إتاحة هذه البرامج بشكل أوسع، ويعي السائقون انخفاض التكلفة وارتفاع إمكانيات تنظيم هذا التعاون، ربما تجد أوبر نفسها ضحية للاضطراب.