تدريجيًا تكتسب إسرائيل أرضية جديدة في مصر نتاج ما نتجاهله بعدم اهتمامنا بالأوضاع في إسرائيل سياسيًا وإستراتيجيًا واقتصاديًا، وتدريجيًا يُسطِّح تناولنا العلمي والأكاديمي ما يجري في الجانب الآخر من قضايا غاية في الخطورة، من دراسات وبحوث ورسائل علمية جادة عن مصر تتناول أغلبها رؤًى مستقبلية لسنوات طويلة، ولا أكاد ألمح في الجامعات المصرية الحالية أدنى اهتمامٍ في المقابل.
طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية

يتذكر جيدًا خطاب السادات في الكنيست الإسرائيلي، حيث يسمعه منذ أن كان صغيرًا في التلفاز وسط تجمع الأهل لمشاهده فيلم «أيام السادات»، في السادس من أكتوبر من كل عام، بعدما تذيع القنوات أغاني الانتصار الأكبر لتزعزع سكون هزيمة الحاضر.

ينهي طالب العلوم السياسية في مصر أربع سنوات من الدراسة بالجامعة ويتخرج وهو لا يفقه شيئًا – سوى المعلومات السطحية التي لا تفيد ولا تزيد من معلوماته السابقة وما شاهده منذ صغره من أفلام – عن دولة إسرائيل، فقط انتصار الجيش المصري على العدو الإسرائيلي في السادس من أكتوبر عام 1973، وعبور خط بارليف واتفاقية السلام بين الدولتين. كما أن معرفته بالقضية الفلسطينية لم تنء عن جهله بإسرائيل، حيث المعلومات التاريخية السطحية فيما يخص حرب 1948، وبعض الأساطير الدينية، بالإضافة إلى الكوفية ذات اللون الأبيض في الأسود.


فقر الدراسات الإسرائيلية

ظهرت دراسات المناطق في أمريكا من بعد الحرب العالمية الثانية، ليتمكن طلابها من دراسة مناطق المستعمرات دراسة متخصصة تخدم المصالح الأمريكية

اهتمت أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية بما يعرف ب «دراسات المناطق»،ـ وهو ما تتهاون في أمره الجامعات في مصر. ولم يكن موقف أمريكا وليد الصدفة أو التجربة العشوائية، بل ليتمكن طلابها من دراسة مناطق المستعمرات دراسة متخصصة تخدم المصالح الأمريكية، وتساعدها على فهم هذة المناطق لتستطيع التعامل معها بشكل سليم.

ومن ضمن دراسات المناطق ظهرت مدرسة كاملة عن «دراسات الشرق الأوسط» والتي تحتل مدرسة فكرية أساسية في العلوم السياسية الأمريكية، مما يساعد السياسة الأمريكية على فهم الشرق الأوسط ودراسته بدقه.

بينما لم تختبر من قبل الجامعات المصرية تلك النوعية من الدراسات بالرغم من ثراء مضمونها، حيث تمثل بذورًا حية لعقل الطالب الخصب. فالأوضاع العامة والأحداث الجارية تفرض مساحة من الاهتمام الإسرائيلي لدى شباب المستقبل، مما يشكل له حالة من الفضول تحمسه لمعرفة عدوه الأساسي الذي يبعُد عنها بضعة كيلومترات.

ولكن الجامعات المصرية لا تعرف سوى بعض الدراسات التي تتناول وتتابع مسارات قضايا عامة، فلا يوجد تخصص محدد أو برامج شاملة للاقتراب الإسرائيلي، وهذه الدراسات إن وُجدت تكون محدودة وفردية.

فلا يوجد بكليات الاقتصاد والعلوم السياسية في مصر – سواءً الكليات التي تتبع الجامعات الحكومية أو الخاصة – دراسات إسرائيلية متخصصة، وبالرغم من أهمية الموضوع إلا أن الدراسات الإسرائيلية في الجامعات المصرية لا تليق بهذة الأهمية.


بداية إسرائيل

يدرس طلاب العلوم السياسية في معظم الجامعات مقررًا واحدًا فقط بالنسبة لإسرائيل عن «الصراع العربي الإسرائيلي»، وفي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، هو مقرر اختياري بالعام الرابع يفاضل الطالب بينه وبين مقرري «السياسة الخارجية المقارنة» و«تجارب التكامل الإقليمي في العالم المعاصر»، وهي أول كلية خاصة بالعلوم السياسية والتي تم إنشاؤها في 1960 ومن المفترض أنها قائد لكل كليات العلوم السياسية حديثة النشأة بالجامعات الحكومية.

مع بداية نشأة الكلية كان كل ما يدرسه الطلاب عن إسرائيل هو جزء من مقرر الرأى العام والإعلام؛ من خلال تناوله لموضوع الدعاية الصهيونية

ظهر المقرر لأول مرة في العام الدراسي 2008/2009، وكان من قبل لا يوجد ما يدرسه الطلاب عن هذا الصراع أو عن الكيان الإسرائيلي سوى بعض المعلومات المقترنة بموضوعات أخرى في مقررات مختلفة، حيث أنه مع بداية نشأة الكلية كان كل ما يدرسه الطلاب عن إسرائيل هو جزء من مقرر الرأي العام والإعلام؛ من خلال تناوله لموضوع الدعاية الصهيونية ويتم من خلاله تناول بعض القضايا المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي. كما ذكرت مقررات «السياسة الدولية بالشرق الأوسط» و«النظم السياسية العربية» بعض الأشياء عن الصراع ولكن ليس بشكل مركز أو مختصٍّ.

وعلى صعيد طلاب «الدراسات العليا» فلم يتم فرض مقرر «الصراع العربي الإسرائيلي» سوى من خمس سنوات مضت، بالعام الدراسي 2009/2010، ليكون ضمن المقررات الاختيارية في الفصل الدراسي الثاني.

أما على مستوى الدبلومات تم استحداث دبلوم جديد تحت مسمى «دبلوم الدراسات الإسرائيلية» في العام الدراسي ذاته، وتوقف لمدة ثلاث سنوات ثم عاد طرحه من جديد من ضمن دبلومات كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة للعام الدراسي 2015/2016.


المشهد الإسرائيلي بالجامعات المصرية

تكتمل الصورة بغض النظر عن جامعة القاهرة، حيث نجد أن باقي كليات وأقسام العلوم السياسية حديثة النشأة في الجامعات الحكومية لا تمثل وضعًا أبهى، حيث تتبنى مقرر «الصراع العربي الإسرائيلي» كممثل لإسرائيل. إلا أن حقيقة المجتمع الإسرائيلي أعقد مما تعرفه الجامعات، فتتهاون وتهمل التفاصيل الخاصة والوضع الداخلي الاقتصادي والسياسي والثقافي لعدو وطنها الأول.

يتطرق مقرر «الصراع العربي الإسرائيلي» إلى مفاهيم ونظريات الصراع والأزمات الدولية وكيفية إدارتهما مع التأكيد على خصوصية الصراع العربي-الإسرائيلي.

ويتطرق مقرر الصراع إلى مفاهيم ونظريات الأزمات الدولية والصراع، وكيفية إدارتهما مع التأكيد على خصوصية الصراع العربي الإسرائيلي، ثم يتم التركيز على نشأة الحركة الصهيونية والجذور التاريخية للصراع العربي الإسرائيلي وتطوره وأسبابه وأبعاده. بالإضافة مناقشة موضوع التسوية والسلام بين العرب وإسرائيل، مع الاهتمام بدراسة عملية التفاوض.

هذا إلى جانب دراسة مسارات معينة مثل المسار السوري الإسرائيلي، المسار اللبناني الإسرائيلي والقضية الفلسطينة، وينتهى المقرر بالتعرف على السيناريوهات المستقبلية لهذا الصراع ولعملية التسوية.

ويعتبر دكتور محمد سلمان، أستاذ مقرر الصراع العربي الإسرائيلي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الاهتمام بالدراسات الإسرائيلية في الجامعات المصرية محدود جدا وناقص، وأنه من غير المنطقي أن تكون مادة مثل الصراع العربي الإسرائيلي – وهي المادة الوحيدة المختصة بشكل واضح بالقضية العربية الإسرائيلية – اختيارية، وأن يتخرج بعض الطلاب دون دراستها.

كما يعبر عن استيائه من الاهتمام المحدود بالدراسات الإسرائيلية مقارنة بإهتمام الإسرائيلين بدراسات الشرق الأوسط، حيث يفتخرون دائما بمعرفتهم العميقة للشرق الأوسط قائلين: «لقد فلينا القملة في دراسات الشرق الأوسط».


الجامعات الخاصة منقسمة

بينما تنقسم الجامعات الخاصة إلى نوعين: جامعات تسير على خطى الجامعات الحكومية (مثل الجامعة البريطانية)، من حيث الاهتمام المحدود بالدراسات إسرائيلية، ودراسة الطالب لمقرر عن الصراع العربي الإسرائيلي.

وهناك نوع آخر وهو الذي يتبع النظام الأمريكي حيث أن بأمريكا مدرسة متخصصة ب «دراسات الشرق الأوسط»؛ وهي مدرسة كاملة تدرس وضع الشرق الأوسط بشكل متعمق وكل ما يخصه. وباعتبار إسرائيل جزءًا من الشرق الأوسط فيكون الاهتمام بها على نفس القدر من الاهتمام بباقي دول المنطقة، والتركيز القضايا التي تخص الشرق الأوسط بشكل عام.

وتتمثل تلك الصورة واضحة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، حيث يوجد بها تخصص «سياسات الشرق الوسط»، من ضمن أربع تخصصات للعلوم السياسية بالجامعة، ولكن لا يوجد ما يسمى ب «الدراسات الإسرائيلية» بطبيعة الحال.


إسرائيل من الداخل مفقودة

تهتم الجامعة الأمريكية بالقاهرة بإسرائيل باعتبارها جزءًا من المنطقة الأوسطية من خلال إتاحتها لتخصص «سياسات الشرق الوسط».

وتواجه مدرسة العلوم السياسية المصرية فقرًا حادًا أيضًا لدراسات المناطق على مستوى مراكز الأبحاث التابعة للجامعات. فلم يقتصر الأمر على بداية الطالب الأكاديمية، حيث أن استكمال مسيرته أيضا يتضمن جهلًا واضحًا بشأن معظم سياسات مصر تجاه إسرائيل.

تواجه مدرسة العلوم السياسية المصرية فقرًا حادًا في الدراسات الإسرائيلية على مستوى المقررات الدراسية ومراكز الأبحاث التابعة للجامعات.

حيث لا يوجد سوى مركز «الدراسات الإسرائيلية» التابع لجامعة الزقازيق والذي تم إنشاؤه عام 2007. كما أنه لا يوجد فعاليات بحثية أو مؤتمرات تختص بهذا الموضوع، والجدير بالذكر أن مركز الدراسات السياسية بجامعة القاهرة نظم، في عام 2003، مؤتمرًا بعنوان «إسرائيل من الداخل: خريطة الواقع وسيناريوهات المستقبل». وبالرغم من الجهود الفريدة التي بُذلت ليكون هذا المؤتمر نواة لتجديد الاهتمام بالدراسات الإسرائيلية، إلا أن مؤتمرًا مثل هذا لم يتكرر وبقي وضع الدراسات الإسرائيلية كما هو.

فالحديث الدائم عن مدى خطورة الكيان الإسرائيلي على الوطن العربي وضرورة محاربته أو التخلص منه منذ أن بدأ الصراع مع الصهيونية ثم مع إسرائيل، يجعلنا نتساءل عن ماهية الخطوات التي اُتخذت لمواجهة هذا الصراع المصيري الذي انتقلت إدارته من الوسائل العسكرية إلى السياسية؟

ففي مطلع الستينيات حازت الدراسات الإسرائيلية على اهتمام بالغ في ساحة الدراسات المصرية، ولكن ما الذي استطاعت أن تنجزه من معرفة عن العدو؟ فمن المؤكد أننا في مواجهة هذا الخطر لا يمكن أن نعتمد فقط على دراسة الداخل والخارج العربي، ولكن يتحتم علينا دراسة الداخل الإسرائيلي بعين مراقبة وعقل متيقظ.

المراجع
  1. إسرائيل الجديدة.. مجهولة في جدول أعمال مصر
  2. ماذا بعد انهيار عملية التسوية السلمية؟
  3. دكتور محمد سلمان، أستاذ مقرر الصراع العربي الإسرائيلي