اشتعلت الحرب في أوكرانيا رغمًا عن العالم بأسره. وعلى الفور تكدّست الشاشات وصفحات الجرائد بعشرات التحليلات السياسية التي تُحلّل وتنظّر خطوة بوتين وأسبابها العميقة ودلالاتها وتأثيراتها على الأمن القومي إلخ إلخ، وخلال ذلك الحديث بالغ الاستفاضة عن أوكرانيا أهمل الجميع الحديث عن شيءٍ مهم للغاية؛ الأوكرانيين.

فهؤلاء البشر الذين تُقطّع أرضهم إربًا إربًا بسبب تعقيدات السياسة نادرًا ما تحدّث عنهم وعن قصص معاناتهم فور اندلاع هذا الغزو وربما قبله بأشهر.

بلغة الأرقام الجافة فإنه بحسب الأرقام الرسمية الأوكرانية– وزارة الصحة تحديدًا- فإن 198 مدنيًا قُتلوا، من ضمنهم 3 أطفال، فيما أُصيب 1115 آخرون منذ اندلاع العدوان وحتى لحظة كتابة هذه السطور، كما قُدِّرت أعداد النازحين بـ100 ألف شخص. هذه الأرقام مرشّحة للزيادة بالطبع مع لحظة تمرُّ والروس يجثمون على أنفاس الأوكرانيين.

خلف معاناة كل هؤلاء المدنيين حكايات لا تنتهي عن معاناة يكاد لا يشعر بها أحد في زحام البيانات العامة المليئة بالعبارات المطّاطة التي صدرت وستصدر تباعًا عن عواصم العالم. في هذا التقرير نرصد أشكالاً متنوعة من هذه المعاناة.

عجوز ينجو من دبابة روسية

في إحدى المناطق قُرب كييف، تصادف أن يُواجه أوكراني مُسن سيئ الحظ في طريقه دبابة روسية من طراز ستريلا.

ولسببٍ مجهول وثّقت لقطة فيديو الدبابة وهي تنحرف تجاه تلك السيارة هشة البنيان، التي لم تحتمل مواجهة الدبابة الروسية فانسحقت أسفل جنزيرها فورًا.

عقب رحيل الدبابة الستريلا غير آسفة على ما فعلت، تجمّع عدد من الأوكرانيين لفحص ما تبقى من السيارة، وتكالبوا على فتح الباب- أو ما تبقّى منه عنوة- وكانت المفاجأة أن صاحب السيارة لا يزال حيًّا!

مواطنو شرق أوكرانيا: يتمنّون محونا من الوجود

فور اندلاع الغزو الروسي، نالت مدن شرق أوكرانيا نصيبًا فوريًّا من العدوان.

صواريخ روسية عديدة أخطأت أهدافها في مدينة «خاركيف» الأوكرانية، أحدها مزّق سيارة مُسن أوكراني فأحالها إلى فتات، ونقل صحفيو الوكالات الدولية أن ابنه- في الثلاثين من عُمره-  افترش الطريق جوار السيارة المُحطمة يرثي والده للناس قائلاً «طلبتُ منه المغادرة، لكنه رفض».

رجل أوكراني يبكي والده

أيضًا، تعرضت مبان سكنية للقصف، بعض سكانها لم ينلهم من الأضرار إلا الخوف وتحطيم النوافذ وربما بعض الكدمات، والبعض الآخر فقد حياته وكان طفلاً في الـ13 من عُمره.

صرّح أحد السكان بأنهم في خطر كبير لأنهم يقعون بالقرب من مطار عسكري قريب، أعلن بوتين أنه سيستهدفه بالقصف، وهو ما يجعلهم عُرضة لأي خطأ في التصويب، بسبب كثافة ما يتعرّض له الموقع العسكري من صواريخ روسية.

وكشف أحد المسؤولين الأوكرانيين المحليين عن أن روسيا صعّبت كثيرًا من عمليات إجلاء المدنيين في مُدن شرق أوكرانيا بعدما قطعت الغاز والكهرباء عنها، وهو ما عقّب عليه قائلاً، «إنهم يحاولون محو القُرى من الوجود».

صحفية «بي بي سي»: لقد قصفوا منزلي

فاجأت الصحفية الأوكرانية أولجا مالتشيفسك جمهور قناة «بي بي سي وورلد نيوز»، خلال استضافتها لتحليل الوضع في بلادها بإعلانها أن الروس قد قصفوا منزلها في كييف.

وقالت أولجا «حينما اتفقنا على الحضور إلى الأستوديو في الصباح، لم أكن أتخيّل أن منزلي سيتعرّض للقصف. الحمد لله لم يقع ضحايا».

وتابعت صحفية «بي بي سي»، أن والدتها احتمت بالقبو قبل وقوع الانفجار ثم بعثت لها رسالة تخبرها بما حدث وتطمئنها على أرواح أفراد الأسرة.

مواطنة فرنسية: كييف باتت مدينة أشباح

شيري ماركوفيتش، مواطنة فرنسية تعيش في أوكرانيا منذ عدة سنوات، رفضت مغادرتها قبل الحرب لعدم اقتناعها أن وقوعها محتمل، حتى باتت محاصرة الآن داخل كييف بصحبة زوجها وأطفالها الثلاثة.

مثلها مثل العديد من أهالي كييف غادرت منزلها ونامت في مرآب السيارات بعدما اكتظت الملاجئ عن آخرها بالبشر، فلجأ الباقون إلى محطات المترو وأماكن انتظار السيارات تحت الأرض.

كشفت شيري أن الحياة تحت الأرض مرهقة للغاية، فطول الليل تسمع أصوات قنابل تنفجر وهدير مروحيات عسكرية تحلّق في الأجواء، وعلى الرغم من أنها استعدّت لتلك اللحظات الصعبة عبر تخزين كميات من الطعام والشراب فإن الوضع أصعب مما تخيلت.

حكت عن شوارع كييف التي عادة ما كانت تزدحم بالمارة، الآن باتت خاوية على عروشها، وأضافت «أغلب الناس غادروا، والظلام انتشر في المدينة، لقد تحولت إلى وكر للأشباح».

أب أوكراني: خرج ولم يعد

في بداية هذا الشهر، خرج المواطن الأوكراني ديميتري الذي يعيش في مدينة دونيتسك من منزله لشراء حليب أطفال لطفلته التي رُزق بها منذ 3 أسابيع.

تأخّر ديميتري كثيرًا في العودة ما أثار قلق زوجته ناستيا ليمونوفا البالغة من العمر 21 عامًا، داومت على الاتصال به لساعات دول مجيب، حتى أتتها مكالمة مباغتة تخطرها بأن زوجها لن يعود أبدًا!

بينما كان الأب الأوكراني في طريقه للبحث عن حليب لابنته الرضيعة باغتته من حيث لا يعلم قذيفة قضت على حياته.